الاساس الاقتصادي لازمة البيئة العالمية


ثامر الصفار
2008 / 10 / 21 - 09:27     

عندما استضافت اللجنة الثقافية لمقر الاندلس للحزب الشيوعي العراقي الدكتور علي حنوش وكيل وزارة البيئة السابق قبل بضعة اسابيع في محاضرة عن " البيئة العراقية وآليات حمايتها" اشار الدكتور حنوش الى موضوعة هامة تتحدد في " ارتباط البيئة بالتاريخ والجغرافيا والتطور العلمي" ثم اشار الى " ان التدهور الذي يحدث في البيئة سببه سوء إدارة الانسان لها" اي بتعبير آخر ان هناك اسباب اقتصادية تقف وراء الازمة البيئية التي يشهدها العالم اجمالا. وفي السطور التالية سأحاول اعتمادا على بعض الدراسات العلمية والاقتصادية توضيح هذه الاسباب / الاسس بهدف الاستفادة منها في رسم سياسة المجلس الاعلى للبيئة الذي جرت المطالبة بانشائه من قبل الدكتور حنوش.

لم يبق امامنا سوى اربعة عقود نتمكن خلالها من احكام السيطرة على الازمة البيئية قبل ان نصل الى نقطة اللاعودة. هذا ما قاله احد علماء البيئة البارزين قبل 15 عاما مستندا على دراستين علميتين صدرت الاولى عام 1990 عن معهد " مراقبة العالم" باشراف الباحث ليستر براون، وصدرت الثانية في لندن عام 1992 وحملت عنوان " حالة العالم". الا ان دراسة الباحث جيمس هانسن التي حملت عنوان " نقطة التحول" والتي نشرت هذا العام في واشنطن اظهرت بان القول السابق كان متفائلا نوعا ما فيما يتعلق بالتغيير المناخي. فكل شواهد العصر تدل على ان استمرار الحال على ما هو عليه الان سيجعلنا نواجه " نقطة التحول" في غضون عقد واحد من السنين فقط، وسنشهد بعدها تدهورا ايكولوجيا / بيئيا غير قابل للاصلاح. اما ما يتعلق بالمشاكل البيئية الاخرى : انقراض بعض الحيوانات فان تقارير عام 2007 تشير الى نسب مهولة ( 12% من طيور العالم، 20% من الثدييات، 39% من الاسماك). اضافة الى مشكلة نضوب الموارد الطبيعية بشكل سريع، اختفاء الغابات، تلوث الهواء، شحة المياه وتلوثها، نضوب التربة، ارتفاع معدلات انتاج النقط الذي يثير يدوره مشاكل جيوسياسية، كل ذلك يدل على حقيقة ان الارض ونظامها البيئي قد وصلا الى حالة اقرب الى التمزق وباننا سنواجه اللحظة الحاسمة سواء للطبيعة ام للبشر في المدى القصير مالم نفق ونواجه الحقائق.

ومواجهة الحقائق تعني التعامل مع نقاط التحول ومنها على سبيل المثال، خلو القطب الشمالي من الجليد وهو ما قد يحصل خلال اقل من عشرين عاما – بعض العلماء توقع عام 2013 -. حسبنا ان نعلم ان القطب الشمالي قد خسر في صيف عام 2007 فقط مساحة من جليده تقدر بمساحة العراق. واختفاء الغطاء الجليدي يعني انخفاض حاد فيما يعرف بانعكاسية الارض – قابلية الارض على عكس اشعة الشمس – وهذا بدوره يعني امتصاص الارض لحرارة الشمس وارتفاع درجة حرارتها، وسيؤدي هذا الى ارتفاع منسوب سطح البحر بحوالي 4-6 امتار حسب بعض التقديرات، اي اختفاء عدد كبير من الجزر والسواحل القارية – اي وصول مياه الخليج الى بغداد.

ليس غريبا ، أذن، ان نقرأ الكثير من التحذيرات الصادرة عن علماء بارزين في شتى المجالات: بيئة، اجتماع، فلسفة واقتصاد. ومن بينها ما كتبه جيمس هانسن، مدير معهد غودارد لدراسات الفضاء التابع لوكالة الفضاء الامريكية (ناسا) وهوواحد من ابرز علماء المناخ في العالم:
" يقترب كوكبنا، يوما بعد آخر، من نقطة التحول الخطرة. فقد وصلت نسبة الغازات الحابسة للحرارة الى مستويات تجعل من عملية التغيير المناخي تجري بزخمها الذاتي، اي بدون تدخل خارجي. فارتفاع حرارة الارض سيؤدي الى تغيير في المناطق المناخية من خلال تغيير دورة المياه الهيدرولوجية، بحيث تشح المياه العذبة وستكرر المآسي في مناطق السواحل بفعل العواصف وارتفاع مستوى سطح البحر. ستكون جروحنا عميقة وسيبقى الحل الوحيد امامنا هو تغيير مسارنا لايجاد طاقة بديلة خلال 10 سنين فقط والا سيكون الوقت قد فات على ثلث حيوانات العالم والملايين من ابناء جنسنا".

