وحي الله ووعي الانسان في التوحيد والاسطوره

هاشم الخالدي
2008 / 9 / 7 - 08:32     

من المعروف ان الحيوان لا يدرك المسافة المكانيه،والفترة الزمنية إنما تقتصر علاقته بما يسمي "بالمسافة الحسية والفترة الحسية " بانعكاس مادي ، بينما الإنسان يدرك "المسافة والفترة بالطريقه الرمزية ـ المجردة....وتلك بسبب تميزه بقدرة الادراك التي لها الفضل في وعي بانه يعي ما يوحى اليه, بينما الحيوان ليس كذلك فهو لا يعي وقوعه تحت تاثير وحي ما, لذلك فان النحل مثلا وان تأثر بالوحي إلا أن تأثره هذا ليس مدركا في وعي له, ان علاقته بالمسافة والفترة هي حسية ليس إلا .... ان للمكان والزمان في قدرة الإدراك لدى الإنسان كمسافة وفترة هي مجردة , وهي مصدر الأثر الحاسم في تكون مفهومي النسبي والمطلق والواقعي والخيالي وتكوين شكلين للإدراك على طبيعته الغريزة, ,فهي شكلين معرفيه وحدسيه, أي ان قدرة الأدراك تستقبل شكلين من المؤثرات ملموسة وغير ملموسة ,فالملموسة هي مادية معروفة الماهية, إما الغير ملموسة فمجهولة الماهية...المادية توعي ,والأخرى توحي إلى الإنسان, لذلك تسمى روحيه, ولكن لولا الوعي لما عرفنا أن هناك حدس أو وحي في قدرة دماغنا الادراكيه, ولولا وجود التوحيه في قدرة دماغنا لما بدا للإدراك وجود قوة موحية بما فيها وحي القوه المطلقه , وان كان الوحي مجرد خيال أو وهم فهذا لا يعني انه غير موضوعي , لان الموضوعي هو كل ما هو خارج عن إرادتنا , ووعينا, أليس الوحي والإيحاء هو خارج عن وعينا وإرادتنا , فوجود الوحي هو وجود من هذا القبيل لا يمكن الفكاك منه ,وان وحي المطلق هو الداعي إلى ديانة التوحيد,وما نجده وندعوه سرا ب أو خيال أو وهم أو وحي ربما له سننه التي تختلف عن السنن الجدلية في الإحساس والوعي لذلك هي غير قابله للادراك وعيا , وربما لا سنن له بمعنى انه سكوني وليس جدلي , ولكن إن وجدت له سنن, فليس بمقدورنا اكتشاف تلك السنن كونها ليست وعيا, و في كل الأحوال فالوحي مجهول ولكنه هو كقوة مطلقه يضفي قيمة أخلاقيه عظيمه تبعث على التقية, وبالتالي استنباط الحق والباطل واحترام الحق ونبذ الباطل ,فلا يخلو أي دماغ انساني منه على الإطلاق حتى دماغ الملحد, فكل ذلك هو امر منطقي ولكن ألمشكله ليست هنا وإنما في تأويل هذه الحقيقة (حقيقة الادراك وحيا)إلى أساطير وخرافات من مواقع مكانية وزمانيه محسوسة ولها وجودها المادي الحي وغير الحي فتستعير من فهم المطلق وتسحبه في عملية تأويليه على المحسوس..
إن الوجود هو وجود مادة ووعي ووحي وتلك كلها ظواهر موضوعيه...إما الأساطير فهي وعي مصالح في لعبة لإشباع الغرائز. فقدر الإنسان انه خاضع لنزعات ثلاث هي الغريزة والمعرفة والإيمان.
إن وجود الوحي لا يمكن أن يثبت بالمعرفة..فتلك من المستحيلات.. إلا إن الوجود المطلق كوجود زماني ومكاني تجريدي ,مفهوم في الوعي ومسلم به في الوحي..اي انه فلسفيا ومنطقيا هومعرفتا أووحيا,فالوجود المطلق معرفيا يدرك بلا نهائية الكون نتيجة لحركة التغيير الدائم في الكون وهو تغيير ينعكس على الكم والكيف معا , إما وحيا فهو وجود نوعي وليس كمي ويشمل ويحتوي لا نهائية الكون,يعبر عنه دينيا بالايمان إن ليس لمثله شيء أي الله وهو ما يفرض على الإنسان الدين.. فالدين هو التوحيد ,أما الأساطير فهي تخدير وتجزئة وتفتيت ...
