ضد الثنائيه في الفلسفه

هاشم الخالدي
2008 / 6 / 4 - 10:25     

الايمان شكل من الإدراك ليس بآلية الوعي الجدليه وانما ادراكا ايحائيا صادقا لكنه غير خاضع للجدل لذلك يبدو انه دون برهان علمي, فهو ليس جزء من المعرفة ويتمايز عنها ولكنه لا يتناقض معها فلسفيا ودينيا,ان ظهورالايمان في لحظة ظهورالمعرفه بسبب تمتع الانسان بميزة القدره على الادراك التي منحته صفة الادراك وعيا ووحيا ,وهي قدرة ناتجة عن تغيير في العوامل الوراثيه المسؤوله عن تكون دماغ الانسان منتصب القامه ومتحرر الذراعين والذي هو سلاله الانسان الحالي .
ان التعبير عن الايمان في المعرفه هوتعبيرزماني ومكاني وهو تعبير يتغير وفق مستوى تطور الوعي ذاته.
فقد عبر الانسان عن الايمان فلسفيا ودينيا وتعرضت النظريه الايمانيه الى الفهم الخاطئ من الفكر المثالي والمادي معا وحاول الفكر الديني اخضاع العلم لفكر الدين وكانت تلك هي معضله واشكاليه كبرى,اما الفلسفه فقد حاولت إثبات وجود الله او نفيه وكانت الحجج الرامية إلى إثبات او نفي - وجود الله – تعتمد على ثنائية الماده الوعي وتلك هي المعظله والاشكاليةالاعظم , وهي تتلخص باختلافاتها بينها في ثلاث محاور كما قدمها عديد من الفلاسفة المثاليين والماديين و هي كما يلي:
1 – محور نهائية او عدم نهائية الكون (عند أفلاطون وأرسطو. واعتقد به لايبنتز) وهو يقرر أن الله موجود باعتباره العلة الأولى لكل الأشياء وكل الظواهر,ويقوم هذا الدليل على أساس الافتراض بأن العالم لا بد أن يكون محدودا في الزمان والمكان وأن علته الأولى علة غير مادية, يقابلها على الطرف المادي مقولة لانهائية الكون فلا علة اولى له , ولكن كلا الاتجاهين لا يمثلان الحقيقه فلانهائية او الكون في الزمان والمكانينبغي ان ينظر اليها كحقيقة نسبيه و سببها الحركه و التغيير الدائم وهي مفهوم يتميز عن مفهوم المطلق فالمطلق يتجاوز اللانهائي خارج المادة او الظاهرة الماديه لذلك هو غير خاضع لقوانين الحركة وجدلها وبالتالي ليس خاضع للادراك وعيا .
2-المحور الاخر هو الدليل الغائي العقليه او الطبيعيه للتغييرات(الذي افترضه سقراط وأفلاطون وطوره بعد ذلك الرواقيون)، ويقرر أن لكل شيء في الطبيعة غرضا لا يمكن تفسيره إلا بافتراض وجود موجود عقلي يتجاوز الطبيعة، ينظم كل الظواهر على نحو منسجم يقابلها على الطرف المادي مقولة العلل الطبيعية للغرضية التي اثبتها دارون , وفي الحقيقه ان العقل خاص بالانسان فقط وله غرضيته وان الطبيعة لا غرض لها وان الغرضيه هي انعكاس لفعالية الوحي التي هي نتاج القوه المطلقه وليس الوعي الذي هو نتاج الواقع المادي وهي لا تفترض الموجود العقلي وانما الموجود الايحائي اما حشر نظرية داروين في التطور وكانها قد فندت هذا الدليل إذ أثبتت العلل الطبيعية للغرضية ,فهو منطق تعسفي,فهي فعلا فندت الغرضيه العقليه ولكنها لم تفند الغرضيه الايحائيه,وان بحوث الدارونيه كان في المتغيرات البايلوجيه بما فيها الانسان ذاته باعتباره يشكل حلقه في تطور الكائنات الحيه بظهوره ونشوء قدرة الادراك لديه الا ان دارون لم يفسر علة نشوءها و التي هي ذاتها تعتبر حلقة فريدة يعجز العلم ان يفسر نشاتها الا في ميدان الغرضية ولكن ليس الغرضيه العقليه وانما الايحائيه,ومع ذلك فنظرية التطورفي الحقيقه لا تتناقض مع حقيقة شكلي الادراك ,أي الادراك وعيا في الواقع كمصدر للوعي والادراك وحيا في القوه المطلقه او الروح كمصدر للوحي وفعاليته في الغرضيه الايحائيه.
3 - ان ثالث هذه المحاور هو التصور الوجودي............................ فالدليل الوجودي (الأنطولوجي) وقدمه القديس أوغسطين الذي كان يؤكد أن كل الناس يتصورون الله على أنه الموجود الكامل, وهذا التصور - في اعتقاده - لا يمكن أن ينشأ ما لم يكن موجود كامل وجودا في الواقع, ومن ثم فالله موجود. وقد اعتنق هذا الدليل في العصور الوسطى ودافع عنه القديس السلم كبير أساقفة كانتربوري. وقد انتقد ضعف هذا الدليل في افتراض أن ما نفكر فيه لا بد أن يكون واقعيا كثير من الفلاسفة الماديين بل وكثير من اللاهوتيين، مثل توما الأكويني ,الا ان تلك المقدمات و الاعتراضات بقيت في ميدان عدم التمييز بين الادراك وحيا والادراك وعيا ,هذا الخلط الذي يمارسه كلا المتحاورين الوجودي(الانطولوجي) نفسه والمادي فالحقيقة ان للادراك وحيا وتميزه عن الادراك وعيا فالادراك وحيا لوجود الله لا يمكن ان يكون الا دليلا وحيانيا وليس معرفيا لذلك لا يمكن اثبات الوجود المطلق او الله معرفيا على ضوء ادراكه وحيا.
