من وثائق الحركة الماركسية اللينينية المغربية :الوضع في المغرب ومهمة الثوريين / الحلقات الشيوعية الثورية (المغرب)


يوغرتن الباعمراني
2009 / 2 / 19 - 08:25     

الوضع في المغرب ومهمة الثوريين
الحلقات الشيوعية الثورية (المغرب)


I


تستمر السمات التي ميزت الصراع الطبقي بالمغرب منذ ما يزيد عن عشر سنوات في اتخاذ أشكال متزايدة الحدة : فهجوم البرجوازية متواصل بنجاح يثير اعجاب شقيقاتها بالمنطقة، وعجزالحركة العمالية ومجمل الجماهير الشعبية عن الدفاع عما تبقى من شروط حياتها البائسة يستديم من جراء سياسة الإصلاحيين المتداخلة بل والمتواطئة، وانعدام أي قطب ثوري ولو بشكله الجنيني.

إن وضعية كهذه، مطبوعة بالإحباط واليأس، تترك مجالا واسعا لغوغائية الجماعات السلفية وتيسر لها إمكانية النمو وجذب الجماهير المسحوقة والمقهورة في اتجاه افاق مسدودة، وبالتالي تجعل المنتسبين، من موقع ماركسي، لقضية الشغيلة مدعوين لمراجعة وتقويم التجربة المتعثرة باذيال الخيبة للسير نحو الاضطلاع بدورهم في بناء الطليعة الشيوعية الثورية.

الجماهير الشعبية بين ناري الإفقار والقمع

1-الهجوم البرجوازي على مقومات وجود الجماهير الشعبية

من جراء تمادي القصر والبرجوازية الملتفة حوله قي تحميل أعباء الأزمة الاقتصادية وثقل الديون للجماهير الشعبية، سارت الأوضاع المعيشية لهذه الأخيرة نحو حالة من البؤس الفظيع لم يشهد نظيرا طيلة العقدين اللذين عقبا إرساء سيطرة الاستعمار الجديد في نهاية الخمسينات. فمنذ بداية الانحسار الاقتصادي لسنة 1977 والشروع في تطبيق سياسة التقشف عبر مخطط 1978-1980، وتفاقم مشكلة الديون، تصاعدت وثائر إفقار الكادحين عبر الرفع المتواصل لأسعار مواد الاستهلاك الأساسية وللضرائب وعبر التضخيم المتزايد لجيش العاطلين والإجهاز على عدد من المكتسبات في ميدان الخدمات الاجتماعية. وكان من مستتبعات تسارع هذه الصيرورة أن بلغ عدد الموجودين تحت عتبة الفقر المطلق، حسب المؤسسات المالية الإمبريالية نفسها، سبعة ملايين، أي %40 من السكان سنة 1979، وقفز سنة 1983 إلى 9 ملايين.

واعتبارا لكون صيرورة الإفقار هذه قد شهدت حفزا قويا ابتداء من صيف 1983 بالذات ، اثر الخضوع الكلي لتوجيهات صندوق النقد الدولي، فان دائرة الجماهير ضحية البؤس اتسعت لتستوعب أقساما هامة من الشرائح الدنيا للبرجوازية الصغيرة. وقد تجلت صيرورة الإفقار هذه كتركيب لثلاثة عناصر:

ا- تجميد الأجور ورفع الأسعار والضرائب: فطيلة عقدين ونصف (1961-1985) لم ترتفع الأجور في حدها الأدنى إلا بحوالي 400 بالمائة في حين ارتفعت الاسعارب 500 إلى 600 بالمئة في فترة اقل بكثير : من 1970 إلى 1975. كما يتجلى تسارع الارتفاع الذي ميز السنوات الأخيرة في كون الأسعار زادت 60بالمئة بين 1981 و 1986، وفي الزيادات المتلاحقة مذاك وآخرها في يونيو 1989 التي مست ثلاث من المواد الأساسية ثم في شهر أغسطس. كما تستند حمى الأسعار إلى التقليص المستمر لاعتمادات صندوق دعم المواد الأساسية، إذ توالت التخفيضات سنة بعد الأخرى لتبلغ في مجملها تخفيضا بنسبة 75 بالمائة مقارنة مع 1986 وهذا في أفق الإلغاء النهائي والكلي لهذا الدعم في السنة المقبلة.

ويتضح مدى الاستنزاف الذي يلحق بالقدرة الشرائية للجماهير الشعبية عند اعتبار الحد الأدنى للأجور لا يغطي المتطلبات الأدنى للمعيشة إلا بنسبة تقل عن 50 بالمائة، علما أن اغلب المنشات تدفع أجورا دون الحد الأدنى (1). هذا فضلا عن كون السلم المتحرك، الذي اقر سنة 1959 ، لم يتم العمل به إلا مرة واحدة سنة1962 والغي عمليا إلى يومنا هذا. كما تتمثل إحدى الضربات الموجهة للكادحين بالضرائب التي تقضم أجور البؤس : فالضريبة على الأجور تشكل 36بالمئة من مجموع مدا خيل الجباية المباشرة. ووفق ميزانية السنة الحالية، سيرتفع مردود الضريبة على المرتبات والأجور بنسبة 40 بالمائة.

