الوثيقة السياسية التي اقرتها اللجنة المركزية لحزب دعم

حزب دعم العمالي
2008 / 7 / 26 - 10:51     

وثيقة اللجنة المركزية لحزب دعم

الازمة الاقتصادية ودور حزب دعم السياسي
فيما يلي الوثيقة السياسية التي اقرتها اللجنة المركزية لحزب دعم، والتي انعقدت بحيفا في تاريخ 13 تموز 2008.

يبدو من التطورات السياسية الاخيرة كما لو كانت الاوضاع في المنطقة باتجاه الانفراج. بعد قمة انابوليس التي راوحت مكانها فترة طويلة، تم الوصول لاتفاق الدوحة بعد ان اشتدت الحرب الاهلية في لبنان باحتلال حزب الله لغرب بيروت. وفي نفس الوقت، أٌعلن عن بدء المفاوضات السورية - الاسرائيلية بوساطة تركية. في هذه الايام بالذات اقرت الحكومة الاسرائيلية صفقة تبادل الاسرى مع حزب الله، وهذه بدورها تزامنت مع التوصل لاتفاق التهدئة مع حماس بوساطة مصرية. كل هذه التطورات فتحت المجال لمفاوضات فلسطينية – فلسطينية بهدف رأب الصدع بين فتح وحماس برعاية عربية.

استخدمنا كلمة "يبدو" لأننا حتى الآن لا نرى اساسا حقيقيا يسمح بالتوصل لتسوية حقيقية ودائمة بين كل اطراف النزاع. ما يخلق الشكوك في العملية التفاوضية واسعة النطاق هو التصعيد الملحوظ باللهجة الاسرائيلية تجاه ايران، والتي تعتبر دولة محورية ذات نفوذ كبير في كل ساحة من ساحات النزاع مع اسرائيل سواء سورية، لبنان وفلسطين (هذا بالاضافة للعراق).

من خلال العملية التفاوضية تسعى اسرائيل لفرض العزلة على ايران وتفكيك ائتلافها مع سورية وحماس. ولكن اسرائيل من جانب آخر غير مستعدة لدفع الثمن السياسي لذلك، فكل المؤشرات تدل على عدم استعداد اسرائيل للانسحاب من الجولان، على الاقل في المستقبل المنظور، اضافة لعدم استعدادها للانسحاب الكامل من الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. ومع ذلك فالمفاوضات مستمرة، بل ويعلن بين الفينة والاخرى عن احراز "تقدم" فيها.

ازاء هذا الواقع، يُطرح السؤال ما الفائدة من المفاوضات؟ للاجابة علينا النظر في مصالح كل طرف من الاطراف ذات الصلة. سورية من جانبها، تريد الخروج من العزلة التي فرضتها عليها ادارة بوش الامريكية، وترى في المفاوضات مع اسرائيل الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف. الموافقة السورية على انتخاب ميشيل سليمان رئيسا للبنان من جهة، والمفاوضات مع اسرائيل من جهة اخرى، اثمرت عن دعوة فرنسية للرئيس بشار الاسد للمشاركة في مؤتمر المتوسط في باريس ولقاء مع الرئيس الفرنسي.

حماس تريد من خلال التهدئة تكريس وجودها السلطوي في غزة، وفك الحصار الاقتصادي المفروض على قطاع غزة. اما أبو مازن فيريد من حماس ان تخطو خطوة اضافية وتعترف بسلطته وبالاتفاقات المبرمة مع اسرائيل، وهو يشترط ذلك لازالة الحصار بشكل دائم وشامل.

اما اسرائيل فتعتبر المفاوضات بابًا لممارسة الضغط المباشر على الاطراف السورية والفلسطينية، حتى تتخلى عن تحالفها مع ايران من خلال اغراءات اقتصادية من ناحية وتهديد عسكري من ناحية اخرى. كما تفيدها المفاوضات من ناحية اظهارها امام العالم كعنصر راغب بالسلام وليس رافضا له، في حين يبدو العرب متطرفين ومسؤولين عن عرقلة فرص التوصل للسلام.

السياسة التفاوضية التي تنتهجها اسرائيل تمكّنها من المحافظة على حلفائها في العالم العربي مثل مصر، الاردن، السعودية والسلطة الفلسطينية، وتساعدهم في التخفيف من حدة النقد الذي يتعرضون له في العالم العربي بسبب صمتهم ازاء جرائم الاحتلال الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية. ومكسب آخر حصدته اسرائيل هو قيام اوروبا بخطوة نوعية تجاهها، من خلال رفع مستوى العلاقة معها في السوق الاوروبية، مما يعني منحها امتيازات اقتصادية هامة للغاية.

