« دفاعا عن البلشفية » أم تحريف لها ؟


رفيق زروال
2008 / 8 / 11 - 10:46     

تقديم لا بد منه:
لقد مرت أكثر من ثلاث سنوات على كتابة هذا المقال، و نشره الآن و لأول مرة على شبكة الأنترنت مرده إلى المواقف التي تضمنها و التي أكدت كل التطورات اللاحقة التي عرفتها الحركة الثورية بالمغرب صحتها. فمن داخل ركام التصريحات "الثورية" و الضبابية الفكرية، استطاع هذا المقال أن يعري الوجه الحقيقي لأحد التيارات التي ظهرت داخل الحركة الماركسية اللينينية بالمغرب و هو التيار "الماوي". فإذا كانت الأمور الآن قد اتضحت للكل بإعلان "ماويينا" الصريح عن تبنيهم "الماوية كمرحلة عليا من تطور الماركسية" و "طردهم" لكل الماركسيين اللينينيين من تربة الفكر الشيوعي، فإن هذه المقالة تبقى لها راهنيتها في التأريخ للصراع الذي خاضه و سيخوضه الماركسيون اللينينيون ضد هذا التيار التحريفي و التصفوي.

" دفاعا عن البلشفية " أم تحريف لها ؟

"إن البلشفية قد نمت و تشكلت و صقلت في نضال مديد ضد الثورية
البرجوازية الصغيرة التي تشبه الفوضوية أو تستعير بعض الشيء منها،
و التي تتراجع، في كل ما هو جوهري، عن ظروف و متطلبات النضال
الطبقي البروليتاري الراسخ" (*) لينين – 1920


إن هذه السطور، هي محاولة للوقوف على محتوى المقالة المعنونة ب"دفاعا عن البلشفية"، والتي رأى فيها أصحابها "ردّّّّّاً بلشفياً" على كراس "ضد التحريفية"، وباعتبارنا أحد الذين مروا من تجربة الطلبة القاعديين- على بساطتها -، ومن كون النهج الديموقراطي القاعدي كفصيل ماركسي لينيني من داخل الحركة الطلابية المغربية وإطارها المناضل والوحيد "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب"، كان حاسما في اتخاذ مواقف واضحة و حازمة من كل الخطوط التحريفية حتى قبل ولادتها تنظيميا، نرى من واجبنا كماركسيين لينينيين مغاربة تعرية و فضح هذه "المقالة/الرد" التي لا علاقة لها لا بالبلشفية و لا بتراث الحركة الماركسية اللينينية المغربية و لا بتراث الطلبة القاعديين، وأنها لم تكن سوى محاولة لطرح بضاعتهم و الإعلان عن وجودهم، لكن هذه المرة بشيء إسمه ال"ماوية" و لينضافوا إلى قائمة التكتلات التي تحسب نفسها على الماركسيين اللينينيين. لكن هذه المجموعة كانت أكثر وضوحا من الباقي في علائم التكتلية، حيت وضعت لنفسها " مناهجها الخاصة و ميل إلى الإنكماش على نفسها إلى حد ما و إلى إنشاء طاعتها الكتلوية الخاصة"(1).

إن المواقف المعلنة في المقالتين السابقتين، خصوصا و أنها تأتي باسم ال"دفاع" عن الفكر الماركسي-اللينيني، تثير الإشمئزاز من كثرة الترهات التي تختزناها و التي لا علاقة لها لا بالفكر الماركسي-اللينيني و لا بتراث الحملم و لا بمواقف فصيل النهج الديموقراطي القاعدي، كل هذه الترهات تحتم علينا التعامل بصرامة قاطعة مع هذه التيارات و فضحها كتيارات برجوازية صغيرة حتى و لو صرخت بملء فمها "عاشت الماركسية اللينينية".

فإذا كان من الواضح- بالنسبة لنا على الأقل -، أن كراس "ضد التحريفية" قدم فصيل الطلبة القاعديين كأحد فروع "الأممية الرابعة" وقد خصصنا إحدى المقالات(2) للردِّ عليه، أكدنا فيها على أن محاولة المزاوجة بين لينين و "يهودا الصغير" تروتسكي، و بالتالي بين الماركسية اللينينية و التروتسكية، محاولة يائسة لاختراق الماركسيين اللينينيين سواء داخل الجامعة أو خارجها، و على أن التروتسكية شكلت و تشكل أحد الأعمدة الإيديولوجية للبرجوازية في الهجوم على الحركة الشيوعية العالمية و على تجارب البناء الاشتراكي، قلنا إذا كان هذا هو موقفنا، فإن أصحاب"دفاعا عن البلشفية" كان لهم موقف/مواقف أخرى سوف نحاول توضيح مدى انسجامها و العنوان الذي اختاروه لمقالتهم.

