لكي لا نحرث البحر ثانية


خليل المياح
2008 / 5 / 24 - 09:06     

اذا كانت مقولة التغير وهي الصراع بين الاضداد لم تزل فاعله ، واذا كنا لم نزل نؤمن بأن " الشقاق ابو الاشياء، وملكها "
فينبغي عدم مهادنة الافكار المدرسية التي تتحدر الينا من الفلسفة ( الايلية ) والتي كانت تزعم ببطلان الحركة وامتناعها بسبب من مقولة الوجود الثابت !
ومع ذلك ينبغي ان لايغربن عن عقلنا ان صاحب التفكير العميق في المعاني الكلية ( هرقليطس) والذي كان ينعى على فيثاغورس اشتغاله بالعلم الجزئي " الذي لايثقف العقل" قد غربت عنه حقيقة الشمس وقال بأنطفائها في الماء!
ومن زاوية اخرى بات كثير من المخلصين ومن الذين اعتنقوا الجدل الماركسي يوما ما ، يشيرون الى ان المنهج العلمي يطرح خطابا ايمانيا ، بفعل تكريسه للواقع بدلا من الكشف عن تناقضاته!
ومن هنا فثمة خشية من ان بعض المعالجات التي تطرحها القوى التقدمية العلمانية تحديداً قد تكبوا على اعتاب الشعارات والعموميات وبالتالي تهرب من الملموس ولاتقوى على تنظيره !
فنحن مثلا ، آثرنا عدم محاججة من يدعو الى المجتمع المعصوم بوصفه المرحلة الاخيرة من حركة التاريخ ضمن التخطيط الرباني له ... تحت غطاء تعددية الاراء!
ومعنى المعنى الذي بتنا نحس بمحارجة توجيه النقد اليه ، هو قبولنا بتعالي النصوص وقداستها بدلا من الاتفاق على أرخنتها اي عدم الاعتراف بمرجعية فوق تاريخية !
وجدير بنا ان نلقي نظرة على تاريخ المعتزلة لنرى الجرأة المعتقدية التي تخللت طرح مسألة خلق القرآن .. الم يكن الخليفة وعامة المسلمين يقولون قبل ذلك بأن القرآن ، كألله ، قديم وأزلي ...
وهذه مقدمة اردت تبيانها قبل تناول محاضرة الاستاذ رضا الظاهر الثرية بمضامينها عن اشكالية العلاقة بين الثقافة والسياسة والتي قدمت في مقر الحزب الشيوعي- ابو نؤاس بتاريخ 29/تشرين الاول/2003
وهيأت اسئلتي المباشرة وامام الاخرين لكن حدثا جللا ألم بعائلة الاستاذ الفاضل مما دعاه الى مغادرة القاعة معتذرا لنا ماألجأني ان اشير اليها هاهنا .
وبداية لابد من ان نذكر ان الذي يفرط في اجتناب الملتبس، حتما سيفوته الحقيقي ...
ان المثقف الذي جاءت محاضرة الاستاذ حول اشكاليتها مع السياسة لم تتطرق الى تشعب الدروب امامه فسماؤه باتت غائمة وماكان يحتكم اليه سابقاً ، براحة بال، اصبح لزاما عليه مراجعته ، دون خوف من تخوين، فماركس اصبح متهما بالتخلف وهيجل بأنه صاحب الديالكتيك الحقيقي الذي لاينضب له معين لانه مفتوح ، في حين ان طرح المجتمع الشيوعي قد اغلق بوابة التاريخ ، وان بعدل اجتماعي، الى الابد !
وقضية الطرح الماركسي لمقولة الانتاج الاسيوي في موضوعة الهند مثلا ، وكون الاستعمار البريطاني قد قوض الة الانتاج البدائية الا انه اوجد طبقة عمالية تملك استبصارا بحقائق الصراع ، وكأننا قد بدأنا نلوك ثانية ارسطو في ( إما وإما ) وننسى ان ( الثالث المرفوع ماكان امرا ميسورا استقراؤه الا حين اطل هيجل علينا بجدله الذي قُلِبَ على يد ماركس لاحقا !
اقول الان اصبح الكثير لايوافق ماركس على ثنائيته تلك ويقابل بين الجدل الطاوي وبينها ، ويطمئن الى الثانية!
وحيث اننا نردد بأن الايديولوجيا هاجس يسكن افكارنا و(البراكسيس) وحدها كفيلة بتبيان زيفها من علميتها ، فبأي مرسوم ينبري لنا التوسير ليثقفنا بأن سلف ماركس الحقيقي ليس هيجل وانما اسبينوزا الرجل الجلولي المتصوف صاحب نظرية وحدة الوجود!
وهل صحيح ان المثقف المؤدلج مؤمن ، كصاحبه اللاهوتي، وبالتالي فالموقف لايتعدى النسبوية في التفكير ليس الا!
ولم يوضح لنا الاستاذ الفاضل كيف يفسر المثقف هنا ان الناس ولانقول الجماهير ... كانوا يصفقون للشاعر السوفييتي ايفتوشنكو عند مروره بهم ولا يأبهون لخروشوف الذي اعطى نكهة خاصة للشيوعية ؟
فهل بات مسموحا للمثقف ان يرى الايديولوجيا كالدين تماما ، تحتاج الى فعل ايمان ؟!
ان رجالا مثقفين مثل محمد اركون وحسن حنفي ونصر حامد ابو زيد أصبحوا يتناولون المقدس والالهى والمتعالي ولايخشون العامة من الناس فما بال المثقف اليساري ، يرى نفسه بحكم ايديولوجيته ، يسبح ضد تيار العلمانية ، وكأنه يداري خبزته كما فعل ابو حنيفه سابقاً مع الخلفاء المتسلطين وأن استعمل الذكاء اللفظي والمواربة اللغوية عندما خاطب ابا جعفر المنصور قائلا له: " اني معك حتى تقوم الساعة!"
والاستاذ الفاضل يعلم ان العراقيين، باتوا يختلفون الان على سمات المثقف فهم لايرون السياسي مثقفا لكنهم يجيزون مرور المثقف ويعتبرونه سياسيا بالبداهة!
واذا كنا نعرف المثقف سابقا بانه هو الملم بقوانين المجتمع وتطوره وشمولية تلك القوانين المعرفية ، وايضا بأن معرفته الحقيقة تبدأ من الوحيد الى العام عبر الخاص . الا تعتبر مثل تلك التعاريف والتحديدات بمثابة مصادرة على المطلوب كما يقول المناطقة!