عادل كوركيس ... سنديانة عراقية أخرى ترحل بصمت


صالح ياسر
2008 / 5 / 16 - 07:43     

كنسمة هادئة، كما في حياته، غادرنا الفنان والمسرحي والكاتب والمترجم المبدع (عادل كوركيس).
رحل عادل.. بغير وداع ! " بهدوء " أخلى مكتبه وبيته وودع أمه التي لم يفارقها لحظة، تلك الإنسانة الطيبة التي طالما تعودنا في مواسم الفرح على ضيافتها وشايها الممزوج بمحبتها التي لا توصف.

برحيل عادل انكسرت سنديانة عراقية أصيلة، انكسر واحد من أعمدة المسرح والنقد والترجمة، والمقارع للغلط، والمستنير دوما بالحكمة البابلية القديمة، والقادر على استيلاد الأفكار البكر والمؤهلة لأن تجدد في نمط الإنتاج الإبداعي المسرحي بحيث يغدو أقرب إلى العصر.
ولأن (عادل كوركيس) قد تنكب قلمه ومضى في رحلته الأبدية، يمكنني الحديث عنه متخففاً من حرج صداقة تعود الى سنوات قديمات والتي تضعني في موقع يضعفني أمامه، لأقول إن خسارة المسرح والمشهد الثقافي في بلادنا جسيمة.
" بهدوء " رحل (عادل كوركيس)، وسكت قلمه الذي كان يشع بالمعرفة الثرّة ..... الممزوجة بتواضعه الجم وبساطته كطفل وهو المسكون بطبائع الخجل الممزوج بتواضع جم، رغم انه المعلم في حرفته.
عادل .... أيها الصديق الجميل هذا ليس وقت موت، وليس وقت انكسار قلم، ولا وقت مغادرة خشبة مسرح، ولا وقت وهن قلب.
هذا ليس وقت رحيل، فالمعركة لا تزال في أوجها، وكثيرون متعلقون بجملك ومقارباتك لقضايا المسرح والنقد، والتراجم الراقية الناجمة عن اختيارات ذواقة واحتراف. هل تعبت؟ لم أعهدك تكل أو تمل.... ففي آخر لقاء لنا كنت ممتلئ بالمشاريع والأفكار. أم يئست؟ الوضع ربما يدفع الى القنوط أحيانا، لكن لا يحق لك ذلك وأنت الذي بشرت بالكثير... بشرت لقضايانا الوطن وبسطاء الناس من دون ان يركبك، كما البعض، شيطان الانحياز لبندقية أو طائفة أو دين أو مذهب.
رحل عادل تاركا فينا حبا كبيرا كمعين لا ينضب، و ذكريات حلوة لا تغيب، وفراغا في المهنة لا يعوّض، وصداقة حقيقية لا يلوثها غرض، وغرس رغبة في التعلم وزيادة المعرفة صعب ان تُقاوم. لقد رحل عادل وفي عيوننا منه صورة المبتسم دوما، وحامل الفرح رغم الألم الداخلي، والصديق الوفي والقريب، والملاحِظ الدقيق الرقيق، والهادئ في انفعاله، والحليم في حكمه، والصبور على الأذى وكم تحمل منه.
عندما اتكئ (عادل كوركيس) على الموت، فلا بد أنه اختار بملء إرادته الانتقال الى مكان ما، في رحلة استكشافية جديدة، لا يمكن إلا ان تشبه تلك المغامرات العديدة التي خاضها حتى الآن على المسرح وعلى الحياة أيضا، وترك فيها أثراً لا يمكن نسيانه.
عادل نفتقدك... وهل يعزينا فرح الملائكة بقدومك كما كان أهل الأرض الطيبون يفرحون بك دوما؟
لنودع عادل بوردة ندية مثله، طاهرة الروح مثله، نقية القلب مثله، ففيه من عبق الورد أكثر من تواضع الجمال، ونكران الذات، وحب العطاء والقدرة عليه، وهدوء المتزن، وإبداع الكون. فلن يراه محبيه بعد اليوم، لكنهم سيعيشونه مع كل جلسة، فمنذ الآن دونك ياعادل لن يكتمل نصاب محبيك.
الى عائلة (عادل كوركيس) المتناثرة في أصقاع الدنيا... وقبل ذلك الى أمه الحنونة التي غادرها عادل كنسمة وادعة... والى شقيقه الصديق العزيز وتوأم الروح الدكتور (عامر كوركيس)..... والى شقيقاته الكريمات ....... إليكم جميعا من بغداد التي ما زالت تحمل لكم أجمل الذكريات..... أقدم خالص التعازي بفقدان عادل.... انه مصاب كبير حقا... لكن عادل ترك لنا وللوطن الذي أحبه ولم يغادره رغم كل الضغوطات، ترك للجميع إرثا كبيرا ومحبة صادقة وعطاء ثـرّاً، مما يخفف عنا وعن كل محبيه وأصدقائه وطأة الفراق برحيله..... لكم جميعا الصبر مقرونا بصادق مشاعر التضامن.
وداعا (عادل كوركيس)..... من سيشاركنا قدح الشاي وكعك الوالدة؟ لك طيب الذكر على الدوام !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريق الشعب – ص الأخيرة
الاثنين 12 / 5 / 2008