موريتانيا ..انقلاب على طريق الفشل

معقل زهور عدي
2008 / 8 / 10 - 11:15     

بنظر كثيرين من المواطنين العرب ، كانت الديمقراطية الموريتانية مزاحا ، او لعبا في الوقت الضائع ، فالأصل في بلادنا العربية هو الاستبداد ، حتى صرنا نميل للاعتقاد بأن نبتة الديمقراطية غير قابلة للحياة في تربتنا العربية لأسباب أزلية مثلما ان الرمال لاتصلح لتكون بستانا للزهور ، من أجل ذلك استقبلنا الانقلاب الموريتاني بقليل من الدهشة ، بل ، بشيء من التوقع ، وكأنه عودة الأشياء الى طبيعتها الأصلية ( الطبع يغلب التطبع ) ، لكن الواقع يختلف قليلا هذه المرة ، وأزعم ان الشعور المزمن بالاحباط ، يمنعنا من رؤية العناصر الجديدة حتى الآن .

مايهمني في المشهد الموريتاني اليوم ليس الانقلاب العسكري الذي حدث ، بل كيف يواجه ذلك الانقلاب مقاومة غير مسبوقة ، داخل وخارج موريتانيا ، مقاومة سوف تغلق أمامه شيئا فشيئا الأفق لانتزاع أية شرعية سياسية ، وتضعه في ثلاجة ، في انتظار انهياره من الداخل ولو بعد حين .



فالبيئة السياسية الدولية التي كانت تتسامح مع الانقلابات العسكرية واستخداماتها السياسية قد تغيرت ، وهو تغيير لايرتبط بمصلحة دولة كبرى بعينها بقدر ما يرتبط بتبدل الشروط الموضوعية التي تشكل الأرضية للصراعات الاجتماعية والاقتصادية الجارية على نطاق العالم .



لنلاحظ أن كافة الكتل السياسية العالمية ذات الوزن قد وقفت ضد الانقلاب على اختلاف مصالحها وتضاربها ، وكذلك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ، وكأنهم يقولون للعسكر في موريتانيا : (انتبهوا أنتم تلعبون خارج حدود الملعب ) .



حتى الدول العربية الغارقة في أساليب الحكم العسكرية ، لم تتمكن من التعبير عن غبطتها العميقة في التخلص من تجربة ديمقراطية عربية كان يمكن أن تمتد فيروساتها خارج حدود موريتانيا ، أو تصبح على الأقل احراجا للحاكم العربي الذي تعود على القول ان الديمقراطية جميلة كحلم لكنها غير واقعية في بلادنا العربية .



هذه البيئة العالمية الجديدة التي لاتمتلك القدرة على مواجهة الأنظمة العسكرية وتغييرها ، والتي تعبر عن محصلة تطور البشرية نحو الأمام أكثر مما تعبر عن مصالح اقتصادية وسياسية محددة ( في الواقع لم يعد بامكان المصالح الاقتصادية والسياسية تجاهلها مهما كان اتجاهها ) ، تمتلك القدرة على عرقلة ومحاصرة أي انتكاسة نحو الوراء مفسحة المجال للقوى السياسية والمدنية الداخلية للعمل بفعالية أكبر لاستعادة الحياة السياسية الديمقراطية .



الشعور بالعزلة الداخلية والخارجية هو المعول الذي سيهدم الحركة الانقلابية ويحولها الى محاولة عبثية تصطدم بحائط سميك ، دون الحاجة للعنف وسفك الدماء ، وهنا تبرز أهمية الأطر السياسية المدنية ( أحزاب ، نقابات ، جمعيات ...الخ ..) ليس من أجل اسقاط الانقلاب بالقوة ، ولكن من أجل عزله داخليا ، وتوضيح رفض المجتمع له بغض النظر عن الحجج والذرائع التي يقدمها باعتباره خروجا عن أسس الديمقراطية ومبادئها .



بسقوط الانقلاب العسكري ( وهو ما سيحدث على الأغلب ) ، سوف تتعزز الديمقراطية في موريتانيا ، بالتأكيد ذلك لايعني نهاية المتاعب والأزمات السياسية وربما بعض العنف ، لكنه سيعني أن الانقضاض على النظام الديمقراطي سيكون أكثر صعوبة من أي وقت مضى .



لكي لايفرح الديكتاتوريون العرب كثيرا أقول لهم لاتستعجلوا ، فالانقلاب على طريق الفشل ، ولكي لايحزن المواطن العربي الذي أصبحت الديمقراطية بالنسبة له حلما طائرا أقول له : لابد من صنعا وان طال السفر.



9/8/2008