بناء على كل هذا، ترى الأوساط النقابية أن تعويض الشغيلة عن الضرر الناتج عن الارتفاع الدائم للأسعار وتجميد الأجور يستلزم زيادة في الأجور والتعويضات لا تقل عن %400.

ب- تنامي البطالة ونقص الاستخدام: تشير الإحصاءات الرسمية إلى نسبة 19بالمئة من العاطلين ضمن السكان العاملين وهي تخفي حقيقة الأمر من خلال المقاييس المتعمدة إذ أن 20بالمئة من التشغيل الإجمالي ما هو إلا بطالة مقنعة. ولقياس مدى هول المشكل، يجب إلى أن 500 ألف فرد يلتحقون سنويا بسوق قوة العمل في حين يزداد تخلي الدولة عن التشغيل حيث لم يتجاوز المستخدمون الجدد من طرف مختلف مصالح الدولة سنة 1989 نسبة 25 بالمائة مما كان 1983. وهكذا فان ميزانية 1989 لن تستوعب اكثر من 5 بالمائة من اليد العاملة بالغة سن العمل(2). أما القطاع الخاص، فمختلف فروع نشاطه لم تحدث سوى 250الف منصب شغل قار...منذ "الاستقلال" (1956)!

أصبحت البطالة كارثة تصيب أعدادا متزايدة كل سنة، تقدرهم نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ب 305 ملايين عاطل سنة 1988 سيبلغون 404 ملايين سنة 1992(3).

ج-الإجهاز على المكتسبات الطفيفة في ميدان الخدمات الاجتماعية : تجسدت سياسة التقشف عبر شن هجوم عارم استهدف الخدمات الاجتماعية الموجهة لاوسع الجماهير الشعبية. ففي مجال الخدمات الصحية بدا الانقضاض على مكتسبات لم تكن أصلا لتلبي حاجيات الجماهير المتنامية، إذ تراجعت مخصصات الدولة للصحة ب42 بالمائة منذ1983 بموازاة ارتفاع فاحش لاثمان الأدوية وسعي تدريجي لالغاء مجانية العلاج بالمستشفيات العمومية(4).

كما احتدت معاناة الجماهير من حيث شروط السكن وهو ما ينطق به الاتساع الهائل لأحياء الصفيح (التنك)، إذ يقطن هذه الأحياء 500 ألف نسمة بالدار البيضاء من اصل ثلاثة ملايين من السكان . وفي فاس بلغت نسبة سكان التنك 25 بالمائة وتصل إلى 33 بالمئة بمدينة المحمدية.

أما التعليم فقد تم تخفيض الإنفاق الخاص به ب 25بالمئة منذ 1983 وتم "إصلاحه" لتدعيم طابعه النخبوي وأطلق العنان للمؤسسات الخاصة فاصبح التعليم مجالا للتوظيف الرأسمالي.

إن ما ستؤول إليه أوضاع الكادحين من جراء ضرب الشروط الدنيا لوجودهم افظع بكثير. فالأزمة الاقتصادية التي كانت خلف تصاعد الهجوم البرجوازي لم تبرح تتعمق رغم تحول الظروف وانتفاء الذرائع المحلية منها والعالمية : فالجفاف وقلة تساقط المطر وليا، والمؤثرات الخارجية كذلك خف ضغطها (سعر البترول، سعر الدولار، معدل الفائدة). فمعدل النمو السنوي طيلة الأعوام الخمسة لم يتجاوز 4 بالمائة إلا في السنوات التي شهدت محاصيل زراعية استثنائية. كما أن الديون التي كانت اصل تشديد التقشف و تسريع الإفقار، قفزت من 1105مليار دولار سنة 1982 إلى 22مليار سنة 1988، أي 13204بالمئة من الناتج الداخلي الخام (المحلي الاجمالي). لدى يبقى إيقاف الإفقار رهنا بارتقاء ردود فعل الجماهير المعبرة عن الغضب واليأس إلى فعل منظم وموجه، عبر تدعيم أدواتها النضالية وهو ما تعمل البرجوازية للحيلولة دونه بتقوية جهازها القمعي وخنق كافة الحريات السياسية والنقابية.


2- تدعيم ركائز السلطة المطلقة وتغييب الحريات

في ظل دستور يكرس حكم الملكية المطلق ومؤسسات- برلمان ومجالس محلية - شكلية أرسيت وفق أهواء الملك وبمباركة حاشيته من قادة الأحزاب المعارضة (برجوازية أو"اشتراكية إصلاحية")، يتم احكام الاغلال الموروثة عن قرون الاستبداد الاتوقراطي وعقود السيطرة الامبريالية. فالحريات منعدمة عمليا إذ أن النذر اليسير المسموح به يفرغ من محتواه بألف وسيلة لتحصر وظيفته في مجرد برنيق لنظام لا يخفى طابعه القروسطي :

- فالتظاهر جريمة وحق ممارسته مصادر بشكل منهجي وكل الاحتجاجات الشعبية يتم إغراقها في الدماء (1965-1981-1984). وحتى طلبات الترخيص بالتظاهر التي تتقدم بها الأحزاب الشرعية والنقابات ترفض بتاتا كما كان الشان في أبريل 1986 في مدن وجدة - أسفي - تطوان، إذ منعت المظاهرات التضامنية مع الجماهير الليبية اتر العدوان الامبريالي. كما منعت المسيرات العمالية لفاتح مايو مرات عديدة في مدن عدة.

