نعم يجب نقد حماس الآن وبدون تأخير


سامر سليمان
2009 / 1 / 26 - 06:34     

أتفق مع الرفاق والزملاء والأصدقاء الذين يعتقدون أن كل الجهود يجب أن توجه الآن لدعم المقاومة في غزة على أن يأتي النقد والمحاسبة بعد الحرب. هذا هو الموقف العاقل المسئول على جبهة القتال في غزة. وهنا أود أن أحيي بيان الفصائل الفلسطينية اليسارية الذي تحلى بقدر كبيرة من المسئولية والترفع عن الخلافات في وقت المحنة، فطالب بالتنسيق بين الفصائل كلها في ساحة القتال، وطالب بالاسراع في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية. لكننا نتحدث هنا في مصر، خارج ساحة القتال. على حد علمي ليس هناك مصري واحد منخرط في المعركة. ولذلك دورنا هو تقديم الدعم الإنساني والسياسي للشعب الفلسطيني، دون الإضرار بمصالح الشعب المصري. نقد حماس وحلفائها في مصر لا يُعطل دعم الفلسطينيين، لمن يملك فعلاً إمكانية الدعم والرغبة في تقديمه. إذا كان النقاش يدور حول كيفية دعم المصريين لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، فهل يمكن أن يتم ذلك بمعزل عن مناقشة استراتيجيات النضال الفلسطيني؟ ثم دعونا نتكلم بصراحة أكثر. النقاش والخلاف الدائر في مصر الآن عن القضية الفلسطينية هو نقاش عن مصر وعن مستقبلها كما هو عن فلسطين. السياسيون يدركون ذلك جيداً. الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بالنسبة لهم هو مناسبة لترويج بضاعتهم من نوع أن هناك مؤامرة على المسلمين في العالم وأن الدولة الاسلامية هي الحل، أو أن هناك مؤامرة على العرب وأن الدولة العربية الواحدة هي الحل. أو أن النظم العربية عميلة للامبريالية والصهيونية ويجب الخلاص منها بالثورة الاشتراكية. فإذا كان النقاش يدور حول مستقبل المنطقة كلها بما فيها مصر وليس فقط فلسطين، فأنا لن أنتظر نهاية المعركة، حين تكون الناس قد ملت وانصرفت عن القضية. واجبي كتقدمي وديمقراطي حجز مكان في النقاش حول غزة لكي أروّج لبضاعتي الديمقراطية السياسية والاجتماعية والانسانية التي هي في رأيي أفضل من بضاعة الآخرين.
لقد اندهشت حينما قال النائب الأستاذ حمدين صباحي في التلفزيون إن الخلاف الايديولوجي مع حماس لا يجب أن يحُول دون دعمها. والحقيقة أنه ليس كل نقاد حماس مهووسين بالايديولوجيا. هناك العديد من النقاد تقدموا بانتقادات سياسية محددة لأداء حماس، وهم لم يتكلموا عن العقيدة السياسية لحماس إلا في إطار تأثيرها على الأداء السياسي للحركة. الخلاف بيننا ليس على حق الفلسطينيين في المقاومة المسلحة، وانما الخلاف يكمن في كيفية ممارسة هذه الحق وفي أهدافه. أطنان من الورق كُتبت دفاعاً عن حماس وآلاف الخطب والشعارات دون أي يتكرم أحد قادة حماس أو أنصارها بالإجابة على السؤال التالي: ما هو برنامج حماس لتحرير فلسطين؟ حماس وأنصارها يهربون من هذا السؤال بالقول إن المقاومة هي الحل. والحقيقة أن المقاومة هي أحد أدوات الوصول إلى حل وليست الحل نفسه. هناك حلان لا ثالث لهما: إما تأسيس دولة علمانية ديمقراطية تضم العرب واليهود على قاعدة المساواة والمواطنة. وإما تأسيس دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل. عن نفسي أنا أفضل الحل الأول، الذي يحظى بدعم مثقفين وسياسيين عظماء من وزن الراحل ادوارد سعيد. لكني مصري، ولا أملك التصويت على حل يخص الشعب الفلسطيني. على الجانب الآخر فتح وفصائل أخرى تُفضل الحل الثاني وقد دخلت بالفعل في عملية دولية من أجل تأسيس دولة فلسطينية. على حماس أن تقول لشعبها وللعالم أيا من الحلين هي تريد. وإذا كان لديها حلاً ثالثاً فلتتكرم بايضاحه. فلكي يتضامن معك الناس ، يجب أن تتضامن أولاً مع نفسك وتقرر ماذا تريد. قل ما شئت عن فساد بعض قيادات فتح، لكن على الأقل هذه المنظمة قد حددت هدفها.