إن الأساطير تنتج ليس الخرافات فحس وإنما تعمل كروافع استغلال , وهذا ما يميز الدين التوحيدي عنها .فالاسطوره نفي المعرفه اما التوحيد ,فهو تكريس وتعزيز خارجها.اذ ان الاسطوره هي تقديس للاشياء والظواهر والافراد والنصوص ..الخ وكلها اجزاء قابله للتغيير ..وان التقديس لها جمود وتحجر... لذلك فان النظر للاشكاليه الفلسفيه هوليس في حقيقة نشوء فكرة الوحي وانما في ثنائية الماده الوعي في ديانة واساطير يونانيه, واعتقد إن ثنائية المادة الوعي مصدرها في الفلسفة عن مفهوم قديم ينطلق من أن الله هو الوعي أو إن الوعي هو الله , ثم يأتي السؤال لمن السبق للمادة ام للوعي , وقد عزز الاعتقاد المسيحي هذا التكريس الإيقاعي ....في ان المسيح هو الله في التثليث المعروف .. وربما إن عقيدة مشابهة كانت في اليونان قبل ظهور المسيحية والتي مهدت لانتشار المسيحية بأوربا هي التي كرست هذا الاعتقاد,وهكذا كانت هذه هي خلفية في الجدال الفلسفية بين المثالية والمادية , فمن الواضح إن نتيجة ذلك هو الاعتقاد بان مفهوم الله هو الوعي , ولكن لو ابتعدنا ومحونا هذا التأثير التاراخي , و فصلنا بين هذا وذاك أي بين الله والوعي واعتبرنا الوعي هو من خصائص الإنسان في قدرته الأدراكيه فقط وليس من خصائص الله , وان لله الصمد ماهية أخرى ليس كمثله شيء , فسيكون لمقولة المادة سابقة على الوعي حتما معنى آخر , أما الله فهو سيعزز وسيكرس في مفهومنا له كقوة مطلقه نتلقى تأثيرها وحيا في قدرة الإدراك و هو وحي يوحى وليس وعي. ان فهم معنى الوحي والإدراك وحيا تفسر اشكالية النص ,كلام الله أم وحي الله ,إن حقيقة أن القرآن بحد ذاته هو كلام الرسول بلسانه ولسان قومه وبوحي الله وليس بكلام الله ,هي خطوة أولى وضرورية لكل إصلاح , والفرق كبير بين وحي من الله وكلام من الله ,فبين هذا وذاك بون شاسع ...ولنأتي بمثل لنوضح ذلك , قصة نوح عليه السلام الذي صنع الفلك بوحي من الله فهل أن هذا الفلك هو من صناعة الله رغم انه ليس فقط بوحي بل بأعين الله كما تنص الآيه , اذ لم يكن يعرف الناس السفينة او الفلك قبله ...فتلك السفينة صنعت بيد وأدوات ومواد نوح وقومه فهي ليست صناعة الله لكنها بوحي منه فالوحي توجيه ملزم في التصور والتأمل والتخيل للسفينة او الفلك بكل حيثياتها لتؤدي غرض, وكذلك الكلمات المنطوقة او المخطوطة فهي نص من صنع الإنسان ولكن توجيه ملزم في التعبير عن الغرض و القصد والمعنى التي يريدها الله... ,ولكنها هي لغة ولسان الناس والرسول بحق , وتستخدم مفردات القوم ومصطلحا تهم ومفاهيمهم , وربما يمس النص من خطأ البشر, إلا إن الغاية والقصد والمعنى فهي لا تمس ,وهذا وارد سواء بصنع الفلك اوصنع الكلمات والنصوص , فيعدل ويصحح الخطأ ويكون دليله في ذلك بشكل رئيسي هو الوحي ذاته , وهكذا جاء المصحف الشريف كما جاءت سفينة نوح , وبذلك يكون الوعي الذي يتمثل به الرسل او بني الإنسان د ور ايضا قابل للتوجيه بالوحي , اما وقد اجتازت الإنسانية صناعة الفلك إلى السفن العملاقة والناقلات المتخصصة بل تعدت الى سفن الفضاء عندها فانه رغم ان سفينة نوح تبقى مقدسه لأنها بنيت بوحي من الله ولكن أيضا هي اثر وتراث من الماضي وكانت في حينه وعيا مضافا من وحي الله.