- التجمعات العمومية ممنوعة عمليا و آخر نموذج كان عدم الترخيص لتجمعات وانشطة تضامنية مع الانتفاضة الفلسطينية السنة الماضية.
- تدخل قوات القمع ضد الإضرابات العمالية والطلابية وكافة أشكال الاحتجاج كمواجهة البوليس العنيفة لمسيرة مئات العمال بمدينة أسفي، متذمرين من رفع اسعار مواد الاستهلاك في اواخر 1985، وكذا ما شهدته المدن الجامعية بوجدة وفاس، العام الماضي، من مواجهة قوات القمع، بكل ما أوتيت من قوة، للطلبة المتظاهرين تضامنا مع الانتفاضة، والتي أسفرت عن موت طالبة وطالب. كما طبعت السنة الجارية بالمواجهات العنيفة ومحاكمات عديدة للطلبة اثر النهوض المطلبي الفريد منذ المنع العملي لنقابة الطلاب في بداية هذا العقد.

- التنكيل المستمر بجماهير مدن الصفيح في كل جهات البلاد، مثل ما شهدته "الدار الحمراء" (حزام فقر غير بعيد عن العاصمة يضم 17 ألف ساكن). إذ تجمع السكان وتظاهروا رافضين ترحيلهم فووجهوا بكثافة قمعية كثيفة حولت الحزام إلى معسكر اعتقال جماهيري.

- التضييق على حق ممارسة العمل النقابي، باستعمال كل ما يفرغه من محتواه: إغلاق النوادي النقابية في عدد من الجهات (استمر مقر الاتحاد المغربي للشغل باليوسفية - أحد أهم مركزين لاستخراج الفوسفات - مغلقا طيلة 3 سنوات ونصف) - إحراق مقر الكونفدرالية بجرادة في أبريل 1987- طرد المناضلين النقابيين أوتنقيلهم إلى مراكز عمل نائية وغيرها من الإجراءات الزجرية ومحاكمتهم بتهم ملفقة (عمال بيرلي ثم منجميوا جرادة مؤخرا).

- الحظر العملي لنقابة "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" وعسكرة الجامعة بإدخال "الحرس الجامعي".

- المنع الفعلي لكل عمل سياسي بالقرى: ويشكل هذا إحدى ثوابت سياسة النظام الملكي منذ إعادة إرسائه، إذ يضرب بشدة كل من يتجرا على مخالفة القاعدة. واخر نموذج كان منع كل نشاط للاتحاد الاشتراكي بقرى إقليم الجديدة وكذا ما شهده إقليم سطات (محاكمة شاب من الاتحاد الاشتراكي بعد تعذيبه وحشيا لمجرد نشره مقالا في صحافة الحزب).

- إلغاء كل حرية في التعبير، فالصحف والمجلات تحت رقابة دائمة ومهددة باستمرار بالمنع وهو المصير الذي انتهى إليه عدد منها مؤخرا ("لاماليف"-"كلمة"-"المسار"). والى جانب سياسة الترهيب يلجا النظام إلى الترغيب، إذ قرر الملك في نهاية 1986تخصيص دعم مالي سنوي للصحافة والأحزاب والنقابات يصل إلى 20 مليون درهم "لتتمكن من أداء دورها المنصوص عليه في الدستور".

- شن حملات اعتقال دورية منتظمة ضد مناضلي اليسار بمختلف مشاربه، علاوة على حملات الاعتقال الواسعة بواسطة الدوريات وتجميع مئات المواطنين لتصنيفهم وفرزهم، واللجوء لاحتجاز رهائن لإجبار المطلوبين على تسليم أنفسهم، إضافة إلى استمرار اعتقال مواطنين انهوا مدة الحبس وكذا عدد من المختطفين مجهولي المصير.

في ظل هذه الشروط وبضغط من حالة التردي التي بلغتها الأوضاع المعيشية تعبر الجماهير الشعبية عن استيائها إما من خلال الانفجارات العفوية أو عبر النضال المطلبي للحركة العمالية. أما سياسيا فإنها تظل، أمام المهزلة الديموقراطية للملك واتباعه، للمحافظة على موقف اللامبالاة.


