تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الاسس المادية للثورة التحديثية في المغرب-2-


بلكميمي محمد
2009 / 1 / 8 - 09:12     

« ماهي الاسباب التي جعلت من المغرب ، وهو البلد الزراعي حسب المعايير الاقتصادية – الاجتماعية ، يصبح عاجزا حتى عن انتاج ما يكفي لتغذية مواطنيه ؟ .
لماذا ظل المغرب ، رغم امكانياته البشرية وثرواته المعدنية ومحيطاته الشاسعة ، عاجزا عن ان يكون بلدا صناعيا ؟
لماذا لم يجد المغرب المثقل بالديون الخارجية من مخرج لازمته المالية سوى التنازل عن السيادة الوطنية لصندوق النقد الدولي الذي اصبح المتحكم في رسم السياسة الاقتصادية للبلاد ؟ .
هل مرد هذا التخلف المجتمعي الشامل الى عجز بنيوي في نفوس وعقول واجسام المغاربة ، بما هم ذوات مشلولة الفكر والفعل والارادة ؟ .» ام يعود لاسباب اخرى ؟.

3
تحول الاقطاع الى بورجوازية زراعية :

عند اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية ، وسع صعود الهيمنة الجديدة لراس المال الامريكي على حساب الهيمنة الكلاسيكية لرس المال البريطاني ، وهي الهيمنة التي ستسمح بتجديد الصيغة الاستعمارية الكولونيالية بصيغة اكثر انسجاما مع طبيعته الجديدة بما هو راس مال للشركات المتعددة الجنسيات ...
سيتعزز اذن ويشتد نضال المستعمرات للمطالبة بالاستقلال .
في هذه الشروط العالمية المستجدة كان يندرج التجذر في الموقف الوطني المغربي الذي تحول من المطالب الاصلاحية تحت الادارة الكولونيالية ، الى مطلب الاستقلال .
واذا كان الالتفاف الشعبي قد اعطى لذلك المطلب زخمه الضروري الذي حوله الى مهمة راهنة قابلة للتحقيق على المدى ، فان المسالة التي ستبقى مضية في ذلك الوقت ، هي الشكل الذي سيتجسد فيه الاستقلال .
ان حتمية الاستقلال كانت تطرح في الافاق شكلين ممكنين موضوعيا : شكل جذري تجاه المصالح الاستعمارية وشكل اصلاحي .
اما المعيار الذي كانت تقاس به في ذلك الوقت ، جذرية او اصلاحية الموقف من الاستعمار الكولونيالي ، فهو في نهاية المطاف ، الموقف من الملكية العقارية الاقطاعية المغربية . أي بعبارة اخرى : ماهو الحل الذي سياتي به الاستقلال للملكية الاقطاعية ؟ . . . هل سيكون حلا اصلاحيا يبقى في حدود تحديث الاقطاع عن طريق اعادة تنظيم الملكية الاقطاعية بشكل راسمالي يقوم على تحويل عمل الخماسين الى عمل ماجور يتولاه عمال زراعيون ، ام بالعكس سيكون حلا راديكاليا يؤدي الى تصفية الملكية الاقطاعية من الاساس ؟ .
