هل على اليسار الماركسي التحالف مع، أو دعم كل من عارض أمريكا والاحتلال؟


حميد كشكولي
2008 / 12 / 18 - 08:53     

الحذاء الطائر, وصاحبه أصبحا أسطورة الزمن العربي في المرحلة الراهنة، ويستمر المنبهرون بهما بنسج المزيد من الحكايات الخارقة عن وطنية هذا الحذاء وصاحبه ودورهما في تحرير الوطن من الاحتلال و استعادة سيادته ووحدته. كما لا يكف بعض عن تنسيبه لاتجاهه السياسي والفكري في سجال يبدو أنه سوف يدوم لفترة . فمن نسبه إلى الصدريين، و آخرون اعتبروه بعثيا ، وثمة من يروق لهم أن يحسبوه على الشيوعيين، طبعا التيار التقليدي .
ولكنني لا أراه خارج الدائرة القومية العروبية المتباكية على نفوذها و سلطاتها المغتصبة ، حتى لو كان منتميا إلى التيار الصدري ، أو كان يوما في الحزب الشيوعي العراقي أو أحد مشتقاته البروتستانت، لعمله في قناة فضائية مدعومة من الأنظمة الدكتاتورية الرجعية ، قوى الارهاب القاعدي والسلفي، وما سمعت عن ماضيه. والسؤال الذي يلح على الإجابة هو : هل على الماركسيين ، واليسار العمالي الاشتراكي دعم أي كان لمجرد عمل أداه ضد أمريكا أو أحد رجال الإدارة الأمريكية،لغرض لا صلة له بمصالح الجماهير الكادحة والمحرومين، رغم عنصريته و عدائه للشيوعية والإنسانية ، وموقفه المعادي للمرأة ، والمساواة،والتحرر؟
هل على الشيوعيين إقامة جبهات مع هذه القوى الرجعية على غرار التحالفات السابقة التي شهدنا عواقبها المأساوية، لوجود القاسم المشترك أي معاداة أمريكا وإسرائيل؟ ماذا سيحمل المستقبل لهم ،أ يتركوه على الله ، ولكل حادث حديث؟؟؟؟
هل على اليسار الاشتراكي إقامة تحالف مع الطالبان لأنهم في الفترة الأخيرة نفذت عصاباتهم أكبر عملية عسكرية ضد قوات الناتو ، والمافيات الرأسمالية الغربية بتدميرها عشرات الشاحنات التي تحمل النفط والغاز المسروق من آسيا الوسطى لتشغيل ماكينة الجشع الامبريالية في الغرب. فماذا ينبغي على الماركسيين اتخاذه من موقف؟ هل عليهم أن يرحبوا بالمجازر التي ترتكبها القوى الرجعية المخالفة في هذه الفترة لأمريكا، بحق كل من يخالفهم في الرأي والعقيدة والملبس والمأكل؟
إن كل التقدميين واليسار الاشتراكي يتفقون على أن الامبريالية الأمريكية مسؤولة عن كل ما جرى و يجري في العراق من عنف، فساد، طائفية، إذا علمنا أنها تدخلت حتى في قوانين العراق ، ومناهج التربية والتعليم بعد إسقاطها النظام البعثي ، وقد كانت تدعم النظام الدكتاتوري السابق والأنظمة الأسبق منذ انقلاب تموز 1958 رغم علمها باضطهادها للشعب العراقي.
إن الجيش الأمريكي والشركات الأمنية باتت اليوم فوق القانون. وإن أمريكا كإدارة و ورأسمالية امبريالية متورطة في كثير من عمليات القتل والتفجير في العراق بحيث أصبح العراق من اخطر البلدان في العالم. و منذ الاحتلال والعراقيون يعيشون في أسوا ظروف خدماتية في الصحة والكهرباء الخ.