2- الحركة العمالية : الشلل من الداخل

1- سياق الانفجارات الشعبية

كانت نضالات عام 1978-1981(إضرابات في الصناعة والمناجم ومستخدمي الدولة في التعليم والصحة) بداية الرد الجماهيري على الهجوم البرجوازي. وقد تكاملت أدوار القمع الملكي والكبح الذي تمارسه الإصلاحية والقيادات البيروقراطية لضمان هزمها.وطويت هذه المرحلة بالإضراب العام لصيف 1981، الذي دعت إليه النقابات لفرض التراجع عن رفع أسعار مواد الاستهلاك الأساسية، والذي اقتحمت فيه الميدان الجماهير ما دون البروليتارية، اذ انفجر الاستياء عنفا تصدى لرموز الغنى والسلطة وتلته حملة اعتقالات بلغت من الاتساع ان شملت المناضلين النقابيين وقواعد الأحزاب الإصلاحية، ثم أفضت إلى شل وبعده تفكيك الأدوات النضالية للجماهير الكادحة من نقابات ومنظمات. وهذا ما يفسر تصاعد الهجوم البرجوازي في سنوات ما بين 1981-1984، إذ توازت سيرورتا الإفقار والقمع فتشظى الغيظ الشعبي ثانية في يناير 1984 واتسم كسابقه في 1981 بتلقائيته حيث طفح بدون أشكال التنظيم والتنسيق، وان اتسع ليشمل عددا من المناطق (بخلاف 81 حيث كان حصرا على "البيضاء"). فانه، نوعيا، امتدادا للسابق كتعبير عن حالة اليأس والإحباط التي آلت إليها الجماهير الكادحة من جراء إخفاق نضالات نهاية السبعينات واستمرار الأزمة الاقتصادية مع العجز الكلي عن رد أو وقف الهجوم البرجوازي.

2- اليد الطليقة للانتهازية في الساحة النقابية

إن الدلالة الجوهرية لتلك الأحداث تكمن في كونها أبانت الإفلاس التام للقطب المفترض فيه تنوير وإنهاض وتوحيد صفوف الجماهير الشعبية متأرجحة بين فوران الغضب حيث يفش الغل ليس إلا ووضعها كفريسة للقيادات الانتهازية والبيروقراطية الساعية دوما لإفساد وعيها وإخماد نضالاتها.

إن إخلاء الساحة النقابية من لدن الثوريين يسر وظيفة خدام البرجوازية في صفوف العمال وحال دون تبلور نقابة ثورية تشد أزر الحركة العمالية للتمكن من مجابهة هجمات الرأسماليين ودولتهم. فبقي المجال فسيحا أمام وكلاء العدو الطبقي للمماطلة وتجزئة النضالات سيرا في اتجاه إخمادها.وهذا ما يكشف عنه مسار الحركة العمالية المغربية غبر العقدين الأخيرين وتأكد خلال السنوات القليلة الماضية.

ففي صيف 1985 اضرب عمال مناجم جرادة، شرق البلاد، شهرا كاملا أنجزت فيه بيروقراطية ك.د.ش دورها كاملا في إضعاف وكبح نضالية العمال وفك تعبئتهم. فحسب الكاتب العام للنقابة نفسه "تقديرا للظرف الوطني كان موقف المسؤولية بعدم تصعيد التوتر". والموقف المسؤول هذا كان إنهاء معركة دامت شهرا دون نتيجة تذكر سوى الإحباط وانهيار معنويات العمال وتصعيد التوتر من قبل البرجوازية. كذلك شان إضرابات عمال مناجم الفوسفات في بدا ية1986 حيث خاض 6 آلاف عامل إضرابا بمناجم اليوسفية لمدة خمسة أسابيع، شكل أهم حركة مطلبية بهذا القطاع منذ 1978(5).

خلال هذه الإضرابات، أبانت القيادات النقابية المرتبطة بالقوى الإصلاحية عن إصرارها على تشتيت الصفوف العمالية والحد من تعبئتها وكفا حيتها، إذ عمدت ك.د.ش. إلى المماطلة بدل الدعوة إلى الإضراب في مناجم خريبكة حيث تؤطر فئات واسعة من عمال الفوسفات واكتفت بإعلان يوم إضراب واحد استأنف العمل بعده دون تحقيق أي مطلب(6). في حين استمر إضراب اليوسفية، بتاطير من الاتحاد المغربي للشغل، في عزلة تامة شهرا آخر عاد العمال إثره إلى المناجم خائرين وخائبين.

أما النضالات في قطاع الصناعات التحويلية فاكتست طابعا دفاعيا صرفا أمام الهجوم البرجوازي على قدرة العمال الشرائية وحملة التسريح(7) وتخفيض ساعات العمل، إذ تمحورت المطالب حول رفع الأجور وضمان الحريات وتطبيق تشريعات الشغل. وقد عانت النضالات من التشتت وانعدام وحدة نقابية والأثر السلبي لتضخم جيش العاطلين.