هذه هي عقدة المسالة في ذلك الوقت . ان حسم تلك المسالة لصالح الحل الاصلاحي ، لم يتم ( كما يمكن ان يعتقد ) في مطلع الستينات بعد طرد المجموعة التقدمية من الحكومة والتراجع عن برنامجها ( فهذه ليست سوى احدى حلقات المسلسل . . . ثم ماقيمة برنامج سياسي مهما كانت راديكالياته اذا لم يكن يستند لسلطة سياسية فعلية تمنحه شروط التحقيق !!) ، بل يبدا من مفاوضات اكس ليبان نفسها . ان هذه المفاوضات لم تكن مفاوضات بالمعنى الحديث للكلمة ، بل ندوة استشارية كانت لادارة الحماية فيها سلطة تعيين اعضائها للاستماع لارائهم . . . والتشكيلة التي دخل بها الوفد المغربي للمفاوضات ، هي في حد ذاتها جد معبرة عن المصير الذي سيؤول اليه مستقبل المغرب السياسي والاقتصادي . ان تشكيلة لايمثل فيها الوطنيون سوى اقلية ضئيلة مع الاغلبية الساحقة التي كانت تتكون من انصار الكلاوي المدعومين بالعديد من الشخصيات " المستقلة " التقليدية ، مضافا اليها كون العناصر الوطنية نفسها كانت اقرب للافراد المشتتة منها للوفد السياسي المنسجم والمتماسك الذي له وضوح كامل باهدافه . . . هذه التشكيلة اذن ، لايمكن ان تعطي موضوعيا وذاتيا اكثر مما اعطته ( بيير جيلي الموظف الكبير في وزارة الخارجية الفرنسية في عهد ادجار فور، والمسؤول الاول عن المباحثات المغربية – الفرنسية لتلك الفترة التاريخية ، يعطي في كتابه – المصدر السايق – استنادا على محاضر جلسات مفاوضات اكس ليبان ، ارقاما مدققة لعدد كل وفد من الوفود المغربية المشاركة ، كما يعطي بعض المقتطفات من اهم الخطابات التي القيت ، ان المثير للانتباه هو ان كلمات ابرز القادة الوطنيين لم تكن هي نفسها تخرج عن اطار الخطاب السياسي التقليدي ، ويقول المؤلف ان خطاب احدهم الذي القي بلغة فرنسية انيقة ، لقي استحسانا كبيرا لدى الاوسلط الديبلوماسية الفرنسية .
والخطير في الامر ان نتائج مفاوضات اكس ليبان ، لم تقدمها النخبة الوطنية المشاركة في المفاوضات ، على حقيقتها ، أي بصفتها مساومة سياسية مع المستعمر وحلفائه في الداخل ، بل قدمتها في حلة ايديولوجية ذات طابع انتصاري افسدت التعبئة الجماهيرية وضببت الاهداف السياسية ( سيشير بنبركة في " الاختيار الثوري" لذلك الموقف – الايديولوجي في الاصل – عندما يصفه كاحد الاخطاء السياسية الثلاثة القاتلة ) .
ان هزيمة اكس ليبان قد شكلت من الناحية التاريخية ، القاعدة الايديولوجية للهزائم السياسية اللاحقة ( حل جيش التحرير ، طرد المجموعة التقدمية من الحكومة ، انفصال النقابة العمالية عن الحزب ) .
وهكذا مع حلول بداية الستينات ودخول القوى التقدمية في المعارضة ، تكون كل الشروط السياسية التي اطلقها اكس ليبان قد اكتملت للشروع في تحديث الاقطاع .. في تحويل الاقطاع الى بورجوازية زراعية تابعة .
ان هذه المهمة ستتوفر لها كل الشروط السياسية والقانونية والاجتماعية والمالية اللازمة .
1 ) على الصعيد السياسي – القانوني : سيتم ذلك تحت اشراف وتوجيه الدولة ، التي عبأت لهذا الغرض وزارتها المهنية ( الفلاحة ، التعليم ، التجهيز ، الداخلية ) ومكاتبها الملحقة ، ومؤسساتها المالية ( القرض الفلاحي ...) ومخططاتها الاقتصادية ، وقوانين الاستثمارات والانخراط في السوق الاوربية المشتركة انذاك ... الخ .
2 ) على الصعيد المالي : ستلجأ الدولة الى مختلف المؤسسات المالية العالمية للحصول على القروض اللازمة من اجل تمويل منشات وتجهيزات الري الضخمة من سدود وقنوات وغيرها .
3 ) على الصعيد الاجتماعي : لقد انطلقت صيرورة تحديث الاقطاع في محيط عقاري ملائم ، كانت ابرز مظاهره :
أ- - وجود فئة اجتماعية من التجار المغاربة ، كانت قد امتلكت اراضي زراعية واستغلالها استغلالا راسماليا منذ الفترة الكولونيالية ( كانت هذه الاراضي عند حلول الاستقلال السياسي تقدر بحوالي 300000 هكتار ) .ب – تمكن فئة من الموظفين الكبار ، مدنيين وعسكريين ، المستفيدين من امتيازاتهم البيروقراطية من شراء اراضي
المعمرين ( يقول ووتر بيري في " امير المؤمنين " – بالفرنسية – بهذا الصدد : " لقد انطلقت مع بداية الاستقلال حركة واسعة من البيع والشراء في اراضي المعمرين . ولقد وجد الجميع ، من نخبة ومعمرين ونظام مبتغاه في هذه الحركة . فبالنسبة للمعمر الذي كان يعلم بان رحيله من المغرب سياتي لامحالة ان اجلا ام عاجلا وحيث كان يخشى خطر نزع الملكية الذي يهدده . . فقد كان راضيا كل الرضى ان يبيع ممتلكاته لبعض ممثلي النخبة الذين غالبا ما كانوا يحتلون مواقع هامة في الحكومة ، تسمح له بضمان تحويل راس ماله الى الخارج ، وبالنسبة للنظام ، فان تلك العملية اذا ما سارت على نفس الوتيرة ، ستعفيه من مشكل استرجاع الاراضي واستصلاحها " .
