اشكالات ..ومغالطات في العملية السياسية 3 .. الوطن.. الوطنية..المواطنة


ثائر سالم
2008 / 8 / 21 - 04:52     

افتيان الخليج ولا خيار
وان زعم الدعاة ولا محيد
وليس هناك الا من يطاطي
الى المستعمرين ومن يذود
الجواهري " فتيان الخليج"

لم يمضي وقت طويل على انشغال الساحة السياسية العراقية والامريكية.. الاقليمية والدولية ، بتصريحات رئيس الوزراء العراقي ، ومستشار الامن القومي(العراقي) ايضا، المفاجئة ، حول وجود اصرار لدى القيادة العراقية ، على ضرورة جدولة انسحاب القوات المحتلة (الصديقة! )، لاسيما بعد " النجاحات الامنية " التي تحققت. وبتصريحات وزير خارجيتهم ايضا ، التي رغم تأخرها ، وتناقضها في احيان عدة وتاكيده على قرب عرض الامر(الاتفاقية الامنية) على مجلس النواب ، وتوقع مصادقة المجلس عليها ، الا ان تصريحاته الاخيرة تلك كررت ذات الموقف وهو تمسك الحكومة العراقية ، بضرورة وجود " افق زمني " لسحب القوات الامريكية، ...

حكاية "الافق الزمني" هذه، دخلت الخطاب السياسي الامريكي العراقي اليومي ، في مكالمة الرئيس بوش الاخيرة مع رئيس الوزراء المالكي، عشية زيارة اوباما للعراق، خوفا من اتفاقات او تعهدات ، وقطعا للطريق على اية آمال او احلام عراقية ـ امريكية ديموقراطية (حزبية)، لا تلائم مشروع المحافظون الجدد " ابطال التحريروالديموقراطية في العراق"، والعالم ان امكنهم ذلك .