إن تقديم المقالة بمقولة لتروتسكي يعطي الانطباع بأن أصحابها قد استوعبوا الأرضية النظرية التي ينطلق منها كاتبوا "ضد التحريفية"، لكن لا مضمون المقولة و لا محتوى المقالة بأكملها يوحي بأن هناك علاقة بين "ردِّ" أصحابنا و العنوان "الضخم" الذي اختاروه ل"مقالتهم". فالتأكيد في مدخلها على أن أصحاب الورقة "متشبثين بمجمل المهام الثورية للحركة و لا زالوا متشبثين بفكر الطبقة العاملة" يجعل "ردهم" ينطلق من نفس الأرضية الفكرية التي ينطلق منها المردود عليهم- فكر الطبقة العاملة!!-؛ ولا نعرف هل موقفهم هذا جاء من استيعابهم لمحتوى "ضد التحريفية" أم هو ناتج عن معرفة "شخصية" لنوايا أصحابها الطيبة، أم هو فقط دعوة للوحدة مع مختلف المجموعات التي تدعي انتماءها للفكر الماركسي اللينيني والتي هي في الحقيقة ليست سوى تيارات تصفوية، وحتى لا ندخل في متاهة الاحتمالات التي يختزنها هذا الموقف فإنه على العموم يعطينا فكرة أولية عن "بلشفية" أصحابنا.

إن إعلان كاتبوا "ضد التحريفية" بكون مقالتهم تأتي "تجميعا و تكتيفا لنقاشات طويلة بين المناضلين القاعديين" لا يمكن إلا أن تثير التساؤل عن أي قاعديين يتحدث هؤلاء؟ الأكيد، أن أي مهتم سيعرف بأن المقصود هو مخلوقهم الجديد المدعو ب"التوجه القاعدي" الذي حاولوا أن يجعلوا منه"جبهة تشمل عموم مكونات الحركة القاعدية" و مدخلهم لذلك هو "تذويب الخلافات بين الفصائل القاعدية الثلاث"؛ مادام " أن تشرذم الحركة القاعدية إنما هو معطى فرضته ظروف تاريخية معينة اتسمت في غالبها بالطابع الشخصي و ليس الإيديولوجي"(3) – هكذا في النص!!-، ليكشفوا مند البداية عن انتهازيتهم المقيتة التي لا تضاهيها سوى انتهازية "النبي" تروتسكي. و حتى لا نخرج عن الموضوع الذي حددناه لهذه السطور، ندعوا القارئ للإطلاع على مقالات لينين التي تتناول بالنقد نفس الطروحات الانتهازية و التي كانت تروج من طرف تروتسكي ضد البلاشفة، وهدفها دائما تجميع كل ال"مستاءين" ضد القيادة اللينينية (4).

ماذا كان موقف ال"دِّفاعيين" من كل ذلك؟ فعوض التصدي لهذه المواقف التي لا تمت بصلة للبلشفية/الماركسية اللينينية، نجدهم يقومون فقط بحرق البخور أمام كل هذه المواقف التحريفية. ففي معرض "ردِّهم" على تبني أصحاب "ضد التحريفية" لتروتسكي بكونه "الوريث الحقيقي و الشرعي للتراث البلشفي اللينيني ضد الستالينية منذ وفاة لينين إلى حين استشهاده"، سوف لن يجدوا غير تبرير ذلك على أنه "ليس إلا مجرد رد فعل عن مختلف الهجمات التي تتعرض لها الحركة"، الفكرة هي نفسها تتكرر، التشبث بأن هؤلاء ليسوا سوى" رفاق طريق" أخطئوا التقدير وبالتالي لهم موقعهم داخل "جبهة" المتشبثين بمهام الحركة الثورية و فكر الطبقة العاملة!!

