أوباما ومنطق التغيير على الطريقة الأمريكية


عواد احمد صالح
2008 / 11 / 25 - 09:42     

الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما يواجه جملة من المشاكل التي لايمكن حلها في اطار النظام الرأسمالي القائم في الولايات المتحدة بوصفها اكبر دولة رأسمالية في عالم اليوم فهو تحدث عن "التغيير" في اكثر مناسبة ووعد الامريكيين به ولم تخلو خطب اوباما ووعوده من الرومانسية السياسية وتحفيز الهمم والتلاعب بالعواطف فأي تغيير يتحدث عنه الرئيس الامريكي الجديد ؟؟ ووفق أي منطق . بالطبع انه سيحاول اجراء اصلاحات وتحسينات على النظام القائم ولكن هل سيكون ذلك كافيا للخروج من ازمة النظام الرأسمالي المتعفن في الولايات المتحدة ومجمل العالم الراسمالي ذلك النظام الذي وصل الى مراحل وطرق مسدودة لايمكن معها الحديث الا عن تقويض ركائز واسس ذلك النظام الاقتصادية والاجتماعية واقامة بديل انساني تقدمي . يعرف اليوم جميع السياسيين وقادة الدول في كل العالم ويعترفون بوجود ازمة اقتصادية خانقة تلف العالم شرقا وغربا ازمة نابعة من الطبيعة البنيوية للنظام الراسمالي واليات اشتغاله وفي الولايات المتحدة تبرز مظاهر هذه الازمة بشكل اكثر وضوحا من باقي البلدان : الازمة المالية، مشكلة حربي افغانستان والعراق الازمة الاجتماعية داخل الولايات المتحدة ، مشكلة الضمان الاجتماعي والصحي ومشاكل اخرى عديدة .
لقد خلقت سياسة بوش القائمة على منطق القوة والغطرسة واحتلال البلدان تحت غطاء مكافحة الارهاب وتصدير الديمقراطية خلقت ازمات ومشاكل عالمية لا حصر لها وادخلت البشرية في دوامة صراع لم ينته مع التيارات المتطرفة الدينية والقومية المنطلقة من حجج الدفاع عن الخصوصيات الدينية والتاريخية المحلية لشعوب المحيط الرأسمالي .كما ان تلك السياسة القائمة على منطق العسكرتاريا استنزفت اموال دافعي الضرائب الامريكيين وضعضعت الاقتصاد الامريكي.
ان الوضع الحالي في الولايات المتحدة والعالم هو تحصيل حاصل للسياسة النيو ليبرالية للرأسمالية المعولمة التي وضع اسسها تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة .تلك السياسة القائمة على اساس ان السياسة تعمل على خدمة توجهات راس المال الكبير للشركات والمؤسسات والبنوك وتوفير قدر اكبر من حرية الحركة والتنقل والاستثمار في جميع البلدان وفتح اسواق الدول التي ما تزال اقل ارتباطا وتعاملا من اليات السوق الرأسمالي العالمي .
ان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية هي ادوات تنفيذ السياسة النيو ليبرالية القائمة على اساس ان الاسواق والقطاع المالي عموما يجب ان تتمتع بحرية فائقة في ادارة شؤونها واصبح الشعار السائد هو الخضوع لقوانين اقتصاد السوق الذي يضع قوانينه دون تدخل من احد وانه قادر على تصحيح نفسه بنفسه دون تدخل. وفي قطاع المال دعى رواد هذه السياسة الى الغاء اللوائح والتنظيمات الرسمية لعمل الاسواق المالية. وبسبب تلك الحرية المفرطة للتعامل والتداول والمضاربات وحركة المال من بين اسباب اخرى حدثت الانهيارات المالية وتباطؤ النمو الاقتصادي وافلاس البنوك .
ان الانهيارات في القطاع المالي وعمليات الافلاس المتناوبة للبنوك والشركات الكبيرة اظهرت بوضوح فائق فشل سياسة اقتصاد السوق الحرة فلقد ادت هذه السياسة عالميا الى : اعادة تجريد المجتمع والطبقة العاملة من المكاسب الاقتصادية الاجتماعية والضمانات التي حصلت عليها بفعل نضال طويل ومرير في مراحل سابقة . ان الازمة الحالية في الاقتصاد العالمي وفي الولايات المتحدة لم تكن وليدة اللحظة الراهنة بل هي بدات ملامها في العقدين الاخيرين من القرن الماضي .