ليست هذه الطريقة ، و برأيي أن لكل واحد كامل الحرية في اختيار الطريقة الأنسب له للتعبير عن غضبه و احتجاجه ، هي الطريقة الناجعة و التي يجب أن يحاسب بها المجرم بوش ، بل أنه يجب أن يحاكم هو و ستافه من المحافظين الجدد وبيادقه في العراق والشرق الأوسط ، كمجرمي حرب قتلوا أكثر من مما قتلهم النظام البعثي السابق ، ثم قام المجرم بوش بالاعتذار بان المعلومات التي وصلته من الاستخبارات الأمريكية خاطئة اعترافه بعدم دقة المعلومات الاستخبارية التي اضطرته لغزو العراق ، في الوقت الذي يملك فيه أكثر من 16 منظومة للاستخبارات ، ويظن كثر من المحللين السياسيين أن تلك المعلومات من صنعه و الأوساط الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية ، ليجد مبررا للسيطرة على مقدرات العالم عبر احتلال العراق ومنابع البترول والغاز في الشرق و طرق تصديرها ، والتحرش بإيران والكذب على الشعب الأمريكي . إن تصرف الصحفي العراقي منتظر الزيدي حتى لو كان أرعن و حتى لو كان مدفوعا من جهات زعلانة من أمريكا و غير راضية على حصتها من الكعكة ، شاء أم أبى ، كان تعبيرا عن مشاعر ذوي القتلى والأرامل والأيتام والمعاقين والمهجرين من ضحايا غزو أمريكا برئاسة بوش للعراق . ينبغي إحالته أمام محاكم دولية لينال جزاءه العادل فهو لا يختلف عن هولاكو المغول ومجرمي الحروب الكونية. لكن تصرف الصحفي العراقي بقذف فردتي حذائه وشتمه ، بعدما أمن أنه لن يرمى برصاصات القتل ، و تيقن أن ما سوف يقدم عليه ، عمل
طبيعي في بلدان الغرب ، إذ أن أي فرد يستطيع أن يعبر عن رأيه ويظهر غضبه بالطماطم أو البيض الفاسد ، أو بتوجيه كلام خشن ، و عرف يقينا أن عمله أمام الملأ و بعلم العالمين لن يؤدي به إلى التهلكة ، وسوف تضطر السلطات التي اعتقلته ، سواء أمريكية كانت أم عراقية إلى التعامل معه وفق مبادئ حقوق الإنسان . كان التصرف القندري لهذا الصحفي الذي يعمل في قناة تلفزيونية مدعومة من قوى الإرهاب وأنظمة رجعية دكتاتورية رسالة جديدة يبعث بها العرب إلى كل العالم عن الهمجية و التخلف اللذين أصبحا لا أمل من أن يتحرروا منهما أبدا . لقد كان باستطاعة هذا الصحفي أن يوجه أسئلة محرجة لبوش و يمارس مهنته و لكنه فضل أن يعلى صوت الهمجية و الرجعية و يعلق وسام التخلف على صدر كل عربي أمام كل العالم. كل هذا يدعوني إلى النظر إليه كمذنب و اعتباره معتديا، ينبغي إحالته إلى القضاء ومحاكمته محاكمة عادلة.
إن اليسار الاشتراكي العمالي لا يعتبر، بأي شكل من الأشكال، أن مواجهة القوى البعثية والصدرية ، والتيارات البرجوازية للاحتلال الأمريكي مقاومة في سبيل تحرير العراق ، ولا هي بأي شكل من الأشكال، خطوة تقدمية بالنسبة للجماهير العراقية. و من المأساوي في الواقع أن الفراغ الذي خلفه تشتت قوى اليسار الماركسي و ضعفها ، قد ملأته القوى القومية والإسلامية العنصرية غير الراضية عن حصصها ، والساعية إلى نيل مكانة تليق بها في النظام العالمي الجديد، حتى لو كان بالتحالف مع الامبريالية ضد مصالح الجماهير العراقية المحرومة.
