اللاجئون العراقيون – فضيحة العصر

معقل زهور عدي
2008 / 6 / 30 - 10:25     

من أجل تخليص البشرية من خطر أسلحة التدمير الشامل المزعومة غزت الولايات المتحدة العراق فقتلت منه من المدنيين أكثر مما قتلت القنابل الذرية التي القتها على هيروشيما وناغازاكي بعدة أضعاف ، ومن أجل تخليص العراق من الدكتاتورية وانتهاكات حقوق الانسان دخل السجون العراقية بعد الاحتلال الأمريكي مئات الآلاف ، وبقي منهم حتى الآن عشرات الألوف وشاهدنا بعض النماذج التي تسربت للتعذيب في سجن أبو غريب تنافس التعذيب في سجون أعتى الديكتاتوريات وأسوأها ، اما المقابر الجماعية التي لم يتعب كثيرون من الحديث عنها ( ويدهش المرء لماذا لم تأت لجان مختصة من ال F.B.I او ال C.I.A. او سكوتلاند يارد لتوثيقها واصدار تقارير مهنية عنها) فلم تحتج اليها الميليشيات الطائفية اذ اكتفت بقتل الناس بالمثقب الكهربائي ورميهم بالمئات كل يوم على قارعة الطرقات .

لكن أكثر الانجازات وحشية للحملة الأمريكية لنشر الديمقراطية كان التطهير العرقي الذي تم بمعرفة وتواطؤ سلطة الاحتلال ونتج عنه طرد عدة ملايين من العراقيين من بيوتهم ومدنهم مما لم يحصل مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية ، ولايمكن مقارنته من حيث الحجم بما حدث في البوسنة والهرسك ، هناك يجري الحديث عن مئات الألوف بينما في حالة العراق فالحد الأدنى المقدر حوالي ثلاثة ملايين نسمة ( مليون ونصف في سورية ومليون ومئة ألف في الأردن والباقي موزع على دول العالم ).

وللأسف حتى اليوم لاتتم مقاربة هذه المأساة بما تستحقه من اهتمام ، في البداية تم التعامل معها كظاهرة مؤقتة ، ومن منظور انساني في افضل الأحوال ، لكن الأمر الذي اتضح اليوم ان المسألة ليست مسألة لجوء مؤقت هربا من حالة انفلات امني ، والا لماذا لم يرجع معظم اللاجئين حتى الآن مادام الوضع الأمني في العراق قد تحسن و(أصبحت بغداد أكثر أمنا من أي وقت منذ سقوط نظام صدام ) حسب مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي !

ما الذي يمنع اليوم ملايين العراقيين من العودة الى بيوتهم ومدنهم ؟

المسألة اذن ليست مسألة لجوء مؤقت هربا من وضع أمني طارىء ، بقدر ماهي عملية تطهير عرقي منظمة باشراف الراعي الأمريكي ومباركته .

نشرت مجلة الشؤون الخارجية التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ( FOREIGN AFFAIRS ) دراسة مسهبة في حزيران – 2008 حول حملة الرئيس بوش التي قادها منذ مطلع 2007 لاستعادة السيطرة على بغداد و(قسم ظهر المقاومة العراقية) والتي كان أبرز ما فيها زيادة عدد القوات الأمريكية في بغداد بمقدار 21500 مقاتل ( أربع فرق عسكرية كاملة ) ، وتهدف تلك الدراسة لالقاء الضوء على نقائص تلك الحملة وتداعياتها السلبية ، حيث تنظر الدراسة لتلك الحملة كاجراء تكتيكي لا يفتح الباب امام ايجاد وضع سياسي مستقر بالعراق رغم نجاحاته المؤقتة .

