سمير القنطار وزياد الرحباني في سورية


عمار ديوب
2008 / 8 / 15 - 10:21     

هذا الخبر الذي يتأكد كل يوم.سيُثير بدون شك خلافات ونقاشات،وربما اتهامات وتكفير من أطراف سياسية عدة في سوريا.وسيكون رأي النظام السوري:إن هؤلاء الشرفاء أتوا إلى سورية،لان النظام السوري،ينصف المقاومين ولا يعادي الشرفاء غير المتعاونين مع إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية،وأنّه على حق ووطنيته لا غبار عليها، بينما كل معارضيه في لبنان وسوريا على باطل ، وربما متعاونين مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وسيكون رأي أقلام في المعارضة السورية (ديمقراطيون،وعلمانيون،وإسلاميون) أن سمير وزياد وقعا في مطب الانتهازية والتضحية في مصالح الشعب السوري ولا سيما لجهة الحريات والديمقراطية، ولا يهمهم المفقودين والسجناء اللبنانيين في سورية ،وهم يعطونه مبررات جديدة ،كي يزيد من قمعه،وتسلطه على ذلك الشعب المقموع والخائف والأسير.وبالتالي أصبح الرجلان، أوراقاً بيد النظام السوري،وطبعاً سيشنع آخرون بهما بأكثر مما أتوقع كما علمونا.
في لبنان ستكون هناك أراء،تنطلق من نفس الرؤية،وستتكرّر نفس هذه الأفكار، و ستكون من مثقفي 14 آذار و8أذار،باعتبارهم أصحاب مصلحة في تأبيد أدوارهم السياسية ومصالحهم،ويخافون على أنفسهم من المستقبل غير المستقر.
أما برأيّ المتواضع جداً،فإن سمير قنطار لا يأتي إلى سوريا كي يبيع مواقف تاريخية،ولا كي يشتري مقابل ذلك شيئاً.فهو يحاول أن يشق لنفسه طريقاً، يعزز نهج المقاومة، والتصالح بين سورية ولبنان(كما يفعل ميشيل عون).إلا أنّه يقع في الخطأ،فالنظام السوري،كان في لبنان لأسباب كثيرة ومن أجل تأبيد سيطرته في سوريا، كسبب رئيسي . وليست لديه ، فوق طاولاته أو تحتها ورقة المقاومة،وهو يخوض طريق المفاوضات منذ عقود،كي يحصّل دون أدنى شك أراضيه المحتلة بأقل التكاليف،وبأكثر المحاصيل.وبالتالي فإن دعمه للمقاومة،وهو يطرح ذلك بدون توقف ،يأتي في سياق رفع أسهمه في المفاوضات.ولذلك فمن يريد السير بطريق المقاومة عليه أن يستقل بذاته،ويعزز صلاته بالمجتمع،وأن يرتب أولوياته من أجل برنامج نضالي هدفه التحرير والحرية،بعيداً عن الارتهان بسياسات وحسابات الأنظمة العربية؛التي طالما مارست السياسة من بوابة مصالحها الخاصة وتأبيد سيطرتها الطبقية التي تتعارض مع التحرير أو دعم المقاومة،إلّا بما يدعم تلك السيطرة،وهذا أمر أكثر من طبيعي.
وهنا، لا أكفّر سمير أو زياد، ولا نقاد الاثنين.بل أحاول تحليل هذه الإشكال،الذي برز حين أتت السيدة فيروز قبل أشهر إلى دمشق،ولا يزال يتكرر بحدة مع مجيء كل ضيف لزيارة سورية.
النظام السوري بدوره، عليه أن يعي، أن الاستفادة من المناضلين المقاومين والمثقفين الناقدين لا يجب أن تكون عبر مسخهم وتسخيفهم(كما أشار سمير حين سأله غسان ابن جدّو في برنامج على قناة الجزيرة عن عدم تكريمه من الأنظمة العربية) لدعم الاتصالات التي تفتح المفاوضات ولا تؤدي لمفاوضات جادة أو لأسباب داخلية أو خارجية.وبالتالي الاستفادة من المثقفين تتم لجهة إنهاء تلك المفاوضات، وتبني إستراتيجية استرجاع الجولان دون قيد أو شرط أو اتفاق للسلام وتجهيز الجيش و حل مشكلة الحريات العامة والتحول نحو نظام ديمقراطي من أجل تهيئة المجتمع بكليته لمعركة مصيرية ، يستحقها الجولان كما لواء إسكندرون الذي كما يبدو أصبح في ذمة التاريخ وجزء من تاريخٍ ،يراد له النسيان،ولا تستعيده إلّا الذاكرة وكتابات حنا مينة، ومن له علاقات قربى به.
وبغياب ذلك، يعتبر هذا الاحتمال/الحلم ،غير ممكن.وبالتالي هناك خطورة على سمير القنطار،من أن يتحوّل إلى متواطئ ،يساعد النظام السوري،في تزيين صورته،ودعم أسهمه في معركة المفاوضات.