اما ليستر براون فيذكر في تقرير له " اننا نتجاوز حدودا طبيعية لا نراها، ونتأخر على مواعيد لا ندركها. ان للطبيعة مواقيت لكننا لا نرى عقارب الساعة، اننا في سباق مع نقطتي تحول، فاما تحول انظمة الطبيعة، او تحول وانقلاب الانظمة السياسية، فايهما سيكون اولا؟"

من النافل القول بان أي تأخير في معالجة الموقف سيجعل من حجم التغير المطلوب، اذا ما حدث مستقبلا، كبير جدا، وهذا يعني ضمنيا اهمية النظر الى عملية التغير الاجتماعي لا باعتبارها ضرورة اجتماعية بل ضرورة بيئية ايضا، وينتج عن ذلك ضرورة اعادة النظر بمكونات قوى عملية التغيير الجذرية.

لقد اثبت الواقع المعاش عجز جميع المحاولات التي جرت لوضع نهاية لهذه الازمة ويعود ذلك بالاساس الى رفض هذه المحاولات فكرة الخروج عن النظام الاقتصادي القائم او تحديه رغم انه سبب المشكلة اساسا، او حسب تعبير احد الظرفاء رفضها فكرة ان البطيخ احمر من الداخل واخضر من الخارج! فالمشاكل البيئية التي نواجهها هي في آخر المطاف مشاكل اقتصادية وسياسية وطالما اننا لا نرى ان الجري الحثيث وراء الارباح هو الذي يحيط بجميع هذه المحاولات فاننا لن نتمكن من وضع حل ناجع للازمة.

دعونا نختبر صحة ما قلناه:

يمكن رؤية القيد الاقتصادي الذي يحد من فعالية النشاط البيئي، بسهولة، من خلال متابعة ما يمكن اعتباره افضل محاولة للتعامل مع " اقتصاد تغيير المناخ" التي جاءت بصيغة دراسة واسعة حملت نفس العنوان وعنوان فرعي " عرض شتيرن" نسبة الى نيكولاس شتيرن كبير الاقتصاديين السابق للبنك الدولي الذي قام بالدراسة على نفقة وزارة المالية البريطانية واصدرها عام 2007. وفي " عرض شتيرن" جرى التركيز على مستوى ما يعرف بمكافئ ثاني اوكسيد الكاربون CO2e) ) ونسبته الضرورية في الجو للمحافظة على استقرار معدل الحرارة بحيث لا تتجاوز 3 درجات مئوية عن معدلها في مرحلة ما قبل الصناعية. ومكافئ ثاني اوكسيد الكاربون هو الغازات الحابسة للحرارة الستة التي اتفق عليها في معاهدة كيوتو (1997) وهي ( غاز ثاني اوكسيد الكاربون وغاز الميثان ومحلول الفلوروكاربون واوكسيد النتروز والبيروفلوركاربون وهكسافلورايد الكبريت) وتبلغ نسبته حاليا 430 جزءا بالمليون، اما نسبة غاز ثاني اوكسيد الكاربون فتبلغ حاليا 387 جزءا بالمليون.

يتفق معظم علماء المناخ على منع حصول زيادة في حرارة كوكب الارض اكثر من درجتين مئويتين ن مستوى ما قبل الصناعة، وهذا يعني ضرورة استقرار نسبة المكافئ على 450 جزء بالمليون وفي حال تجاوز هذه النسبة سنصبح عرضة لمواجهة نقطة التحول المرعبة. نعود الان الى الباحث جيمس هانسن من(ناسا) لنقرء له: " اذا ما رغبت البشرية بالحفاظ على الكوكب بشكله الذي تطورت فيه الحضارات واقيمت الحياة فان عليها تقليص نسبة غاز ثاني اوكسيد الكاربون من 387 الى 350 جزء بالمليون". اما " عرض شتيرن" فقد اصر على تبني نسبة للمكافئ تبلغ 550 جزء بالمليون، اي ضعف مستواه في مرحلة ما قبل الصناعية، مؤكدا على ذلك لن يرفع حرارة الارض اكثر من 3 درجات مئوية عن مرحلة ما قبل الصناعية.