ثمة مجسوبون على اليسار يعتبرون أن التيار الصدري، والمقاومة الرجعية الإرهابية ، بمختلف ألوانها ، يقود نضالا معاديا للإمبريالية، والاحتلال و أن هدفه هو تحرير العراق والشعب العراقي واستعادة سيادته وأنه حركة جماهيرية ينبغي احترامها و التعاطي معها أو التحالف معها ، وأنه بالتالي على الماركسيين أن يدعموا انتصاره الحذائي على بوش وبيادقه ، ويزعم هؤلاء اليساريون التقليديون و القوميون أن ما حدث أثناء المؤتمر الصحفي للمجرم بوش بحضور بيادقه شكل ضربة ضد الإمبريالية والاحتلال ،أعادت الحيثية إلى الكرامة العربية المهدورة ، منذ إسقاط النظام القومي العروبي في العراق ،و شنق قائده الرمز ، وفرض مسؤولين أكراد على حكم العراق ، وتشكيل محكمة لرموز العروبة برئاسة كردي يتحدث بعربية مكسرة.
و سرعان ما تبينت بعد سقوط النظام البعثي الطبيعة "التقدمية" لممارسات هذه المليشيات ( الزعلانة من أمريكا) ، مع قيام الصدريين و ما شابههم من قوميين وطائفيين بالهجوم على جميع الأنشطة التي تنظمها المجموعات اليسارية والنقابات العمالية والمنظمات النسوية ، وفرض الحجاب على النساء ومنع السفور حتى لغير المسلمات واضطهاد أتباع الديانات الأخرى. من المؤسف القول إن كتابا كثرا قد ارتكبوا واحدة من أخطر الأخطاء التي يمكن لمن يعتبر نفسه ماركسيا أن يرتكبها، أي: الخلط بين الثورة والثورة المضادة، واستسلامهم للأصوليين الإسلاميين. ونسوا أن الحركات القومية البرجوازية لم تعد تمت بشيء للتقدمية منذ عقود ، حيث تحالفت مع السلفية والوهابية ، وأرجعت المجتمع إلى الوراء لقرون ، وبإشراف من الغرب الامبريالي.
إن اليسار الماركسي يعارض بشكل حازم الأصولية الدينية جميعا بأديانها وفرقها ومذاهبها، و يعتبر النزعات القومية في العراق والمنطقة أفكارا و نزعات رجعية تتناقص مع مصالح الجماهير الكادحة ، وإن تقديم أي نوع من التنازل لصالح تلك القوى الرجعية سيكون مدمرا لأي تيار ماركسي حقيقي داخل الحركة العمالية العراقية ، وسيعود انتصارا مستقبليا للقوى الرجعية التي لا بد أن تلتقي مصالحها في النهاية مع الامبريالية والصهيونية..

من أجل فهم الأسباب الكامنة وراء الخلافات و المقاومة الرجعية بوجه قوات الاحتلال و الشتائم التي توجهها إلى بوش و إدارته، علينا أن ندرس طبيعة السياسة التي أدت إلى هذه المواجهات وخاصة القند رية .فبطرحنا للمسألة على هذا المنوال تصير الأمور أوضح.
إننا كيسار ماركسي عمالي نعتقد أن الأسباب السياسية وراء هذه المواجهات هي الصراع من أجل "اقتسام عادل للكعكة" بين "القدامى " و"الجدد"، أما مصلحة الجماهير فلا اعتبار لها. نعتقد، مثلنا في ذلك مثل «أغلب اليساريين»، أن هذه المقاومة القومية القندرية والأصولية البرجوازية هي « مجرد صراع بين قوتين رجعيتين».
إن أي نصر للصدريين والبعثيين و ما شاكلهم لا يقدم أي شيء للجماهير العراقية فيما يتعلق بظروف عيشها أو نضالها التحرري. و إن ما سمعته يوما من أحد الماركسيين عن حماس يصح على الصدريين و القاعدة والبعث، حين قال: « يجب على المرء أن يكون مجنونا لكي يعتبر حماس منظمة ثورية أو حتى معادية للإمبريالية بشكل حازم.»