عاصفة اقتصادية تهز المنطقة ككل

الصراع السياسي الذي يتأرجح بين التصعيد العسكري والمفاوضات، يجذب جُلّ اهتمام وسائل الاعلام والرأي العام، ولكن هناك تطورات لا تقل خطورة تحدث في المنطقة، وهي تسير بمحورين متوازيين: الاول يتعلق بغلاء اسعار المواد الغذائية، والثاني ارتفاع أسعار النفط، وكلاهما متعلقان بارتفاع اسعار البضائع (commodities) بشكل عام.

ازاء هذه الازمة الاقتصادية ينقسم العالم العربي بين الدول الغنية بالنفط وتحديدا دول الخليج، والدول الفقيرة مثل مصر وسورية، التي تعيش من الزراعة والصناعة. ارتفاع اسعار النفط يفيد حاليا الانظمة الخليجية، ولكنه على المدى البعيد قد ينعكس سلبا على استقرارها، خاصة اذا ارتفعت الاسعار لدرجة تؤدي لتراجع كبير في الاستهلاك. الدول الفقيرة تواجه من اليوم هذا الخطر، بسبب ازمة الغذاء التي تهدد الاستقرار السياسي في مصر، سورية، المغرب وتونس.

ولا تقتصر الازمة الاقتصادية على الدول العربية فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من ازمة كونية بدأت في الولايات المتحدة مع اندلاع ازمة الائتمان في صيف 2007، وهي المعروفة بازمة سوق الرهن العقاري الثانوي.

الازمات الاقتصادية في النظام الرأسمالي هي ظاهرة دورية ومزمنة، ولكن منذ "الثورة" الاقتصادية التي قادها الرئيس الجمهوري رونالد ريغان في الولايات المتحدة عام 1981، فقد راح حجم الازمة يكبر، وهو يضر بدائرة آخذة بالاتساع من فروع الاقتصاد. خسائر المصارف الكبيرة الناجمة عن ازمة الائتمان الاخيرة تجاوزت الالف مليار دولار. مما يعني افلاس العديد من المؤسسات المالية، ومنها بنوك الرهن العقاري، الشركات الكبيرة، صناديق التقاعد، وشركات التأمين.

تعرقل مشكلة الائتمان امكانية الاقتراض الذي يتم بهدف الاستثمار في شتى المجالات، وهذا بدوره يسبّب ركودا اقتصاديا خطيرا. تمر الدول الاوروبية وامريكا بنوع من الركود، الذي يتجلى في هبوط حاد في اسعار العقارات. ويعني هذا ان الجمهور بات يمتنع عن شراء البيوت لعدم توفر مصدر رزق مضمون يغطي قروض الرهن، ويعني من جهة اخرى ان من حصل في السابق على قرض لشراء بيته، يضطر لسداد قرض اعلى قيمةً من قيمة البيت نفسه بعد انهيار اسعار البيوت، مما يشكل خسارة للمشتري. وتدل مؤشرات الاسهم في امريكا على جمود في الاستثمارات في المجال الصناعي وهو المجال الذي يخلق اماكن العمل، كما يشهد مستوى الاسعار في البورصة ركودا منذ ثماني سنوات.

تتزامن هذه الازمة مع ارتفاع هائل في اسعار الطاقة، مما يشكل ضربة اضافية لاقتصاد الغرب، وكان التضخم المالي احد انعكاساتها. لجوء السوق الرأسمالية الى نقل المصانع المحلية للصين والهند، خلق خللا كبيرا في التوازن العالمي. فقد ارتفعت نسب النمو في دول مثل الصين والهند، ونمت فيها طبقة وسطى تقلد الاستهلاك الغربي. هذا بدوره زاد الطلب على المواد الخام مثل الطاقة والمواد الغذائية، وخلق بالتالي نقصا كبيرا في هذه السلع مما ادى لارتفاع اسعارها حسب قانون العرض والطلب.