خطيئة حماس ليس فقط أنها لا تمتلك حلاً لمشكلة الشعب الفلسطيني، بل أنها تعوق من يعمل بالفعل من أجل التوصل إلى حل. حل الدولة أو الدولتين يتطلب حداً أدنى من التعايش بين العرب واليهود، وهذا يقتضي شيئيين أولاً: كسر شوكة العنصرية الصهيونية على الجانب الاسرائيلي وثانياً: قبول معظم الفلسطينيين للتعايش مع اليهود. حماس تخرّب أي حل لمشكلة فلسطين. لأنها بعنصريتها ضد اليهود تقوي من شوكة الصهيونية. هل لديكم شك في أن حماس عنصرية؟ اسألوا خبراء العلوم السياسية الذين درسوا نمو الصهيونية في موطنها الأصلي أوروبا. هل كان للصهيونية أن تنجح في اقناع ملايين اليهود بالهجرة إلى فلسطين دون أن يكون هناك عداء عنصري لليهود وصل إلى قمته على يد الفاشية؟ لذا فإن مَن يُعادي اليهود كيهود هو خادم للصهيونية. بدون هذا المنطق لا يمكننا فهم الحقيقة الثابتة تاريخياً وهي أن إسرائيل قد ساعدت حماس في بدايتها. طبعاً هي تدفع ثمناً لذلك. لكن ضع نفسك مكان الصهاينة. هل تفضل مواجهة عدو عنصري مثلك أم عدو انساني متفوق عليك أخلاقياً؟ نهاية العداء لليهود في العالم وفي المنطقة هو بداية نهاية الصهيونية. إسرائيل بالتأكيد تفضّل مواجهة حماس على مواجهة المبادرة الوطنية الفلسطينية مثلاً (حصل رئيسها الدكتور مصطفي البرغوثي على 20% في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية)، لأن ذلك الفصيل يجمع بين الإصرار على حق المقاومة المسلحة ضد دولة إسرائيل والتعايش مع اليهود من مواطني هذه الدولة. بالضبط كما كان نيلسون مانديلاً يجمع ما بين الاصرار على الحق في المقاومة المسلحة مع الرغبة في التعايش مع البيض على قاعدة المساواة الإنسانية. هل كان بوسع مانديلا الانتصار على العنصرية البيضاء بعنصرية سوداء؟ بالطبع لا، لأن موازين القوى دائماً تكون مختلة لصالح المستعمر، وهذه الموازين لا يمكن تصحيحها إلا بحلفاء من داخل جبهة المستعمر ذاته وبحلفاء في العالم كله على قاعدة التضامن الانساني. يا أشقائنا في فلسطين.. أنتم لا تمتلكون ترف العنصرية ضد اليهود. اتركوها لأشقائكم في مصر. وحين تشتاقوا إليها، تعالوا إلى هنا لكي تشنفوا أذانكم بما استمع إليه رغم أنفي من وصف لليهود بأنهم أحفاد القردة والخنازير، تلك الحملات العنصرية التي لا يتخلف عنها أحياناً البابا شنودة حين ينعش ذاكرتنا بأن اليهود مسئولين عن قتل المسيح. وهي التصريحات التي يقبلها الطرف الاسلامي بحبور على الرغم من أنه غير مؤمن أصلاً بأن المسيح قد قُتل. بس مش مهم. المهم بناء الوحدة الوطنية على أرضية العدو المشترك، وهي الوحدة التي أثبتت كفاءة منقطعة النظير تشهد لها أرقام الأحداث الطائفية المتصاعدة والخطاب الطائفي المتزايد في الأربعين سنة الأخيرة!