أصحاب الورقتين اتحدا على أرضية العداء لستالين، ففي حين مر هذا الموقف في الورقة الأولى دون تفسير سيراً على هدى كل الخطوط التحريفية والأبواق الرجعية، كأنه شيء بديهي لا يستحق عناء البحث و الإقناع، قام ال"دِّفاعِيون" بتأصيل " نظري" لهذا الموقف بوضع تروتسكي و ستالين في سلة واحدة، واتهام هذا الأخير بكونه "استبعد انتصار الثورات أمميا و جعل من بناء الاشتراكية في بلد واحد هي المهمة الإستراتيجية الوحيدة". هذه إحدى ميزات "ماوية" أصحابنا عن باقي التيارات التي تدّعي ال"ماوية" على المستوى العالمي(5)، فتشبثا بالوحدة، كيفوا مواقفهم ليتماهوا مع رفاقهم في الفكر – فكر الطبقة العاملة!!- لتقصير المسافات فيما بينهم، و اكتفوا بترديد نفس المواقف التي يتبناها كل أعداء الفكر الماركسي اللينيني اتجاه ستالين، و ندعوهم بالمناسبة إلى قراءة كتابات ماو تسي تونغ، على الأقل قبل انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي الذي جسد الِردَّة التحريفية، حتى يروا ما قدمه ستالين و الدولة السوفياتية للثورة الصينية و للحركة الشيوعية العالمية. أليس ماو من قال سنة 1949 "نحن ممتنون لماركس و إنجلز و لينين و ستالين على إعطائنا سلاحا. و هذا السلاح ليس الرشاش بل الماركسية اللينينية" (المجلد4 - ص 520). أصحابنا لم يعملوا سوى على اجترار المعزوفات التروتسكية بشكل حرفي، لكن لا نعتقد أنهم سوف يحتفظون بهذا الموقف لمدة طويلة، أولا: لأنهم اعتادوا على تغيير المواقف كلما بدا لهم ذلك ممكناً دون "الإعلان و الإقرار بالأخطاء" التي هي من "شيم الثوريين الأقحاح" على حد تعبيرهم (كتغيير موقفهم العدمي من العمل في الإطارات الجماهيرية)، ثانيا: أن هذا الموقف لن يجد له صدى لدى جوقة "التوجه القاعدي" مادام أن عداءهم لماو تسي تونغ نابع من قناعتهم بأنه "ستاليني"، و أنه، ثالثا، سيصطدم بطموحهم لتمثيل الحركة ال"ماوية" بالمغرب، مادام أن أغلبية تنظيمات هذه الأخيرة تتبنى على العموم موقف إيجابي من ستالين(6). مقابل ذلك، و لتأكيد حسن النوايا و أنهم يتبنون "الصراع الإيديولوجي الإيجابي!!"، لم يفت أصحابنا، و لأكثر من مرة، التأكيد على أن "نقدهم" ليس هدفه "بأي حال من الأحوال نزع شرعية انتماء تروتسكي كإبن لثورة 1917 إطلاقا". وللتاريخ نضيف نحن، بأن هذا الأخير لم يلتحق بالبلاشفة إلا شهرين قبل ثورة 1917، وأنه لم يحتج للكثير من الوقت لينتقل إلى صفوف أشد أعداءهم شراسة كما كان دائماً.

عوض أن يتصدَّى ال"دِّفاعِيون" لحوالي 20 صفحة من المواقف التصفوية التي كان واضحا أن أصحابها يحاولون اختراق فصيل الطلبة القاعديين، سيرا على هدى "الشهيد" تروتسكي، اكتفوا فقط بال"دفاع" عن جديدهم ال"ماوية". لكن لكي يكون هناك انسجام بين جديدهم والعنوان الذي اختاروه لمقالتهم، كان لابد لهم من وسيلة لشرعنة مواقفهم و البحت لها عن موطئ داخل تاريخ الحملم. ففي المقالة "الرد" ورد عنوان فرعي "فيما يتعلق بأطروحات الحزب الشيوعي الصيني و مساهمة الرفيق ماو تسي تونغ داخل الماركسية اللينينية"، بحتنا في المقالة كلها فلم نجد لهذه المساهمة أثرا ليكون هذا العنوان فقط محاولة لتهيئ القارئ لتقبل المعادلة: الماوية=الماركسية اللينينية، لكن نتمنى أن تكون عندهم الجرأة ليعلنوا بشكل صريح و واضح للمناضلين الماركسيين اللينينيين على أنهم يتبنون "الماوية كمرحلة ثالثة أكتر تطورا من الماركسية اللينينية" وأن كل من لا يتبنا ال"ماوية" فهو ليس حتى بماركسي(7)، و في أحسن الأحوال هو ماركسي مصاب بمرض "الجمود العقائدي" مادام يرفض إمكانية "تطور الماركسية"!!. لكن رغم غياب هذه الجرأة، فهم حاولوا إيجاد موقع قدم ل"ماويتهم" ليس داخل تاريخ فصيل النهج الديموقراطي القاعدي، مادام أنه كان المستهدف الأول في مقالة "ضد التحريفية"، على اعتبار أن ذلك كان سيعصف بكل مجهوداتهم لكسب ودِّ مجموعة من المناضلين داخل هذا الفصيل ليكونوا حصان طروادة لإختراقه كليا، لكن أصحابنا كانوا أكثر ذكاءً من سابقيهم، حيث حاولوا أن يعطوا لجديدهم مشروعية من داخل الأدبيات وبالتالي المنطلقات النظرية و السياسية للحملم، زاعمين على "أن جل - إن لم نقل كل - المنطلقات النظرية للحركة الماركسية اللينينية المغربية كانت مبنية أساسا على الإضافات و الإسهامات التي صاغها قائد الطبقة العاملة الصينية كما أن جل القضايا الأساسية للثورة بما هي قضايا الاستراتيجية و التكتيك و البرنامج كانت مستوحاة بشكل كلي على ما أنتجته التجربة الصينية". ولتكون خلاصتهم، أن الحملم بدون ال"ماوية" هي "لا شيء. حتى الإسم لن يبقى منه شيئا"(8).