وفي حين تتمتع الدول المنتجة للنفط، مثل ايران والسعودية، بايرادات نفطية كبيرة جدا بسبب ارتفاع الاسعار، الا انها معرضة لمحنة كبيرة جدا على المدى البعيد لدرجة تهدد مستقبلها. فقد اتضح ان السبب الرئيسي لارتفاع سعر النفط هو النقص في هذه المادة الاساسية، والشكوك في قدرة السعودية والدول المنتجة للنفط على توفير النفط المطلوب. الارتفاع المستمر في سعر النفط يؤدي لتراجع في الاستهلاك وللبحث عن مصادر بديلة للطاقة. الاعتقاد السائد هو ان استخراج النفط قد استنفذ نفسه، وان الحقول القائمة لا يمكن ان توفر اكثر من الكمية الحالية. اما الحقول الاحتياطية فتحتاج لاستثمارات ضخمة لاستخراج النفط منها، مما يرفع تلقائيا سعر النفط ويجعل استخراجه غير مُجدٍ.

ارتفاع اسعار البضائع ومن بينها النفط، دفع صناديق التحوط وبنوك الاستثمار الى توجيه استثماراتها للمضاربة بالعقود المستقبلية للبضائع، مما زاد الطين بلة وزاد في ارتفاع الاسعار. الازمة ان الحكومات باتت عاجزة عن وضع حد لهذه الظاهرة التي تضر بالاقتصاد العالمي. لقد حرر النظام الرأسمالي القطاع المصرفي من كل القيود والمراقبة، الامر الذي يؤدي الى ازمات دورية في اكثر من مجال، بدءا بفقاعة شركات التكنولوجيا المتطورة، مرورا بازمة العقارات والائتمان، ووصولا اليوم الى الارتفاع الجنوني في اسعار البضائع الاساسية، وكلها ناجمة عن المضاربة.

بعد قرن من الزمان يتحول النفط من مصدر طاقة رخيص ومتوفر بكثرة، الى مصدر طاقة غالٍ لا يمكن الاعتماد عليه في تطوير البنية التحتية الصناعية والنقل. هذه الحقيقة تضع في خطر حقيقي دول الخليج الغنية التي تعتمد كليا على النفط وتنازلت عن تطوير فروع صناعية اضافية. عمليا، كل يوم يرتفع فيه سعر برميل النفط يقرّب دول الخليج من شفا الهاوية الاقتصادية والسياسية في آن. وما يسرع في الازمة هو حقيقة ان ايرادات النفط الضخمة لا تُستخدم في تطوير البلد، بل تدخل خزانة العائلة المالكة وتُرصد في البنوك الامريكية.

المحلة الكبرى

وإذا كان للسعودية نفوذ كبير في المنطقة كونها حليفا عربيا اساسيا للولايات المتحدة، فان الحليف العربي الثاني لامريكا الذي سيستحوذ على اهتمامنا في الفترة المقبلة هو النظام المصري الذي يسيطر على اكبر دولة عربية.

تزداد اهمية مصر على خلفية قرارها الانخراط في العولمة الرأسمالية. ومعروف ان احد اهم ميزاتها هو الخصخصة، اي تصفية القطاع العام وبيعه للطبقة البرجوازية الغنية. لقد انفتحت مصر على الاستثمارات الاجنبية، وغيّرت نمط النظام الذي استند على تشغيل المواطنين في القطاع العام كمصدر للحكم وشراء الولاء، وانتقلت للارتكاز على شريحة ضيقة غنية كركن اساسي لحكمها.

مشكلة مصر الاساسية هي التناقض بين نظامها السياسي الاستبدادي الذي لا يعترف بالتعددية الحزبية من جهة، وبين اتباعها سياسة السوق الحرة بمفهومها الغربي الذي يعتمد على الديمقراطية، الانفتاح السياسي والاحتكام للقانون كاساس للاستقرار الاجتماعي وضمان سلامة الاستثمار. مع ان مصر تتبع الاقتصاد الحديث، الا انها تتشبّث بالنظام الديكتاتوري القديم، تستخدم ادوات اقتصادية حديثة ولكنها تطبق ادوات سياسية قديمة. لم تعد مهمة النظام الحفاظ على وجوده، بل الحفاظ على مصالح طبقة ضيقة جدا من اصحاب المصالح الاقتصادية، وهو ما يجلب الاستياء الشعبي العارم ضده.

التجربة المصرية مهمة لفهم طبيعة وتبعات النظام الرأسمالي. فقد تبنت مصر الاقتصاد الرأسمالي ونهج السوق الحرة بلا تحفظ، الامر الذي يعرّضها لكل ازماته ومشاكله. ان احد اهم شروط المستثمرين الاجانب للاستثمار في دولة معينة، هو اتباع تلك الدولة لنهج الخصخصة وخفض الدعم الحكومي للسلع الاساسية. ويعني خفض الدعم عمليا تخلي الدولة عن دورها في منع المجاعة والفقر بين السكان. بررت مصر اتباعها لهذه السياسة بالادعاء ان الاستثمارات الاجنبية ستؤدي لنمو سريع، مما سيفيد المجتمع المصري برمّته. ولكن الحقيقة المرة كانت ان الاستثمار جلب النمو السريع لفئة محدودة فقط، ولم يتوزع بشكل متساو بين جميع شرائح المجتمع، بل عمّق الفجوة الاجتماعية بين الاغنياء والفقراء.

