الأمة العربية في مواجهة الموت


عمار ديوب
2009 / 1 / 5 - 07:18     

ربما صار الوقت مناسباً (وأخشى أننا سنكرر هذه العبارة دائماً) كي تواجه أمتنا مصيرها بنفسها، وألّا تعتمد على غيرها في إنجازاتها ولكن دون انقطاع قومي ضيق عن وحدة العالم المترابطة. فالعرب لم ينجزوا دولتهم الواحدة، ولم يصنعوا اقتصادهم، ولم يحرروا أراضيهم، ولم يفصلوا السياسة عن الدين، والأزمة تحيق بكل قطاعات مجتمعاتهم، وحتى الدول المرتفعة الدخل فيها، هي دول ريعيّة، وتجاوزاً نقول عنها دول. وبالتالي أمتنا لم تحقق نهضتنا القومية وكل دول العالم المتقدم ومن الصف الثاني تطمع بها، وجاءت الأزمة الاقتصادية الراهنة لتشفط كل ما تراكم من أموال في البنوك الأجنبية وفي القطاعات الاقتصادية والمالية.
مأساة غزة، هي نتيجة لما آلمّ بهذه الأمة، وردودنا عليها في مشرق العالم العربي ومغربه، لا تتجاوز العاطفية الحمقاء، ولم تصل إلى مستوى الدولة الصهيونية الاستعمارية التي أعدّت نفسها لحروبها التي لا تنتهي ضد أمتنا بأكملها، وتقريباً ربحت كل حروبها، وحتى حين لم تنتصر على حزب الله قيدته، بقوانين دولية تلزمه ألّا يتجاوز حدود لبنان. ولذلك ليست أول مرة يهان العرب فيها، فهناك تاريخ من الهوان ولن تكون ردود فعلنا ذات نتائج تذكر ما دمنا كما نحن.
العرب الأشاوس عليهم أن لا يكذبوا على أنفسهم مجدداً، العرب في المعادلة الدولية لا شيء، وهم فقط أرض زاخرة بالثروات الطبيعية، ولديهم أموالاً عليهم أن يدفعوها ثمناً لأسلحةٍ أمريكية لا تستخدم أو وضعها في البنوك لإخراج كبار الشركات العالمية من أزماتها، أية مسخرة هذه!! بينما إسرائيل تستخدم الأسلحة يومياً في القضاء على كل حراك فيه نزوع وطني وأحياناً ليس فيه كي تبقي العرب في النزوع العاطفي المقيت؛ مما يسهّل عملية قتلهم بلا نتائج تذكر.
لقد سال الدم الفلسطيني والعرب كثيراً ولم يجني العرب منه شيء ربما باستثناء الأنظمة التي لطالما استفادت منها، والادعاء بالوطنية وخوضها الحروب ولكنها في المحصلة لا تنتصر إلّا على شعوبها!!
ولذلك وكي لا نبق على هامش التاريخ وربما خارجه: على العرب- و مأساة غزة لن تكون سوى جزء من تراكم الهزائم علينا - مواجهة تحديات التاريخ الحالي وهي:
- الانتقال إلى نظام ديموقراطي علماني ونبذ الشموليات والديكتاتوريات والملوك والزعماء التاريخيين، واعتبار مقياس أية ديموقراطية هي مقدار الحريات المعطاة للشعب ومقدار مواجهة تحديات الخارج الامبريالي.
- ضرورة الإقلاع عن اقتصاد النفط والدولة والتبعية للخارج وبناء اقتصاد صناعي ومتعدد الأوجه ويعتمد على آخر الثورات المعرفية الالكترونية.
- الانتقال إلى تعليم مبني على العقل والنشاط والتفكير وليس على الحفظ و(العلف) وكأن أولادنا حيوانات علينا إطعامهم شيء لا نتيجة له سوى ديمومة الحياة في الجسم ولا نتيجة له على العقل أو الواقع الذي نعيشه.
- اعتبار كل أرض محتلة أرض محتلة وليست أمور يمكن المساومة عليها من أجل تحسين العلاقة مع دول الجوار سواء أكانت إيران أو تركيا أو إسبانيا والأنكى اعتبار إسرائيل جزء من دول المنطقة وبالتالي يجب محاربة النزعة الصهيونية لا الشعب اليهودي ذاته، وإذ ما رغب أن يعيش كالشعب الفلسطيني فليستمر ومن يرغب ببقاء دولة إسرائيل عليه أن يعد حقائبه للعودة إلى البلاد التي أتى منها.
- اعتبار كل حركة إسلامية أو طائفية حركة معيقة لتقدم التاريخ العربي، وحتى ولو قامت ببعض الأدوار الوطنية، فهي بالنهاية لن تكون سوى منظمة طائفية تسعى لتأبيد نظام طائفي يدمر كل مستقبل ممكن للعرب، فهذا حزب الله لا يطالب سوى بشراكة مع أحزاب طائفية أردأ من عليها، وبالتالي هو حزب لا يؤجج سوى الطائفية، رغبنا أم لم نرغب.
القوى القادرة على تحقيق ما أشرنا إليه: كل القوى الحداثية شريطة ألا ترهن نفسها لقضية واحدة، فالعلمانيون العرب عليهم الخروج من عقلية الجهادية العلمانوية واعتبارها قضية القضايا. وكذلك الديمقراطيون عليهم، تطعيم ديمقراطيتهم السحريّة بالوطنية والعلمانية والمساواة، والوطنيون بدورهم عليهم الابتعاد عن دعم أنظمة الاستبداد واعتبار المواطنة والديموقراطية رديف للوطنية باعتبارها الدفاع عن الوطن ضد الخارج. وربما على الماركسيون كثير من العمل والإقلاع عن عقلية الشعور بالذنب فالآخرين ليسوا أفضل منهم، وبالتالي عليهم أن يضمّوا العلمانية والديموقراطية والقومية كجزء من برنامجهم العام. وبالتالي أن يكونوا ماركسيون أن تكون القضايا المشار إليها قضاياهم.
وعليه هل تستطيع هذه القوى تضمين برامجها تلك القضايا! فإن استطاعت ستتجاوز أزماتها وإن لم تستطع ستبقى موجودة ولكن في هامش التاريخ فقط، وربما عندها لن تشبه سوى الطوائف الدينية التي تطل برأسها من جوف أمتنا مطالبةً بالسلطة؛ وفق اعتبارات دينية تعود لمئات السنين؟!.