وجهة نظر حول انتخابات مجالس المحافظات


عواد احمد صالح
2009 / 2 / 2 - 08:32     

تجري يوم 31 كانون الثاني 2009 انتخابات مجالس المحافظات وهي الانتخابات الاولىلمجالس المحافظات منذ احتلال العراق في نيسان عام 2003 وبعد التحسن الملحوظ في الوضع الامني وتشكيل مجالس الاسناد والصحوات .
وقد شهدت المدن العراقية حملات دعائية غير مسبوقة للمرشحين والقوائم الانتخابية المشاركة كما ن هناك كيانات سياسية ومهنية ونقابية تشارك لاول مرة في الانتخابات .
ويبدو للمراقب ومن خلال كثافة الملصقات والبطاقات الدعائية الموزعة ان هناك تنافسا محموما بين المرشحين فالكثير من الملصقات الدعائية تمزقت لتحل محلها ملصقات اخرى كما ان بعض القوى السياسية (جبهة التوافق ) مثلا اجادت استخدام وسائل الدعاية على دفعات ففي البداية اظهرت بوسترات باسم القائمة اجمالا تحمل صور وجوه فتيات صغيرات من غير حجاب راس.. !! ثم بعد ذلك باسم المرشحين كافراد ثم رموز الجبهة مع المرشحين او لوحدهم ثم على شكل لافتات كبير باللون الاصفر وهو اللون الذي تستخدمه "حماس "على سبيل المثال وبعض قوى الاسلام السياسي في منطقة الشرق الاوسط . كما عمل الكثير من المرشحين ومن مختلف الكيانات جدارايات كبيرة مسندة باعمدة حديدية وضعت في الساحات الرئيسية تذكر المشاهد بجداريات صدام .
ان المستوى السياسي والعقائدي للمرشحين متباين جدا فمعظمهم لا يملك رؤية وافق سياسي او ايديولوجي باستنثناء القليل جدا وهذا يؤشر على مرحلة من الافتقار للوعي السياسي والوطني في العراق الموروث عن النظام السابق والذي تعزز "بفضل" التقسيم الطائفي والعرقي والعشائري والمناطقي الذي ظهر في ظل الاحتلال وهيمنة قوى الاسلام السياسي على السلطة وفي الشارع . صحيح ان البعض من المرشحين من حملة الشهادات كالمهندسين والاطباء وغيرهم لكن ذلك ليس كافيا فالعمل ضمن حكومة محلية يفترض ان يكون لدى الشخص رؤية سياسية ذات بعد اجتماعي توفر له تصورات واضحة عما يريد ان يفعله .
وعلى العموم فان الناس وغير المسيسين بوجه خاص ينظرون بعين الريبة والشك الى الامور ذلك لان المواطن العراقي نتيجة لتجارب الحكم السابقة والحالية فقد الثقة بكل سلطة هذا من جهة ومن جهة اخرى فأن معظم العراقيين وهذا ناجم عن طبيعة اجتماعية وسيكيولوجية لا يرضون على أي حاكم او مسؤول . الا ان الملاحظة المهمة هي ان قوى الاسلام السياسي الحاكمة بمختلف الوانها لم تعد مرغوبة او تحوز على تأييد الشارع عدا استثناءات قليلة ، وهناك ميلا واضحا نحو القوائم ذات التوجه الوطني والعلماني رغم دعايات الجهات الدينية بتشويه صورة العلمانيين او تكفيرهم ، هناك غالبية من الناس تظهر ميلا قويا نحو "القائمة العراقية" التي يرأسها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي رغم ان هذه القائمة موضوعة في كثير من المناطق في الاطار العشائري – يرأس بعض فروعها شيوخ عشائر ومعهم اولادهم وابناء عشيرتهم – مما يفقد القائمة الجوانب الايجابية التي تسبغ عليها .. ولابد من القول ان الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن فالميل الواضح لدى الجمهور نحو القائمة العراقية لا يعني بالضرورة فوز مرشحيها لان هناك اسماء ووجوه متعددة تمثل قوائم جديدة ومختلفة ومستقلين وقوائم اخرى يملكون اموالا كبيرة قاموا بتوزيع الكثير من الهدايا والهبات على المواطنين بهدف كسب اصواتهم مما يفرض بالضرورة مجموعة استقطابات واضحة فهناك من سيصوت للقوائم الدينية وهم المؤدلجون للاحزاب الاسلامية وبناء على فتاوي سرية وعلنية وهناك من سيصوت للانتماء العشائري بصرف النظر عن قائمة المرشح سواء كانت دينية او غير دينية وهناك من سيصوت على اساس صلات القرابة بمختلف درجاتها وبغض النظر عن القائمة ايضا .
