تعقيب علي د. مجدي الجزولي حول مقاله بعنوان:نحو مناقشة (شيوعية) لقضية اسم الحزب


تاج السر عثمان
2008 / 12 / 18 - 07:40     


كتب د. مجدي الحزولي مقالا بالعنوان اعلاه في صحيفة الميدان(الغراء) العدد(2098) الصادر بتاريخ: 16/12/2008م، ومن خلال قراءتي للمقال أود أن ابدي عليه الملاحظات الآتية:
1- يقلل الكاتب من الجهد الذي بذله الشيوعيون السودانيون في المناقشة العامة والصراع الفكري الذي دار حول كل محاورها بما في ذلك اسم الحزب، ويصف المناقشة )بالعاطفية اكثر منها فكرية) او (ذاتية اكثر منها موضوعية)، و(طغيان العواطف علي الفطن)، وطرح الكاتب الهدف من مقاله الانتقال (بالنقاش الي أرض موضوعية دون ان تدعي فك الاشتباك ، وهو مما لابفك بالهندسة الحزبية: أغلبية وأقلية)،. كما يعمم الكاتب علي وجهتي النظر حول اسم الحزب باعتبارها اما حجج (فقهية) أو حجج (جهادية) وهذا يجافي الواقع والموضوعية التي وعدنا بها.
2- يري الكاتب أن (التصفوية اليمينية) ليست عيبا في العمل الشيوعي في بلادنا، ولكن المشكلة في (التحول عن يسارية مادية تريد التغيير الاجتماعي بمعرفة التاريخ والاجتماع والاقتصاد علما لاتكهنا، ودراسة لارغبة، الي يسارية مثالية همها صنم الشعار والراية وتراث الاولين كأنما الأمر بيننا دين نجدد عهده كل صباح)، وهذا قول غير صحيح وتدحضه عشرات الدراسات والابحاث التي اصدرها الحزب والكتاب الشيوعيون. كما أن ان مصطلح ( اليميني التصفوي) ليس توبيخا أو تهمة ولكنه تيار فكري كان موجودا في تاريخ الصراع الفكري في الحزب الشيوعي، ويري هذا التيار: حل الحزب الشيوعي وذوبانه في كيان اوسع او تكوين حزب جديد يتخلي عن الماركسية والطبيعة الطبقية للحزب، وسيظل هذا التيار موجودا طالما كان الصراع الفكري الدائر في الحزب انعكاسا للصراع الطبقي والاجتماعي الدائر في المجتمع، وقد برز هذا التيار في الصراع الداخلي الذي دار في الحزب عام 1947، 1951، 1966 وفي عام 1970، واخيرا انقسام مجموعة الخاتم عدلان عام 1994م، وتمت هزيمته.
3- يجافي الكاتب الواقع في عرضه للصراع الذي دار عام 1947م حول وجود الحزب المستقل أم ذوبانه كجناح يساري في الاحزاب الاتحادية والذي تم حسمه من خلال وجود الحزب المستقل، وكان ذلك جوهر نقد عبد الخالق لتلك المجموعة التي طرحت تصفية الحزب وذوبانه في الاحزاب الاتحادية( ولقد تناولت ذلك الصراع بتفصيل في دراسة انجزتها عن: تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الصراع ضد الاتجاهات اليمينية التصفوية، وتم نشرها في موقع الميدان علي الانترنت.
4- يقول الكاتب( خرج الشيوعيون السودانيون الي الناس من مؤتمرهم في فبراير 1956م وقد خلعوا عباءة( الجبهة المعادية للاستعمار)، وهذا ليس صحيحا فقد كان الاسم حتي المؤتمر الثالث هو (الحركة السودانية للتحرر الوطني)، وتم تعديل الاسم الي الحزب الشيوعي باعتبار أن تعبير الحزب ادق من الحركة وان التنظيم وصل مرحلة اعلان الحزب، بينما استمرت الجبهة المعادية للاستعمار حتي انتخابات 1958م، وبعدها وقع انقلاب 17 نوفمبر 1958م. وعندما تأسست الجبهة المعادية للاستعمار لخوض اول انتخابات برلمانية عام 1954، كان التنظيم مستمرا باسم (الحركة السودانية للتحرر الوطني) حتي تم تغييره الي الحزب الشيوعي عام 1956م.
