فرنسا: من أجل حزب جديد معاد للرأسمالية


فرانسوا سابادو
2008 / 7 / 26 - 10:50     

يشهد اليسار الثوري والمناهض للرأسمالية بفرنسا عملية تجميع تحت شعار "حزب جديد معاد للرأسمالية"، دفع بها الفرع الفرنسي للأممية الرابعة ، العصبة الشيوعية الثورية. ستفتح العملية في حال نجاحها تطورا نوعيا بساحة النضال الاجتماعي والسياسي بهذا البلد الذي دلت طبقته العاملة وشبابه على كفاحية متميزة منذ نضالات 1995.
تقدم جريدة المناضل-ة لقرائها /قارئاتها جملة نصوص تلقى الضوء على الموضوع، نبدؤها بلوحة إجمالية بقلم احد قادة العصبة الشيوعية الثورية الرفيق فرانسوا سابادو.





جاءت فكرة حزب جديد معاد للرأسمالية من بعيد. فمنذ نهاية " القرن العشرين الوجيز"، بعد انهيار الكتلة السوفييتية في العام 1991، وجب وضع حصيلة لدورة تاريخية كاملة، لكن وجب بوجه خاص إعادة النظر في "رؤيتنا للعالم" وتحيينها وإعادة بنائها.
" حقبة جديدة، برنامج جديد، حزب جديد"، ذلك كان الثلاثي الذي حكم مذاك، أبعد من إجابات ظرفية وتكتيكية، فكر العصبة الشيوعية الثورية والأممية الرابعة.
العالم يتغير. "العولمة الرأسمالية" والإصلاحات الليبرالية المضادة، وتحولات الطبقة العاملة المترتبة عن التكنولوجيا الجديدة و التحولات الضرورية للحركة العمالية، والتطور الاشتراكي-الليبرالي للاشتراكية الديمقراطية ، وانحدار الأحزاب الشيوعية الذي لا رجعة فيه، كلها عناصر تعيد تشكيل المشاهد السياسية.
يظل ميزان القوى في غير صالح عالم الشغل. لكن "التمرد المناهض لليبرالية" في شتاء 1995، وما تلاه من حركات 2003 و 2004 و 2005 تدل على مقاومات اجتماعية للرأسمالية النيوليبرالية. إن صراع الطبقات ما زال قائما. وتؤكد دلالة الحركة من اجل عولمة بديلة، وكذا الإضرابات الأخيرة في اليونان، أو في ألمانيا، أو في أوربا الشرقية بالمناجم البولونية، أو في مصانع رونو داسيا في رومانيا، البعد العالمي لمقاومة النيوليبرالية هذه.
على الصعيد السياسي، يؤدي تلاقي هذه المقاومات الاجتماعية، والتطور اليميني للاشتراكية الديمقراطية وتراجعات الأحزاب الشيوعية، إلى تحرير مساحة لقوة سياسية جديدة على يسار القيادات التقليدية للحركة العمالية، وهذا في أوربا برمتها.
كانت إذن الحقبة التاريخية الجديدة تتطلب إعادة تنظيم الحركة العمالية واليسار الثوري، لكن كان ينقص عامل حفاز.
تمثل ذلك العامل الحفاز في فرنسا في نجاحات العصبة الشيوعية الثورية وأوليفييه بوزانسنو في انتخابات الرئاسة في 2002 و2007. ثم وجب احتلال المساحة المحررة وتخصيبها بمضمون معاد للرأسمالية وبناء حزب جديد.
هذا لأنه إن كان اوليفييه بوزانسنو قد نجح في بلورة ظاهرة جماهيرية من التماثل الاجتماعي والسياسي لملايين الأجراء والشباب الذين يجدون أنفسهم في تدخلاته السياسية والإعلامية، فإن ذلك لم يكن كافيا. لا غنى عن بناء مشروع.
وهذا واجب أولا في رسم للحدود إزاء اليسار الاشتراكي- الليبرالي. كان هذا رهان كل النقاشات حول مرشح موحد لليسار المناهض لليبرالية في 2007.
وفعلا كان السؤال المركزي، أبعد من الصيغ، هو التالي: هل نقبل أم لا الاندماج في "آلية" تحالفات حكومية أو برلمانية مع الحزب الاشتراكي؟
كان الحزب الشيوعي وجوزي بوفيه وباقي القوى المناهضة لليبرالية يجيبون بالإيجاب. وكانت العصبة الشيوعية الثورية تجيب بالرفض.
لم يكن الأمر مسألة صغيرة. فلنتساءل ما حصيلة اليسار المتعدد بفرنسا، واليسار الموحد باسبانيا، وبوجه خاص حزب إعادة بناء الشيوعية بايطاليا الذي جر اليسار، بمشاركته في حكومة "يسار الوسط"، إلى كارثة جديدة.
وتنبئ سياسة قيادة Die Linke بألمانيا، مع الأسف، بنفس الفشل المرير.
لا شك أن هذه الخلافات تحيل على مقاربات مختلفة للعلاقات مع المؤسسات المركزية للدولة الرأسمالية. فان كان واجبا على المعادين للرأسمالية أن يعملوا في المؤسسات، فلا نعتقد أن تحويل المجتمع يمر من هناك. ويتوقف هذا التحويل على تدخل حركة جماهيرية في الساحة الاجتماعية والسياسية، أي على نحو ما " مايو 1968 جديد" وأفضل!
ان الاستقلال عن الاشتراكية –الليبرالية وعن كل قوى التعاون الطبقي هو أول شروط بناء بديل سياسي معاد للرأسمالية.
لكن هذا غير كاف. فبوجه الرأسمالية الليبرالية، تلك " الرأسمالية الخالصة" كما يسميها ميشال هوسون، لا بد أيضا من "معاداة خالصة للرأسمالية". ان تحول الإصلاحية الى "إصلاحية بدون إصلاحات" يلقى على كاهلنا مسؤولية تاريخية عظمى، مسؤولية قيادة النضال من اجل الإصلاحات حتى القطيعة مع النظام الرأسمالي، حتى التحويل الثوري للمجتمع.