نقول بأن هذه ليست سوى محاولة انتهازية لَِلوْي عنق التاريخ ليتماشى ورغبات أصحابنا الذاتية، فإحدى نقط القوة التي امتازت بها الحملم و تنظيم "إلى الأمام" على الخصوص هو البعد الأممي للتجربة والذي نجده حاضرا بقوة منذ الوثيقة المؤسسة "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري"(9)، ففي هذه الوثيقة نلمس بشكل واضح تأثير التجربة البلشفية و حزب لينين عندما أكدت على أن هدف الثورة هو "الإستيلاء على الحكم من طرف الجماهير الكادحة المنضمة في إطار مجالس العمال و الفلاحين الفقراء و في إطار جماعات النضال الشعبي، وإحلال ديكتاتورية ديموقراطية ثورية للعمال و الفلاحين الفقراء " و "إن قيادة الثورة تتمثل في حزب العمال و الفلاحين المبني على الإيديولوجية الماركسية-اللينينية و المنغرس في البروليتاريا"، كما أشارت الوثيقة إلى أن "تطور و انتصار الثورة الثقافية في الصين و ألبانيا قد بعث الصورة الحية للإشتراكية و زود النضالات الثورية العالمية بمد ثوري جديد"، الوثيقة كذلك لم تنس الإشارة إلى معظم التجارب الثورية في العالم (كوبا، فيتنام، كوريا، ثورات شعوب إفريقيا، أمريكا...) وحتى تبعد عنها شبهة التعاطي الميكانيكي مع هذه التجارب، أكدت هذه المقالة على أن هناك"ميزة خاصة للثورة بالمغرب" تستدعي الإجابة عنها قراءة ماركسية لينينية لواقع الصراع الطبقي بالمغرب.

في وثيقة "عشرة أشهر من كفاح التنظيم- نقد و نقد ذاتي"(10) وفي معرض إشادتها بما قدمته الثورة الثقافية في الصين للحركة الثورية في العالم، وهذا ما لا ننكره، سوف تنتقد منظمة "إلى الأمام" التيار العالمي الذي ارتبط آنذاك بالتجربة الصينية(11) بالتأكيد على أن "هذا التيار، وإن كان يهدف إلى مناهضة التحريفية، فإنه يغفل كل تراث الماركسية-اللينينية التي ترعرعت و تقوّت خلال ما يقرب من قرن و ربع من كفاح و تضحيات الطبقة العاملة العالمية و الشعوب المقهورة"، و ضد الإنعزالية و عملية التفتيت هذه وضعت "إلى الأمام" على رأس مهامها "توحيد المنظمتين الماركسيتين-اللينينيتين (..) من أجل بناء منظمة ماركسية-لينينية موحدة و صلبة تشكل مرحلة حاسمة في بناء الأداة الثورية". لا نعتقد بعد هذا الموقف الواضح الذي تبناه رفاق الشهيد عبد اللطيف زروال، أن يوجد من يصدق مزاعم أصحابنا بأن الحملم "كانت مبنية و مؤسسة و موجهة كليا " ب"الأخطاء الماوية". هنا، بالإضافة إلى انطباق موقف "إلى الأمام"على أصحابنا حيت يختزلون كل تراث الحملم في "التجربة الصينية" دون باقي التجارب الثورية العالمية و على رأسها التجربة البلشفية، نلاحظ المحاولة المبتذلة لإضفاء صفة الإطلاقية على التجربة الصينية ، وهم بذلك يدارون عجزهم عن تطبيق الفكر الماركسي اللينيني على واقع الصراع الطبقي بالمغرب، مكتفين بإعادة كتابة تاريخ الحركة الماركسية اللينينية المغربية بالحروف الصينية. كل هذه الملاحظات لا تعفينا من التساؤل: إذا كان هذا هو موقف الشهيد و رفاقه من التيار الذي ارتبط آنذاك بالتجربة الصينية رغم مناهضته للتحريفية، فأي موقف كانوا سوف يتخذونه اتجاه من يعتبر "ورثة تروتسكي الحقيقي" رفاق "متشبثين بمجمل المهام الثورية للحركة و لا زالوا متشبثين بفكر الطبقة العاملة" ؟ نترك الإجابة و التعليق للقارئ.