وفي السنة الماضية عززت البيروقراطية النقابية تاريخها العريق في خيانة ابسط مصالح المأجورين، إذ عملت داخل نقابة المدرسين ك.د.ش.، بأساليب الإمهال بدل الحشد، على إجهاض حركة مطلبية تعني 200 ألف مستخدم، كانت على أهبة الانطلاق اثر ما بلغته أوضاع المدرسين من انهيار للقدرة الشرائية وتكثيف للاستغلال. فقد بقي ملفهم المطلبي عالقا منذ 1981 واثقل كاهلهم بساعات عمل إضافية دون مقابل، منذ 1985، يطلب شخصي من الملك "مساهمة منهم في التضامن الوطني"، مما وفر على الدولة جهد تشغيل 21700 مدرس جديد (في حين يوجد 40الف عاطل من ذوي الشهادات الجامعية). وبعد سنوات من الموعود الملكية بتحسين أوضاعهم واكتفاء القيادة النقابية بالمطالبة بما سبق أن التزمت به الحكومة سنة1985، رضيت القيادة تلك بمهزلة "الحوار" الذي امتد شهرين إلى أن وضعت له الوزارة حدا متمسكة بموقفها(8). فلم يبق لقيادة النقابة إلا التباكي لكون الحكومة تصرفت "خلافا لتعليمات جلالة الملك".

وفي بداية السنة الجارية لم يتوج بالنصر إضراب 7 آلاف عامل طيلة شهرين، بمناجم جرادة، سوى لكون حركتهم تجاوزت كل القنوات التي سعت قيادة ك.د.ش. لحصرها فيها. فمنذ انطلاقها كانت تعليمات البيروقراطية تقضي "بتجنب انزلاق الإضراب إلى إضراب لامحدود" وهو ما تغاضى عنه العمال، الذين سبق أن خدعتهم البيروقراطية سنة 1985، فشرعوا تلقائيا في حركة اعتصام بالمئات داخل المناج م ومددوا الاضراب متجاوزين اجهزة النقابة التي اضطرت للحاق بالركب حفاظا على ما أمكن من مصداقية(9).

وهذا الزخم النضالي لمنجمي جرادة، الذي جعل حركتهم استثناء، يجد تفسيره في :

1- شروط الاستغلال القاسية للغاية : 12 الى 16 ساعة عمل من الأشغال الشاقة بأجور لا تغني من جوع.

2- أغلبية العمال الساحقة شباب حديث العهد بالنقابة ( بدءا من1985).

3- سعة جهاز القرار النقابي (مجلس من 100 عامل) سهلت إيصال ضغط القاعدة الواسعة. 4- مناصرة ودعم الأسر للإضراب من خلال مظاهرات النساء وشباب المدارس رغم شدة عنف مجابهتهم من قبل قوات القمع.

إن انفلات هذه الحركة المطلبية وانتصارها أبان من جديد الدور المدمر الذي يضطلع به الاصلاحيون عبر هيمنتهم داخل الادوات النضالية للجماهير. وقد كانت معركة عمال "لاسمير" في أوساط السنة الجارية مناسبة جديدة لبروز خطورة هذا الدور: فمطالب عمال "لاسمير" كانت مطروحة منذ بداية 1986التي اجل فيها الاضراب "مراعاة لمصلحة البلاد العليا" (حسب ك.د.ش.). ثم اندلع الإضراب في الأسبوع الثالث من أبريل 1989 ليمتد شهرا كاملا أنهته القيادة العليا لك.د.ش. بعد "التزام الحكومة بحل مشاكل العمال "وكأن حكومات الملك لم تلتزم بذلك منذ "فجر الاستقلال"(10).

هكذا نرى إذن أن نضالات الشغيلة أضحت سلسلة اجهاضات متتالية. فما سر الأمر؟ انه في كون قسم هام من الحركة النقابية أضحت، بالدرجة الأولى، قناة لتمرير سياسة وفاق طبقي، لا بل استسلام تام و خضوع للنظام، ينهجها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خاصة بعد منعطف 1981.


3-الاتحاد الاشتراكي :
ضامن السلم الاجتماعي وهيأة استشارية للملك

إلى جانب اثر انتكاس النضالات السابقة وضغط جيش العاطلين الاحتياطي، يكمن خلف انحسار نضالات الشغيلة وإجهاضها عامل اساسي يتجسد في كون الاتحادالاشتراكي المهيمن على قسم هام من العمال عبر نقابة ك.د.ش.يسهر على "أن تحافظ الطبقة العاملة على تراص الجبهة الداخلية انطلاقا من موقف وطني وروح المسؤولية لضمان ما تطمح إليه الأمة من تضامن لمواجهة التحديات التي تحاول النيل من وحدة التراب الوطني" (حسب اليازغي، رأس حربة قيادة الحزب). يمارس هذا الحزب إذن سياسة وفاق طبقي وفق أعرق التقاليد الانتهازية مواظبا، منذ تأسيسه سنة 1975، على حقن العمال بسموم الإيديولوجية البرجوازية، بل اجتهد في خدماته فارتقى، في سعيه لتدجين العمال، إلى إسداء النصح مباشرة للرأسماليين ودعوة العمال لتحمل أعباء الصعوبات الإقتصادية.

