تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//الموقف من التراث 2/2


بلكميمي محمد
2009 / 1 / 24 - 09:03     

هل استطاع المثقفون العرب التقدميون بلورة موقف علمي من التراث ؟
الجواب : من وجهة نظر الفقيد عبد السلام المؤذن ، لا
لماذا ؟
لانهم تعاملوا كلهم ، من مواقعهم الفكرية المختلفة ، مع التراث على الشكل التالي : لقد قسموا التراث الفكري الى قسمين ، قسم ايجابي ، عقلاني ، ذو نزعة مادية . وقسم سلبي ، لاعقلاني ، صوفي ثم خلصوا من ذلك التقسيم الى ، رفض الجزء السلبي والحفاظ على الجزء الايجابي في افق تطويره .
في هذا الاطار يقول غالي شكري بان « الواقع المعاصر يظل البوصلة الفكرية ، القادرة على توجيه النظر الى هذه الناحية دون تلك من التراث » .
ويقول محمد عابد الجابري : «لايمكن استيعاب العقلانية المعاصرة ، دون تمثل عقلانية المفكرين التراثيين الكبار» .
ويقول حسين مروة : « يجب نقد التراث بهدف اكتشاف العناصر التقدمية فيه ، وتطويرها بما يستجيب لمتطلبات عصرنا » .
ونفس الرؤية نجدها ايضا عند هشام جعيط وباحثين عرب اخرين .
ان الخطأ المنهجي في هذا الموقف الانتقائي من التراث يكمن في تجريد التراث ، بما هو بناء فوقي عن اساسه المادي ، بما هو بناء تحتي . فالتراث ( البناء الفوقي) ، قد طابق تاريخيا ، وعكس وعبر عن اساس مادي محدد ( البناء التحتي) . ولذلك تستحيل المحاولة الرامية الى تطبيق التراث . الذي عبر تاريخيا عن علاقات انتاج ما قبل راسمالية اقطاعية ، على علاقات الانتاج الراسمالية التبعية الحديثة . فلكل بنية مادية تحتية محددة ، فكرها الفوقي الخاص الذي يعكسها ويعبر عنها . والانتقال المادي ، الذي يطرأ على المجتمع العربي ، من علاقات الانتاج الما قبل راسمالية والاقطاعية القديمة ، الى علاقات انتاج راسمالية تبعية جديدة ، يستوجب حتما انتقال مواز من الفكر التراثي الى فكر جديد كل الجدة يعبر عن البنية التحتية الجديدة .
من هنا فالافكار والنظريات والاجتهادات التراثية مهما كانت عقلانيتها ونزعتها المادية ، فهي تبقى مجرد افكار تراثية صرفة ، لها فعلا قيمتها بالنسبة لعصرها ، لكنها لاتملك اية قيمة على وجه الاطلاق بالنسبة لعصرنا . اما القول من نوع ، تمثل العناصر التقدمية في التراث وتطويرها ، فهو كلام مردود ورجعي يعود بنا ثمانية قرون الى الوراء .
لكن هل يعني هذا اننا نتخذ موقفا عدميا من التراث ؟ ابدا .
ان موقفنا من التراث موقف جدلي ، لانه يرفض كل النظريات والاجتهادات التراثية التي ابدعها الاجداد ، لانها نظريات شاخت وماتت ولم تعد صالحة لعصرنا ، لكنه في نفس الوقت يحافظ على ماهو حي في التراث والشيء الوحيد الحي في التراث هو المنهج الذي انطلق منه الاجداد في بناء فكرهم ، هذا يعني اننا نرفض الافكار والنظريات والاجتهادات ، ونقبل المنهج الذي كان وراء بلورتها وصياغتها .
كيف يمكننا اذن استلهام الموقف المنهجي من الاجداد ؟ .
يمكن استلهامه على الطريقة التالية : ان الاجداد لما شرعوا في بلورة وبناء نظرياتهم العقلانية المتقدمة استثنوا في ذلك على فكر عصرهم الاكثر تطورا و تقدما . وهذا الفكر بالنسبة لعصرهم كان يتجسد في فكر ومنطق ارسطو . ولذلك كان العرب يسمون ارسطو ◄ المعلم الاول .
من هنا ، اذا نحن اردنا استلهام موقف خلاق من منهج الاجداد ، وليس نسخ افكارهم ونظرياتهم التي اصبحت متجاوزة تنتمي للتاريخ ، فيحتم علينا اولا ، الانطلاق من عصرنا نحن ، ثم ثانيا تحديد فكر عصرنا الاكثر تطورا وتقدما ، لنجعل من صاحبه معلمنا الاول .
وفكر عصرنا المتطور ، هو المادية الجدلية كما صاغها كارل ماركس وفريدريك انجلز .
ان المادية الجدلية ليست رفضا عدميا لفكر ابن رشد وابن خلدون ، بل هي احتواء وتطوير له ، لانها تنتمي للفكر الاوربي المتطور ، ولان اوربا الناهضة قد قامت تاريخيا على اكتاف فكر ابن رشد .
من هنا ، ان مهمة تمثل العناصر التقدمية في تراثنا وتطويرها ، ( التي يطالبنا بها بعض المثقفين العرب / هي مهمة قد انجزت تاريخيا من قبل الاوربيين ولذلك فالمطروح علينا ، ليس الانطلاق مما انطلقت منه اوربا الناهضة ( أي فكر ابن رشد) .. لان تكرار ذلك الموقف لاطائل من ورائه اولا ، ثم ثانيا هو موقف رجعي ، بل يجب ان يكون الانطلاق مما وصلت اليه اوربا . فالفكر هو فكر انساني قبل ان يكون فكرا عرقيا او قوميا .
ان اجدادنا العرب لما ارادوا ان ينهضوا ، جعلوا من ارسطو ، بدون حرج ، معلمهم الاول .
والاوربيون لماارادوا ان ينهضوا ، جعلوا بدورهم من ابن رشد ، بدون حرج ، معلمهم الاول .
ونحن اذا اردنا اليوم ان ننهض ، فلا مفر من ان نجعل بدورنا من كارل ماركس ، بدون حرج ، معلمنا الاول .