إذا كان واضحاً من خلال وثائق تنظيم "إلى الأمام"، بأنها لم تقل يوماً بأنها تتبنا ال"ماوية" ولا حتى "أفكار ماوتسي تونغ" كما كانت تفعل كل التنظيمات التي كانت تدور في فلك الصين آنذاك، فإن تأكيد ال"دفاعيين" على " أن جل - إن لم نقل كل - المنطلقات النظرية للحركة الماركسية اللينينية المغربية كانت مبنية أساسا على الإضافات و الإسهامات التي صاغها قائد الطبقة العاملة الصينية.."، يعطي الإنطباع وكأن أصحابنا قد اطَّلعوا على كل تراث الحملم أو على الأقل كل أدبيات "إلى الأمام". لكن إدا ما تناولنا على سبيل المثال لا الحصر موقفهم من ستالين، نجد أن الوثيقة المؤسسة "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري" كانت واضحة في تقييمها الإيجابي لفترة قيادة ستالين للإتحاد السوفياتي و الحزب البلشفي، ففي معرض تحليلها للوضع الدولي أنداك، أكدت هذه الوثيقة على أن سياسة الإستعمار المباشر قد تم تدعيمها ب"استيلاء حفنة من البيروقراطيين المحترفين على الحكم في الإتحاد السوفياتي في السنوات التي تلت وفاة ستالين" وهي بذلك تضع خطاً أحمراً بين حقبة ستالين والحقبة التي تلته، بل وحتى لا يكون هناك أي مجال للشك سوف تعلن ب"أن ترعرع الثورة العالمية و الثورة العربية و تصفية التحريفية داخل صفوف الثورة العربية و في القطاعات الأساسية للثورة العالمية سيُمكِّن في المدى المتوسط من عزل ثم تصفية الكُمشة التحريفية التي تقود الإتحاد السوفياتي كي يحُلَّ محلَّها – على رأس وطن الإشتراكية الأول – قيادة ثورية ترفع من جديد راية لينين و ستالين، راية الأممية البروليتارية و الثورة العالمية"(12) بعد كل هذا لا نظن أن هناك من يجادل بأن منظمة "إلى الأمام" قد اعتبرت ستالين إلى جانب لينين أحد قادة الأممية البروليتارية بالإضافة بطبيعة الحال إلى كل من كارل ماركس و فريدريك إنجلز. لكن ربما هذا الموقف هو واحد من بين "الأخطاء" الناجمة عن "عدم الإستيعاب العميق لإسهامات الرفيق ماو" من طرف رفاق سعيدة و زروال!!

إن أي قارئ على دراية، ولو بسيطة، بالطروحات التروتسكية- فما بالك بِمَن يدَّعي "الدفاع " عن البلشفية!!- سوف يستنتج أن كراس "ضد التحريفية" من أول سطر إلى أخره، ليس سوى بوق لأحد أجنحة الحركة التروتسكية الكثيرة(13)، مقابل كل هذا لا نجد لدى ال"دفاعيين" سوى المغازلة و المهادنة، فعِوض الإنتقاد الصريح لهذه الطروحات التصفوية، نجدهم لا يشيرون حتى لفضاً لمصطلح "التروتسكية"، حتى لا يقطعوا خيط الودِّ مع رفاق الفكر" فكر الطبقة العاملة"!!، بل وصل بهم الأمر إلى التأكيد على أن"تروتسكي إبن الثورة 17 " و أن "أطروحات نيسان التي صاغها لينين.. تلتقي مع بعض الشعارات التي نادى بها تروتسكي"، لكن فقط "كانت مبنية من خلال قراءة مختلفة تماما لقوى الثورة الداخلية و منظوراتها"، أصحابنا و لكسب ودِّ رفاقهم في الفكر!! يقومون بتكييف مواقفهم مع هؤلاء التصفويين في محاولة لتجميع كل من يقول على نفسه "ماركسي لينيني" و ضمه إلى جبهة ال" متشبثين بمجمل المهام الثورية للحركة".

ملاحظة أخرى، أصحابنا لم ينبسوا أي كلمة اتجاه شرعية انتماء التيار التصفوي المدعوا ب"التوجه القاعدي" لتراث الطلبة القاعديين، مادام أنهم يسعون هم بدورهم إلى بناء "توجه ماوي" من داخل نفس الفصيل، لذلك فليس غريباً أن كراس "ميثاق وطني للتربية و التكوين أم مخطط طبقي للتركيع والتبضيع"(14)، والموقع بإسم "مناضل قاعدي"، نجده منشور على شبكة الأنتيرنيت موقع "الماويين العراقيين" (www.iraqmlr.org) على أنه " قراءة نقدية ماركسية لينينية ماوية / رفاق مغربيين"(15) في محاولة منهم لتقديم فصيل الطلبة القاعديين كأحد فروع الحركة ال"ماوية"، و لا نظن أن هذا الموقف سيمر دون ردًّ حاسم من جانب المناضلين القاعديين والماركسيين اللينينيين الشرفاء، حتى لا يكون لهم و لمن لفَّ لفَّهُم موقع في صفوفهم.