وتكمن الخدمات التي هيأت هذا الحزب لدوره الراهن في كونه مارس طيلة الفترة الممتدة بين 1975 و1981 تأثيرا واسعا في الساحة الجماهيرية لاستفادته من حرية عمل محروسة اثر انطلاق مبادرة النظام بعد 1974 لإمساك زمام المسألة الصحراوية. كما أن ضبابيته الفكرية سمحت باستمرار وجود مناضلين راديكاليين يرتكزون على الإرث الشعبوي للحزب وقد تم تطعيمه بقاموس متمركس في أواخر الستينات.

شكل الاتحاد الاشتراكي إذن مركز استقطاب عبرت من خلاله الجماهير عن استيائها ورفضها سياسة النظام وكانت تجليات هذا الاستقطاب : انخراطه بالنضالات المطلبية ابتداء1978ودفعه بتأسيس ك.د.ش.كمخرج مزعوم لمعضلة بيروقراطية داخل الاتحاد المغربي للشغل. وكذا دوره في إنشاء "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" وموقفه المهيمن داخل "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب". وإن كان دوره قبل 1981 يقتصر على تقنية النضالات ورسم حدود ضيقة لها فإنه، بعد هذا المنعطف، ارتد إلى مواقع دعم مباشر للنظام في سعيه لضبط الوضع شديد القابلية للانفجار.

وكان من شروط هذه السياسة، وفي ظل الظروف المستجدة، استئصال الجناح الراديكالي داخل الاتحاد الاشتراكي نفسه، وهو ما اجتهد التيار الانتهازي في تنفيذه، منذ أواخر1982، مستقو يا بأجهزة النظام البوليسية. وتوج في ماي 1983 بزج الراديكاليين في السجن.

مذاك انطلق دعاة الوفاق الطبقي، في صيغته المحلية، "الإجماع الوطني"، في سياسة تكامل الأدوار مع سلطة البرجوازية وهذا عبر :

آ- تخلي الاتحاد الاشتراكي عن المطالبة الخجولة"بتحويل الملكية من مطلقة إلى دستورية برلمانية" وقبوله تزوير الانتخابات ومشاركته في قسمة المقاعد التي أنجزها القصر(الناتج كانت معروفة من الجميع قبل الاقتراع)، علما بأنه سبق أن رفض قسمة مماثلة سنة 1977 وفضح المتورطين فيها كحزب الاستقلال وحزب علي يعته(حزب التقدم والاشتراكية).

ب- مشاركته في الحكومة المدعوة لتنفيذ السياسة الإمبريالية التي رسمها صندوق النقد الدولي، والتي أوكل إليها سحق انتفاضة الجماهير في الدماء سنة1984.

ج- ترسيخ أقوى لعصا"القضية الوطنية" في دواليب الصراع الطبقي من خلال الدعوة والعمل على"تدعيم الجبهة الداخلية"ب"الإجماع الوطني"حول العرش وهو موقف تدعم أكثر بعيد قبول الملك إجراء استفتاء في الصحراء.

د- موقف التواطؤ الذي يسلكه راهنا حيال اشتداد الهجوم على قوت ومكتسبات الجماهير، وهو ما أبان عنه بوضوح في مذكرته إلى القصر سنة1984.

إن النزعة الوطنية البرجوازية لقيادة "الاتحاد الاشتراكي" وإصلاحيته الخجولة، التي جعلته في البداية طرفا أساسيا في لعبة الملك الديموقراطية، حولتاه الى مجرد هيئة استشارية للقصر سائرة في الاندماج بأجهزة الدولة، ويد الملك الايسرى (و"اليسارية") في مواجهة استياء شعب مقهور. فسياسة الحزب القائمة على"وضع متطلبات الإجماع الوطني فوق أي اعتبار"سرعت انزلاقه نحو اليمين، وقد كشف صراعه ضد التيار النقدي بداخله عن رفض أي نضال حازم من اجل الديموقراطية.

وقد أنجز مؤتمر الاتحاد الأخير، في أبريل 1989، خطوة إضافية في مسار توضيح مضامين شعاراته "الاشتراكية - الديموقراطية"، التي ليست في جوهرها سوى ليبرالية باهتة في وجه سلطة ملكية مطلقة. فحسب المؤتمر: "الديموقراطية الاقتصادية ترتكز على احترام حرية الفاعلين الاقتصاديين في إطار قواعد لعبة اقتصادية قارة وواضحة وشفافة"، ثم"اقتصاد تنافسي وتعددي يسعى إلى تحقيق التقدم في مجتمع تضامني، تلك هي أسس الاشتراكية - الديموقراطية الحديثة...". كما عكس المؤتمر الجهد الدائم للحزب في الاضطلاع بوظيفة إنتاج إيديولوجية لنظام اوتوقراطي لا يرى الفعالية إلا في القوة، إذ انتقد المؤتمر اقتصار النظام على القمع ونادى بمنح أولوية للاحتواء الإيديولوجي(11).