5- يقلل الكاتب من النضالات الضارية التي خاضها الشيوعيون في الفترة 1919 – 1943م(فترة الكومنترن)، وكانت تلك الفترة مشحونة باحداث جسام مثل: مثل صعود الفاشية والنازية للحكم واشعالها نيران الحرب العالمية الثانية والدور الكبير الذي لعبه الشيوعيون في بلادهم في مقاومة الخطر النازي،وتكوين الجبهة الواسعة المعادية للفاشية وتعرض الالاف من الشيوعيين للاعتقال والنفي والمحاكمات والاعدامات وتقف محاكمة جورجي ديميتروف سكرتير الحزب الشيوعي البلغاري أمام محمكة النازية في (لايبزغ) دليلا ساطعا علي تحويل المحكمة الي محاكمة للنازية والفاشية، اضافة للدور الذي لعبه الشيوعيون في نهوض حركات التحرر الوطني في المستعمرات، والدور الذي لعبه الاتحاد السوفيتي في هزيمة الفاشية والنازية، والمقاومة الاسطورية للاحتلال النازي، كما لعب الشيوعيون دورا كبيرا في مقاومة الانظمة الرأسمالية في اوربا وكشف نهبها للكادحين ونهب شعوب العالم الثالث واستنزاف مواردها، والدور الكبير الذي لعبته حركة الطبقة العاملة حتي انتزعت مكاسب كثيرة في البلدان الرأسمالية بفضل الدفعة الكبيرة للثورة الروسية، كما تمت الاصلاحات الكينزية في اوائل الثلاثينيات من القرن الماضي والتي نتجت عنها دول الرفاه في دول شمال اوربا. ولذلك اري أن الكاتب قدم لنا تاريخا ميتا غير نابض بالحياة، رغم السلبيات التي لازمت الكومنترن والتي عددها الكاتب، كما اغفل الكاتب خيانة الاممية الثانية واحزابها الاشتراكية لشعوبها والتي وقفت سندا وعضدا لامبريالية بلدانها في الحرب العالمية الأولي، وحتي عندما وصلت الاحزاب الاشتراكية للسلطة حافظت علي ركائز الانظمة الرأسمالية عكس الاحزاب الشيوعية التي طرحت التغيير الجذري للنظم الرأسمالية، فالكاتب قدم لنا تاريخا ميتا للكومنترن.
6- واخيرا خلص الكاتب الي استناجات خاطئة مثل:1-تاريخية الاسم الذي ارتضي حزبنا وارتباطه بحقبة من عمله قامت علي عدة مقولات، سقطت في اختبار التاريخ، ابرزها التصور الخطي للانتقال من الثورة الوطنية الديمقراطية الي الاشتراكية فالشيوعية، وهذه فقد اثبتت حوادث التاريخ انها تبسيط مخل للصراع الاجتماعي. 2- علينا التحرر من (طفولية) التمسك الصنمي بصيغ وعبارات وتصورات لم تعد تلائم عصرنا، ولااحداثيات الصراع الاجتماعي فيه.3- فعالية العمل الجماهيري هي المحك لتغيير الاسم. 4- مناقشة اسم الحزب في أسر امجاده واخفاقاته لايبارحها ولايتعلم منها رجعية لاتغتفر.
