رسائل إلى أولي أمر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي


سامر سليمان
2009 / 1 / 9 - 09:51     

إلى دولة صهيون:
أنت أكبر عار على اليهود، أنت أكبر عدو لهم. قبلك كان اليهودي يعيش في سلام في العالم العربي. قبلك كان كوهين يجالس حسن ومرقص. اليوم اليهودي لا يعيش في المنطقة إلا في حراسة جيش مدجج بالسلاح يقتل انسانية اليهودي الذي يخدم فيه قبل أن يقتل العربي الفلسطيني.

إلى "العالم الحر":
يخطيء من يظن أن المهزوم في الحملة البربرية على غزة هي حماس. المهزوم هي الحضارة الانسانية ذاتها التي تتفرج على مبارة مصارعة بين عملاق متوحش وطفل يحمل نبلة. إذا كان ولابد من تظيم مباريات مصارعة فعلى الأقل تحلوا بحضارة روما التي كانت تراعي التكافيء بين طرفي مباريات المصارعة. المهزوم في الأيام الأخيرة هي الحضارة الانسانية التي قبلت أن يحل البعض مشكلته على حساب البعض الأخر، التي ارتضت بحل مشكلة اضطهاد اليهود في أوروبا بتصديرهم إلى منطقتنا، والتي قبلت بأن يتم دفن مخلفات الفاشية – أي الصهيونية – في فلسطين، بالضبط كما تدفن أوروبا مخلفاتها النووية في أفريقيا.

إلى التيار الديني العربي
قلنا وزدنا وعدنا أن رجال الدين لا يصلحوا للسياسية، وقلتم أن النضال الفلسطيني يحتاج إلى مقاتلين ذوي عقيدة مطلقة. قلنا أن وضع الصراع مع إسرائيل على أرضية دينية وليس وطنية/انسانية يخدم إسرائيل، وقلتم أن الدين هو أكبر طاقة محركة للفداء. أما لم يحن الوقت بعد لمراجعة حصيلة أكثرمن نصف قرن من الإصرار على الخطأ؟

إلى رفاقنا في إسرائيل
من زمان وأنا أسمع عن أن هناك يسار راديكالي معادي للصهيونية داخل فم الأسد. فلماذا لا نسمع لكم إلا صوتاً هامساً؟ لماذا لم أعد أسمع عن مناضلين شرفاء مثل ميشيل وارشاوسكي الذين دافعوا بأجسادهم عن الفلسطينيين؟ هل العيب في أذني، أم في وسائل الإعلام التي استمع إليها أم العيب فيكم؟

إلى الأخوة في حماس وحزب الله:
دفعت حركة التحرر الفلسطينية فاتورة باهظة من الدم لكي تدرك مدى حماقة عدم أخذ حقيقة الدولة الحديثة بجدية. هل تعلمون شيئاً عن مذابح أيلول الأسود وصابرا وشاتيلا؟ هل قرأتم أو فهمتم ماذا كانت نتيجة الاستخفاف بالدولة الأردنية واللبنانية؟ يبدو أنكم لم تقرأوا شيئاً، لأن الجهل السياسي دفعكم أخيراً للاستخفاف ليس فقط بدول "بنت امبارح" مثل الأردنية والبنانية، ولكن أيضاً بأقدم دولة في التاريخ، دولة تقف اليوم على نفس الحدود الجغرافية تقريباً التي قامت عليها الدولة المصرية الأولى التي تأسست في عهد مينا. هل وصلت الحماقة إلى الحد الذي يجعل جبهة علماء الأزهر تمتنع عن صرف "صكوك الغفران" لضحايا الدفاع عن الحدود الدولية لمصر بدعوى أنه كان يدافع عن حدود مصطنعة بين المسلمين؟

إلى العلمانيين الخجلانين من علمانيتهم
في نفسي ضعف يجعلني أتفهم وأعذر ضعف الأخرين. لكني أؤمن بالحكمة القائلة "ان قلت ما تخافش، وان خفت ما تقلش". إذا كان من الصعب نقد حماس وحزب الله لأن دمائهم المراقة تضع نقادهم في مصاف قساة القلوب، ولأنهما يشهران تهم الخيانة والعمالة لكل من يعارضهما بشجاعة حتى ولو كان تاريخه النضالي ضد إٍسرائيل يفوق عمر حماس وحزب الله. إذا كان ذلك كذلك فلماذا الكلام؟ إذا كنتم غير قادرين على مواجهة حماس بحقيقة أن قيادتها المنفردة للنضال الفلسطيني ستقود الشعب الفلسطيني إلى الهاوية فلتصمتوا.

إلى نظام مبارك
لم ولن أعترف بشرعيتك لأنك ماسك بالدولة المصرية بدون وجه حق ولأنك اقترفت من الأثام ما تعجز هذه المساحة الصغيرة عن ذكره. لكن إذا كانت القضية هي الاستهبال والتزوير لكي تلبس وحدك مسئولية مأساة غزة فمش لاعب. وإذا كانوا لإسقاطك غير مكترثين ببقاء الدولة المصرية ذاتها، وإذا كانوا للخلاص منك يريدون تفكيك الجيش المصري وبناء حزب لله مصري فبقاءك على رأس هذه الدولة أفضل بكثير. بالتأكيد الشعب المصري لن يقبل أبداً أن يستبدل هذه الدولة بكل سيئاتها بميليشيات مسلحة. وهذا وإن دل على شيء فإنما يدل على شعب عريق في الحضارة، شعب لا زالت ذاكرته الجماعية تختزن حقيقة أن أهم اختراع قدمه المصريون القدماء إلى الحضارة الانسانية هو فكرة الدولة. فلنهاجمها كل يوم، فلنلعنها كل لحظة، ولكن أبداً لن نسقطها لكي نعود إلى ما قبل التاريخ.

إلى أصدقاء الشعب الفلسطيني
اختلفت الحلول المطروحة لمشكلة فلسطين بين أنصار حل الدولة الواحدة لشعبين وحل الدولتين لشعبين. اليوم يتضح أكثر فأكثر أن حل الدولتين شبه مستحيل. فالتداخل بين اليهود والعرب مستحيل فصم عراه، وإسرائيل غير راغبة أصلاً في حل الدولتين، والحالة الفلسطينية المسأواية أسفرت عن قيام امارتين لنفس الشعب، واحدة فتحاوية في الضفة الغربية وأخرى حمساوية في غزة. إذا كان الوضع كذلك لماذا لا نعيد طرح حل الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية لكل مواطنيها؟ أليس هذا الدواء الوحيد الشافي للاستعمار الاستيطاني؟ هل تعرفون حالة واحدة من بلد تحرر من الاستعمار الاستيطاني بتأسيس دولتين؟ ألم يكن هذا هو الطريق الذي سار عليه مناضل جنوب أفريقيا العظيم نيلسون مانديلا ونجح بذلك في الخلاص من نظام الفصل العنصري؟