المشكلة في "الديمقراطية العراقية " بالغة الوضوح وهي ان الجماهير تتجاذبها ولاءات مختلفة في معظمها موروثة عن عهود التخلف والانحطاط السياسي وهي غير مؤهلة بسبب غياب تقاليد ثقافية وحضارية لهذا الطراز من "الديمقراطية " وعلى النمط الغربي .هناك افتقار شديد للثقافة السياسية والوعي الحضاري والقيم الراسخة قيم العدالة والقانون والشفافية واحترام الرأي والرأي الآخر واحترام المنافسة بروح رياضية . فعقلية المواطن على العموم ما تزال عقلية اقصائية واستنكارية الى ابعد الحدود .
ورغم ذلك فان "العملية الانتخابية " تعكس جوانب ايجابية عديدة لانها تكشف للمراقب عن وجود امكانية متاحة للتنافس السلمي بين السياسيين وتكشف عن اتجاهات الرأي العام وميوله المختلفة التي لاتبرز بوضوح الا في ظل اجواء المنافسة والتعبير الحر عن البرنامج والرأي ، وهذا مفيد للقوى السياسية وقوى اليسار خاصة لغرض بناء التكتيك السياسي المستقبلي ولكي تأخذ بالحسبان توجهات وميول الجماهير كما انها تضع امام اليسار امكانية دخول هذه " المعمعة" رغم كل تصوراته السلبية عن المرحلة والوعي الجماهيري وموازين القوى . فمن الخطأ الفادح ترك الزمام بيد القوى البرجوازية والدينية والعشائرية الرجعية .
الانطباع السائد لدى بعض المرشحين من قوى اليسار الذين ترشحوا ضمن قوائم مستقلة ومنهم كاتب هذه السطور ..ان مجرد المشاركة تعني الكثير وهي ان يعرفك الناس بشكل اوسع ، تعرف ردود افعالهم تجاهك وان تطرح برنامجك الذي سيقول عنه الناس هذا برنامج ممتاز لانه يمس حياتهم وتطلعاتهم بشكل مباشر .. ولا يهم من ان البعض قد يهزأ او لا يكترث هذا امر طبيعي بسبب تباين مستويات الوعي وخضوع غالبية كبيرة للاحكام القطعية المسبقة والتحجر ، كما ان تجربة المشاركة تتيح لك معرفة كيف تمول حملتك الانتخابية بالاعتماد على امكانياتك الذاتية وكيف تصنع الوسائل الدعائية المختلفة وتخرج من فكرة ان اليسار مادام لايملك المال الكافي فعليه ان لا يشارك في انتخابات !! وبعد ذلك من الضروري ان تفوز وتحصل على اصوات الناس وتدرك ايضا ان الفوز ليس امرا حتميا في ظل الاستقطابات التي اشرنا اليها لان هناك من يملك وسائل كثيرة للاحتيال والرشوة والتزوير في ظل "ثقافة " التخلف وفقدان الشفافية واستخدام وسائل الاكراه والقوة .
واخيرا فأن الصورة التي رسمناها هنا قد لا تكون متماثلة في جميع مناطق العراق فالصورة تتحدث عن واقع يجري امام اعيننا وهي صورة مرئية وحسب المنطقة الجغرافية وتقاليدها الا ان الواقع يقول ان ثمة سمات متشابهة وخطوط مشتركة موجودة في امكنة اخرى من البلد .. ولا بد من التاكيد ان انتخابات مجالس المحافظات ورغم كل السلبيات التي ترافقها تجربة جديدة وهي ستحدث تغييرا واضحا في المعادلة السياسية على الاقل في اجزاء عديدة من العراق . فمزاج الجماهير هذه المرة مختلف رغم كل الدعايات والاقاويل .