دائما في معرض "ردِّهم" من كون الحملم سقطت في بعض الأخطاء ال"ماوية"، لم يكن لدى ال"دفاعيين" إلا تأكيد وجود العديد من الأخطاء"، بل تم توسيعها لتشمل كل المستويات "نظريا و سياسيا و تنظيميا". ليس هنا مربط الفرس، فلكل الحق في الإعلان عن "تقييمه" الخاص لتاريخ الحملم، كما لنا الحق في فضح "التقييمات" التي لا تنطلق من موقع الطبقة العاملة والفكر الماركسي اللينيني، الأدهى هنا هو عدم تحديدهم لهذه "الأخطاء" و لا ل"تصحيحها الماوي"، وهم بذلك لم يقوموا سوى بصبِّ الدقيق في طاحونة التحريفية مادام أنهم لم يقوموا سوى باجترار نفس النعوت التي ترددها كل التيارات التصفوية، من التروتسكيين إلى جوقة "حزب النهج الديموقراطي" مروراً ببعض المجموعات التصفوية المحسوبة زوراً على الفكر الماركسي اللينيني.

إن المبادىء اللينينية للنقد الذاتي، النقد الصريح و الواضح بين الشيوعيين، تأكد على أن تفعيل النقاش المعمق على أرضية الماركسية اللينينية و من زاوية المصلحة الطبقية للطبقة العاملة، يكون الهدف منه الوصول إلى خلا صات، هو السبيل الوحيد الذي ُيمكِّن من تجاوز "الأخطاء" التي ورثناها عن التاريخ، إن أصحابنا كان هدفهم من الإقرار بوجود "أخطاء" هو طرح ترياقهم الشافي المتمثل في ال"ماوية"، مادام أن الشهيد عبد اللطيف زروال و رفاقه لم يصلوا إلى مستوى "الاستيعاب العميق لإسهامات الرفيق ماو" كما فهمها أصحابنا، ولم يرقى "نضجهم" النظري إلى مستوى تبني "الماوية كمرحلة ثالثة نوعية داخل الماركسية أكثر تطورا من اللينينية"!!. كما أن إعطاء الأهمية الأولى للمسائل التنظيمية على حساب المسائل النظرية و السياسية، و ليصبح الهم الرئيسي للبعض هو معرفة من مع أو ضد "بناء الحزب الثوري"، أدى إلى ظهور مجموعات ضعيفة على كل المستويات، سرعان ما تنقرض او تلتحق بباقي التيارات التحريفية مادام أن همها هو ال"تنظيم"، كما أن البعض، عوض رسم الخط الفاصل بين الماركسية اللينينية و الفكر البرجوازي الصغير، نجده يتماه في ممارسته السياسية و الإيديولوجية و المسار الذي تسلكه التيارات التحريفية.

إن الماركسيين اللينينيين أكدوا دائما، على أن التقدم في طريق الوحدة الإيديولوجية هو المدخل الضروري لأي وحدة داخل تنظيم واحد، وأن التقدم في طريق الوحدة الإيديولوجية لا يمكن أن يتحقق دون نضال حاسم لا هوادة فيه و لا رحمة ضد كل التيارات التحريفية، حتى تنسجم هذه الوحدة و الهدف المنشود المتمثل في بناء منظمة ثورية تدافع عن خط واحد هو الماركسية اللينينية(16). فالحزب البلشفي بقيادة لينين لم يصبح حزبا حقيقيا قادرا على قيادة الجماهير الشعبية إلا بعد أن تخلص من كل الطروحات التحريفية و الإنتهازية و تحققت الوحدة الإيديولوجية للحزب. إن الحربائية في التعاطي مع مواقف الحملم و نشر الضبابية و التشويش الإيديولوجي لا يمكن أن يخدم سوى أعداء الثورة، حتى ولو كان ذلك تحت غطاء تجاوز "الجمود العقائدي"، "الصراع الإيديولوجي الإيجابي"، "التطوير الخلاق للفكر الماركسي"...