النضالات العمالية التي شهدتها مصر في العامين الاخيرين، والتي وصلت ذروتها في الهبة الكبيرة في مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، هي رد فعل الجماهير على التحولات الاقتصادية الخطيرة التي انتهجها النظام المصري والتي قادت لتعميق الفجوات والفقر. وتعني النضالات الاخيرة ان العمال يحمّلون النظام المسؤولية المباشرة عن تدهور الاوضاع. في حين يتم سحب الدعم الحكومي عن السلع الاساسية، وخفض المعاشات ازاء تضخم الاسعار، يصبح الاضطراب الاجتماعي تحصيل حاصل ويمكن ان يقود الى عدم استقرار سياسي.

ارتفاع اسعار المواد الغذائية الاساسية في مصر، وفي مقدمتها "العيش" (الخبز)، يخلق تذمرا شعبيا كبيرا جدا. وما يهدد بتأزم الوضع هو الاحتمالات المتزايدة لدخول الاقتصاد العالمي حالة من الركود. فهذا يعني تضاؤل الاستثمارات الاجنبية التي تتدفق اليوم على السوق المصرية، مما سيضر بالنمو الذي تستفيد منه الشريحة المقربة من النظام. في هذا الوضع سيفقد النظام المبرر الذي يتحجج به لمواصلة اتباعه سياسة الخصصخة، وسيضطر لمواجهة الانعكاسات السلبية للخصخصة وهي البطالة المتزيادة، العمال الفقراء، وشعب يريد التخلص من نظام استبدادي لا يوفر له ابسط مقومات الحياة.

اسرائيل لن تنجو من الازمة

اسرائيل هي اكثر الدول تطورا من الناحية الاقتصادية في المنطقة، ولكنها هي الاخرى تعاني من الازمة الاقتصادية. نفس السياسة التي تم تطبيقها في مصر، طُبّقت منذ زمن طويل في اسرائيل وأدت الى خصخصة القطاع العام لصالح بعض العائلات الغنية التي استولت على مقاليد الاقتصاد والسياسة في آن. ولكن خلافا لمصر، تعتبر اسرائيل دولة غنية تصدّر رأسمالها للخارج، وتتمتع ببنية صناعية وتكنولوجية متطورة وبمستوى معيشة عالٍ جدا.

من جهة اخرى، يعتمد الاقتصاد الاسرائيلي هو ايضا على الاستثمارات الاجنبية في كل المجالات، سواء التكنولوجية، الصناعية، الاتصالات، البنوك، التأمين وغيرها. كما يتم تداول اسهم الشركات الاسرائيلية في البورصة الامريكية، لذا فعندما تهبط اسعار الاسهم في البورصة الامريكية، تتضرر الشركات الاسرائيلية ايضا، وتواجه صعوبات في تجنيد الاموال اللازمة لتطويرها.

البنوك الاسرائيلية، على سبيل المثال، استفادت من استثماراتها في سندات سوق الرهن العقاري الثانوي في الولايات المتحدة، وذلك في فترة ازدهار هذا القطاع، ثم تكبدت خسائر فادحة مع انفجار الفقاعة.

ان السوق الاسرائيلية المحلية ضيقة جدا مقارنةً بقدراتها الانتاجية، ويجعل هذا التصدير للخارج احد اهم نشاطاتها الاقتصادية. وبسبب هبوط سعر الدولار مقابل العملة المحلية "شيكل" ب30%، سجلت الشركات الاسرائيلية التي تصدر بضائعها بالدولار، هبوطا حادا في ارباحها. الارتفاع الملحوظ في سعر النفط والمواد الغذائية، يؤدي لارتفاع نسبة تضخم الاسعار، تباطؤ في النمو وارتفاع نسبة البطالة.

الازمة الاقتصادية تهدد باحتداد التوتر الاجتماعي في اسرائيل التي تشهد انقساما طبقيا بين طبقة غنية ووسطى استفادت من السياسة الرأسمالية النيوليبرالية، وبين طبقة العمال الفقراء الذي يعتاشون من الحد الادنى للاجور. على هذه الخلفية يزداد التذمر من الحكومة التي لم تتحرك في ايام النمو والازدهار لتغيير الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه اغلبية المجتمع الاسرائيلي. ويزيد في هذا التذمر وضع الفساد المستشري في رأس الهرم الحاكم، والذي صار صفة مميزة للنظام الرأسمالي.