بعد انتخاب اوباما ومشاريعة عن التغيير المنشود واولها الاقتصاد اصطف المهللون والمرحبون من العرب من كتاب وصحفيين وساسة وبداوا يكيلون المدائح للمارد الجديد الذي سيملأ الارض عدلا بعد ان امتلأت جورا .. وكأن اوباما يمتلك وحده العصا السحرية التي سيشق بها البحر متناسين ان الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات ومصالح ولدى الطبقة الحاكمة سياسات وثوابت لايمكن لاحد الخروج عليها او تجاوزها . ان التغيير المنشود ستكون له حدود ضيقة جدا وسيكون محدودا وسيحاول اوباما بعد الاعتماد على استشارة الخبراء تحريك عجلة الاقتصاد الأميركي ضمن افق واطار تصورات ومصالح ارباب العمل الذين دعموا حملته الانتخابية بمبالغ طائلة " تلقى اوباما من الهبات أكثر من ماكين فاقه بعشرات ملايين الدولارات- كلها تقريبا من المقاولات، بما فيها قطاع وول ستريت المالي. "
، ان كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يمثلان جناحي الرأسمالية الحاكمة ويمثلان مصالح كبار ارباب العمل والشركات الكبرى وعندما تمارس قيادة احدهما سياسات خاطئة وتلحق الضرر بمصالح راس المال فان الة الدعاية البرجوازية الممولة من الراسمال الكبير تعبأ الجماهير باتجاه انتخاب ممثل الحزب الآخر الذي عليه ان يظهر نفسه داعية للتغيير والاصلاح لكنه في النهاية سيحاول تكييف نفسه وفق مقتضيات ومصالح راس المال الكبير . ان اوباما وعلى حد تعبير احد الكتاب اليساريين الامريكيين : يلغي شهر العسل قبل الزواج فلقد حاول من البداية (( مغازلة اليمين بقصد استمالة ناخبيه مع تحمل واقع أن ناخبي اليسار سيتبعونه بفعل انعدام بديل )) .
ان السياسة الامريكية ومنذ عهد كارتر لا تستند الى ثوابت ولم تكن مبنية يوما على مبادىء فهي تخضع لمجموعة من التصورات والمفاهيم التي تضع مصالح امريكا أي مصالح راس المال الكبير والمؤسسات الحاكمة في الاعتبار الاول والتي تعتبر دولة اسرائيل امتداد للنظام الغربي وجزء منه من الناحية الاقتصادية والايديولوجية وبالتالي فان سياسات اوباما المفترضة لن تخرج عن هذه القاعدة مطلقا وهي قد تختلف في بعض النواحي عن سياسة بوش لكنها لن تختلف جذريا عنها في جميع الاحوال .وفي القضايا الحاسمة بالنسبة للامريكيين حرب العراق وحرب افغانستان ومواجهة الملف النووي الايراني والازمة الاقتصادية ومشكلة الضمانات الاجتماعية والصحية لايحمل اوباما في اجندته حلولا سحرية وجاهزة بل هو سيعتمد على التجريب والتقلب في المواقف وتقديم الوعود والكلام المعسول .. ان الادارات الامريكية المتعاقبة كانت تمارس دائما سياسة التسويف والكذب ازاء جميع المشكلات المعقدة في العالم وتستغل العامل الزمني من اجل تكريس الهيمنة عالميا وتحقيق مصالح الطبقة الحاكمة وشاهدنا على ذلك ان بوش وعد الفلسطينيين بان حل الدولتين سيتم قبل نهاية ولايته وها هو يترك الحكم قريبا غير مأسوف علية وقد ذهبت وعوده ادراج الرياح فقد اعترفت كوندليزا رايس اخيرا بفشل ادارتها في تسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي . وبالتاكيد فان حظوظ اوباما وحظوظ المتفائلين بولايته لن تكون افضل ولن يتمكن اوباما من احداث تغيير جذري وفعلي في اوضاع العالم المتردية لصالح الجماهير الطامحة للعدالة والحرية .ان التغيير الوحيد والممكن هو تقويض النظام الراسمالي المتعفن الذي لم يعد صالحا للحياة ... واقامة نظام انساني بديل تقدمي قائم على المساواة والحرية والرفاه .