بأي معنى يمكن الحديث عن تصحيح المسار في الحزب الشيوعي العراقي ؟؟


عواد احمد صالح
2008 / 5 / 15 - 11:38     

واخيرا ظهرت مجموعة في الحزب الشيوعي العراقي اسمت نفسها (( كتلة تصحيح المسار )) وهي بدات تشكل خطا او حزبا مستقلا كما هو واضح .. ان هذا التطور يدلل على ان هنالك خطأ او انحرافا في سياسة الحزب وهو ما كنا نشير اليه دائما وفي عدة مقالات انظر مثلا مقالنا في الحوار المتمدن : ((نقد الخطاب السياسي والأيديولوجي في الحزب الشيوعي العراقي )) ومن جهة اخرى فان هذا الخط والأنحراف يتطلب تصحيحا وهو ماتحاول الكتلة تصحيحة .ولكن الى أي مدى استطاعت الكتلة ومن خلال بياناتها وطروحتها ومواقفها تصحيح الانحراف في الحزب ؟؟ ان مجرد الأعتراف بوجود ذلك الخلل او الانحراف هو تطور ايجابي .. فلقد اكدنا مرارا على وجود انحرافات ذات طبيعة سياسية وايديولوجية من وجهة نظر الصراع الطبقي .. حيث ان تسلل العناصر البرجوازية والانتهازية الى احزاب البروليتاريا ينتج عنه في المحصلة تغيير الخط السياسي والفكري لتلك الأحزاب لصالح سياسات وميول تلك الطبقات الأجتماعية وتأثيراتها .
ان تاريخ الحزب الشيوعي العراقي كان دائما تاريخ الصراعات والأنشقاقات بين خطين الخط الانتهازي والخط الثوري وللأسف كان التيار الأنتهازي واليميني والتحريفي هو الذي يسيطر على الرغم من ان تيار القيادة المركزية قبل 1968 الذي كان تيارا ثوريا كان يشكل الاغلبية وهو مانبه القوى الرجعية والفاشية والأمبريالية الى محاربة هذا التيار وتصفيته . وقد مر الحزب في تاريخه بسلسلة من المنعطفات والتقلبات ولم يستطع ان يلعب دورا حاسما في تاريخ الصراع الطبقي والوطني في العراق بسبب قصور رؤية قياداته لدورها التاريخي في ضرورة الوصول الى السلطة وانجاز التحول المطلوب من جهة وتبعيتها لنصائح القيادة السوفيتية في حينها التي كانت تنظر الى الأمور بمنظار قومي برجوازي منظار الدولة الكبرى . ان الأزمات والتحولات التي مر بها الحزب الشيوعي العراقي كانت دائما بسبب انتهازية قياداته وخطل تقييمها للمرحلة التاريخية واعتبارها مرحلة "ثورة وطنية ديمقراطية " أي مرحلة برجوازية لا نهاية لها .وما يترتب على هذا التصور من عقد تحالفات لا تصب في النهاية في مصلحة الحزب والشيوعية . كان الحزب يعاني باستمرار من "ازمة قيادة ورؤية سياسية طبقية ".
ان مشكلة الحزب الشيوعي العراقي الحالي انه ليس شيوعيا الا بالأسم فقط اما من حيث الجوهر فهو ليس شيوعيا وذلك في جانبين : الجانب الأيديولوجي والجانب السياسي ، ففي الجانب النظري المحض تقر وثائق الحزب وبرامجه بانه حزب " ماركسي " اما في واقع الأمر فأنه بعيد عن الماركسية ، فهو يلتزم بها قولا وينفيها في الممارسة العملية والدليل على ذلك انه لايستخدم المنهج الماركسي في التحليل الطبقي ، لا يستخدم المقولات الحاسمة في ادبياته ، انه ليس حزبا رديكاليا فهو لا يعتبر ولا يستخدم الماركسية بوصفها نقدا ثوريا للمجتمع الرأسمالي وتناقضاته وسيروراته الأقتصادية والأجتماعية ولصراعات القوى الأمبريالية والرجعية . هذا بشكل جزئي ومختصر على اقل تقدير ، اما في الجانب السياسي فهو يشارك في عملية سياسية مرتبكة وطائفية تحت مظلة الأحتلال ويدخل في تحالفات ومساومات مع قوى الأسلام السياسي يخسر فيها اكثر مما يكسب ، يجامل الرجعية وقوى اليمين ويتخذ موقفا انتهازيا من موضوعة الدين والأسلام السياسي ، تحت ذريعة الأبتعاد عن الجمود العقائدي والتزام سياسة واقعية ، ومعنى ذلك عدم القدرة على مواجهة ما هو قائم من معضلات واشكالات افرزتها مرحلة الأحتلال والحرب الطائفية وهيمنة قوى الأسلام السياسي .