وواضح ان الامر ، كما عودنا الامريكان ، وكل الاستعماريون ، لا يتعلق بمجرد كلمة، وانما بانتقاء واعي ومدروس لها ، تتطلبه غالبا اسباب او دوافع سياسية. ففي حالة بوش والسياسة الامريكية في العراق الان ، فهي تواجه ضغطا شعبيا متعاظما ، يدعمه تنافس حزبي وانتخابي على الرئاسة ، تتجه فيه سهام الخصوم ، الى مسألة تواجد القوات الامريكية ، استمرارها وجدولة انسحابها.
ان مجرد ذكر كلمة " جدولة " او كلمة " انسحاب " في اي كلمة او خطاب سياسي ، للرئيس بوش او ادارته ، باتت تشكل تهديدا جديا ، مستقبل الجمهوريين في الانتخابات المقبلة . لانها ستكون مؤشرا ، حيا على فشل السياسة التي قاد البلد اليها " مجموعة المحافظون الجدد" بزعامة بوش.
تأجيل الحديث ، عن قضية الاتفاقية الامنية ، بعد الغيرة الوطنية المفاجئة التي هبطت على بعض قادة العراق الجديد، ، للمطالبة بسحب القوات . حرصهم على الالتزام ، باختراع " الافق الزمني " للانسحاب ، الذي كان من مكتشفات الرئيس بوش ، بدل مصطلح " جدولة الانسحاب"، الذي لا يحتمل سماعه.... واثارة، موضوع كركوك ، في هذا التوقيت بالذات ، ليس خارج اعتبارات ودوافع ، امريكية ـ عراقية، لا اضنها بعيدة عن فطنة، الكثيرمن غيرالمختصين من الناس، دع عنك المعنيين والمختصين منهم. فالعلاقة بين هدف ، اعادة تسويق (انتخاب) النخبة الحالية الحاكمة في العراق، التي تقاسمت السلطة والثروة والجريمة " جريمة الاحتلال وعواقبه"، فيما بينها ومع الاحتلال ،...مع الجمهوريين الراغبين في الاستمرار بالبيت الابيض ،....وبين هدف تمرير القوانين المنتظرة ، يقع هدف اشغال الناس ، بخلافات وصراعات ، تبعد الاهتمام بالهدف الاكبر والاساسي ، ....هدف تمرير الاتفاقية الامنية ، وقانون النفط والغاز.
ان القراءة المنطقية للمصالح والاهداف الامريكية ، وميادين الضغوطات التي مارستها في الاشهر الاخيرة ، على الساسة والبرلمانيين العراقيين. ربط هذا التوقيت ، بعمل البرلمان على سن قانون الانتخابات ، يمتلك مايكفي من المنطق في الحجة ، والتقبل للطابع الموضوعي ، العفوي ، في الامر. الا ان الامرذاته ، لا يبدو كذلك ، وعلى هذه الدرجة من البراءة ، في صلته، بتعثر تمرير الاتفاقية الامنية والسياسية ، وبقانون النفط والغاز، بغض النظر عن النوايا والاهداف . اهداف الابتزاز السياسي ، لاجنحة في بعض القوى الاساسية ، في الائتلاف السياسي الحاكم ، الذي يعارض ، الاتفاقية ، على الاقل ، بتفاصيلها غير المتوازية.
وبالرغم من ان مسار " العملية السياسية " ، والسنوات التي مضت، كان كافيا لكشف كنه تلك الغيرة الوطنية ، لهؤلاء اللذين لم يجدوا حرجا بالتغنى بافضال الاحتلال والتباهي بصداقته ، وتكرمه بمنح الاستقلال والسيادة الكاملة ،و(قبل تسلم الملف الامني لمعظم المدن العراقية) . تلك الغيرة الوطنية ، التي انبثقت فجأة، من مواقف التفريط بالاستقلال والسيادة ، وبمستقبل البلد وثروته ...من التخاذل او الصمت على، جرائم الاحتلال، بحق وطنهم ومواطنيهم. مواطنون عزل امنين في بيوتهم...والتخاذل والصمت على نهب ثروة البلد ، واستشراء الفساد بمستوى لم يعرف العراق له مثيلا.
هؤلاء الساسة والقادة لم يحرجهم ، تحويلهم ...الاحتلال (حسب كل معايير القانون الدولي) ، الى تحرير .. ولا شرعنة الاستعمار الخارجي بديلا عن" الاستعمار الداخلي" .... لم يعد يحرجهم ، الكذب على شعبهم، وبيعه الاوهام ، بدل مواجهته بقسوة ، وجه الحقيقة... وبدل تسويق تاويلات سطحية تبسيطية ، لاتراعي العناصر المكونة لاي مشروع ، ولم تتردد من استخدام تخبطي ، للمفاهيم والاحكام السياسية ، ينال من جديتها ، بدل ان يوظفها في معرفة حقيقة للاحداث واستشراف علمي للمستقبل .. حتى لو كان الثمن ، رهن قدرات البلد ، وثروته ، وقرارته السيادية الى اجل غير مسمى . باختصار حتى لو كان الاستعمار القديم ، الذي يعرفه الجميع ، ما دام بالامكان تسميته تحريرا.
..الوطنية والمواطنة الجديدة.. عند ساسة وقادة القوى التي تقاسمت " العملية السياسية" و(التي نجحت في الاختفاء وراء اسمها، تاريخها ). . اسلامييها وعلمانييها ، من اليمين وحتى اليسار. حسب هذه القوى ... المواطنة كهوية انما يجب ان تكون هوية قلقة، هشة المقومات والمضمون الوطني ، مرتبكة الملامح، الارجحية فيها الى تاويلها للوطنية والمواطنة ...لقرائتها التي يجب ان تخدم مشروعها ....ووطنية تقوم على نسبة التمثيل والحصة، في السلطة وغنائمها اولا....وثانيا : وطنية لا يمكن لهامتها ان ترتفع ، فوق هامة عصبيات التمذهب/ الطائفي او القومي. ...ولا يمكن لقامة المواطنة فيها ان تعلو على قامة الزعامات والمراجع والشخصيات " العظام !" (التي لا افهم حتى الان لماذا هي عظيمة؟ واين هي العظمة في كل ماحصل من كوارث وجرائم ودمار، للبلد والانسان ).
الم يحصل كل ماحصل من مآسي ، ولازال ، في ظل تلك الزعامات . وانني لاتسائل حقا ، ماذا كان سيحصل بالانسان والبلد ، لو لم تكم تلك الزعامات عظيمة؟ اليس المنطق الاقرب للحقيقة ، الاعتراف بقصور تلك الزعامات وفشل رؤيتها ، وخلل في نواياها ، وعجز في قدراتها. اليس من الافضل لها ، ان نعاملها ، ونحكم على افعالها كما نحكم على ، مواقف الانسان العادي وخياراته ، لانها حقا بمستوى ومواصفات تبدو احيانا اقل من مواصفات اي انسان عادي . والحقائق على الارض كافية وحدها للبرهنة على هذا القول.
فبموافقة..او مشاركة ..او صمت.. او حتى مباركة، هذه الشخصيات العظيمة، التاريخية.. جرى كل الذي جرى ولا زال يجري . فاين مكمن العظمة ؟ اللهم الا اذا كان المقياس السرعة القياسية في تدمير بلد ، وحجم الخراب والتدمير . واذا كان كل الذي حصل ، لم ينال من مكامة العظمة جرت استباحة واحتلال البلد ، وتدمير بنيته الاقتصادية وقاعدته المادية ، وسرقة ثرواته الطبيعية ، وقتل مئات الالاف من ابنائه ، وهجر اكثر من ستة ملايين مهجر. وجرى ايضا استباحة العراق وسيادته والاعتداء على كرامته ، ، التي يجب ان تبقى فوق القانون والدستوروسلطة الدولة ، ..وخارج دائرة المسائلة وقدرة الدولة على المحاسبة.

