المثقفون الوطنيون الجدد


ثائر سالم
2008 / 8 / 16 - 04:02     

مستفيدة من تاريخها الكولونيالي ، في القهر والاخضاع ..القسوة والهمجية .. وخبرة ليبراليتها في التزييف والخداع...وفي اخفاء الوحه الحقيقي ، لسياسات التمييز ..بين المواطنين والقوميات ... المكونات والجماعات والطبقات ، ..والعنصرية في الثقافة والسياسة وباسم الديموقراطية،..وتصديرها الى مجتمعات وثقافات لم تعرف من ثقافة الليبرالية ..غير وقاحتها في وجهها الاستعماري....وقاحتها في تأويله " تمدينا وتحريرا وفرص تنمية"...رغم لغة الحديد والنار، التي بها اهدت مدنيتها وانسانيتها، الى تلك الشعوب المغلوبة على امرها.
وتلك وقاحة، لا تتفوق عليها وقاحة الا وقاحة ، المثقف"الوطني"! التابع...المعني اولا بمهمة/عملية تسويق وتأويل..افعال وسياسات واهداف الاحتلال . عملية كهذه ، لا يمكن لمثقفي الاحتلال او ساسته ، النجاح فيها لوحدهم. فتضليل الجمهور، والتشويش على اهدافه ، القريبة والبعيدة ...وقناعاته .. في حقه في التحرر والتنمية وجدوى الاستقلال...
مهمة تسويق مشروع الاحتلال...تم غالبا ..بقراءة ذرائعيه...تتجاهل حقائق الحياة، وعبٌر التاريخ .... مشروع هذا المثقف ..انما هو كمشروع الاحتلال ذاته ..تقديم قراءة تحتقر قيم الثقافة الوطنية ، والحرية ، والانسانية التي لبست قناعها.

هؤلاء المثقفون" الوطنيون" الجدد( الوطنيون بالمعنى الحقوقي ، لا كرؤية او موقف سياسي ، مناهض للاحتلال )، باتوا موضوعيا ، جزء من مشروع " المحافظون الجدد" ، الكوني. بارادة البعض منهم وانصياع البعض الاخر ، لاغراء السلطة والثروة ، او نزولا عند رغبة المستعمر . فعواقب نجاح مشروع الاستعمار في العراق ، هو في النتيجة حتى ، العامة قبل الخاصة ،..المجردة قبل الملموسة ، تعزيزا لفرص نجاح المشروع الكوني للولايات المتحدة، ..الهيمنة والاحلاف ،..العسكرية والاقتصادية.. والانفلات حتى من قيود، قاعدة الاجماع الدولي ، واكذوبة حقوق الانسان. كما تجلت في غوانتنامو وابو غريب...في السجون الطائرة والسيارة ..في قوانيين التنصت والمراقبة ..على الحريات العامة والشخصية ...على رفض الالتزام ..بقواعد القانون الدولي والمحكمة الدولية ، ..الخ.

محاولة هؤلاء المثقفين، تسويق مشروع الاجتياح والاحتلال ، بالنظر اليه في اطار التحرك المشروع للدفاع عن المصالح الوطنية الامريكية،... وبلوغ البعض منهم ، حد اسباغ الشرعية ذاتها على تدخل اصغر الدول الاقليمية في الشأن العراقي، دع عنك الثقل الخاص للدور الايراني، هو ليس تبريرا او تصورا يعكس لا اخلاقية الثقافة والمدرسة السياسية، التي ينتمي اليها هؤلاء المثقفون، خيانتهم مصالح بلدانهم الوطنية، التي لم يمضي على تحررها السياسي " الشكلي" ، وقتا طويلا.
وتبرير نهج فتح الطريق ، وازالة العوائق القانونية والاقتصادية امام ، عودة الشركات الاحتكارية وعمليات النهب والسرقة ، القانونية لثروة البلد ، وموارده الاقتصادية ، حتى لو كان في شكل عودة الاستعمار بشكل مكشوف، ..هو اكثر الخيارات سوءا واكثرها تفريطا ، بمصالح البلد والمواطن.