ما يهمني هنا هو ما اوردته الدراسة في معرض تحليلها للعوامل التي ادت لحصد تلك ( النجاحات ) والمتمثلة في ( كبح المقاومة العراقية ، خفض مستوى العنف ، خفض الخسائر البشرية لدى الجيش الأمريكي ، السيطرة على بغداد وفرض الأمن فيها ) ، تقول الدراسة : لم يتم حصد تلك النجاحات بفضل زيادة القوات الأمريكية فقط لكن ثمة عوامل هامة رافقت الحملة وأسهمت في نجاحها منها الاختراق الذي حصل بسحب جزء من عناصر المقاومة وتشكيل ما يعرف باسم قوات الصحوات ( تدفع أمريكا لكل فرد فيها 360 دولار شهريا ولرؤسائها نسبة 20% من رواتب مجنديهم ) ، وكذلك بفضل التطهير العرقي والذي وصفته الدراسة بالتطهير العرقي الوحشي - يبدو ان الوحشية مفيدة في بعض الأحيان – أي بصريح العبارة لعب التطهير العرقي دورا هاما في نجاح الحملة الأمريكية .

من ذلك يصبح سهلا تقدير من كان بالفعل وراء طرد ملايين العراقيين من بيوتهم ، ولماذا تغلق الأبواب امام عودتهم حتى الآن ؟

واذا كانت حكومة المالكي لا تمنح مسألة اللاجئين أي قدر من الاهتمام ، فكيف يمكن تصور اجراء مصالحة وطنية حقيقية ؟

من المريب ان مسألة اللاجئين العراقيين يتم تقزيمها واستبعادها من الضوء ليس بالنسبة لحكومة المالكي الفاشلة فقط ولكن بالنسبة للسياسيين الغربيين والعراقيين والعرب ، ولوسائل الاعلام الغربية ( الديمقراطية ) والعربية أيضا .

فاذا كانت السياسة الأمريكية لا تخفي ارتياحها للتطهير العرقي ، وتعتبره ( ايجابيا ) ، فمن المنطقي ان نتوقع منها تجاهل مسألة اللاجئين وتحويلها الى قضية انسانية تتكفل بها منظمات الاغاثة والمنظمات الأهلية المحلية والعالمية ، لكن ماذا عن الرأي العام العالمي الحر ؟ ، وماذا عن السياسيين والمثقفين والاعلاميين العرب ؟

هل يرضى كل هؤلاء السير في ذيل السياسة الأمريكية حتى حين يصل بها الانحطاط حد استخدام التطهير العرقي لملايين من المواطنيين العراقيين الأبرياء وتحويلهم الى لاجئين يركضون وراء تأمين المأوى والخبز ؟

بل أين المعارضات الوطنية العربية التي يفترض المرء تحررها من قيود التبعية للسياسة الأمريكية التي ترهق كاهل الحكومات العربية اللاهثة وراء الرضى الأمريكي بأي ثمن ؟

أن يحدث التطهير العرقي في مطلع القرن الحادي عشر على مرأى ومسمع ومباركة قوات الاحتلال الأمريكية في العراق فذلك وصمة عار لاتمحى على صدر السياسة الأمريكية .

لكنه وصمة عار أشد على صدر من صنعوه ومن يحاولون اليوم تسويقه كأمر عادي لايستدعي سوى تقديم اثناعشر مليون دولار لسوريا لمساعدتها في تحمل أعباء اللاجئين !!

وهو أيضا امتحان لضمير المثقفين العرب والمعارضات العربية والسياسيين والحكام حتى لانخلي مسؤولية أحد منهم .

المطلوب هو القاء الضوء على قضية اللاجئين العراقيين باعتبارها مسألة سياسية تقع في صلب معالجة الوضع العراقي ، وتحميل الاحتلال الأمريكي مسؤوليتها باعتباران تلك الجريمة قد تمت من خلال وجوده وسيطرته العسكرية والأمنية على العراق ، والضغط من خلال الرأي العام العربي والعالمي لالزام الولايات المتحدة بحل هذه المسألة ، والاشتراط على حكومة المالكي اعادة اللاجئين العراقيين الى بيوتهم وتأمينهم قبل أي حديث عن تبادل للسفراء او الاعتراف بتلك الحكومة .