إن موقع الاتحاد الاشتراكي، راهنا، داخل الحركة الجماهيرية يغلب عليه دور الفرامل ويساعده - بل يقتفي أثره - تنظيمان صغيران :

- حزب التقدم والاشتراكية، من أصول ستالينية وملكي حاليا اكثر مما هوستاليني. تأثيره الجماهيري محدود، لا يحف عن مغازلة الاتحاد الاشتراكي لاجل " وحدة اليسار".

- منظمة العمل الديموقراطي الشعبي، المتولدة عن انحطاط القسم الأهم من منظمة "23مارس" إلى مواقع إصلاحية و" قومجية ".

إن الهيمنة شبه المطلقة للاتحاد الاشتراكي في الساحة الجماهيرية يسرها المنحى الذي أخذته الحركة الماركسية - اللينينية منذ ظهورها، وكذا عجز التيار النقدي المنشق عن الاتحاد الاشتراكي عن الاستقلال بخط سياسي واضح واستجلاء استراتيجية خارج نسق الاتحاد.

3- الثوريون الماركسيون

يقف حاليا على يسار التشكيلات الإصلاحية تياران ينتسبان للماركسية كل على طريقته الخاصة: يسار الاتحاد الاشتراكي والماركسيون اللينينيون في اطار منظمة "الى الامام".

1- يسار الاتحاد الاشتراكي

بدأ هذا التيار في التبلور في صفوف الاتحاد الاشتراكي في سياق موجة النضالات الجماهيرية لفترة 1978-1981 التي دفعته للتجدر، مستندا إلى ارث وطني - شعبوي في الحزب. وقد تطور إلى مواقف وسطية، من خلال رفضه سياسة الوفاق الطبقي واللعبة الديموقراطية الممسوخة. إلا أن نظرته بقيت مختزلة في مسألة تكتيكية كالموقف من "المؤسسات المنتخبة" جعلها محورا رئيسيا لاهتمامه وصراعه ضد الانتهازية اليمينية في الاتحاد الاشتراكي.

وبعد فصله النهائي عن هذا الأخير، في1983، عانى من القمع وشهد تقلصا كبيرا(12) خاصة نتيجة السعي الدائم لقيادته لخنق أي نقاش وبحث عن آفاق مرحلية واستراتيجية. وفقط بعد 6سنوات من الجمود، الذي لا يكفي القمع لتبريره، عقد التيار اجتماع لجنته المركزية، في أبريل 1989، ليكرس سياسة الانتظار - بدل الحسم مسائل التوجيه السياسي والهوية النظرية للتمكن من المساهمة في اخراج الحركة الجماهيرية من السبل المسدودة التي زجتها فيها القيادات الإصلاحية والبيروقراطية. وهذه الانتظارية يتم تبريرها باشتراط استكمال هيكلة التيار و"قدر من التنظيم"، في حين أن التنظيم يلحق ولا يسبق تحديد المواقف من مجمل المسائل الاستراتيجية والتكتيكية. إن نهجا كهذا لن يزيد إلا تسريع تقلص التيار إلى جماعة تجتز ذكريات الماضي الشعبوي والمزايدات الكلامية الجوفاء على المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي.

2- الماركسيون اللينينيون

ا- السمات المكتسبة بعد 20 سنة :

بعد عقدين من ظهورها وبفعل أزمة مبكرة ومستديمة وبتأثير الضربات القاسية والدورية لأجهزة الملك القمعية، ما زالت الحركة الماركسية-اللينينية لم تتقدم في اتجاه تجسيد غاية وجودها، أي بناء حزب البروليتاريا الثوري، بما يتناسب مع عطاءات وتضحيات مناضليها الذين يقفون بإصرار ثوري في وجه طغيان الملكية وسعيها لإفناء رافضي نظامها الجاثم على الجماهير الشعبية ومن خلفه الإمبريالية. إن إدراك أسباب تعثر الحركة يستلزم فحص قاعدة انطلاقها النظرية ومستتبعات هذه على مستوى فهم ديالكتيك الصراع الطبقي والأشكال الخاصة لعملها كنخبة ثورية ضمن الجماهير. فاستراتيجيا ظلت الحركة أسيرة ترسيمات ستالينية موروثة عن الحزب الشيوعي المغربي سواء فيما يخص تصورها للثورة عبر مراحل (شعار الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية) أو موقفها من سلطة البيروقراطية في الدول العالمية، وكذا التخلي عن احد المبادئ الماركسية : المنظمة الاممية البروليتارية. فرغم انشقاق الحركة عن حزب علي يعته فإنها لم تنجز القطيعة النظرية اللازمة (13) مكتفية بإضافة طلاء ماوي باهت وشعارات "مسلحة". كما لازمتها منذ ظهورها، ميول قصوية معبرة عن عفوية الفئات الطلابية والتلاميذية ذات قابلية لتلقي أقصى الشعارات جذرية وذلك في سياق تضافر فيه الإفلاس الناجز لليسار التقليدي (الشعبوي والستاليني) وانبجاس ونمو التيار الماوي بالبلدان التابعة، اضافة الى موجة التجذر بالمنطقة العربية وما صاحبها من شعارات الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد...الخ.

