تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//وجهة نظر هيجل في الحضارة العربية الاسلامية .3/3 .


بلكميمي محمد
2009 / 1 / 13 - 09:23     


بقلم هيجل ( ترجمها عن الالمانية الفقيد عبد السلام المؤذن) .
هذا النص الهيجلي حول الحضارة العربية – الاسلامية ماخوذ من الفصل الثاني من المقالة الرابعة من كتاب « فلسفة التاريخ » .
ان القارئ العربي لهذا النص ، قد يرى بان هيجل لم يكن منصفا تماما في تقييمه للحضارة العربية الاسلامية ، والحق ان العديد من افكار هيجل التي تضمنها هذا النص ، قابلة للنقاش والجدال .
لكن الحافز الذي دفع الفقيد عبد السلام المؤذن الى تقديم النص الى القارئ العربي هو تمكينه من الاطلاع عن الكيفية التي ينظر اليها هذا المفكر العظيم الى حضارتنا .
***

وكما ان العرب اقاموا فتوحاتهم بسرعة مذهلة ، كذلك استطاعوا بنفس السرعة ، اقامة الفنون والعلوم ذات الاشعاع الهائل ، في البدء يمكن لنا ان نلاحظ ، بان هؤلاء الفاتحين كانوا يلجأون الى تدمير كل ما يتعلق بالفن والعلم ، وحسب ما يحكى عن عمر ، انه امر بتدمير مكتبة الاسكندرية الرائعة . فقد قال بهذا الشان ، اما ان تلك المكتبة تحتوي على كتب لها نفس مضامين القران ، واما ان لها مضامين مختلفة ، وفي كلتا الحالتين فنحن لسنا في حاجة اليها . لكن مباشرة بعد ذلك ، اظهر العرب عناية فائقة بالفنون والعلوم . وحرصوا على نشرها في كل مكان ، ولقد بلغت الامبراطورية اوج ازدهارها في عهدي المنصور وهارون الرشيد . فلقد تم تشييد مدن عظمى في كل اطراف الامبراطورية التي ازدهرت فيها التجارة والصناعة ، كذلك تمت اقامة قصور في منتهى الجمال ، وكذا بناء المدارس ، ولقد كان علماء الامبراطورية يجتمعون في قصر الخليفة ، وهذا القصر لم يكن فقط يبهر بلمعان احجاره الكريمة الخارجية البالغة الروعة ، او بادواته وبلاطه ، ولكنه كان اساسا يبهر بمستوى ازدهار الشعر وازدهار كل العلوم . في البدء كان الخلفاء لايزالون يحتفظون بالعادات البسيطة والطبيعية ، التي هي خاصية عرب الصحراء ( وكان يضرب المثل في هذا الشان بالخليفة ابو بكر) ، جاهلين الفروق الاجتماعية والثقافية .
فالانسان العربي العادي جدا ، انسان الشارع ، والمراة اكثر تفاهة ، يمكنهما ان يتوجها مباشرة للخليفة وكانه احد اقرانهما العاديين ، فالسذاجة التي تجهل كل الاعتبارات ، ليست في حاجة الى الثقافة ، لذلك كل من يتمتع بحرية الفكر فانه يعامل عامله معاملة الفرين لقرينه .
ان امبراطورية الخلفاء العظيمة لم تعمر طويلا ، لان لاشيء راسخ فوق ارضية العموميات . فلقد انهارت الامبراطورية العربية العظيمة ، في نفس الفترة تقريبا التي انهارت فيها الامبراطورية الافرنجية . ثمة ممالك سقطت تحت ضربات العبيد وضربات شعوب غازية جديدة . مثل السلاجقة والمغول . ، ولقد تاسست امبراطوريات وممالك جديدة . فالعثمانيون تمكنوا اخيرا من اقامة سيطرة تتميز بالصلابة . وحين فترت حدة التعصب ، زالت من اذهان الناس ، كل مبادئ الاخلاق ، وفي صراعها ضد العرب ، تقمصت البطولة الاوربية مثال الفروسية النبيلة والجميلة ، ان الاوربيين قد اخذوا المعارف ، وخاصة منها المعارف الفلسفية من العرب . ان شعلة الشعر النبيل قد شعلت عند الجرمان بواسطة احتكاكهم بالشرق ، لهذا نرى « جوته» قد توجه الى اسيا عبر ديوانه الشعري الشرقي ، المليء بعقد من اللالئ التي فاقت كل حد من حيث رقتها ، ان الشرق نفسه بعد ان فقد تدريجيا حماسه الحاد ، قد سقط في لااخلاقية كاملة فالعواطف الاكثر بشاعة كانت تسود ، وبما ان الشهوات الحسية كانت موجودة من الاول في المذهب المحمدي ، ولو في شكلها البدائي ، حيث كانت مفتوحة كجزاء في الجنة ، فانها من الان فصاعدا قد حلت محل التعصب ، حاليا فان الاسلام يوجد في وضع المكبوت داخل اسيا وافريقيا . والمعزول في مكان ناء من اوربا تحت مراقبة القوى المسيحية ، لذلك يمكن اعتبار انه خرج منذ عهد قديم ، عن دائرة التاريخ العالمي ، ودخل في فتور وهدوء الشرق .