ما هي إذن النقاط المرجعية للحزب الجديد المعادي للرأسمالية؟

سبق أن تقدمت حملات اوليفييه بوزانسنو بعدد من المقترحات، لكن يجب الآن مناقشتها عبر سيرورة تأسيسية للحزب الجديد.
إنها تنطلق من المطالب الآنية، المعبر عنها في النضالات الطبقية الجارية – الأجور، التشغيل، الخدمات العامة، المطالب البيئية، حقوق النساء والمهاجرين- مما يقود ، للدفاع عنها " حتى النهاية" – إلى متطلب توزيع جديد للثروات يهاجم منطق الربح الرأسمالي ويستبدله بمنطق الحاجات الاجتماعية. لا يمكن لمقاربة من هذا القبيل ان تنتشر إلا عبر هجمات على الملكية الرأسمالية، يتعين ان تنزع تحكم أرباب العمل المطلق بسير الاقتصاد، وتتقدم نحو الملكية الاجتماعية لقطاعات الاقتصاد الأساسية.
نرى جديا أن الأمر قطيعة مع النظام الرأسمالي وليس توجيهه نحو رأسمالية "ذات وجه إنساني" أو نحو عودة إلى " رأسمالية السنوات الثلاثين المجيدة".
تمثل الايكولوجيا و الاشتراكية البيئية أبعادا أساسية لهذا البرنامج، باعتبار مسائل من قبيل احترار المناخ، والطاقات المتجددة، ونمط النقل وكذا نمط الحياة، مع التأكيد كل مرة على مسؤوليات النظام الرأسمالي و ضرورة تنمية مستدامة مخططة ومتحكم بها من قبل المجتمع، وليس " مجتمع السوق".
و من ثمة، إن ليس السوق من يقرر، فكيف سيجرى النقاش واتخاذ القرار والاختيار، إنه سؤال الديمقراطية المركزي، سؤال الديمقراطية الاشتراكية. كما ان الدفاع عن كل الحقوق الديمقراطية وتوسيعها إلى مستوى قطيعة مع الجمهورية الخامسة، والى سيرورة تأسيسية لمؤسسات جديدة، حيث يقرر فعلا العمال والمواطنون بواسطة مجالس منتخبة بالاقتراع العام في مقاولاتهم وفي بلدياتهم. انه التسيير الذاتي الاشتراكي الذي يجب ان نتعلم من جديد تصريف أشكاله المتعددة.
تلكم بعض المحاور الكبرى لمشروع تغيير ثوري، بمعنى أن تحقيق هذا البرنامج يستوجب تعبئة استثنائية للعمال وللمواطنين من أجل ممارسة الرقابة والقرار والتنظيم الذاتي لإطاحة سلطة الطبقات السائدة وبناء سلطة جديدة، سلطة العمال وغالبية السكان العظمى.
و طبعا ستظل جملة مسائل مفتوحة، من قبيل ثورة القرن 21، ومشاكل الانتقال إلى الاشتراكية، وأشكال الديمقراطية والسلطة. لا نبدأ من صفر، لكن لا بد من عمل جبار لإعادة صياغة المشروع الاشتراكي والشيوعي.
لذا يجب ان يشكل هذا الحزب واقعا اجتماعيا وسياسيا جديدا. ليس المقصود بناء عصبة شيوعية ثورية بحلة جديدة. لن يكون هذا الحزب تروتسكيا. سيأخذ أفضل التقاليد الثورية للحركة العمالية وحركات أخرى مثل البيئيين-الاشتراكيين. إننا نريد تجميع كافة المعادين للرأسمالية على نحو تعددي.
إنها إذن مغامرة جديدة. لا ننطلق من معايير إيديولوجية او تاريخية، إننا ننطلق من صراع الطبقات، ومن الحياة، ومن المسائل السياسية الأساسية للدفاع عن سياسة في خدمة المضطهدين وإعادة بناء منظور اشتراكي.
وهذا ثورة ثقافية وسياسية لليسار الثوري.




المصدر : : http://www.mouvements.info/
22 يونيو 2008
تعريب: جريدة المناضل-ة