ولان سمير يعنينا،ونحترم خياراته في المقاومة،ونشدد على ضرورتها ضد إسرائيل، دون ربطها بحماس أو بحزب الله ،ومع تأكيدنا أنها قوى وطنية وطائفية بأن واحد،وهذا يتطلب تحليل إضافي ليس مكانه هذا المقال.فإننا نعتقد أنّه سيكتشف سريعاً.الربط الجدلي بين المقاومة والديمقراطية،والمقاومة والعلمانية،والمقاومة وتحرير الأرض.هذا الربط الذي وُجد قبل مقاومة حزب الله وتمّ القضاء عليه ، عبر مقاومة حزب الله والجهات الداعمة له ،دون أن نغفل الأخطاء التي وقعت بها المقاومة الوطنية ذاتها وأدت إلى إفلاسها.
وبالتالي ، نهج المقاومة هو ذاته نهج النظام الديمقراطي العلماني ،ومن هنا سيكون هناك إفتراقات بين سمير وحزب الله من جهة وسمير والنظام السوري من جهة أخرى،إن كان هناك من اتفاق.وطبعاً لن يكون هناك أي توافق أو تحالف مع الأحزاب الطائفية في لبنان؛ الذين لا علاقة لهم بالمقاومة ضد إسرائيل.
سمعة زياد رحباني،حتى وقتٍ قريبٍ،كانت لا تخدش،فهو موسيقي ومسرحي ناقد ونبيه نادر الوجود،لهموم لبنان وطائفيته وكذلك لسوريا ولكل العالم العربي.تطوّر الوضع اللبناني وتمايزه بين كتلتي 14 آذار و8آذار ونقده العنيف لجماعة 14 آذار ،جعلت صورته تهتز في الأوساط السياسية الليبرالية.حيث نُقد وكُفر وقِيل إنّه انضوى تحت جناح 8 آذار ،خاصةً بعد أن أصبح له عمود في جريدة الأخبار اللبنانية المدعومة من حزب الله أو من أوساطٍ قريبةٍ منّه، وفق كثير من التسريبات.
زياد بمجيئه إلى سورية ، وهو الذي رفض المجيء سابقاً إليها،والذي دشنه مع حضور السيدة فيروز إلى سورية.يثبت ما قيل عنه بخصوص الاقتراب من جماعة 8آذار.رغم أنّه ينتقد الجماعتين ، وإن كان يخص 14 آذار بنقد مميز.
من الشائع القول: إن الأدب والأدباء لهم خصوصية، وزياد ،لا يأتي إلى سوريا،كطرف سياسي،ولا كي يقدم أوراق اعتماد ،يتلقى مقابلها ما يجعله جندي في الطابور الخامس،فهو فوق ذلك كلّه وبدون تردد أو تخمينات.بل يأتي كموسيقي ومسرحي ورجل ثقافة.وبالتالي يأتي من زاوية الأدب.ولا يغير من حقيقة المسالة إذ كانت أمسياته تندرج في دائرة احتفالات دمشق كعاصمة للثقافة العربية.ففي سورية ،له جهور ومعجبون ومحبون كثر ،ربما أكثر من كل فناني لبنان ومثقفيها المعروفين جداً في سورية!!وحتى من فناني سورية ومثقفيها؟!!.
عقلية التسييس الرديئة ، في سورية ،تفسد كل شيء،فهي تتملّك السلطة كما المعارضة،وأيضاً زياد سياسي بامتياز,ولان الأمر على هذا النحو،فإنه سيشاد به وسيكفر بآن واحد،قبل أن يأتي ، وأثناء وجوده ، وبعد أن يذهب.ولكنه سيُسعدْ السوريين بأمسيات رائعة بعيداً عن تقييمات السياسيين، وربما مع غيظهم الأكيد.
سمير وزياد أعلام من لبنان،وان يزورا سورية ،فهذا حق طبيعي لهما.كما إذ يزور مثقفون سوريون لبنان.أو دول أخرى.ولكن ما هو غير طبيعي ،ويصنّف في خانة التحالفات،إطلاق المواقف السياسية المؤيدة للنظام أو المعارضة له.ورغم أن زيارة سمير - إن تمّت - ستتطرق إلى السياسة حتماً باعتباره،مقاوماً وسياسياً.وقد أشاد بأمين لحود ،وبمقاومة حزب الله ونسب نفسه إليها،وقال أنّه لولا سورية لسقط الجبل،وأشياء أخرى، تسمح بإشهار سلاح النقد ضده.فإننا سنُبّقى كافة الاحتمالات مفتوحة في اللحظة الراهنة،لجهة خياراته المستقبلية.فهو يختزن كل الخيارات الوطنية والديمقراطية.ولكن هل خيار المقاومة الذي ينتهجه، يفرض عليه أن يدعم ويشيد بكل من يشيد ويدعم المقاومة الإسلامية وان يتحالف معه.أم أنّه لن يفقد بوصلة التحرر والحرية.وسيحافظ على ذاته المقاومة،ويشق طريقه نحو مقاومة وطنيّة مع قوى وطنية ديموقراطية علمانية ،تساهم في توحيد اللبنانيين والعرب ، لا في تفرقتهم.هذا ما نرجحه.
فهل ينجح زياد وسمير في الحفاظ على الذات ،كما لم يستطع آخرون كثر، ويُفشلوا رهان القوى السياسية، معارضةً وسلطةً.دون أن يصبحا من الملائكة أو الشياطين.