أخيرا، نأكد بأن محاولة الزج بفصيل النهج الديموقراطي القاعدي في هذا الحقل من الألغام و نقل التفسخ والإنحلال إلى صفوفه، هي محاولة رخيصة للإسترزاق السياسي على هذا الفصيل المناضل، لكن ما نحن متأكدين منه، هو أن هذا المراد لن يتحقق لهم ولا لأمثالهم، و سيصطدم بتراث و مناضلي هذا الفصيل، الذي لم يتوانى عن خوض الحروب تلو الحروب ضد كل الإختراقات التحريفية كيفما كانت مسمياتها، مؤكداً في كل مناسبة على أنه يتبنى الماركسية اللينينية و لا غيرها، مستفيداً من كل التجارب الثورية العالمية و تاريخ حركات التحرر الوطني، ضد كل نزعة حلقية أو انعزالية، وأن التاريخ الذي سطر بدماء الشهداء و آلاف المعتقلين هو الذي سوف تتكسر على أرضيته كل محاولات التشويه و التحريف التي تستهدف الفكر الماركسي اللينيني و تراث الحركة الماركسية اللينينية المغربية.


الهوامش:

(*). لينين:"مرض "اليسارية" الطفولي في الشيوعية" ص20 – دار التقدم- التسطير في النص الأصلي.
1. لينين: مشروع أولي لقرار المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي في روسيا حول وحدة الحزب، مجلد ضد الإنتهازية اليمينية و البسارية و ضد التروتسكية – دار التقدم ص 708
2. مقالة "ضد التروتسكية..لتحيا الماركسية اللينينية!!" - أكتوبر2004
3. أنظر نص "نداء 24 يناير" الموقع بإسم "التوجه القاعدي" طنجة – طنجة بتاريخ 24 يناير 2002
4. للإطلاع على معضم هذه المقالات، أنظر المرجع السابق المعنون ب"ضد الانتهازية اليمينية و اليسارية و ضد التروتسكية"
5. الحركة ال"ماوية" نعني بها كل التنظيمات التي تعلن تبنيها لل"ماوية" كمرحلة ثالثة و عليا من تطور الماركسية، معظم هذه التنظيمات كانت تتبنى فيما مضى "الماركسية-اللينينية-أفكار ماو تسي تونغ"، يعتبر (Gonzalo) بالبيرو أحد أكبر منظري ال"ماوية"، حتى أننا نجد تنظيمه بالإضافة إلى تنظيمات أخرى، تتبنى "الماركسية-اللينينية-الماوية-أفكار Gonzalo" و التي هي هي الماوية لكن بخصائص بيروفية!! (أنظر نص الحوار الطويل الذي أدلى به Gonzalo سنة 1988 و الموجود على شبكة الأنتيرنيت بالعنوان التالي: « http://classiques.chez-alice.fr/perou/gonzalo1.pdf » )
6. لكن يبقى موقفهم رهين "الانتقادات" التي وجهها ماو و الحزب الشيوعي الصيني لستالين والتي لم يقم فيها سوى باجترار بعض مواقف خروتشوف و المؤتمر 20 للحزب الشيوعي السوفياتي، النص الذي جمع معظم هذه المواقف معنون ب"بصدد التجربة التاريخية لديكتاتورية البروليتاريا" و الذي تمت كتابته في 5 أبريل 1956، للإطلاع على هذا النص أنظر كتاب "في التنظيم الثوري" مقالة "حول عبادة الشخصية" ص 89 – ترجمة و تقديم جورج طرابيشي – الطبعة الثالثة 1972- دار الطليعة، نفس هذه المواقف ثم التأكيد عليها في خطاب ماو أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني 25 أبريل 1956 أكد فيها صحة التقييم الذي تبناه الحزب في النص السابق مضيفاً إليها مواقف ستالين "السلبية" من الثورة الصينية - هذا الخطاب نشر في المجلد 5 من مختارات ماو تسي تونغ – ص 306-331 باللغة الفرنسية – دار بكين للغات الأجنبية – تحت عنوان: « Sur les dix grands rapports »، بالنسبة لماو"إنجازات ستالين مقابل أخطاءه هي بمعدل 7 ل3"، نفس الموقف، و بشكل حرفي، سيأكده Gonzalo في حواره المشار إليه سابقا.
7. أنظر نص الحوار السابق الذي أدلى به Gonzalo، كما أن هناك نصوص لتنظيمات "ماوية" كانت واضحة من خلال العناوين التي اختيرت لها:
«Etre marxiste c’est adhérer au marxisme-leninisme-pensée mao tsetoung» ؛« On ne peut pas être communiste sans défendre le maoïsme »
8. أنظر مقالة " دفاعا عن البلشفية" - التسطير لنا-
9. "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري" – منظمة إلى الأمام – غشت 1970
10. "عشرة أشهر من كفاح التنظيم-نقد و نقد ذاتي"– منظمة إلى الأمام – نونبر 1972