فلم تقم القوى القومية والدينية بهذه المقاومة من أجل الجماهير ولا من أجل التحرر الوطني.أنها تقاوم لأنها « هي أيضا تتمنى أن تصبح جزءا من النظام الرأسمالي. إنها تتسلق أكتاف الجماهير المضطهدة وتحاول أخد زمام القيادة من أجل استعمال قوتها لكي تتوصل إلى "اتفاق ملائم" مع المضطهِدين الإمبرياليين. وإن هدفها هو أن يتم القبول بها كجزء من النخبة الحاكمة من طرف القوى الإمبريالية التي تسيطر على الساحة العالمية.»
لا تحتوي سياسة " القنادر " هذه على أية ذرة من التقدمية. لا يجب على الماركسيين أن يشكلوا جزءا من الحرب التي تدور بين القوى الرجعية من أجل تحديد أي منها سيصير ممثلا للإمبريالية داخل البلد. لا يجب على الثوريين أن يدعموا أيا من هذه الفرق المتناطحة من تلك القوى ضد الآخر. بل على العكس من ذلك تتمثل سياسة الماركسيين في إدانة هذه القوى وقنادرها ودعوة المنظمات الجماهيرية التي تفرضها ضرورة النضال في سبيل مصالح الكادحين والمحرومين ، إلى نهج سياسة طبقية، لمواجهة الاحتلال وإفرازاتها في العراق والمنطقة.

إن البرجوازية وحثالاتها لا يمكنها أن تقدم أي بديل حقيقي للاستغلال الرأسمالي والعدوان والاحتلال و إن كل سياستها نابعة من حركة شعبوية تضليلية . و يجب على الماركسيين أن يرسخوا في أذهانهم بحزم أن لا قاسم مشترك بينهم وبين القوى الرجعية التي تشكل جزء من النظام الرأسمالي . إنها تريد فقط سلطات وشركات احتكارية بأسماء إسلامية وعروبية ،إذا ما اتبعت نفس الطريق التي سلكتها القوى و الأنظمة السابقة في توقيع الاتفاقات مع القوى الإمبريالية، وهو الشيء الذي سيكون حتميا في مرحلة معينة، فإن قيادة مقاومة القنادر ستنفضح باعتبارها مجرد مجموعة من قطاع الطرق المتنافسين مع الامبريالية ،و ليسوا أفضل من أي نظام سابق.

من وجهة نظرنا كماركسيين نعتقد أن هذه المقاومة القندرية ليست « بين الإمبريالية والشعب العراقي ، إنها حرب بين فريقين من نفس الطبقة من أجل بسط السيطرة.
يمكن للجماهير أحيانا أن تدعم حركات جد رجعية، عندما تجد نفسها أمام الباب المسدود في ظل شروط معيشية غير محتملة، وغياب بديل ثوري وعندما يتصرف قادة المنظمات الجماهيرية كخونة. في ظل أوضاع كهذه، وبما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، من الممكن أن يستغل حزب فاشستي، أو ما شابهه، الموقف ويستولي على السلطة.
الصدريون و العروبيون و العناصر المدعومة من القاعدة ودول المنطقة ، عصابات بورجوازية رجعية . يتوجب على القوى التقدمية أن تفضحهم وأن تناضل ضدهم . وللقيام بذلك، يتوجب على الماركسيين النضال من أجل الاستقلالية الطبقية. يجب عليهم أن يناضلوا من أجل جبهة موحدة للمنظمات الجماهيرية، أي النقابات والتيارات اليسارية، على قاعدة برنامج كفاحي ضد الهمجية التي تسببها هذه المواجهات، ضد الاحتلال وممارسته العدوانية في العراق، ومن أجل تحسين الأوضاع المعيشية للجماهير. ليست هذه سوى أفكار عامة يجب علينا أن نطور مثل هذا البرنامج بشكل ملموس.
2008-12-17