زيباري وكروكر ونتائج الإنتخابات – ترقبوا الفضائح وأعدوا بطونكم للضحك


صائب خليل
2008 / 11 / 8 - 06:18     

تبادل الناس في العالم بفرح ووارتياح كبير، الكثير من التهاني الصادقة بمناسبة انتخاب أوباما، وشمل ذلك حتى أكثر الناس بعداً أيديولوجياً عن أفكار اليسار والتحرر والسيادة والسلام...الخ. طبعاً لم يكن الفرح بمجيء أوباما بقدر ما هو فرح بذهاب بوش. حتى خافيير سولانا يبدو سعيداً بذلك!!
المعلق الهولندي قال أن أوباما الذي ينظر إليه على أنه "يساري" يعد أكثر يمينية من اليمين الهولندي في العديد من المواقف! لكن...وتنهد الصعداء...
العالم كله يتنهد الصعداء…لماذا؟ من الذي كان يحبس أنفاسه هكذا؟ كيف سمح العالم لأحد أن يفعل ذلك…أين أخطأت البشرية؟

كتبت إمرأة فرنسية منذ القرن الثامن عشر تقول: "التقدم العلمي يجعل من التقدم الأخلاقي ضرورة! فإن زادت قوة الإنسان، فلا مناص من تقوية المحددات التي تمنعه من أن يسيء استغلالها" (مدام دي ستيل).

وليس هناك من مثال يمكن تخيله أكثر من أميركا، لمخالفة البشرية لهذا المبدأ الخطير الأهمية...فدفعت الثمن..ومازالت! لقد سلمت مفاتيح بقائها على قيد الحياة لشيء مثل "بوش"…ولا أعرف خيراً من هذا الحال مثالاً معبراً على مقولة آينشتاين: "كل ما نحتفي به من تقدم تكنولوجي...كل حضارتنا..إنما هي أشبه ما تكون بفأس بيد مهووس إجرامي"!

يأتون بصدام وسوهارتو وسوموزا وبقية الحثالات ويدعمونها ويساندوها ويسلحوها لتذيق شعوبها المرارة والدم والخوف عقوداً، حتى إن قرروا أخيراً، أن مصلحتهم تقتضي أن يزال أحد هذه الكلاب المسعورة التي أطلقوها، توجب على الشعوب المبتلاة أن تصلي لهم شكراً وعرفاناً!

هل انتهى بوش؟ ومازال العالم سليماً؟ ولم يرثه من هو أكثر جنوناً منه، ذلك المتخلف العقلي والعصبي الخارج من مصحة المجانين؟ آه كم يعطي هذا الأمل للبشر...أن المصائب ليست "دائمة"..

أصبح بوش إذن من الذكريات....من هذه الذكريات، كنت أسوق السيارة في روتردام يوماً فشاهدت ملصقاً تملؤه صورة وجه بوش..أستغربت أن يضع الهولنديون هذه الصورة في إعلان، فهو لم يعد يبعث سوى على التقزز لدى الأوروبيين..ففي أي شيء يمكن أن يستخدم هذا الوجه للدعاية هنا؟ حين اقتربت حتى استطعت أن أقرأ الكتابة تحت الصورة إكتشفت أنها دعاية لمحطة راديو، وأن الكتابة كانت: "في إذاعتنا لن تسمع الكلام الفارغ"!!
وتذكرت مقالاً نشرته أهم مجلة هولندية اسبوعية (هولندا الحرة) لشخصية سياسية أجنبية، (عمود أسبوعي كان يسمى "مقالة مستضافة" أو شيء من هذا القبيل. الرجل كان يتفلسف في الديمقراطية ويبين أنها قد لاتكون خير الحلول دائماً خاصة للشعوب التي ليست مستعدة لها, ويستشهد على ذلك بأنها في الشرق الأوسط جاءت بـ "حماس" والحكم الديني في العراق إلى الحكم.
رددت على المقال بأنني أؤيد الرجل في أن الديمقراطية لاتجلب أفضل الناس للحكم دائماً، لكن الأمر لايقتصر على "الشعوب غير المستعدة"، فما الذي جاءت به الديمقراطية إلى أميركا مثلاً؟ وهل أن البريطانيين سعداء بكذابهم الكبير؟ الجماعة أعجبتهم رسالتي على ما يبدوا لأنهم نشروها فعلاً في العدد التالي.

إذن فقد ذهب هذا الكابوس القميء؟ آخ يا أميركا...كم تثيرين الألام في البشر باختياراتك العجيبة لمهووسيك العقليين للحكم، حتى أن البشرية لاتصدق نفسها، وتطير فرحاً إذا جاد الدهر يوماً وجاء الى بيتك الأبيض مرة من يبدو أنه إنسان معقول! هل ستتيحين للبشر فرصة للنظر إليك بلا خوف، وأن يأملوا صداقتك بحق؟ هل ستبتعدين عنا قليلاً وتتوقفين عن اعتصارنا ليمكننا أن نمد يداً لمصافحتك؟
البشرية سعيدة ليس فقط بالنتيجة، وإنما بكونها جاءت بفارق ساحق وكأن الشعب الأمريكي يكفّر عن ذنبه للعالم. أم انه أصيب بـ"صحوة" هو الآخر مثل "صحواتنا" النشامى؟
النيويورك تايمز تتوقع بإن "قيادات الحزب الديمقراطي في الكونجرس ستستغل المكاسب التي حققها الحزب خاصة في ولايات الجنوب والغرب لفرض أجندة تغيير كبيرة." وأن النواب سيدعمون أوباما "لفرض هذه الأجندة التي تتصدر أولوياتها قضايا الاقتصاد والرعاية الصحية والطاقة وإنهاء الحرب في العراق." (1)

العالم متعطش إلى التغيير...حتى سولانا قال أن باراك انتخب لأنه نادى بالتغيير, حتى هذا المخضرم في حلف الناتو، البارد المشاعر والعواطف والمبادئ، يريد التغيير. لقد تعب من "الإستباقيين" الباحثين عن أية فرصة لإشعال حرب!

