السياب عبقرية بصرية


خليل المياح
2008 / 5 / 27 - 10:54     

لايماري احد في القول بان السياب والبصرة باتا توأمين ،ما أن تذكر الاول حتى تتداعى مدينة البصرة الى الخاطر ، لا بل يأتي جيكور كنهر خالد وان ذكر جيكور تتداعي مدينة ابي الخصيب امام الذاكرة الشعرية ، وان اسعفك الحظ بان تتمرأى امام البيت الريفي الذي سكته السياب فستعرف ان المخيلة الفنطازية التي تمتع بها هذا الشاعر هي انعكاس يكاد يكون مباشراً لكينونة هذا البيت الكائن وسط غابة من النخيل والمصاقب لنهر تخاله مسكونا بالحوريات والكائنات الخرافية التي ذكرت في الف ليلة وليلة !
واذكر ان رجلا من مجايلي السياب كان يحمل له ضغينة سوداء وحاول ان يدحض اطروحة السياب السوسيولوجية في العهد الملكي حيث كان الجوع مستشريا انذاك بين فلاحي ابي الخصيب ، والذي اتى الشاعر على ذكره ... وفي العراق جوع بين اضلاع قصيدته الرائعة (( المطر )) اتذكر ان هذا الرجل الحسود كان يقرض الشعر وكان مدرسا في ثانوية العشار فقال يماحك في القول: لقد كذب السياب على الله .. اين هو الجوع؟
ليدلني السياب عليه .. امه وامي كان لهما تنور وكنا نأكل منه الخبز الشهي .. فلاجوع ولاهم يحزنون !
اما الحاقد الثاني فهي ادارة الموانئ العراقية ... فبعد وفاة الشاعر ، وقد حمل نعشه اربعة حمالين .. وكان الجو ماطرا والنعش بدا منتعشا لان الجاثم في باطنه قد تغنى كثيرا بالمطر ، وهاهو المطر يؤكد للسياب انه ما أنفك يلازمه حتى ساعة رحيله عن الدنيا ... وظاهرة الموت ليست محزنة كما كان يقول الفلاسفة الرواقيون ، لكن المحزن هو مطالبة الموانئ عائلة الفقيد بأخلاء الدار بعد اربعة ايام من موته ، فيا للوفاء الذي كانت تدخره تلك الدائرة للشاعر ولعائلته من بعده !
ولكن من باب اخر سمعت من صديقه الشاعر الراحل علي الديراوي الذي رافق بدراً ردحا من الزمن ، أبان انخراطهما في العمل السياسي الوطني خلل الاربعينيات ، يقول الراحل الديراوي: كنت والسياب نكتب الشعر ونتحين الفرص لنعبر عن الكوامن السياسية في دواخلنا ، وحصل ان مرت بنا جنازة لانعرفها ، فتوغلنا بين الناس السائرين خلفها وهتفنا سوية : لا اله الا الله الاستعمار عدو الله !