في هذا المحيط الاجتماعي الملائم اذن ، سيتم تحديث الاقطاع ( لنلاحظ بالمناسبة ان العديد من الموظفين الكبار وخاصة العسكريين منهم – الذين اشتروا اراضي المعمرين – هم ابناء بعض الاقطاعيين ، لذلك فهم يستخدمون نفوذهم العقاري الراسمالي ونفوذهم الثقافي للتاثير على ابائهم .، كذلك يجب الا ننسى انه بعد الحصول على الاستقلال السياسي ، لم يعد الخماسون يقبلون استمرار وضعيتهم السابقة كاقنان ، بل اصبحوا يفضلون ان يكونوا عمالا زراعيين ).
هكذا اذن ، سينضاف الاقطاعي الحديث الى البيروقراطي الزراعي والتاجر الزراعي ، ليشكلوا جميعا فئة اجتماعية جديدة موحدة المصالح ، هي : البورجوازية الزراعية التابعة .

تناقضات البورجوازية الزراعية :

ان الاستراتيجية التي حاولت مختلف المخططات الاقتصادية خدمتها بايعاز من ، وتشجيع الشركات المتعددة الجنسيات ، تكمن في تقوية البورجوازية الزراعية ، ولقد كانت مراكز السلطة الراسمالية العالمية تتوخى من وراء تلك البورجوازية ، ان تكون بمثابة الاسمنت الذي يلحم السوق المحلي بالسوق الراسمالي العالمي . وهذا ما حصل فعلا بحكم التسهيلات السخية والامكانات المادية الضخمة ، التي وضعت تحت تصرف المشروع ، فليس غريبا والحالة هذه ، ان يحتل الراسمال الزراعي في الوقت الحاضر ، موقع الهيمنة بالنسبة لمختلف اشكال الراسمال المحلي الاخرى .
بيد ان البورجوازية الزراعية ، نظرا لطبيعتها التاريخية والاقتصادية ، سرعان ما ستجد نفسها امام تناقض حاد يصعب عليها التخلص منه . اما الوجهان الاساسيان لهذا التناقض فهما التاليان :
1 ) فبعد ان استكمل الاقطاع تحوله ، وبعد مغربة اراضي المعمرين ، يكون الراسمال الزراعي بذلك قد استنفذ احتياطاته العقارية المتوفرة . وهذا يعني ان شروط التراكم الموسع لراسمال قد ضاقت .
2 ) ان البورجوازية الزراعية المغربية المتخصصة في انتاج الحوامض والبواكر للسوق الراسمالية العالمية قد قامت مصالحها تاريخيا على امتيازين اثنين . الاول طبيعي ( الريع المناخي ) الذي مكنها موضوعيا من التخصص في تلك المزروعات ، والثاني تجاري يرجع للتسهيلات الجمركية التي سمحت بها بلدان السوق الاوربية المشتركة نتيجة انخراط المغرب في تلك السوق .
غير ان هذين الامتيازين هما الان سائران نحو التقلص .
بالنسبة للاول : لقد ادى تطور التكنولوجيا الى تطويع المناخ في بلدان المركز الراسمالي ، بواسطة الاستعمالات الطاقوية ، الشيء الذي سمح بامكانية زرع مزروعات كانت قبل هذا الوقت يتم استيرادها من البلدان ذات المناخ الطبيعي الملائم ( هذه الزراعة تعرف بزراعة البيئة المكيفة ).
بالنسبة للثاني : ان تدويل السوق الراسمالية العالمية ، يؤدي بالضرورة الى توسيع السوق الاوربية المشتركة، وان انضمام اسبانيا لها يجعل المجموعة الاوربية في استغناء عن المزروعات المغربية .
