تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// تناقضات البورجوازية الزراعية .


بلكميمي محمد
2009 / 1 / 6 - 09:22     

« ماهي الاسباب التي جعلت من المغرب ، وهو البلد الزراعي حسب المعايير الاقتصادية – الاجتماعية ، يصبح عاجزا حتى عن انتاج ما يكفي لتغذية مواطنيه ؟ .
لماذا ظل المغرب ، رغم امكانياته البشرية وثرواته المعدنية ومحيطاته الشاسعة ، عاجزا عن ان يكون بلدا صناعيا ؟
لماذا لم يجد المغرب المثقل بالديون الخارجية من مخرج لازمته المالية سوى التنازل عن السيادة الوطنية لصندوق النقد الدولي الذي اصبح المتحكم في رسم السياسة الاقتصادية للبلاد ؟ .
هل مرد هذا التخلف المجتمعي الشامل الى عجز بنيوي في نفوس وعقول واجسام المغاربة ، بما هم ذوات مشلولة الفكر والفعل والارادة ؟ .» ام يعود لاسباب اخرى ؟.


ان الاستراتيجية التي حاولت مختلف المخططات الاقتصادية خدمتها بايعاز من ، وتشجيع الشركات المتعددة الجنسيات ، تكمن في تقوية البورجوازية الزراعية ، ولقد كانت مراكز السلطة الراسمالية العالمية تتوخى من وراء تلك البورجوازية ، ان تكون بمثابة الاسمنت الذي يلحم السوق المحلي بالسوق الراسمالي العالمي . وهذا ما حصل فعلا بحكم التسهيلات السخية والامكانات المادية الضخمة ، التي وضعت تحت تصرف المشروع ، فليس غريبا والحالة هذه ، ان يحتل الراسمال الزراعي في الوقت الحاضر ، موقع الهيمنة بالنسبة لمختلف اشكال الراسمال المحلي الاخرى .
بيد ان البورجوازية الزراعية ، نظرا لطبيعتها التاريخية والاقتصادية ، سرعان ما ستجد نفسها امام تناقض حاد يصعب عليها التخلص منه . اما الوجهان الاساسيان لهذا التناقض فهما التاليان :
1 ) فبعد ان استكمل الاقطاع تحوله ، وبعد مغربة اراضي المعمرين ، يكون الراسمال الزراعي بذلك قد استنفذ احتياطاته العقارية المتوفرة . وهذا يعني ان شروط التراكم الموسع لراسمال قد ضاقت .
2 ) ان البورجوازية الزراعية المغربية المتخصصة في انتاج الحوامض والبواكر للسوق الراسمالية العالمية قد قامت مصالحها تاريخيا على امتيازين اثنين . الاول طبيعي ( الريع المناخي ) الذي مكنها موضوعيا من التخصص في تلك المزروعات ، والثاني تجاري يرجع للتسهيلات الجمركية التي سمحت بها بلدان السوق الاوربية المشتركة نتيجة انخراط المغرب في تلك السوق .
غير ان هذين الامتيازين هما الان سائران نحو التقلص .
بالنسبة للاول : لقد ادى تطور التكنولوجيا الى تطويع المناخ في بلدان المركز الراسمالي ، بواسطة الاستعمالات الطاقوية ، الشيء الذي سمح بامكانية زرع مزروعات كانت قبل هذا الوقت يتم استيرادها من البلدان ذات المناخ الطبيعي الملائم ( هذه الزراعة تعرف بزراعة البيئة المكيفة ).
بالنسبة للثاني : ان تدويل السوق الراسمالية العالمية ، يؤدي بالضرورة الى توسيع السوق الاوربية المشتركة، وان انضمام اسبانيا لها يجعل المجموعة الاوربية في استغناء عن المزروعات المغربية .
كيف حاولت البورجوازية الزراعية المغربية حل ذلك التناقض الذي اصبح يهدد مصالحها ؟
فيما يخص الوجه الاول من التناقض المتعلق باستنفاذ الاحتياط العقاري . فهذا ممكن التغلب عليه ، اذ يكفي تحويل التراكم الموسع الى تراكم مكثف عن طريق تطوير قوى الانتاج ( مع ما يستتبعه بطبيعة الحال من تعميق التبعية الناجم من استيراد التكنولوجيا المتطورة ووسائل التمويل ).
لكن هذا الحل ممكن فقط في شروط امكانية تحقيق راس المال الزراعي في السوق الاوربية المشتركة ، وهو مالم يعد ممكنا بحكم ضرب احتكار الريع المناخي وتدويل السوق الرسمالية العالمية . .
واذن فان اتجاه تطور البورجوازية الزراعية المغربية ، ليس هو التراكم المكثف لراس المال الزراعي بضخ المزيد من الرساميل في البادية ، ولكن هو بالعكس نقل جزء من ذلك الراسمال خارج البادية للبحث له عن مجالات توظيف اخرى مربحة اكثر ، ونظرا للطبيعة البنيوية – الاجتماعية للبورجوازية الزراعية بما هي بورجوازبة تابعة ، فان مجالات توظيفاتها سوف لن تتجاوز النشاط العقاري في المدن ، والتجارة والخدمات والصناعة .
واذا ما افترضنا ، في احسن الاحوال ، ان الهيمنة الجديدة ستكون من نصيب الراسمال الصناعي المعد للتصدير ( وهو اقصى ما يمكن ان تصل اليه فئة اجتماعية مرتبطة عضويا بالراسمال العالمي ) ، فان ذلك لن يحل أي شيء بالنسبة لمسالة التنمية .
فالتبعية هي دائما تبعية ، سواء كانت مبنية على الزراعة التصديرية او على الصناعة التصديرية . وهذه الحقيقة يمكن البرهنة عليها ليس فحسب ، من الناحية النظرية ، ولكن تاكيدها ايضا من الناحية التاريخية .
ان البرازيل لها من القدرات والامكانيات بما لايقاس مع المغرب . فهي تتوفر على قاعدة صناعية هامة ، وعلى جيش من الاطر التقنية والمهندسين الاكفاء والعمال المتخصصين ، وقد راكمت خبرة طويلة في ميدان التسيير الاداري والاقتصادي . ومع ذلك ، فان مديونتها البالغة انذاك حوالي مائة مليار دولار تعتبر اول مديونة في العالم ، وان الصحف تتحدث في ذلك الوقت عن خطر الموت الذي يهدد سكانها جراء المجاعة . كيف وصلت الى هذه النتيجة الماساوية ؟ - لقد اقترضت رساميل كبيرة من المؤسسات الدولية لتمويل صناعة التصدير الضخمة مراهنة على الارباح التي ستجنيها من وراء ذلك في الاسواق الراسمالية العالمية .
لكن الازمة التي عصفت بالنظام الراسمالي ستحد من التصدير البرازيلي . معرضة بذلك صناعتها للافلاس ( ان مشكل صناعة النسيج المغربية ، معبر هو الاخر في هذا المجال ).