لقد قدم الفلاسفة المثاليون والفلاسفه الماديون المختلفون محاور أخرى على وجود الله او نكرانه، وأدلة معرفة ونفسية وأخلاقية. ثم جاء كانط وأكد أن الله موجود يعلو على التجربة (متعال) ولا يُعرف إلا بالفعل ومن ثم فإن وجود الله لا يمكن إثباته. وتحليل الحجج على وجود الله يكشف أنها ترتكز على الإيمان (أنظر الدلالة الكلية) وهذا اكثر انسجاما مع نظريتنا,
مفتاح الخروج من ثنائيه الفلسفه الى مجال ارحب, يضع محور الفلسفه في فهم الوجود ليس من خلال ثنائية الماده - الوعي ايهما الاول في سبق الوجود, وليس من خلال قسمت الفلسفه على هذا الاساس بين الماديه والمثاليه كما انه ليس في قسمته على اساس اخر يعتمد فطرة الوجود هل هو ميتافيزيقي ام جدلي ,فعلى قاعدة هذه المعايير الثنائيه تضيع الحقيقه ,لقد اختطت الفلسفه الماركسيه نظريتها الماديه الجدليه الا ان اخضاعها لهذه الثنائيه , عرضها الى عملية اختزال ادى الى قولبتها كما قولب الفلسفه عموما, وحرمانها كثير من الحيويه والثروه الفكريه ,فرغم نجاح الفلسفه الماركسيه في تحليل حركة الواقع الطبقي الاجتماعي الانساني والاستدلال الى افق تطوره فان نقص متأتي من عملية الاختزال في النظره الفلسفيه الى الوجود كان عنصرا جوهريا عاق تجارب كبيره لمنظومات تهتدي بالفلسفه الماركسيه, بسبب تجاهل او اغفال دور الماده المدركه(دماغ الانسان ) كونها تعكس ليس فعالية واحده من الادراك وهو الوعي وانما تعكس ايضا فعالية اخرى شبيهه بالوعي لكنها لا تخضع لقوانين الوعي الجدليه ,وتلك هي فعالية الادراك بالوحي , انعكاسا ليس للواقع كما في الوعي وانما انعكاسا للقوه المطلقه, ان هذه القدره بفعا ليتيها منحت الانسان ميزه خاصه عظيمة عن جميع الكائنات الحيويه وغير الحيويه رغم اشتراكها جميعا بسمات الماده وبقوانين الجدل فالانسان بفضل تمتعه بتلك القدره خلق في ذاته وعيا وايحاءا ,زادته غائية ففعّلت من ذاته ومنحته دورا خاصا يتسم بالاراده المتجدده ان التنكر للادراك وحيا زج الماركسيين واقحمهم في موقف التقليل من مكانة الادراك وعيا وسمته في الاراده المتجدده, فهو ليس خاضعا رتيبا لقوانين الجدل كبقية اشكال الماده الحيويه والغير الحيويه, ان الانسان فضلا عن تمتعه بالوعي وجدله الخاص فهو يتمتع بالادراك وحيا( بالوحي)الغير جدلي, ولذلك فانه هو نتاج للجدل والميتافيزيقا معا , ان للميتافيزيقا قانون واحد هو قانون لا جدلية القوه المطلقه اوالوجود المطلق خلافا لم ذكره ارسطو وفلاسفة اخرين, ان قانون لا جدلية القوه المطلقه جعل للقوه المطلقه اثرها الايحائي على قدرة الادراك انه وحيا بالفضيله والجمال ,عندها فان وجود الماده قبل الوعي لا يلغي من حقيقة القوه المطلقه , وبالتالي فان مفهوم الوجود المطلق ووحيه يتجاوز قولبة النظره الثنائيه ,كما ان النظره الثنائيه لا تفي لفهم متغيرات الحياة الانسانيه فحتى لو ان الماده تسبق الوعي وهو حاصلا فعلا وان الوعي نفسه هو نتاج ماده وانعكاس لحركتها فهذه حقيقة موضوعيه الا ان لهذا النتاج دورا في صنع الحياة الانسانيه فحياة الناس ليست طافيه بلا اراده فضلا على دور ايحاء موازي له سمته في الايمان بالقوه المطلقه ان نزعة الوعي هي نزعة متجدده ومتطوره دوما عليه نجد الانسان ملتصقا بالرغبه في التجديد ونافرا عن الرتابة والنمطيه الواحده وان تفاوتات وتنوعات الوعي والمعرفه هي جزء اساسي من طبيعة مجتمع الانسان ينبغي ان لا تعيقها وتعيق حركة التجديد فيها صيغة نظام وحدة التوجه او البعد الواحد فالتعدديه سنة الحياة الانسانيه, ومن جانب اخر فان النتاج الاخر لقدرة الانسان الادراكيه هو الوحي وبالتالي الفضيلة والابداع .