ما هي الرأسمالية؟

جون مولينو
2008 / 5 / 27 - 09:54     

"إعرف عدوك"، مثل قديم ومفيد. وعدوة الطبقة العاملة والملايين حول العالم من فلاحين وطلاب ومثقفين هي الرأسماليّة نفسها. ومع ذلك يبقى ضمن الرأي العام والحركة العمالية غالباً، عدم فهم لحقيقة الرأسماليّة وتعريفها الحقيقي.

بالطبع، هذا لأنّ الحكام يريدون ذلك وبالتالي يضمنون الإبقاء على غياب أي تعريف واضح للرأسمالية إن كان من الصحافة البسيطة إلى المؤسسات الأكاديمية والجامعات التي تسعى بدورها إلى إبقاء نوع من الإرباك حول الموضوع. ما يريدونه أيضاً"هو أن يظهروا الرأسماليّة كعمليّة أبدية وأمر ذو طبيعة إنسانيّة لتبدّيد أيّ فكرة للتخلّص منها.

بالتالي يحاولون تعريف الرأسمالية كسمة إنسانية ( أي الطمع) الذي وُجد بأشكال مختلفة وعرف منذ حوالي 5,000 سنة مع ظهور المال أو 10,000 سنة، الملكية الخاصة. حتماً، الناس "العاديون" يتأثرون بهذه الدعاية، ولكن في أية حال هذا لا يبدل أو يخفف الحقد على للرأسمالية وأثرها التدميري المباشر على حياتهم اليومية. ذلك يعني أيضاً أن مقاومتهم إياها مستمرة وتتفجر بشكل عنيف أحياناً. ولكن عدم وضوح التعريف الحقيقي للرأسمالية يضع عقبة أساسية أمام الخلاص منها.

من أهم انجازات كارل ماركس الفكرية هو تحليله الواضح والدقيق لما يعرف بالرأسمالية، معالجاً كيفية ظهورها تاريخياً والحركية الأساسية التي تسيّرها.

أول شيء نفهمه هو أن الرأسمالية ليست موقفاً ولا فكرة. الرأسمالية هي نظام اقتصادي محدد وطريقة لتنظيم الإنتاج، نشأت وتطورت تلقائياً بعد ظهورها في التاريخ الإنساني حديثاً. بدأ هذا النظام بالتطور في أواخر العصور الوسطى في أوروبا كجزء من النظام الإقطاعي السائد آنذاك، وقد كانت الرأسمالية وما تزال عبارة عن نظام لإنتاج السلع (أي بضائع أُنتجت للبيع في السوق). هذا يحول طاقة العمل إلى سلعة معروضة في السوق بحيث تصبح العمالة المأجورة الشكل الأساسي لبيع العمل. يهيمن رأس المال على العلاقات الاقتصادية في النظام الرأسمالي، ورأس المال هو تراكم الثروة التي تُستعمل في تشغيل العمالة المأجورة وكسب قيمة إضافية من خلال تنافسها مع الرساميل الأخرى على الإنتاج والتسويق. علاقة العمل ورأس المال في هذا السياق تصبح العلاقة الاجتماعية المحورية في الرأسمالية.

ولكي تعزز موقعها، كان على الرأسمالية أن تطوّر نفسها، ليس فقط اقتصادياً، فمالكو رأس المال، أي الرأسماليين، والبرجوازيون كان عليهم السيطرة على القوة السياسية وتطويعها. وقد حصل ذلك أولاً في الثورة الهولندية في القرن السادس عشر والثورة الانجليزية في القرن السابع عشر. وبعد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية في بريطانيا، آلت السيطرة على العالم إلى النظام الرأس مالي. واليوم تهيمن الرأسمالية في كل مكان.

تشرح الخصائص الأساسية للرأسمالية لماذا كانت أكثر تقدمية من الإقطاعية وغيرها من الأنظمة السابقة. فأولاً، العمل المأجور كان قد تقدّم بمعايير الحرية الإنسانية والإنتاجية والإمكانية الثورية عن عمل العبيد والسخرة الذي سبقه. ثانياً، المنافسة بين الرأسماليين دفعتهم لتطوير الإنتاج بطريقة ونطاق لا يمكن التفكير به تحت رحمة الإقطاعيين أو أي مجموعة حاكمة سابقة لهم. لكن نفس هذه الخصائص تحمل بذور اللاإنسانية وعدم المساواة والمصائب والحروب والتدمير الهائل الذي جسّد تاريخ الرأسمالية وجعل من هدف الإطاحة بها مسألة أساسية وحيوية.