كيف حاولت البورجوازية الزراعية المغربية حل ذلك التناقض الذي اصبح يهدد مصالحها ؟
فيما يخص الوجه الاول من التناقض المتعلق باستنفاذ الاحتياط العقاري . فهذا ممكن التغلب عليه ، اذ يكفي تحويل التراكم الموسع الى تراكم مكثف عن طريق تطوير قوى الانتاج ( مع ما يستتبعه بطبيعة الحال من تعميق التبعية الناجم من استيراد التكنولوجيا المتطورة ووسائل التمويل ).
لكن هذا الحل ممكن فقط في شروط امكانية تحقيق راس المال الزراعي في السوق الاوربية المشتركة ، وهو مالم يعد ممكنا بحكم ضرب احتكار الريع المناخي وتدويل السوق الرسمالية العالمية . .
واذن فان اتجاه تطور البورجوازية الزراعية المغربية ، ليس هو التراكم المكثف لراس المال الزراعي بضخ المزيد من الرساميل في البادية ، ولكن هو بالعكس نقل جزء من ذلك الراسمال خارج البادية للبحث له عن مجالات توظيف اخرى مربحة اكثر ، ونظرا للطبيعة البنيوية – الاجتماعية للبورجوازية الزراعية بما هي بورجوازبة تابعة ، فان مجالات توظيفاتها سوف لن تتجاوز النشاط العقاري في المدن ، والتجارة والخدمات والصناعة .
واذا ما افترضنا ، في احسن الاحوال ، ان الهيمنة الجديدة ستكون من نصيب الراسمال الصناعي المعد للتصدير ( وهو اقصى ما يمكن ان تصل اليه فئة اجتماعية مرتبطة عضويا بالراسمال العالمي ) ، فان ذلك لن يحل أي شيء بالنسبة لمسالة التنمية .
فالتبعية هي دائما تبعية ، سواء كانت مبنية على الزراعة التصديرية او على الصناعة التصديرية . وهذه الحقيقة يمكن البرهنة عليها ليس فحسب ، من الناحية النظرية ، ولكن تاكيدها ايضا من الناحية التاريخية .
ان البرازيل لها من القدرات والامكانيات بما لايقاس مع المغرب . فهي تتوفر على قاعدة صناعية هامة ، وعلى جيش من الاطر التقنية والمهندسين الاكفاء والعمال المتخصصين ، وقد راكمت خبرة طويلة في ميدان التسيير الاداري والاقتصادي . ومع ذلك ، فان مديونتها البالغة انذاك حوالي مائة مليار دولار تعتبر اول مديونة في العالم ، وان الصحف تتحدث في ذلك الوقت عن خطر الموت الذي يهدد سكانها جراء المجاعة . كيف وصلت الى هذه النتيجة الماساوية ؟ - لقد اقترضت رساميل كبيرة من المؤسسات الدولية لتمويل صناعة التصدير الضخمة مراهنة على الارباح التي ستجنيها من وراء ذلك في الاسواق الراسمالية العالمية .
لكن الازمة التي عصفت بالنظام الراسمالي ستحد من التصدير البرازيلي . معرضة بذلك صناعتها للافلاس ( ان مشكل صناعة النسيج المغربية ، معبر هو الاخر في هذا المجال ).

الاسس المادية للثورة التحديثية :


الخلاصة التي يقود اليها التحليل السابق ، هي ان تأريخ تخلف المغرب ، هو تأريخ التبعية للمركز الراسمال العالمي ، وان هذه التبعية التي تقمصت اشكالا متنوعة حسب كل مرحلة من مراحل التاريخ ، ابتداءا من الفتح التجاري في القرن التاسع عشر ، مرورا بتكوين اقطاع مغربي تابع فبرجوازية زراعية تابعة ، وانتهاءا ببورجوازية صناعية تابعة محتملة – هذه التبعية كانت دائما تستند ، عبر مراحل التاريخ الطويلة ، الى بنية عقارية متخلفة تابعة ، بل ان تخلف تلك البنية كان في الاصل هو سبب انتصار علاقة التبعية منذ اللحظة الاولى .
وعليه ، فان القطيعة الراديكالية مع التبعية بمختلف اشكالها وتلاوينها – التي هي شرط كل تحرر وطني حقيقي وكل تقدم اجتماعي فعلي – هي غير ممكنة بدون حل المسالة الزراعية حلا راديكاليا ثوريا .
