الندب على الرأسمالية و اشتراكية الأمس لم يعد يكفي


عمار ديوب
2008 / 11 / 5 - 08:49     

تشير بعض المقالات التي تناقش الأزمة المالية العالمية إلى كونها إيجابات على أسئلة افتراضية ناتجة عن حوارات لم تفشي عنها مقالاتهم،ورأيهم يتحدّد بأنه لا مخرج من الأزمة الحالية إلّا في إطار النظام الرأسمالي وكل كلام غير ذلك ، هو نوعٌ من الولولة والندب على الماركسية.
لا شك أن الكلام عن ثورة اشتراكية بدون أحزاب فاعلة اشتراكية كلام أيديولوجي زائف لا معنى له، ولكن الكلام عن أن الخروج عن الرأسمالية بسبب هذه الأزمة أمر غير متصور أبداً، هو بحكم الولولة على الرأسمالية وبدون حجج.
الأزمة حقيقيّة وتدخّل الدولة أو التأميم لمواجهتها ليس أمراً يشبه التدخل لحل شجار ما أبداً. والتدخل الآن وبكل هذا الحجم والكثافة يشي بأن هناك ما هو بطريقه للظهور.أي انتقال الأزمة من القطاع المالي والمصارف نحو القطاع الصناعي، وبذات الوقت خطورة أن تنهار بعض الدولة الطرفية أو المركزية، مما يسبب أزمات قد تعصف وتخلل وتضعف الثقة بكل ما له علاقة بالرأسمالية وهو ما سيفتح المجال نحو شيء جديد،خاصة وأن العامل النفسي يلعب دوراً كبيراً في إضعاف الثقة.؟
لا شك أن الرأسمالية أصبحت ماهرة جداً بالتخلص من أزماتها، فهي مالكة العقل والعلم والثروة والمسيطرة على العالم والقوى الاشتراكية وحتى مناهضي العولمة يكادون أن يصبحوا أثراً بعد عين، ولكن الأزمة وقعت وتكاد أن تصبح بلا مخرج طبيعي،وهو يؤشر لهشاشة مفهوم أن الرأسمالية تصلح نفسها بنفسها!!
إذن هناك مستوى خطير يجب أن لا نغفله على قاعدة التشنيع بالماركسية أو بالقومية أو بالاسلاموية كي نكيل التسبيح بالرأسمالية، وكي تستطيع بالفعل هذه الرأسمالية إثبات نفسها وإعادة الثقة بها، رغم أنني أعتقد أنها لن تخرج من أزمتها الحالية بذات النظام العالمي.
أي أنني بغياب قوى اشتراكية وباستفحال الأزمة وتحولها نحو الكساد بعد الركود وانتقالها إلى القطاع الصناعي ووجود بطالة تفوق العشرين مليون كما يصرّح عنها في الإعلام. فإن الممكن الوحيد قد يكون أنظمة فاشية وديكتاتورية وربما حروب جديدة وقد يكون بعضها ضد إيران.
إذن الأزمة سيكون لها ارتدادات داخلية فاشية وحروب خارجية محتملة، عدا عن إجبار الدول المالكة للنقود على دفع فاتورة الحروب القادمة ولا سيما أموال الخليج العربي كما تساهم الآن في الدفع لصالح المصارف الكبرى وهو ما تفوه به رئيس الوزراء البريطاني أخيراً.
ولكن لماذا صرخ الكثيرون في هذه الأزمة وهم ليسوا من الاشتراكين بل من عمال المصارف وغيرهم إن هناك "إجراءات اشتراكية" بدأتها أمريكا أليس من خلال إجراءات التأميم الجزئي أو الكلي لبعض المصارف أو دعمها بالمليارات.والتي تشبه الإجراءات الاشتراكية المحققة وهي برأيهم تقدم حلولاً لتلك الأزمات.
أصحاب الأقلام الليبرالية المفجوعين بالليبرالية الجديدة ليس في عالم اليوم رؤى لها معنى بالاقتصاد.وليعذرنا أصحاب الاقتصاد الإسلامي الصالح لكل زمان ومكان! إلّا نظريتين نظرية نمط الإنتاج الرأسمالي على اختلاف أشكالها ونظرية نمط الإنتاج الاشتراكي على اختلاف أشكالها كذلك، وما بينهما هو فقط التحول من اقتصاد اشتراكي مشوه نحو الاشتراكية أو تحول من اقتصاد رأسمالي مشوه وغير قادر على مواجهة الأزمات نحو الاشتراكية.
في هذا السياق ، يبدو الحديث عن ما يسمى عودة ماركس أو أشباحه على أوربا وأمريكا ليس أمراً نافلاً بل ربما يتطلب التفكير. فذاك الرجل ذو اللحيّة الكثة لا يزال يفكر في مشكلات الرأسمالية ويحاول أن يضع حلول لهذه المشكلات ولكن طبعاً بعد اكتشاف قوانين نمط الإنتاج الرأسمالي وليس قبلها كما فعل كثيرون من ماركسي العالم الاشتراكي المنصرم سواء أكانوا مناصرين له"ستالينيين"أو كانوا معارضين له"تروتسكيين" الذين كثيرين منهم أصبحوا ليبراليين مرعوبين أن تفشل مراهناتهم على الليبرالية الجديدة.
لمحت في تلك المقالات فكرة مركزية تقول: إذا لم تتحرك الطبقة العاملة نحو تبني الماركسية أو لم تتحرك للدفاع عن مصالحها، فإن على الماركسية أن تودّع التاريخ الحالي - وألا تمطّ برأسها مجدداً - نحو متحفها القديم.لا شك أن وجود صورة مرسومة عن تلك الماركسية ويجب أن يحققها البشر في كل حين هي ما يحكم هذه الفكرة. وبالتالي الماركسية وفق هذا الفهم هي مجموعة نصوص دينية وُجدت مرة واحدة وإلى الأبد وما على البشر إلا أن يطبقوها دائماً وأبداً. ولو كانت الماركسية بالفعل كذلك يجب ليس أن توضع في متحف التاريخ بل في قمامته تماماً. وماركس ذاته قال بهذا الخصوص إنني لست ماركسياً!!
الماركسية هي منهجية قبل كل شيء، هي جدل مادي، فيها بعض القوانين التي اكتشافها ماركس ومن أتى بعده من مفكرين ماركسيين ليس بينهم حتماً ستالين. وهي ولأنها كذلك، فإن كل ما يمكن أن يتكرر كبرامج أو سياسات هو بحكم المهزلة بعد أن كان مأساة عظيمة يوماً ما. وما يمكن فقط، هو التعامل بتلك العقلية الجدلية مع وقائع اليوم والاستنتاج بناءً عليها، لا أكثر ولا أقل.
قصدت أن الأزمة الحالية تطلبت تدخلاً من الدولة كثيفاً ولكنها تتطلب تدخلاً من البشر الذين ستلفظهم هذه الأزمة بما يؤدي للمساواة والعدل والحرية وطبعاً عبر نظام ديمقراطي علماني أي عبر تجاوز واستيعاب كل ما قدمته الرأسمالية والاشتراكية المحققة الفاشلتين.
لن أكثر من التفاؤل لأنني كما أشرت لا أزال أرجّح أنظمة فاشية وديكتاتورية وحروب كحلول لهذا الأزمة.