مأزق أمريكا العراقي – احتواء الهزيمة

معقل زهور عدي
2008 / 6 / 7 - 09:24     

بذلت الولايات المتحدة الأمريكية جهدا جبارا خلال السنة الماضية ليس من اجل كسب الحرب في العراق ولكن من أجل تغيير صورة المشهد العراقي بحيث يتم اخفاء أبعاد مأزقها الحقيقي هناك .

في نهاية المطاف نجحت الولايات المتحدة في ذلك ، لكن نجاحها هو كنجاح الطبيب في اعطاء المريض شعورا كاذبا بالشفاء من مرض لاشفاء منه كالسرطان .

عنوان هذا النجاح هو الهدوء النسبي للحالة الأمنية ، اضعاف المقاومة العراقية ، اقامة تحالفات تصب في النهاية لمصلحة الاحتلال ، لكن خلف هذا المشهد تكمن حقائق صلبة يصعب اخفاؤها طويلا .

اول تلك الحقائق أن الهدوء النسبي للحالة الأمنية واضعاف المقاومة العراقية يتم من خلال استمرار وجود عسكري امريكي واسع كان يفترض ان يتقلص كثيرا خلال العام الأول للاحتلال ، مثل ذلك الوجود العسكري لايمكن للولايات المتحدة الابقاء عليه ، فكلفته الاقتصادية أعلى من ان تطاق ، دون التطرق للنزيف البشري الذي لم يتوقف قط .

الحقيقة الثانية ان الولايات المتحدة لم تقض على المقاومة العراقية ويبدو انها لم تعد قادرة على القضاء عليها ، وبالتالي فان مسألة استعادة المقاومة لقوتها وفعاليتها تبقى مسألة مطروحة وممكنة في أي وقت خاصة حين تضطر الولايات المتحدة لسحب قواتها من العراق .

الحقيقة الثالثة : ان الولايات المتحدة فشلت فشلا ذريعا في ايجاد نظام سياسي مستقر للعراق، والطبقة السياسية التي قدمتها ودعمتها حتى الآن أثبتت فسادها وفشلها في حكم العراق ، بحيث يصعب تصور بقائها بدون الوجود العسكري الأمريكي .

الحقيقة الرابعة : ان الجيش العراقي الذي تم تشكيله على انقاض الدولة العراقية المدمرة أثبت فشله في آخر امتحان له في البصرة ، وبأخذ حالة التشرذم السياسي الحالي وانعدام الاستقرار يمكن القول انه لن يكون قادرا على السيطرة على العراق حال انسحاب القوات الأمريكية .

الحقيقة الرابعة : ان اللعب بالورقة الطائفية تسبب في عزل الفئة الحاكمة وعجزها عن ادارة الدولة ووضع الأساس لاستدامة حالة عدم الاستقرار السياسي .

الحقيقة الخامسة : ان الشعور بالانتماء العربي يزداد قوة على حساب الانتماء الطائفي ، بحيث لم يعد بعيدا توقع التقاء تيارات المقاومة السياسية والعسكرية من الشيعة والسنة على ارضية برنامج وطني واحد .



تظهر الولايات المتحدة بمأزقها العراقي كمن يدوس على لغم أرضي ، فحياته مؤمنة فقط طالما بقيت رجله ضاغطة على ذلك اللغم ، لكن المشكلة الكبرى انه لايستطيع البقاء ضاغطا على اللغم فترة طويلة .



كل الدلائل تشير الى ان موعد رحيل القوات الأمريكية سيكون موعدا لانهيار كل البناء الذي بنته الولايات المتحدة في العراق ، اما الاتفاقات والمعاهدات التي تنوي توقيعها مع الحكومة العراقية ، فقيمتها لن تزيد عن قيمة الحبر الذي سيراق على أوراقها .

لقد فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في العراق ، وعنوان فشلها هو الرغبة العارمة لدى الرأي العام الأمريكي بتغيير السياسة المتبعة تجاه العراق ، وربما كان أحد اهم اسباب تفوق اوباما كمرشح للحزب الديمقراطي على منافسته هيلاري كلينتون يكمن في كونه أكثر وضوحا في موقفه من سحب القوات الأمريكية من العراق .



تخفيف الآثار المترتبة على الفشل الأمريكي في العراق واحتواء نتائجه الاقليمية والدولية ذلك سيكون هدف السياسة الأمريكية للمرحلة المقبلة ، وليس بالأمر السهل واليسير بلوغ ذلك الهدف الذي يبدو كثير التواضع .



ويبقى ان نتوقع محاولات أمريكية مستميتة لاحراز انتصارات حقيقة او دعائية في اماكن اخرى تساهم في ترميم صورة الهيبة الأمريكية المنهارة ، من اجل ذلك يصبح مفهوما ومبررا ذلك الحذر الايراني والسوري في التعامل مع السياسة الأمريكية الجريحة في العراق أقلها ريثما تعتاد النخب السياسية الأمريكية على تقبل الهزيمة والتكيف معها .