أدّى تطوير الإنتاج السلعي العام إلى عالم كل شيء فيه معروض للبيع. إن استطاعوا لباعوا الهواء الذي نتنفسه. وإن تَحَوُّل طاقة العمل إلى سلعة يؤدي إلى نفور العمال من عملهم وإنتاجهم. بالتالي يتحول العمل إلى أداء تلقائي ويصبح العمال إضافة ميكانيكية للآلة أو المكتب. العمالة المأجورة من قبل رأس المال هي عملية استغلال تسحن العمّال وتزيد من اللامساواة في المجتمع.

أما المنافسة المتوحشة بين الرساميل فهي تؤدي إلى نشوء أزمات دورية تفلس خلالها مصالح ويهبط الإنتاج وتزداد البطالة والفقر. المنافسة تعني أيضاً أن الأعمال الصغيرة هي دائماً الأضعف، وبالتالي يسهل أن يُستحوذ عليها من الشركات الأكبر، وذلك يؤدي إلى تركز رأس المال والإنتاج في أيدي قلة من الشركات العملاقة. أما المنافسة بين الشركات على الموارد كالنفط وسوق العمالة ووسائل الاستثمارات والتمويل فتؤدي إلى حروب تزداد دمويتها وتدميرها للبيئة بشكل بات يهدد وجود المجتمعات.

تاريخياً، هناك خطآن أساسيان في فهم الرأسمالية يتعلقان بتعريفها نسبة إلى مفهومي أ) الملكية الخاصة وب) حرية السوق. في الحالتين، الخطأ هو مساواة سمة أساسية ومهمة للنظام بجوهره.

الاشتراكيون الديمقراطيون (كالحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني وحزب العمل البريطاني) كانوا يؤمنون أنّه بتكبير الملكية العامة وتخطيط الاقتصاد من الدولة الرأسمالية، يمكن التخلّص من الرأسمالية أو ترويضها تدريجياً. كانوا على خطأ. فالنتيجة لم تكن مزيجاً من الاشتراكية والرأسمالية، بل مزيج من الرأسمالية ورأسمالية الدولة. الستالينيون بدورهم آمنوا أن الدول ذات الملكية العامة والتخطيط الاقتصادي قريبة من الهدف (الصين والاتحاد السوفييتي) وآمنوا أنها دول اشتراكية، رغم أن العمال لم يسيطروا على الإنتاج ولا على الدولة، وبقيت العمالة المأجورة أساس العلاقة الاقتصادية. أما الدولة فكانت تتنافس مع باقي الرأسماليين. كانوا على خطأ، فسيطرة البيروقراطية المحترفة على المجتمع ليست هي الاشتراكية، بل مجرد رأسمالية الدولة البيروقراطية الديكتاتورية.

في الحركة المضادة للعولمة اليوم، يوجد من يعرّف العدو بأنه الليبرالية الجديدة فقط، وليس الرأسمالية.علينا أن نعي أن الليبرالية الجديدة هي عدو طبعاً ولكنها ليست إلا إحدى رؤوس حربة النظام الرأسمالي، وإن قطعها والخلاص منها أمر مرغوب به وضروري، ولكن لن يقطع الرؤوس الأخرى الأقل خطورة.

في النهاية، هناك وسيلة واحدة للقضاء على الرأسمالية والوصول إلى الاشتراكية، وهي أن يسيطر العمّال أنفسهم على الإنتاج، وليفعلوا ذلك عليهم فعل ما عمله البرجوازيون قبلهم... السيطرة على النظام السياسي.

أما روزا لكسمبورج فلقد لخّصت القضية عندما كتبت: "عندما تطرق قيود الرأسمالية، عليها أن تنكسر".

ترجمة: محمد الأمين