الانتخابات- الصورية آلية من آليات الاحتلال والرجعية


احمد عبد الستار
2009 / 2 / 14 - 09:35     

الضجيج المدوي منذ عدة أسابيع مضت لحمى الانتخابات المحلية في أربعة عشر مدينة عراقية، لقوائم مختلفة من جماعات وأحزاب سياسية ومستقلين مهنيين أو رجال أعمال أو عشائر ..الخ، علمانيين كما يصرح معظمهم أو تابعين للإسلام السياسي بشكل مباشر والذي يعنينا هنا هي لوائح الأحزاب السياسية الإسلامية والعلمانية المشتركة فيما درج على وصفه بالعملية السياسية. إن هذه الجماعات السياسية هي فرق المشروع الأمريكي في العراق وسيناريو الاحتلال الهادف إلى تدجين البلد سياسيا واجتماعيا وفق مخطط السيطرة طويلة الأمد بوشر بتنفيذه مباشرةً بعد دخول القوات الأمريكية للعراق وإسقاط النظام البعثي بإنشاء مجلس الحكم المحلي السابق على أسس أثنية ودينية وطائفية متفرقة لا يجمعهم سوى سعيهم المجرد للسلطة من سيدهم الحاكم المدني الأمريكي في العراق وينسون أو لا يدركون جميعهم إن القاسم المشترك بينهم كونهم بشر عراقيين وهي هويتهم الأولى الأصلية قبل كل هوية أو صفة أخرى أريد إضفائها على جماهير العراق من خلالهم باعتبارهم ممثلين لأطياف العراق الملون كما يزعم البرنامج الأمريكي.
إن الذي يحصل في العراق الآن هو حلقة من حلقات الإستراتيجية الأمريكية المقترحة منذ عدة عقود لطرح الإسلام السياسي كبديل اجتماعي وأيديولوجي وفرضه على مئات الملايين من البشر في العالم وبالأخص للبلدان التي يشكل غالبية سكانها مسلمين في آسيا وأفريقيا والتي كانت قاعد ثورية واجهت الكولنيالية الامبريالية وهزمتها في تجارب وأمثلة يشهد لها تاريخ الصراع بين الشعوب المتطلعة للتحرر والرفاه الاجتماعي ضد الهيمنة والنهب الامبريالي وبمناخ يساري عالمي تحدث جميع الثوريين بالعالم لغة ماركس أو استعاروا أشياء منها وهذا الأمر لا يعجب الرأسمالية العالمية بالتأكيد. خشيةً من تنامي المد الثوري وتبني الشعوب المستعمرة أو شبه المستعمرة للأفكار اليسارية والاشتراكية كعقيدة لحياتها.
ومنذ نهاية الخمسينات في القرن الماضي بدأت الامبريالية العالمية بخطة مضادة مركزة لكسر التوجه الثوري العالمي وتشتيته في الشرق خصوصاًو بنفخ الحياة بالموميائيات الإسلامية المتحجرة وإنمائها لتتسيد وتعود بالمجتمعات الإنسانية إلى الوراء عشرات القرون وتمحو كل منجز علمي متمدن وأنساني أبدعته الجماهير الكادحة خلال العقود الماضية. إن الراية التي رفعتها الحركات الإسلامية في كل العالم المعاصر هي راية التخلف الفكري وقوانين الغاب لتغلق على الجماهير الكادحة كل أفق تطلع للحرية والمساواة ويهدد سلطة رأس المال وسيطرته. فالإسلاميون لعبوا دور الإعاقة للتيار الجماهيري العالمي المتوجه للتخلص من كل هيمنة وعبودية تأذن بغروب رأس المال الآفلة. فهم (الإسلاميون) حققوا سواء أدركوا ذلك عن وعي أم لا الغاية للرأسمالية وحرف مجرى الصراع الحقيقي عن اتجاهه الطبقي, فهم بطبيعة الحال هذه أنابوا عن الرأسمالية وتسلطوا باسمها ولفائدتها حاكمين.
ولو ضربنا صفحاً عن بدايات المشروع الامبريالي هذا أي منذ تأسيس السعودية كمملكة دينية في المنطقة وفصل الباكستان عن الهند على أسس دينية في نفس الوقت التي أعلن فيه عن قيام إسرائيل كدولة قومية للديانة اليهودية ونأتي للعقدين القريبين منذ استحواذ ملالي إيران على السلطة بمساعدة غربية واضحة وتجييش (المجاهدين!) في أفغانستان وحادثة سلمان رشدي التي أثارت جدلا ومشاعر دينية عنيفة أخذت طابع جهادي خلقت بدايتها بؤر للعداء وللكراهية مستدامة تتغذى من مراكز حكم إسلامية. نجد إن الجماهير الآن تسحق برحاها ويجرفها تيارها الغاشم في أرجاء واسعة من العالم كبؤر للتوتر والقتل والتدمير وخصوصا العراق الممزق ويتجلى بأوضح مشهد للخطة وتنفيذ فصولها بالمفخخات والسيوف والسكاكين قاطعة الأعناق والقتل العشوائي أو القتل على الهوية والتشريد والمصادرات والسلب والنهب والعبث الذي أشيع وأطلق علية (ديمقراطية).
إن الصرعة السياسية التي اخترعتها أمريكا وسعت لنشرها الآن في العالم باسم الديمقراطية هي شكل مشوه للممارسة الجماهيرية لاختيار ممثليهم بحرية كاملة دون قيد أو شرط وهذا الابتداع الأمريكي هدية العولمة الجديدة كنظام تحاول ترسيخه وتديره مع الإسلام السياسي والرجعية السلفية البغيضة مفروضة على الناس بالإرهاب والفتاوى الدينية بعيدة كل البعد عن أي نزعة تحررية وإنسانية ترتقي بعقل الإنسان وعمله.
والذي يدور اليوم في العراق,في كل شكل من أشكال الممارسة السياسية تحت ظل الوجود الأمريكي من انتخابات بأنواعها وكتابة ما يسمى بالدستور لا يتعدى برأينا كونه إحدى آليات النظام الدولي الجديد وواحدة من أكثر التجارب نموذجية طبقت بنجاح وفق قاعدة التعاون مع أكثر جماعات المجتمع رجعية من رجال دين وعشائريين وانتهازيين. إلا إن الاستيقاظ الساحق الذي بدأت نذره تلوح في الأفق اخذ يتعاظم وينفض الكوابيس الظلامية من رفض لخدعة الانتخابات ومهزلة الدستور وبدت الجماهير تعي يوما بعد يوم أجندة أحزاب الإسلام السياسي البعيدة عنها وعن طموحاتها وسجلت مقدمة واعدة لحركة طبقية واسعة ضد الفساد الحكومي وارتباطاته مع مؤسسات النهب الرأسمالية العالمية وتأسس بداية ساطعة للتدخل الحاسم والجاد للجماهير الكادحة في ترسيم مستقبلها ومصيرها.