التفسخ الاجتماعي الداخلي يخلق مشاكل اجتماعية وسياسية كبيرة جدا، مما يؤدي لعدم ثقة الجمهور بالقيادة واسلوب ادارتها لكل مرافق الحياة. وكان آخر تعبير عن هذه الظاهرة انتقاد الاعلام للحكومة بسبب اسلوب معالجتها لموضوع صفقة تبادل الاسرى مع حزب الله وحماس. وكان هذا مسبوقا بنقد شعبي لاذع ضد رئيس الوزراء في اعقاب صدور تقرير فينوغراد الذي اقر بفشل الحكومة في ادارة الحرب الاخيرة في لبنان. الإعلام يحرّض ويصعّد الانتقاد ويشكك في قدرة الحكومة والبرلمان على معالجة التحديات السياسية، الامنية والاقتصادية الماثلة امام اسرائيل.

فرص جديدة امام الحزب العمالي

الهبة العمالية في المحلة الكبرى نقلت بشرى جديدة للطبقة العاملة في المنطقة ككل. فقد وضعت النهج الديموقراطي على اسس سياسية جديدة، وسحبت البساط من تحت اقدام الحركة الاسلامية التي احتكرت موقع المعارضة الرسمي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وذلك بمساعدة الرجعية العربية وفضائياتها. ان الطبقة العاملة المصرية هي اممية بطبيعتها، وقد أثبتت قدرتها على توحيد كافة شرائح المجتمع بعيدا عن الفئوية، العقائدية والطائفية التي تمزق اليوم العراق ولبنان وفلسطين.

التحرك العمالي المصري يكشف ايضا الحكومة التي تدعي انها تحافظ على الديمقراطية من خلال محاربتها للاسلام المتطرف، وهو ما تستخدمه كمبرر لادامة حالة الطوارئ والنظام القمعي. العمال، خلافا للحركة الاسلامية، ليسوا متطرفين بل يقدسون الديموقراطية لانها تكفل لهم حق التنظيم النقابي والسياسي، وتضمن حقهم بالتمثيل البرلماني كشرط اساسي لتحسين ظروف عملهم ورفع مستوى معيشتهم. الديموقراطية هي لب البرنامج العمالي، اما النظام الاستبدادي من جهة والحركات الإسلامية من جهة أخرى، فهي تكره الديموقراطية وتخشاها.

ما يحدث في مصر لا يؤثر فقط على الحياة السياسة الداخلية، بل له تأثير مهم على المواجهة مع اسرائيل وأمريكا وعلى النضال ضد الاحتلال. الانظمة العربية، وضمنها النظام المصري، ليس وحدها التي تستخدم مكافحة الاسلام المتطرف لتبرير استبدادها، بل تستخدمه كذلك اسرائيل وأمريكا كمبرر لمواصلة سياستهما الاحتلالية في العراق وفلسطين. الحركة العمالية من اجل الحريات الديموقراطية والنقابية، بدأت تقدم معارضة ديمقراطية بديلة في العالم العربي، وتضع بذلك تحديا جديدا امام الانظمة العربية وحلفائها من الاسرائيليين والأمريكان المعنيين بتواصل الاستبداد لضمان تخلف العالم العربي وادامة استغلاله. ان هذه الحركة الجديدة بدأت تُدخِل الانظمة الى حالة دفاع عن النفس، تهز مصداقيتها، وتستخدم النضال المطلبي النقابي والسياسي المشروع كسلاح رئيسي لحماية سلامة الحركة والجمهور من الضربات الامنية والاستبداد.

وكما رأينا، فالنضال المطلبي العمالي بدأ ينتشر في اكثر من بلد عربي مثل المغرب والجزائر، وبات الغليان الشعبي الناتج عن غلاء الاسعار يهدد كافة الانظمة العربية. انه ليس نضالا عربيا فحسب، بل نضال عالمي يتجاوز القارات ولا حدود قومية له. فشركات النفط، شركات الانتاج الزراعي، البنوك والشركات المتعددة الجنسية هي التي تحكم بالفعل الاقتصاد العالمي، وهي موجودة في كل بلد من بلاد العالم، مما يعني انه ليس هناك بلد يمكن ان ينجو من ازمة النظام الرأسمالي.