ان محاولة المساواة بين مضمون، السياسات الاستعمارية ، والشركات التي تدعمها ، وبين السياسات التي تعبر عن مصالح تلك الشعوب ، وارادتها . وبحجة تقديم "رؤية جديدة "، " للوطنية" و"للواقعية السياسية" يتولى هؤلاء المثقفون مهمة تسويق هذه القراءة المتخاذلة لمصالح الوطن وللوطنية ، في الوعي الجمعي الشعبي ...الوطنية التي يقدمها هؤلاء المثقفون ، على انها ..جمودا في الفكر ، وتقديسا لقيم تجاوزها العصر ..عصر، السادة، القادرون..الاغنياء..المالكون والمستحوذون على الثروة، الطامعون في امتلاك ارادة البشر ، ومنتجات عملهم وعلمهم . ..انه نظام الكولنيالية ..بشكلها القديم او الجديد ..
...وبصرف هؤلاء المثقفون انظار الشعب العراقي ..عن تناقضه الاساسي مع الاحتلال ..ومشروع الهيمنة والاستعباد...اتفاقات امنية ، قواعد عسكرية دائمة ام مؤقتة..مستشارون" شكلا" ومتخذي قرار" واقعا"...والنهب الاستعماري الممنهج الذي يننتظر البلد " قانون النفط والغاز" ... ، يديرون اجهزة الدولة بشكل مباشر وعلني ، ام ، ولكنهم يبقون اصحاب القرار الفعلي في البلد . القرار الستراتيجي وآليات اتخاذ القرار...التوجه السياسي الداخلي والخارجي ...خارطة التحالفات المحلية والاقليمية ...البنية العسكرية والاقتصادية ...آليات التمويل اتجاهات الانفاق والاستثمار ...ستراتيجيات التنمية واتجاهاتها ..المضامين والاهداف ...مالفرق ؟..مادام مآل كل ذلك لهم ، ولحسابهم ؟ واذا كانت هناك منافع اخرى للعراق ، فلن تكون الا تحصيل حاصل ، او لكونها اقتطاعا لابد منه لاجل ، تحقيق الاعم والاهم . اللهم الا اذا اراد ساسة عراقنا الديموقراطي الجديد ، اعادة اكتشاف التاريخ، وتحقيق كشف او انقلاب ثوري ، في مفاهيم السياسة واحكام علم الاجتماع...وان يسجل لهم، اكتشافهم الجديد...بان...
الامبريالية لم تعد استعمارية استغلالية...
والاستعمار لم يعد احتلالا ..
وهدف الاحتلال يمكن ان يكون تحريرا...
وان وجود مئات آلاف الجنود والمعدات، في بلد دون رغبة شعب ومعظم ساسته ، وتحكمها بكل مظاهر الحياة ، ليس دليل احتلال ..
وان وطنية جديدة ، يمكن ان تتشكل، في سياق العمل ضمن مشاريع وثقافة الكولنيالية الجديدة بلبوسها الجديد ...العولمة الغير متوازنة ..المكرسة للتمييز بين حقوق وفرص الشعوب ، في مدى ونوع الحرية والتنمية والاشباع للاحتياجات المادية والانسانية والحقوق العامة. عولمة السادة العالميون والمحليون ...عولمة تتركز فيها منافع وسلطات السيد ، وتقنن وتهمش فيها حقوق وفرص الاتباع ...عولمة تساوي بين مصالح الظالمين ، وتفرق بين مصالح المظلومين.
فهل هناك وطنية ، اصدق واكثر انسانية او واقعية ، من تلك الوطنية الغير معنية ، بحقوق الوطن ، العاجزة عن الدفاع عن مصالح الوطن وحريته الكاملة؟
فما يعود على الوطن ..مستقبله ..حريته ..كرامة الانسان فيه ؟ ان تم ذلك تحت لبوس القومية ، او المذهبية ، او العقائدية ،....او حتى في ظل ديموقراطية ، لامجال للشك في آليتها ، مادامت عاجزة عن تمثيل مصالح البلد والانسان فيه ، وحماية حقوقهم او العمل على تحقيقها؟
مالذي يخسره الاحتلال ، في تواصل صدام القوى التي جاءت في ظرف ما ، بانتخاب حقيقي ام ابتزاز سياسي ـ عقائدي ما ، شهورا او اياما ، من اجل ان تكون هذه المدينة ، تحت هذا الاطار الاداري او ذاك ، او بهذا الشكل او ذاك ، مادامت اهدافه ومصالحه ، في البقاء في العراق والمنطقة ، قريبا من النفط ومناطق التحديات المحتملة، لمشاريع هيمنته العالمية على العالم والمنطقة تسير على مايرام ، واستمرار العراق قاعدة اساسية في تحقيق النجداح لتلك المشاريع؟
هل يجهل ساستنا حقا ، تلك الحقائق التي لم يعد يجهلها ، كل ساع وراء الحقيقة؟ هل هو ضعف قدرات التحدي والمواجهة بالاساس ؟ الم تتشكل قوة، يتبجحون بتحقيقها نجاحات امنية هامة ؟ الا يمكن ان تشكل تلك القوى ارضية هامة، في تعبئة قوى الشعب نحو طريق الاستقلال والحرية ، اذا ماكانت تلك الارادة الوطنية التي يتحدثون عنها موجودة حقا؟