مع ذلك يعترف " عرض شتيرن" بان حساسية البيئة الحالية " تتضمن احتمالا نسبته 20% لارتفاع حرارة الارض اكثر من 3 درجات مئوية، حتى لو حافظنا على نسبة المكافئ القائمة حاليا وهي 430 جزء بالمليون" ثم يواصل ليقول بان " نسبة المكافئ التي يقترحها (550 جزء بالمليون) يكون الاحتمال حوالي 30-70% في تجاوز الدرجات المئوية الثلاث" وفي موضع آخر يحدد نسبة احتمال 50% لتجاوز الدرجات الثلاث. من المفيد ان نذكر ان النموذج الرياضي الخاص يمعهد هادلي للدراسات المناخية اكد بانه حتى لو حافظنا على النسب الحالية فان هناك احتمالا نسته 10% لارتفاع درجة حرارة الارض 5 درجات مئوية، وهذا الرقم كبير جدا لان الارض لم تشهد ارتفاعا للحرارة اكثر من 3 درجات مئوية الا قبل 3 ملايين سنة.

كما ان زيادة كهذه يمكن ان تؤدي الى خلل في تيارات المياه الحارة التي تدفئ غرب القارة الاوربية بحيث يمكن ان تشهد مناخا مقاربا لمناخ سيبيريا. وتشير بعض الابحاث الى ان ارتفاعا مقداره 3 درجات مئوية سيؤدي الى انخفاض مقداره 90% في كمية المياه المتدفقة من الجبال بحلول عام 2100م، مما يعني هلاك ملايين من البشر. وتشير ابحاث اخرى الى ان نسبة 550 جزء بالمليون يمكن ان تؤدي الى ارتفاع مقداره 8 درجات مئوية باحتمال يبلغ 5%. اي ببساطة ثمة اتفاق عام على ان نسبة 550 جزء بالمليون الذي يقترحها " عرض شتيرن" يمكن ان يكون كارثة على الارض ومن فوقها.

لماذا أذن، يقترح " عرض شتيرن" هذه الارقام ( 550 جزء بالمليون للمكافئ وارتفاع 3 درجات مئوية في حرارة الارض) رغم المخاطر التي ترافقها؟ للاجابة عن ذلك من الضروري الالتفات الى حقائق اخرى ذات طبيعة اقتصادية.

من المهم ان نعرف ان استمرار الغازات الحابسة للحرارة بمستواها الحالي، دون اية زيادة في السنوات القادمة، سيوصلنا الى نسبة 550 جزء بالمليون للمكافئ في عام 2050م. الا ان " عرض شتيرن" نفسه يقر بلامعقولية هذا الطرح، وان عام الوصول الى نسبة 550 جزء بالمليون سيكون عام 2035م، اما في عام 2050 فسنصل الى نسبة 750 جزء بالمليون، وارتفاع حرارة الارض 4.3 درجة مئوية، وسنصل عام 2100 الى نسبة 1200 جزء بالمليون للمكافئ واكثر من 6.3 درجة مئوية ارتفاعا في حرارة الارض.
هنا يقترح " عرض شتيرن" نظاما يقول بوصول نسبة الغازات الحابسة للحرارة الى قمتها عام 2015م ثم نبدأ بتخفيضها تدريجيا بنسبة 1% سنويا. ثم يواصل ليحذر من نسبة تخفيض اكبر لان ذلك سيحمل الاقتصاد تكاليف باهضة وستتقوض اركان الرأسمالية نفسها " ان المعالجات التي تطالب بتخفيض حاد وسريع انما هي معالجات غير مقبولة اقتصاديا". وحسب نظامه المقترح فاننا سنحقق انخفاضا بنسبة 25% في عام 2050م مقارنة بمستوى عام 2005م. وحسب رأيه ايضا فان من المستحيل تحقيق نسبة انخفاض اكبر من 1% سنويا الا في حالة انهيار كبير داخل المجتمعات كما حصل في الاتحاد السوفياتي سابقا. اما مثال بريطانيا التي تجاوزت نسبة 1% سنويا في نسبة التخفيض فقد كان بسبب تحولها الى استخدام الغاز والبترول بدلا من الفحم لتوليد الطاقة بعد اكتشاف كميات كبيرة منها في بحر الشمال. باختصار – فان نسبة 1% من التخفيض سنويا هي الخط الاحمر الذي يرفض الاقتصاد الرأسمالي تجاوزه، ومن اجل الحفاظ على عجلة الارباح علينا ان نواجه قيامة بيئية.