في اسرائيل من المتوقع ان تضرب الازمة الاقتصادية الطبقة العاملة، دون تمييز بين يهودي وعربي. وإذا صح ان العرب هم الاكثر فقرا بسبب سياسة التمييز العنصري، فان العمال اليهود دُفعوا هم ايضا الى هوامش المجتمع، وباتوا يعانون من نفس المشاكل التي يواجهها العمال العرب، وعلى رأسها فقدان الحقوق الاساسية مثل صندوق التقاعد، انعدام الثبات في مكان العمل وتدني الاجور.

لا نريد المبالغة بالنسبة لإمكانية توحيد اليهود والعرب من ابناء الطبقة العاملة، وذلك بسبب اسوار الكراهية العالية التي تفصل بين الشعبين نظرا لقضية الاحتلال الاسرائيلي والعنصرية. ولكن من الممكن طرح برنامج عمالي اممي يفتح آذان المجتمع الاسرائيلي ككل، ويجد نوعا من التفاهم من بعض شرائح العمال والمستخدمين اليهود.

ان ما يميز الساحة السياسية الاسرائيلية بشطريها اليهودي والعربي، هو عدم وجود حزب عمالي يطرح برنامجا يدافع عن مصالح العمال. صحيح ان هناك نقابة عامة قوية - الهستدروت، ولكنها تتعاون مع السياسة الرأسمالية والخصخصة، وهي مرتبطة سياسيا بحزب العمل الذي يطرح برنامجا رأسماليا محافظا جدا. ان هذه النقابة تمثل مصالح الشريحة الغنية من العمال الذين حصلوا على امتيازات مقابل تفريطهم بحقوق الاغلبية الساحقة من العمال البسطاء، وباتوا يعيشون في نمط حياة الطبقة الوسطى في اسرائيل. من الجانب الآخر للهوة الاجتماعية هناك اكثر من مليون عامل فقير، ومئات الآلاف من الموظفين، المعلمين والفنانين من يهود وعرب، يعملون على اساس عقود مؤقتة تنتهك حقوقهم، بلا نقابة تحميهم ولا حزب يؤطرهم ويمثّل مصالحهم.

احتداد الازمة الاقتصادية سواء في اسرائيل، العالم العربي والعالم عموما، سيفتح المجال للخطاب الاممي العمالي ليحل محل الخطاب القومي المتعصب والديني الغيبي الذي يخدم مصلحة النظام الرأسمالي والأنظمة الاستبدادية على حساب مصلحة العمال. الطبقة العاملة بحاجة لاسلوب جديد من الكفاح السياسي والمطلبي، كما انها في غنى عن العزلة التي يفرضها عليها الخطاب الديني القومي المتطرف الذي يميز بين البشر على اساس قومي، ديني او طائفي. الازمة الاقتصادية ستتعدى كل الحدود القومية وتضرب بمختلف البلدان، وهي تملك من القوة ايضا ان تكسر كل الحواجز القومية والدينية التي تفصل بين العمال.

حزب دعم والمعركة الانتخابية في تل ابيب

في هذا السياق العام يمكننا فهم المعاني السياسية لمشاركتنا في انتخابات بلدية تل ابيب-يافا. فلم يأت قرارنا خوض الانتخابات بسبب وجود فرصة معينة امامنا كحزب عمالي نظرا لتردي الاوضاع الاقتصادية فحسب، بل جاء بالاساس من منطلق خلوّ الساحة السياسية من أي حزب يطرح اجندة مماثلة او قريبة من برنامجنا. يهدف قرارنا الى تعبئة الفراغ السياسي والنقابي في الشارع العربي واليهودي على حد سواء، بكل ما يتعلق بحقوق العمال، مشاكلهم ومطالبهم، كموضوع رئيسي نابع من رؤية يسارية ثورية وأممية.

السبب الثاني لقرارنا هو العمل الميداني اليومي الذي نقوم به في مجال الدفاع عن حقوق العمال والتنظيم العمالي. فقد ثبت لنا، خاصة منذ الحملة الانتخابية الاخيرة للكنيست عام 2006، حجم اهتمام الرأي العام بخطابنا الواضح، خاصة في ظل غياب طويل جدا للخطاب العمالي الاممي والذي استبدل بالخطاب المتطرف القومي والديني اليهودي والعربي.

من خلال الممارسة العملية والنشاط النقابي والسياسي، أدركنا انه مع احتداد الهوة الطبقية والشكوك باهلية الحكومة على ادارة شؤون البلد، اضافة الى شكوك بالمبادئ الصهيونية ذاتها، تزداد الفرص لطرح رؤية جديدة بعيدة عن التعصب القومي الصهيوني، تعتمد على المبدأ الاممي وتسعى لبناء اكبر جبهة عمالية لمكافحة سياسات الحكومة الرأسمالية والحربية.