هكذا كانت إذن مراجعة "اليسار الجديد" للترات الشعبوي والستاليني لا تتعدى إسقاط ساذج لشعارات مفصولة عن سياقها على واقع الصراع الطبقي محليا، والقفز فوق واقع الحركة العمالية والجماهيرية عموما ومدى تأهبها وعيا وتنظيما. فانتهى الأمر بالاقليات الثورية إلى التقوقع وغياب الجسور نحو الجماهير بالاقتصار على التبشير بالهدف النهائي بدل العمل لتطوير نضال ملموس بإمكانه وحده أن يوصل إلى كفاح من أجل الأهداف النهائية. فقد طرحت الحركة الماركسية-اللينينية مسألة العنف الثوري "الآن وهنا" دون أن تعير اهتماما لتعبئة الجماهير حول المطالب ذات الدينامية الانتقالية الكفيلة وحدها بالارتقاء بالوعي الجماهيري إلى ضرورة إطاحة سلطة البرجوازية.بل سارت في اتجاه مضاد، مستنكفة عن العمل في المنظمات العمالية بدعوى تبقرطها واصلاحيتها وتواطئها مع النظام. وبذلك أعطت مثالا لعدم فهم كلي للعمل الواجب، متوهمة بإمكانها بلوغ هدف لا يدرك إلا عبر كسب الجماهير بعد جهود كثيفة لا سبيل لتوفير عنائها(14).

ب - الأشكال الراهنة لوجود الحركة :

ينحصر هذا الوجود في وسطين: النقابية الطلابية من جهة، الجمعيات الثقافية والأندية السينمائية، من الجهة الأخرى. وقاسمهما المشترك هو يسر ممارسة التأثير داخلهما لطبيعة الفئات المكونة لهما، إن هناك انسياقا في منحى الجهد الأقل تعويضا لعمل مضني في صفوف العمال والجماهير عموما. فالعمل داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب مطبوع بنزعة طلابية ضيقة (لا تغير الألفاظ الراديكالية من طبيعتها شيئا)، تجعله ابعد ما يكون عن عمل ماركسي في صفوف الطلبة(15).

أما الجمعيات الثقافية فتشكل في مجملها امتدادا ل أ.و.ط.م. يواصل فيه قدماء المناضلين الطلبة اجترار الشعارات الجوفاء وماركسية لا تتعدى أوهامهم بشأن خوض "الصراع الطبقي على الجبهة الثقافية" و "بناء الثقافة الوطنية-الديموقراطية في مواجهة الثقافة الرجعية" (16).

إن أي تقويم يأخذ بالاعتبار أساليب العمل التي أضحت قاعدة بهذا الوسط لن يفوته كون التجربة تكررت ضمن حلقة مفرغة أهدرت فيها طاقات ثمينة دون تجاوز لا العزلة ولا الحيرة. وإجمالا ظلت أشكال تدخل الحركة جماهيريا محدودة ببيانات أو إعلان مبادئ عام يردد بين الفينة والأخرى بنفس العبارات الإنشائية المطاطة ذات المحتوى الهلامي والمفصول عن المستوى الملموس والفعلي لنضال الجماهير.

إن الموقف الحريص على مستقبل الحركة الثورية بالمغرب ينطلق من إقرار واقع الأمر وفهمه بدل ممارسة المدح الذاتي والتشنيع تجاه الإصلاحيين مع ترك الساحة الجماهيرية لهم يعيثون فيها فسادا. كما أن إحدى أوجه الحالة المؤسية التي بلغتها الحركة الماركسية-اللينينية، والذي يعوق تقدمها، يتجلى في المستوى السياسي والنظري مع الاكتفاء بألف باء ماركسية مبتذلة ومشوهة إلى جانب أوصاف سطحية متوالية حول "النظام اللاوطني اللاديموقراطي اللاشعبي" في مناخ استشرت فيه أنماط من السلوك والعادات تشكل في مجملها اوالية تخنق أية مبادرة متجهة لتوفير شروط الصراع النظري والسياسي، علاوة على كونها توفر أفضل الشروط لعمل البوليس السياسي.

إن تفكك الأوساط الماركسية ودرجة الخمج التي بلغتها يستلزم مراجعة شاملة لمنطلقاتها وأخطائها الطفولية لتجاوز المآزق الحالية والتوجه نحو بناء حزب شيوعي ثوري. وهكذا مراجعة غير ممكنة دون الاسترشاد بالتراث الأممي للماركسية الثورية والعمل في اتجاه الانخراط بالنضال اليومي للعمال وعموم المضطهدين، لتحسين أوضاعهم ولأجل الحريات الديموقراطية، من خلال نقل مركز الاهتمام إلى المنظمات الجماهيرية وأولها النقابات مع لزوم شعارات توافق ضرورة اللحظة. فالمطالب الآنية مفتاح كل حركة ثورية حقا.
فقدما نحو بناء القطب الشيوعي الثوري في الحركة الجماهيرية المغربية.

الحلقات الشيوعية الثورية - المغرب
(المطرقة العدد 7 - مايو89 / يناير 90)