رغم الحذر من المبالغة بالتفاؤل لكن العالم كله سعيد... كله...عدا عناصر قليلة، بل نادرة إلى درجة قد تستحق بسببها ان توضع في محميات خاصة الحمايتها من الإنقراض...

في مقالة للـ بي بي سي شاهدت صورة أحد هذه المخلوقات. وجهاً عبوساً كئيباً: هو وجه وزير خارجيتنا زيباري! (2) إنه، وعلى عكس البشر، يحاول أن "يطمئننا" بأنه "لن يحدث تغيير" أو على ألأقل انه لن يكون سريع!! لأن الولايات المتحدة "دولة مؤسسات ومصالح بعيدة المدى"!! لا تفرحوا.."عندما يتسلم الرئيس المنتخب مهامه سيواجه الحقائق".!
ليس زيباري هو الغراب الناعق اللاطم المتجهم الوحيد في هذا العرس البشري، أو لنقل، الأمل البشري، فيقف إلى جانبه رايان كروكر سفير أميركا لدينا، والذي يقول: "ان السياسة العامة الامريكية "لن تتغير تجاه العراق والعالم بعد انتخاب اوباما." لابشرك الله لا أنت ولا هو بالخير! فمن يتمنى لشعب العراق أن يبقى الحال كما هو غير ذوي العقول المريضة والمجرمة؟

السياسي الطبيعي سيقول لشعبه, ولو مجاملة، بأنه يتأمل أن يكون في هذا التغيير خيراً له، ونهاية لمأساته، ويأمل منه سياسة مقبولة أكثر من الناس...
بدلاً من ذلك يؤكد زيباري للعراقيين "فرحاً" أن الرئيس لن يحقق لكم امنياتكم بسحب قواته أيها العراقيين لأن "الحقائق" ستمنعه! ليست هي المرة الأولى التي يعبر فيها زيباري عن لاعراقية مشاعره، لكن ألا ينتظر منه أن يكون دبلوماسياً مع الرئيس الجديد الذي سيتوجب تملقه بعد قليل!!
وهذا أيضاً كروكر، السفير الأمريكي في بغداد وقد أخرجه القهر عن طوره فانطلق يهين رئيسه دون أن يشعر، وكأنه يتهمه بالكذب، باستباقه إلى القول بأن هذا الرئيس الذي ملأ الدنيا صراخاً بالتغيير، وانتخب تحت شعاره، "لن يغير شيئاً" لا في العراق الذي وعد بسحب قواته منه، ولا في العالم! العالم الذي أمل أن يعمل الرئيس كما وعد، على استعادة سمعة أميركا التي هبطت إلى تحت الحضيض لدى البشر!

رغم الإشمئزاز من النظر اليهما، لكنه من الممتع أن يشاهد المرء أمثال زيباري وكروكر يفقدون توازنهم فيتحركون مترنحين بكلماتهم كالسكارى وقد ضاعت عنهم معانيها... نصير العاني، يؤيد بثقة عالية بالنفس ما قال كروكر بأنه لن يكون هناك تغيير، وكأنه خبير دولي متخصص بالشؤون الأمريكية، أو أن أوباما قد سره بسر لم يقله لأحد غيره!

لكني تركت لكم "المسك" للختام كالعادة: أسمعوا علي الدباغ يفضح كل شيء فضيحة العنز في الشارع كما يقولون. أنه يقول، كأنه يعتذر، بأن إنسحاب القوات ا لأمريكية " ليس مشكلة كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة." !!!
لماذا لم يقل "ليس مشكلة بالنسبة للعراق"؟؟ أي أن الكلام السابق عن الكوارث التي تنتظر العراق من انسحاب الأمريكان كله مبالغات وكذب, وأنهم يعرفون الحقيقة وأن هذا الإنسحاب الذي كان "سيسقط السماء على رؤوسنا" قد كان مشكلة بالنسبة لأميركا وحدها ولذا كانت تهدد وتتوعد إن هي أجبرت عليه، ولم يكن يوماً مشكلة بالنسبة للعراق!

يقولون أن الكوارث لا تأتي فرادا...لكن الفضائح تأتي معاً في مجاميع هي الأخرى على مايبدو, والضحكات تأتي كذلك معاً، وهاهي الفضائح والقهقهات تتتالى! من يراهنني أن الفضائح والضحك ستكون ميزتا الأعوام القادمة الرئيسيتان للعراقيين ولكل البشر؟ …. حسناً…عدا النوادر الشاذه الحزينة على بوش، والتي ستوضع في المحميات الطبيعية أو المتاحف!


(1) http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_7713000/7713558.stm

(2) http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_7710000/7710821.stm