السبب الثالث لقرارنا كان الاعتقاد بان المجتمع الاسرائيلي بشكل عام وشرائح مثقفة معينة ومؤثرة بشكل خاص، تشعر بان السياسة الحكومية تجاه الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة وداخل اسرائيل وصلت الى طريق مسدود، وبان الاحتلال استنفذ نفسه باعتراف الاحزاب الصهيونية نفسها. ولكن لا احد يأتي ببرنامج واقعي لحل القضية الفلسطينية على اساس انهاء الاحتلال بكل اشكاله وإخلاء المستوطنات. بالعكس، فاسرائيل تتقدم باتجاه حرب اضافية دون ان يعرف احد اهدافها وحجمها. ان هذا التطابق بين الطريق المسدود الامني والسياسي وبين النهج الاقتصادي الذي يسمح لعائلات معدودة بتكديس ثرواتها على حساب بقية الشعب، خلق واقعا سياسيا جديدا، يسمح ببروز رؤية مختلفة تماما.

الفراغ السياسي هو فراغ موضوعي، ويدل عليه تبلور اطر سياسية جديدة وزوالها بعد فترة وجيزة. في الانتخابات الاخيرة للكنيست قام عمير بيريتس، زعيم الهستدروت ومرشح حزب العمل حينها، بطرح برنامج "الاجندة الاجتماعية"، وتمكن من جذب الكثير من المتعاطفين مع حزبنا وحتى المشاركين في فعالياتنا. ولكن سرعان ما عُيّن بيريتس وزيرا للدفاع، ومن موقعه الجديد دفن الاجندة الاجتماعية واستبدلها بحرب مدمرة على لبنان وقطاع غزة. في انتخابات بلدية تل ابيب اليوم تكونت تشكيلة سياسية جديدة بإلهام من الحزب الشيوعي الاسرائيلي باسم "المدينة لنا جميعا"، يميزها برنامج فضفاض وعام جدا يجمع بين حقوق مثليي الجنس، حقوق العمال، سلامة البيئة، السكن، وضد تهويد مدينة يافا العربية.

ان ظهور مثل هذه الاطر السياسية التي تخاطب الجمهور باسم الثورة الاجتماعية، او الحق بالسكن في تل ابيب، وحل مشكلة المواصلات ومواقف السيارات، ومشكلة مواطني يافا العرب، تدل على ان تحليلنا بالنسبة للتفكك الاجتماعي الاسرائيلي وإمكانية طرح القضايا السياسية الاساسية امام الجمهور الاسرائيلي اصبحت واقعا جديدا وتحديا امام كل حزب يطرح نفسه على الساحة السياسية. ومع ذلك، فان نهج "المدينة لنا جميعا" يسعى في الواقع لكسب دعم واهتمام الطبقة الوسطى في تل ابيب، بعيدا عن هموم الطبقة العاملة وعن الجمهور العربي تحديدا. بدل ان توحد القائمة بين العرب واليهود كما كان الحال سابقا عندما ترشحت قائمة "كلنا من اجل يافا"، فقد انشق الحزب الشيوعي اليوم بين اليهود الذين انخرطوا في القائمة الجديدة وبين العرب الذين بقوا خارج الاطار ويسعون لتشكيل قائمة مستقلة على اساس قومي عربي.

ما يطرحه حزب دعم العمالي هو نهج جديد، يتمثل بقائمة "كلنا من اجل الطبقة العاملة"، قائمة على اساس اممي يضمن للعرب واليهود مكانا متساويا في المجتمع، ليس بالخطاب بل بالممارسة. يتم هذا من خلال ترشيح رفيقة عربية في رئاسة القائمة، لتمثل كل مواطني تل ابيب ويافا دون تمييز على اساس ديني، قومي او عرقي. نحن لا نخبئ رؤيتنا الاشتراكية، ولا موقفنا المؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال، وفي نفس الوقت نطرح امام الجمهور الاسرائيلي رؤية لمجتمع جديد خالٍ من كل اشكال الاستغلال الطبقي والتمييز القومي.