ان الثورة التحديثية التي كانت مطروحة على المغرب منذ منتصف القرن التاسع عشر ابان الاحتكاك مع اوربا الرسمالية ، والتي اخفقت بسبب انعدام النضج المجتمعي في ذلك الوقت ، لازالت في جوهرها مطروحة ايضا في الوقت الحاضر ، وان الذي تغير مع تغيير شروط العصر التاريخي هو فقط شكلها .. أي انها لم تعد تنتمي للنموذج الغربي الكلاسيكي ... ( من الطراز البروسي الالماني او الميجي الياباني ... ) . ولكن النموذج الشرقي الجديد ( من الطراز الروسي والصيني ...) مع امكانية ابداع تجربة مغربية اصيلة ومتميزة ضمن ذلك الاطار العام .
ان هذه الثورة التحديثية التي تشمل الاقتصاد والسياسة والثقافة والدولة والمجتمع ، تمثل فيها المسالة الزراعية مفتاحها الاساسي وحلقتها المركزية .
فماذا يعني اذن تحديث الهيكلة العقارية في البادية تحديثا عقلانيا راديكاليا ؟ .
يعني ان التغيير ينبغي ان يمس في العمق المجالين الاساسيين التاليين : 1- الملكية العقارية الراسمالية الكبرى الخاصة .. 2- الملكية التقليدية بمختلف رواسبها المختلفة .
1- على الصعيد الاول : ( الارقام المعتمدة ماخوذة في معظمها ، من الاحصاء الفلاحي لنونبر 1976 ، الذي تم تحت اشراف مديرية الاحصاء لكتابة الدولة في التخطيط والتنمية الجهوية لدى الوزير الاول ، والذي لخصه بول باسكون في " المسالة الزراعية " – الجزء الثاني - ).
ان الملكية الراسمالية الخاصة الكبرى معيقة للتقدم الاقتصادي - الاجتماعي ، من ثلاث جوانب رئيسية )
أ ) طبيعة توزيع الملكية التي سمحت لخمسة الاف بورجوازي زراعي فقط ، باحتكار اجود الاراضي على حساب ملايين الفلاحين . فالمليون هكتار الذي يملكه 5000 بورجوازي زراعي ، يتوفر على كل عوامل الانتاج الضرورية من ري واسمدة وبذور مختارة وتكنولوجيا . والتي يرجع الفضل في جزء هام منها ، الى مساعدات وتسهيلات الدولة . اما الملايين من الفلاحين ، فهي لاتملك سوى حوالي اربعة ملايين هكتار التي هي في جلها اراضي بورية متروكة لمصيرها الخاص .
ب) طبيعة المنتوج : ان انتاج الحوامض والبواكر يجعل ملايين الشغيلة التي عليها يتوفر اقتصاد البلاد ، تكون خاضعة في امنها الغذائي لسلطة الراسمال العالمي ( عوض ان يؤدي تطور المجتمع الى تطور في انتاج الجبوب ، فقد ادى بالعكس الى تقهقره : فالانتاج الذي كان سنة 1934 يصل الى 461 كيلو غرام بالنسبة للفرد ، لم يعد يتجاوز في سنوات الثمانينيات سوى 300 كلغ ) .
ج) طبيعة البورجوازية الزراعية : ان هذه الفئة نظرا لطبيعتها الاجتماعية ، تخصص الجزء الاهم من الفائض الاقتصادي في الاستهلاك الشخصي والتبذير والبذخ ، عوض ان تتم تعبئته لاغراض التراكم الوطني .
2 ) على الصعيد الثاني : ان الملكية التقليدية برواسبها المتخلفة هي ايضا معيقة للتقدم ، ويمكن تقسيم هذه الملكية الى اربعة اشكال رئيسية هي التالية :
ملكية الجماعة ، ملكية الحبوس ، ملكية " الجيش " والملكية الصغيرة الخاصة .
ا ) ملكية الجماعة : تبلغ 1005700 هكتار وتمثل 13.90 في المائة من مجموع الاراضي الزراعية الصالحة .
