حق الحصة (الكوتا) للمرأة اللبنانية


ماري ناصيف
2008 / 7 / 3 - 10:45     

خمس أسباب موجبة
لتمثيل من تمتلك الأغلبية المطلقة



في كتابه "فليصمت الفقراء"، يقول الكاتب والمؤرخ الفرنسي هنري غيمان أن الذين كانوا الأساس في إنتصار الثورة الفرنسية (1789)، وهم فقراء المدينة والريف ومن بينهم النساء، أبعدوا؛ بعد استتباب الأمور، عن مواقع القرار السياسي،بعد أن صدر قانون الإنتخاب الفرنسي، آنذاك، ليقول بحق المتعلمين دون سواهم في الإقتراع والرشيح... ومنذ ذلك العهد البعيد، وبالرغم من قيام ثورات وحروب غيرت وجه العالم، لا يزال الفقراء والنساء العنصر الأضعف في كل التسويات التي تتم أو التغييرات التي تحدث، وإن يكن هؤلاء بالتحديد هم من صنع هذا التغيير.

وإذا ما استعرضنا الوضع السياسي في لبنان، اليوم، بعد التسوية التي تمت في الدوحة، في 21 أيار 2008، نجد أن أطراف النزاع (الطائفي)، وبالرغم من كل الخلافات التي تفرق بينهم، قد أتفقوا على أمر واحد، هو قانون الإنتخاب الذي يجب أن يبقيهم في مواقع القرار ويبقي على دورهم (الطبقي – الطائفي) في قيادة البلاد، وعلى وجهة واحدة، هي العودة الى القضاء، عبر قانون 1960 معدلاً، بما يضمن لهم توزيع السلطة إنطلاقاً من عناوين ثلاثة: الموقع الاقتصادي، وأحجام الطوائف التي بإسمها ينطقون، وفعالية الأوصياء الآتون من الخارج البعيد أو القريب في إعادة تشكيل النظام اللبناني إنطلاقاً من الأدوار المرسومة له حسب هذا الوصي أو ذاك.

في خضم هذه الصراعات على السلطة بين الأطراف الطائفية التي تشكل التحالف الطبقي الحاكم ومحاولاتهم – بالتناوب – زيادة حصتهم في "العيش المشترك"، طار تمثيل الفقراء مرة جديدة، ومن بينهم على وجه الخصوص النساء اللواتي يشكلن، اليوم، 53% من مجموع الشعب اللبناني، بينما تمثيلهن يقتصر على نساء لم يصلن الى موقع القرار، إلا بسبب غياب الزوج، في مجمل الأحيان، أو لأسباب عائلية أخرى...

وإذا كانت البرجوازية اللبنانية، المتحالفة مع بقايا الإقطاع السياسي، قد ارتضت لنفسها حصصاً تكبر أو تصغر تبعاً للمراحل المختلفة، وإذا كانت السلطة التنفيذية في البلاد موزعة الى حصص، فلماذا يصرخ الجميع إستنكاراً، عندما تطرح الحركة النسائية، ومعها بعض الحركة الديمقراطية وأحزابها، مسألة "الكوتا المؤقتة والمرحلية" لتحسين تمثيل النساء في البرلمان؟ ولماذا يرى الجميع أن حق الحصة للنساء مذل، في الوقت الذي يتغنى فيه أغلبيتهم بمآثر الديمقراطية الغربية التي اعتمدت الحصة سبيلاً لبروز النساء في مواقع القرار، وفي مقدمة هؤلاء أنجيلا ميركل؟



ما هو حق الحصة؟ وكيف تنظر له الهيئات والأحزاب التي أقترحته؟

يقول برنامج "اللقاء الوطني للقضاء على التمييز ضد المرأة"، الصادر منذ عامين، بإعطاء المرأة اللبنانية حصة تقارب 30 % من مجموع النواب، أي 38 مقعداً، يجري ملؤها من خلال إعتماد نظام النسبية وخارج القيد الطائفي وتحويل لبنان الى دائرة إنتخابية واحدة، مما يعني أن تترشح النساء بإسم الشعب كله، وإنطلاقاً من كل لبنان، وذلك بهدف تحقيق تجربة فريدة مختلفة: فإذا كانت الحصص الطائفية، وتعديلها زيادة (للبعض) أو نقصاناً (للبعض الآخر)، قد أدت حتى الآن الى حروب أهلية مزقت الوطن وحولته أشلاء متناثرة، فإن الحصة (الكوتا) النسائية المعتمدة – كما أسلفنا - الى النسبية وإلغاء القيد الطائفي سيؤديان الى لملمة الوطن وجمع شمل أبنائه وتوحيده في بوتقة واحدة تمنع عنه الإنقسام وتثبت السلم الأهلي في ربوعه...

وننطلق في ما نقول من أسباب متنوعة، لها مواقعهاالكمية والنوعية:

· السبب الأول، المبدئي، ويكمن في ما تضمنه الدستور اللبناني في مادته السابعة التي ترتكز على المساواة التامة بين المواطنين وعدم وجود فروقات بين مواطن وآخر. وهذا السبب المبدئي، اللبناني الأصل، قد ترسخ منذ العام 1996، عبر إبرام الحكومة اللبنانية "الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" التي تنص على "حق الحصة" كمقدمة الى المساواة التامة بين المرأة والرجل.

· السبب الثاني، ويكمن في الدور الوطني الذي لعبته النساء اللبنانيات، خاصة الشابات، في معركة الإستقلال في أوائل الأربعينيات أو في التنظيمات المختلفة لمقاومة الإحتلال الصهيوني. وقد برهنت المرأة اللبنانية في كل هذه المعارك عن إمكانيات قيادية كبيرة.

· السبب الثالث، ويكمن في الموقع الذي تحتله نساء لبنان داخل عملية الإنتاج الإقتصادي. هذا الموقع الذي توسع أفقياً وتركز عمودياً من خلال غزو المرأة لكافة مجالات الإختصاص، بحيث إنتهى العهد الذي كانت فيه المهن والمواقع فيها تفرز بين "ذكورية" و "أنثوية".

· السبب الرابع، ويكمن في التطور الكمي والنوعي الحاصل في السلطتين الثالثة (القضائية) والرابعة (الإعلامية) حيث انتفت كل الفوارق والحدود.

· السبب الخامس، ويكمن (كما ذكرنا سابقاً) في العدد والنسبة والحجم. فإذا كانت بعض الطوائف تتباهى بازدياد حجمها لتطالب بتعديل تمثيلها وموقعها في القرار، فإن "طائفة" النساء هي الوحيدة التي تشكل أغلبية مطلقة... بينما الطوائف الأخرى، كلها، لا تعبر إلا عن "أقليات" تجتمع أو تنقسم في ما بينها لتعيد تأليف لبنان.