11. كانت معضم إن لم يكن كل التنظيمات التي ارتبطت بالتجربة الصينية آنذاك تأكد تبنيها ل"الماركسية-اللينينية-أفكار ماو تسي تونغ"، بحتنا في كل كتابات "إلى الأمام" و "23 مارس" التي تمكنا من الحصول عليها فلم نعتر لهذه الجملة على أثر.
12. "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري" – منظمة إلى الأمام – غشت 1970- التسطير لنا.
13. تعيش الحركة التروتسكية مند ولادتها "إنفجاراً" تنظيمياً، ففي فرنسا وحدها هناك ما يناهز 20 تنظيما يدعي ولاءه لتروتسكي؛ نفس الوضع تقريبا تعيشه الحركة"الماوية" لكن بدرجة أقل، فعلى سبيل المثال هناك 5 تنظيمات "ماوية" في الهند، 4 تنظيمات في بنغلاديش، 2 في تركيا...، فحتى على مستوى "الحركة الثورية الأممية MRI"، التنظيم الذي أريد له أن يكون"أممية الماويين"، هناك صراعات بين التنظيمات المؤسسة للإنفراد بالقيادة تهدد بتفككه، فهناك على الأقل تيارين: أحدهما يقوده الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي RCP-USA، و تيار آخر يقوده الحزب الشيوعي البيروفي PCP، و يأكد هذا الأخير على أنه يمثل الخط الثوري فيما يمثل التيار الآخر الخط الإنتهازي، و ليخلص إلى أن هذا الصراع يأكد الموضوعة "الماوية" التي تقول بضرورة وجود خطين داخل كل تنظيم من أجل تطوره!!. كما أن هناك تنظيمات أخرى تدعي تمثيلها لل"ماويين" مثل "الحركة الماوية العالمية MIM".بالإضافة إلى وجود تنظيمات أخرى تنفي إرتباطها بأي منها.
14. هذا الكراس أريد له أن يتحول إلى "برنامج" للنهج الديموقراطي القاعدي في مواجهة المخططات الطبقية التي تستهدف حاليا الجامعة المغربية، فمن مجرد مساهمة بسيطة ل"مناضل قاعدي" تحول إلى "وجهة نظر" داخل فصيل الطلبة القاعديين، لذلك فلا غرابة أن نجد موقفهم من الميثاق بكونه "مخطط للتركيع والتبضيع" يتردد في كل البيانات و البلاغات التي يتحكمون فيها، و ليتحول إلى شعار يميزهم عن "الكل".
15. في هذا الموقع نجد أغلبية البلاغات و البيانات التي استطاعوا التحكم فيها، كما نسجل حضورهم الدائم في موقع الحوار المتمدن. فهناك الكثير من نقاط التقاطع التي تجمعهم مع رفاقهم في الفكر! دعاة "التوجه القاعدي": الإنعزال في تكتل، الإسهال في الكتابة، النفخ في الذات، حملة "إعلامية" تعطي الإنطباع و كأن "ثورتهم" ستقوم غداً، التأكيد على وجود أخطاء في منطلقات الحملم، الموقف من ستالين، اختراق الطلبة القاعديين لبناء ذاتهم...
16. إبان المؤتمر العاشر للحزب البلشفي، سيعلن لينين بأنه "من الضروري أن يدرك جميع العمال الواعين إدراكاً واضحاً ضرر و عدم جواز كل تكتل أياً كان و أن هذا التكتل يودي حتماً في الواقع، حتى خلافاً لرغبة ممثلي بعض الكتل في صيانة وحدة الحزب، إلى إضعاف العمل المتكاتف و إلى اشتداد المحاولات المتكررة التي يقوم بها أعداء الحزب الذين يتعلقون بأذيال الحزب الحاكم، و التي ترمي إلى تعميق التفرقة و استغلالها لمآرب الثورة المضادة" و "حول هذه المسألة، ينبغي للدعاية، من جهة، أن توضح حتى الأسس ما ينطوي عليه التكتل من ضرر و خطر من وجهة نظر وحدة الحزب و تحقيق وحدة إرادة طليعة البروليتاريا، بوصف هذه الوحدة الشرط الأساسي لنجاح ديكتاتورية البروليتاريا .."و ليضيف بأن "في النضال العملي ضد التكتلية، يجب على كل منظمة من منظمات الحزب أن تسهر بدقة على ألا يقوم أي نشاط تكتلي" و حتى تكون الأمور واضحة وضوح الشمس و "رغبة قي بسط طاعة دقيقة في داخل الحزب و في كامل نشاط السوفييتات، و رغبة في التوصل إلى الحد الأقصى من الوحدة عند إزالة كل نشاط تكتلي، يخول المؤتمر اللجنة المركزية صلاحية تطبيق جميع العقوبات الحزبية، بما فيها الفصل من الحزب في حال انتهاك الطاعة و في حال استئناف النشاط التكتلي او القيام به .." – التسطير لنا- لينين: مشروع أولي لقرار المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي في روسيا حول وحدة الحزب – المجلد السابق دكره، ص 708-712.