هذا الشكل يعني قانونيا ان الحق الاعلى للملكية يعود الى القرية او القبيلة . فعلى المستوى المبدئي العام يتم توزيع تلك الاراضي كل سنتين او ثلاثة بين اعضاء الجماعة . لكن على الصعيد العملي فان الفقراء يضطرون الى كراء حصصهم للفلاحين الميسورين باثمان رمزية . الا ان هؤلاء ، نظرا لطبيعة الملكية ، فهم لايعملون على القيام بالاستثمارات ذات الاماد الطويلة او المتوسطة من اجل تطوير شروط الانتاج .
ب ) ملكية "الجيش" : تبلغ 318400 هكتار . وتمثل 4.4 في المائة من الاراضي الصالحة . ان هذه الاراضي هي ايضا ، كسابقتها ، اراضي جماعية ، مع فرق ان الملكية العليا لا تعود هنا للقرية او القبيلة وانما للدولة لذلك فهي ايضا تضع نفس العوائق امام تطور الانتاجية .
ج ) ملكية الحبوس : تبلغ 72300 هكتار ، وتمثل نسبة 1 في المائة . ان الذي يعيق تطور الانتاجية هنا ، هو قصر المدة الزمنية التي بمقتضاها يتم كراء الاراضي . فالكراء يتم بالمزاد العلني كل سنة . وطبيعي قي هذه الحالة الا يطلب من المكتري ادخال اصلاحات هامة مادام هو مضطر لترك الارض مع نهاية السنة .
د) الملكية الصغيرة الخاصة : تبلغ حوالي اربعة ملايين هكتار ، ان الذي يعيق تطور الانتاجية هو تجزئتها البالغة التضخم : 17 في المائة من الاراضي الزراعية الصالحة تتكون من قطع ارضية تقل عن هكتارين ، و50 في المائة تقل عن 10 هكتار .
يستخلص من كل ماسبق ، هو ان الذي يعيق التقدم الاقتصادي – الاجتماعي ، هو واقع الملكية العقارية بشقيها معا : الملكية الراسمالية الكبيرة التابعة ، والملكية التقليدية بمختلف اشكالها .
لذلك فان الشرط الاول للتقدم هو توحيد الملكية العقارية واعادة تنظيمها وفق نظام عقاري عقلاني .
ماهو هذا النظام الجديد؟ هل هو انتزاع كل الاراضي من الملاكين الكبار واعادة توزيعها على صغار الفلاحين ؟
اذا كانت مسالة انتزاع الملكية من الملاكين الكبار ضرورة ملحة ، فان اعادة التوزيع على الفلاحين غير عقلانية بسبب ندرة الاراضي الصالحة للزراعة في المغرب ، وبسبب ضعف المردود الناجم عن ذلك .
ان الاراضي القابلة للاستصلاح قد استنفذت منذ نهاية الاستعمار الكولونيالي ، وليس هناك اذن مجال لتوسيعها في الشروط القائمة . والاراضي الممكن زراعتها فعلا سنويا لا يتجاوز حدها الاقصى اليوم ستة ملايين هكتار .
في تحليل احصائي قام به نجيب بودربالة في مطلع السبعينات ( " المسالة الزراعية "- ج ا- بالفرنسية ) خرج منه بالخلاصة التالية ، وهي انه اذا اعتبرنا الحد الادنى للمساحة الاقتصادية هو في المتوسط 13 هكتار ( 5 في الاراضي السقوية ومابين 10 – 20 هكتار في الجافة ) واذا افترضنا انه تم انتزاع الملكية من جميع الملاكين الكبار واعادة توزيعها وفق 13 هكتار لكل عائلة قروية .. فلكي تتمكن جميع العائلات من الاستفادة من التوزيع يلزمنا ما مجموعه 20 مليون هكتار والحال اننا لانتوفر الا عن 6 ملايين . ومعنى هذا ان الثلث فقط هو الذي سيستفيد ، بينما الثلثان الباقيان لن يكون من نصيبهما أي شيء .
ان ندرة الاراضي تجعل من المستحيل تصور امكانية حل مشكل البطالة والدخل بالنسبة للفلاحين اعتمادا على الامكانيات الذاتية للبادية وحدها . اذ لابد من ربط الانتاج الزراعي بالانتاج الصناعي .
والنظام العقاري العقلاني الذي ينسجم من هذا الوضع هو : تاميم الملكية العقارية وجعل الدولة تتحكم في الانتاج ، متيحة بدذلك تشغيل جزء من الفلاحين في تعاونيات الدولة ، ونقل الجزء الفائض الى المدن كعمال في الصناعة ( التي يجب انشاؤها ) .