وهي استنتاجات تدحضها تجربة الحزب وممارسته والتي وصلت الي قمتها في المؤتمر الرابع عندما اتخذنا الماركسية كمرشد وليست عقيدة جامدة ودراسة الواقع من اجل فهمه وتغييره ودراسة المجتمع السوداني من الباطن، وبالتالي فان التطور الخطي تجاوزته تجربة الحزب عندما تم النظر للمجتمع السوداني في تباين تطور قوي الانتاج وعلاقات الانتاج وفي تباين الاشكال الاجتماعية والثقافية، وبالتالي، فان بناء الحزب والحركة الديمقراطية يجب أن تأخذ في الاعتبار تباين المستويات المختلفة للتطور في البلاد وتنوع اشكال التنظيم التي تلائم كل منطقة.اضافة الي أن التطور الخطي ليس مفهوما ماركسيا سليما ويتعارض مع المنهج الديالكتيكي الذي ينظر للتطور في شكله الحلزوني، بحيث تنضج كل حلقة في احشاء الحلقة السابقة وتنفيها ديالكتيكيا بعد ان تأخذ افضل مافي الحلقة السابقة وهكذا. تناول الحزب الشيوعي السوداني المرحلة الوطنية الديمقراطية باعتبارها مرحلة قائمة بذاتها لها اهدافها وقواها وتحالفاتها التي تعبر عن مصالح القوي المتباينة التي لها مصلحة في انجاز مهام هذه المرحلة، ومعلوم ان ماركس أشار الي ان الاشتراكية تنضج في احشاء المجتمع االرأسمالي، وفي منطقة التحرر الوطني ومنها السودان توصلنا أن طريق التطور الرأسمالي مسدود كما اكدت تجربة اكثر من مائة عام منذ الاحتلال الانجليزي- المصري للسودان، وبالتالي طرح الحزب المرحلة الوطنية الديمقراطية كبديل للطريق الرأسمالي وهي مرحلة ضرورية لنمو قوي الانتاج وتطوير علاقات الانتاج وبناء المجتمع الزراعي الصناعي وانجاز الثورة الثقافية الديمقراطية، وانجاز الاصلاح الزراعي وتنمية وترقية الريف السوداني، وفي المرحلة الوطنية الديمقراطية يتم تخلق ونمو جنين الاشتراكية ذلك ان المرحلة الوطنية الديمقراطية تتشابك في مستويات عليا مع المرحلة الاشتراكية والتي تعتبر طورا ادني من الشيوعية والتي تعتبر الهدف البعيد، وأن المجتمع الشيوعي هو بداية التاريخ الحقيقي للانسان الخالي من كل اشكال الاستغلال الطبقي والاثني والقومي والجنسي، ويتحقق فيه شعار ( من كل حسب عمله ولكل حسب حاجته)، ويتم فيه تطور الفرد الحر باعتباره الشرط لتطور المجموع الحر. وبالتالي، فان التطور الخطي مفهوم غير ماركسي وغير علمي، وحتي في علم الرياضيات تطورت الهندسة من الاقليدية الي الهندسة اللاقليدية التي وسعت زوايا نظرنا للكون واصبح التطور في علم الرياضيات ينظر للكون كما نشاهده لاكما نتمناه، وتم تجاوز التطور الخطي، اذا كان في الهندسة الاقليدية الخط المستقيم هو اقصر المسافة بين النقطتين، فاصبح في الهندسية اللاقليدية التي تتعامل مع الاجسام الكروية والمنحنية: الخط (الجيوديسي) هو اقصر المسافة بين النقطتين.
كما تحدث الكاتب عن أن الاشتراكية والشيوعية تستهدف خلع (الملكية الفردية)، والدقيق هو تحقيق الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج، بحل التناقض الأساسي في الرأسمالية وهو التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج والتملك الخاص لوسائل الانتاج، اما الملكية الفردية او الشخصية فسوف تتطور وتزدهر في المرحلة الاشتراكية.
اما الحديث عن الطفولية والتمسك الصنمي بصيغ وعبارات وتصورات لم تعد تلائم عصرنا، فهو حديث مردود، اذ مالهدف من المناقشة العامة أن لم يكن تجديد برامجنا ولوائحنا واطروحاتنا لتواكب المتغيرات المحلية والعالمية، والارتباط اكثر فأكثر مع جماهير شعبنا. كما أن اسم الحزب الشيوعي لايتعارض مع التجديد والتطلع للمستقبل الافضل، واي مستقبل افضل من السير نحو الهدف البعيد: تحقيق المجتمع الشيوعي الذي يعتبر ارقي التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية، وبداية التاريخ الانساني الحقيقي.