فالانتماء الكردي ، واولوياته ومتطلباته ، مقدمة علنا ، على قضايا ومتطلبات الوطن ككل ...متطلبات الجزء ، هي الحاسمة اذا ما دخلت ، في تناقض مع ضرورات ومصالح المجموع الوطني. والامر ذاته يفعله ، ممثلي " المواطنون الشيعة " الذين سيتذكرون انهم عراقيون ، بعد ان يضمنوا سيادتهم السياسية والثقافية ، في السلطة والمجتمع ، وما يتبقى لابأس ان يكون قولا وعملا ، لاحدود له ، ما دام ، لايغير من معادلة التوازن الوطني الجديدة (الطائفي والاثني حقيقة). والامر ذاته ،ينطبق ، على ممثلي المواطنون " السنة " رغم انهم الطرف الاضعف في المعادلة ، واضطروا تحت الضغط الى دخول هذه العملية والمساهمة في "شرف اضفاء الشرعية على الاحتلال " ولتلك العملية التي اساءت لتاريخ الوطنية وهوية المواطنة العراقية، التي كانت تنتظر تصحيح المسار والاغناء ومعالجة الاعوجاج والتشويهات التي اصابتها ، من دكتاتوريات مارست عصبيات مستترة ، لم تشرعنها دستوريا، وسياسيا .