إنها سفينة أنقذت وحفظت القوم وانجتهم ,وربما هي أول سفينة يصنعها الإنسان تعكس قدراته في ذلك الزمان , كذلك نص المصحف فهو مقد س لأنه نتاج وحي من الله وهو أيضا اثر وتراث زاد الإنسان وعيا بالوحي,إلا أن نصوصا للتعبير عديدة تظهر في ألممارسه وهكذا فهي قد شكلت معرفه متنوعة اكتسبها بني الإنسان ,فهل نتنكر لها , نعم ان صنع السفينة ليست كصنع النص ولكننا أردنا أن نقرب التصور لمعنى الوحي,ان الوحي لا يتحدد بصنع النص أو السفينة إذ انه توجيه ملزم يستقبل في قدرة الإدراك بالنسبة للانسان وهي سبب ادراكه وحيا كشكل اخر من الإدراك إلى جانب الإدراك وعيا كما قلنا ه في عدة مقالات نشرت في شبكة العلمانيين العرب لذلك فانا اعتقد ان المسالة لا تحتاج الى قواعد واسس لا علميه او ايحائيه لكي نستنتنتج الوجود الموضوعي للوحي لسبب بسيط هو عدم خضوع الوحي للجدل ,رغم ان ما من إنسان بسيط او عالم إلا ويمتلك في وعيه ما نقول عنه في اقل تقدير هو هاجس بقدر وآخر, وان هذا الهاجس يلح بوجود قوة وحي مهيمنة و مطلقه منذ ظهور الإنسان العاقل على الأرض ,ويدل على ذلك سلوكية الإنسان في العصور ما قبل التاريخ المكتشفة في حفريات الآثار الى... ما تقدمه العلوم الحديثة وما أفرزته خصوصا في مجال سلوك الضوء وحركة الموجه والفوتون ...والثقب الأسود ..الخ ,فان مهمة الفلسفة هي غير مهمة العلم ...فلماذ اذن لا نرى ان ظاهرة موضوعيه أخرى هي غير المادة والوعي لها دور في الصيرورة العامه للطبيعة والإنسان,لذلك ارى هناك ثلاثيه ان جاز تسميتها هي ثلاثية الوحي والوعي والمادة, ولكي لا تختلط المقولة مع الدارج في الاستعمال فان مقولة الوحي المقصود هو بصيغة فاعل واحي وليس وسيط ناقل للفعل (جبريل ) ولا صفة للفعل, إن الوحي يسبق المادة ويسبق الوعي وخالق للمادة وهو ليس من العدم وإنما من نفسه أو من ذاته فهو المطلق يعبر عن كيف وليس عن كم متحول عبر التراكم الى كيف , أما الوعي فليس هو إلا احد معطيات ألماده , إذ أن ألماده تنتج الوعي فهي الأسبق في الوجود من الوعي , ولكن الفاعل الأول هو الوحي فبفعل الوحي يتحقق الوعي والوجود, إن هذه المعادلة تعبر عن تجاوز الأشكاليه الكبرى ..إشكالية ألثنائيه.. أسبقية المادة أم الوعي , ليس هناك وسيلة لمعرفة ماهية الوحي كونه هو بذاته غير خاضع للجدل ,إن الوعي الإنساني هو الفاعل الوحيد القادر على التفاعل مع الوحي كونه أكثر جدلا من المادة , فهو يعي أن هناك شكل آخر من الإدراك خارج آلية الوعي الجدلية بفعل تساؤله عن أصل وماهية الوجود وبفعل الإدراك وحيا في قدرة الإنسان الإدراكية , إلا انه ليس هناك وسيلة لمعرفة ماهية الوحي كونه هو بذاته غير خاضع للجدل .وتلك الأشكاليه الأزلية العامة في وعي كل الأديان الوحدانية .