ما اكتشفناه منذ الاعلان عن خوضنا الانتخابات لرئاسة وعضوية البلدية، هو اهتمام محافل مهمة جدا في قلب المجتمع الاسرائيلي بطرحنا، وتعاطف مع نهجنا، وبذل جهد لفهم ما نريد، وهذا ليس سهلا. وقد بدأت بعض العناصر بالتعبير عن استعدادها للنشاط لإنجاح القائمة. هناك ارضية خصبة لطرح برنامجنا امام الجمهور العام من عرب ويهود، ولا شك لدينا في ان مواصلتنا شق طريقنا في صفوف شرائح اوسع من المجتمع الاسرائيلي ستفكك العزلة التي دخلتها الجماهير العمالية العربية، خاصة منذ احداث اكتوبر 2000 التي ادخلت العرب لوضع الاحباط وادخلت اليهود لحالة من اللامبالاة، وادت لانغلاق كل مجتمع على نفسه.

مقدمة للانتخابات العامة

خوضنا المعركة الانتخابية لبلدية تل ابيب، هو مقدمة لمشاركتنا في الانتخابات البرلمانية المتوقع اجراؤها العام القادم. المناخ الايجابي العام الذي نبنيه من خلال الحملة الانتخابية المحلية، وتحديدا في الحلقات البيتية، يمهد لدخولنا المعركة البرلمانية وقد دخلنا اذهان الرأي العام، بصفتنا حزب عمالي بديل للاحزاب العربية ولليسار الصهيوني على المستوى المحلي والقطري في آن.

رغم الاهتمام بنا، علينا ان نواجه المشكلة التي تتعلق بالضعف العمالي العام النابع من انعدام التجربة النقابية وفقدان الوعي الطبقي. فالعامل يعتبر نفسه ابن العائلة او الحمولة اكثر مما يعتبر نفسه منتميا للنقابة او للحزب العمالي او حتى للطبقة العاملة.

وعلى نحو مناقض لهذا الوضع، فاننا بتنا نتمتع بنفوذ كبير في المجال النقابي على مستوى الرأي العام. وقد تمكّنا اكثر من مرة من وضع وزارة الزراعة، اتحاد المزارعين، اتحاد مقاولي البناء، اتحاد الفنادق وغيرها من المؤسسات ذات القوة السياسية والاقتصادية الكبيرة، محط الدفاع عن النفس، واجبرناها على الاعتراف بمصداقيتنا وجديتنا بكل ما يتعلق بحقوق العمال ومحاربة البطالة. ان لنا مكانة خاصة جدا ولا بد من ترجمتها لمكاسب سياسية في الوقت المناسب.

ان ما يعيق تقدمنا في المجال السياسي هو ضعف العمال الذي يتحول احيانا الى لامبالاة وأنانية تقتل التضامن العمالي. من هذا الوضع تستفيد اولا الحكومة التي تواصل الاستهتار بحقوق العمال، وثانيا تستفيد الأحزاب العربية التي تكرس العائلية والعادات والتقاليد كمصدر اساسي لشراء الولاء السياسي وضمان بقائها على الساحة.

ما نقوم به نحن هو مكافحة الحكومة والاحزاب العربية، وهو نضال شاق وطويل الامد، ويحتاج الى صبر ونفس طويل، وفهم بان الازمات الاقتصادية والتدهور الاجتماعي والفساد السياسي سيقود اوساطا معينة للبحث عن بديل نظيف، ثوري، يسعى للتغيير.

من اجل الصمود والنجاح في هذه المعركة الطويلة هناك حاجة للوعي السياسي ولفهم التطورات العميقة التي تحكم النظام الرأسمالي والسياسي في الشرق الاوسط. ان التطور الفكري هو الذي يسهم في بناء رؤية بعيدة المدى، تمكّننا من التغلب على اليأس والإحباط السائد اليوم في المجتمع. انها مهمة تاريخية لا مكان فيها للضعفاء بل للاقوياء، لمن هو مستعد للتضحية بالحاضر من اجل بناء مستقبل افضل. انها مهمة لمن يؤمن بالمستقبل ويريد المشاركة في صنعه. وفي هذا تلعب الايام الدراسية التي ننظمها دورا مهما بل وحاسما لضمان تماسك الحزب والتزام اعضائه.

ان المهمات التي تنتظرنا في الشهور القادمة كبيرة دون شك، ولكن ما انجزناه حتى الآن هو اساس للتقدم في عملنا السياسي، وهو بناء الحزب العمالي وتجنيد اكبر عدد من الكوادر لصفوفه. ان كل ما نقوم به اليوم يهدف لتحقيق هذه المهمة التاريخية وكل المعطيات الموضوعية والاستعدادات الذاتية تشير انه مهما بلغت صعوبة المهمة فانها بالفعل قابلة للتحقيق.