كما هو معروف فان ظلم الماضي لايمكنه ، ان يكون قاعدة تبرر ، ظلم الحاضر . الثورة على ظلم طائفي او سياسي ، لايمكن ان يكون ، انتقاما واقصاء، ولا تشريعا لطائفية ، او امعانا في غنائمية ، تعتمد آلية التحاصص ونهج تقسيم البلد ، وتجزئة المصالح الوطنية ، لتبقى المواطنة ، حاصل جمع(حسابي) لمجموع مصالح الاجزاء المكونة.
فاي دولة مواطنة هذه ، ورئيس الحكومة ورئيس الدولة ورئيس البرلمان، هو شريك في وفد يفاوض عن مصالح احد هذه "المكونات" ، في مقابل رئيس دولة ، لايتردد ، في الاصطفاف فورا ، الى جانب اولوية المطالب الفئوية لا الوطنية ، والامر ذاته ينطبق على رئيس البرلمان بوصفه احد ممثلي الكتلة الاخرى.
لو كان هؤلاء السادة ، حريصون حقا على الهوية العراقية ، اولا ، وعلى ضمان حقوق مكوناتها المتنوعة ، لاختاروا ان يكونوا ، رجالا حياديون معنيون ، بالمشترك ، الضروري، لوحدة الهوية ، وللتنمية العادلة. مهتمون بما يوحد ، ومبادرون لمشاريع التوحد في المصالح الاقتصادية . وحريصون على تعزيز بنى التقارب الثقافي وتعزيز فرص الهوية الوطنية الواحدة . ملتزمون وحدة المساروالتحالفات السياسية التي تجمع وتقوي فرص وحدة المشروع السياسي الوطني .
وذلك امر ممكن ، لوكانت النوايا الحقيقية مايعلنون . فانابة امر التفاوض الى القوى التي يمثلون ، من اجل بلوغ التوافق المطلوب ، والتزامهم بحصر دورهم على الدور الوطني العام ...على ماهو جامع وموحد بين الجميع ، كان سيمنح ادعائهم بالوطنية وتناقضهم مع مشاريع الاستعمار ، فرصا اكبر للقبول والمصداقية وللنجاح في ادوارهم ومجمل " العملية السياسية".
ان حسم التناقض بين اغراء السلطة وامتيازات الحكم ، وبين الاماني او الادعاءات الوطنية ، لصالح خيار السير في طريق ، تحقيق خطوات عملية لمشروع التوحد الوطني ، اقتصاديا ومن ثم ثقافيا وسياسيا. وترسيخ تلك الخيارات : ترى الم تكن فكرة او مطلب سحب القوات الاجنبية او جدولة الانسحاب ، ضمن وعود ذات القوى التي طرحته في الانتخابات الاولى؟ هل من الحكمة او التعقل ان يقع الناس ، في ذات الوهم ، ويسيروا خلف ذات الوعد / الوهم؟.
اذا كان بعض الناس والمواطنون ..الساسة والمثقفون او المختصون بعلوم المجتمع والسياسة عموما ..لاذاكرة لهم ...يسهل دفعهم الى منطقة تحفيز التاويلات والتحميلات ..ولهم قراءات ذاتية او حزبية ..ومواقف تتحرك بالنوايا او الامنيات الخاصة الفئوية. الوطنية كاي ظاهرة في عالم السياسة ، انما هي رؤية وثقافة وسياسة...تتجلى ممارسة واقعية لتلك الرؤية... تتجلى مواقف معبرة عن مصالح الوطن والانسان فيه بالاساس. لا على مستوى الاحداث والمهام والسياسات اليومية فحسب ، وانما عل المدى البعيد ..الافق الستراتيجي .
التقييم الموضوعي لمواقف الافراد وسياسات الاحزاب . ليست امر تحققه التمنيات الطيبة ، والمواقف الانية .فالوطنية ليست فعلا تستدعيه...مصالح البقاء بالسلطة والاستئثار بقرارها ومغانمها . وانما هي رؤية سياسية وثقافية محكومة بتجربة سياسية وثقافة، واضحة المعالم، تقع مصلحة البلد والمواطن فيه ، وحقوقهم في المكان والثروة والسيادة والاستقلال ، التي يكفلها القانون الدولي ، ينهض بها ادراك ورؤية تعرف كيف تدافع عنها ، تنتزعها او تحميها . لكنها ابدا لاتتبرع بها ، لمستعمر او غاصب ... لدولة معتدية ..او شركات راسمال نهاب ،... او لقوى طفيلية ،...او لنفعية ، انتهازية ،... معنية بحقوقها لا بحقوق شعبها وبلدها.