ثورة أكتوبر ... وجوزيف ستالين..؛؛


علي الأسدي
2008 / 11 / 8 - 06:17     

أياما حزينة تلك التي راقبنا خلالها ، بمشاعر الحيرة وعدم التصديق تهاوي الدول الاشتراكية الواحدة بعد الأخرى في احتفالية تشبه كثيرا الطقوس التي كان يقيمها قرون مضت أكلة لحوم البشر في مجاهل الغابات الأفريقية إبان انتصاراتهم على أعدائهم من بنو جلدتهم. وفي ليلة وضحاها ، تشتت أكثر الأحزاب الشيوعية الحاكمة في تلك الدول ، لتتراجع الى ما يشبه منظمات المجتمع المدني الخيرية ، ويتحول بعض قادتها الى وسطاء لبيع ممتلكات دولهم الى الشركات الرأسمالية العابرة للحدود. لقد خلق الإعلام المضاد من خونة الاشتراكية وخدم الرأسمال العالمي أبطالا على الورق والقنوات الفضائية ، ما أن استتب الوضع للرأسمالية المتوحشة وتحققت أهدافها حتى لفظوا وانحسروا عن مسرح السياسة محملين بالخزي والعار.

لكن الحدث الأكثر حزنا في حياة أنصار الاشتراكية في العالم هو ذلك الصمت الغريب الذي قابل به الشعب الروسي معاول التخريب وهي تهوي على مكتسباته الواحدة بعد الأخرى ولم يحتج أو يغضب أو يثور. إنه هو نفسه شعب الملاحم البطولية الذي أدهش العالم بقدراته على اختصار الزمن ، وتحويل دولته الإقطاعية المتخلفة اقتصاديا وتقنيا إلى دولة صناعية من الطراز الأول ، تقف على المسرح الدولي كقوة جبارة في مواجهة معسكر الرأسمالية في أقل من أربعة عقود من السنين. أما أن ينكفئ الشعب الروسي عن حزبه ومؤسساته ومكاسبه الاشتراكية ، ويتخلى عن زعامة وقيادة حركة التحرر والسلم في العالم ، فأمر يصعب استيعابه وقبوله في ظل الظرف العالمي السائد حينها.
إن ما حصل لم يحدث نتيجة ثورة أو انقلاب فاشي أو عصيان مدني ، بوغت به الشعب على حين غرة ، وإنما قد تم بيسر وسهولة وهدوء غير متوقع أو متصور حتى في الخيال. لقد تم تسليم و استلام السلطة من قبل خدم الرأسمالية العالمية ، ضمن مؤسسات الدولة الاشتراكية ذاتها في أكبر خيانة لمصالح الكادحين وتقاليدهم الثورية في التاريخ. شخصيات من أمثال السكير يالتسن والإبن الضال للدولة السوفيتية كورباجوف قد تقاسما بمذلة وخنوع امتنان الريغانية على خيانة المثل والمآثر التي سجلها التاريخ لشعوب ولقادة الاشتراكية العظام فلاديمير لينين و جوزيف ستالين.
ما حدث في الثمانينيات في الدولة السوفيتية لم يكن واردا في حسابات الرأسمالية والرجعية العالمية ، لقد كانوا يطمحون بإعاقة انتشار الاشتراكية في دولهم والبلدان الدائرة في فلكهم ، خشية على مصالحهم الاقتصادية وانحسار نفوذهم وتدفق أرباحهم ، أما أن يشهدوا إنهيارا للتجربة التاريخية للنظام الاشتراكي ، فهو النصر المطلق والفوز المبين دون أن حاجة لاطلاقة نار واحدة.
لقد قيل في الانجازات الاشتراكية من قبل قادة الرأسمالية وحماتها ، ما لم يقله جلاوزة الاشتراكية وناكري مآثر قادتها. لقد ذكر رئيس وزراء بريطانيا الأسبق أنتوني إيدن في الجزء الأول من مذكراته التي نشرت في بريطانيا حينها ، وترجمت إلى عدد كبير من اللغات الأجنبية مايلي :

" انه في عام 1941 كان قد اجتمع مع ستالين في موسكو ( ديسمبر 1941 ) في نفس الوقت الذي كانت الجيوش الألمانية تقترب من موقع الاجتماع ، حيث كانت أصوات المدافع تسمع أثناء النقاش. لقد انسحب رجال السلك الدبلوماسي ومعظم أعضاء الحكومة إلى مدينة كوياشيف ، لكن ستالين ظل فيها " ثُبت فأنقذ بلاده ". ويذكر أنتوني إيدن :
" ظل ستالين اكثر من ربع قرن يحكم إمبراطورية واسعة ، على غرأر طاغية شرقي ، لكن هذه الطريقة كانت أكثر فظاعة وفعالية ، بواسطة الأساليب العصرية في إلا قناع والقمع. وقد دفع ببلاده بعنف إلى طليعة الدول الصناعية في العالم. وتمكن خلافا لكل توقع من تعبئة بطولة الشعب الروسي وحثه على تقديم التضحيات التي لا مثيل لها، مما مكنه من هزم الغزاة الألمان ". و مهما كان الهدف سيئا ،فان نطاق الأعمال العظيمة التي حققها ستالين ، كان هائلا ولم يقلل من قيمته ، غلاء الثمن الباهظ الذي قدمه من آلام الإنسانية "
علي ألأسدي
البصرة