ان "كتلة تصحيح المسار" وحسب ماتطرحه لم تتمكن من تغيير الخط السياسي من داخل الحزب ولذلك لجأت الى طريق اخر هو تكوين كتلة سياسية لمعارضة سياسة القيادة الحالية اليمينية ... ان الشيء الملفت للنظر هو ان الكتلة تتبنى تقريبا النقاط الرئيسية التي يطرحها اليسار الراديكالي في العراق وهي : معارضة الأحتلال واعتباره السبب الأساسي لكل المصائب والكوارث التي ألمت بالبلد ، واعتبار قوى الأسلام السياسي بمختلف اشكالها والوانها سواء التي في السلطة او المعارضة هي التي جرت العراق الى اتون حرب مليشيات وارهاب طائفية لم يسبق لها مثيل في تاريخ العراق وبدفع من المحتل ، الدعوة الى تبني دستور مدني علماني ، معارضة قانون النفط والغاز ومعارضة الخصخصة وتدمير القطاع العام ...الخ ثم الدعوة الى قيام دولة مدنية وارساء الديمقراطية وسيادة القانون والمؤسسات ،
ان قيام دولة مدنية ، دولة مؤسسات وقوانين في العراق في المدى المنظور للاسف غير ممكن التحقيق في ظل الأحتلال والفساد والأرهاب الذي تمارسه قوى الأسلام السياسي وقوى الرجعية واليمين ، ولابد ان يدرك الرفاق في " كتلة تصحيح المسار" انه لابد من فصل سياسة ومواقف الطبقة العاملة التي تمثلها قوى اليسار عن سياسة اقطاب البرجوازية القومية والأسلامية ، لابد من وجود اختلاف وتباين واضح وصريح بين اليمين واليسار وان سياسة الخلط الحالية " الوطنية والشعبوية " التي تتبعها قيادة الحزب الحالية هي سياسة انتهازية ومرائية ولن تأتي بأي نتيجة ، فالحزب الشيوعي يلعب اليوم دور العجلة الخامسة في عربة النظام الطائفي –القومي بمباركة واشراف مباشر من قوى الأحتلال .
لابد ان تذهب الكتلة ابعد مما تطرحه الآن ولابد من تغيير اللغة الايديولوجية والخطاب السياسي الشعبوي ومغادرة الشعارات المستهلكة التي اكل عليها الدهر وشرب ولابد من ممارسه نقد جذري لأخطاء وسياسات قيادات الحزب في المراحل السابقة والتضحيات التي قدمها آلاف الشيوعيين والشيوعيات والتي ذهبت هدرا ، بدون مثل هذا النقد الرديكالي لايمكن اعادة بناء حركة شيوعية فاعلة ومؤثرة تستطيع تغيير المعادلة السياسية لصالح الطبقات الكادحة والمظلومة ولصالح قضية تحرر الوطن واستقلاله التام .
لابد من مغادرة مواقع الوسطية نظريا وعمليا واعادة تحديد المواقف ازاء كل الأشكالات القائمة اجتماعيا وسياسيا ، مغادرة الشيخوخة السياسية وتجديد البنى السياسية والفكرية على اساس الماركسية الثورية ، لانه لم تعد الشيوعية حكرا او وصاية من دولة او حزب اونظام معين بعد انهيار المجموعة السوفييتية ، فالخط السياسي والتكتيك الصحيح ، الذي يخضع لمتطلبات الواقع ومصالح الطبقات الكادحة ويكون واضحا لايجامل ولا يحابي هو الذي سيستمر وينجح .

ان ظهور كتلة " تصحيح المسار" وتبنيها لطروحات مغايرة للخط الرسمي للحزب الشيوعي العراقي انما يؤكد صوابية خط اليسار والشيوعية العمالية الداعي الى انهاء الأحتلال فورا واعادة الأرادة المباشرة والحرة والواعية الى الجماهير في اختيار نظام سياسي علماني غير ديني وغير قومي يعتمد هوية المواطنة كقاسم مشترك لكل المكونات العراقية خارج اطار التقسيمات الطائفية والعرقية والأثنية التي اوجدها الاحتلال والاسلام السياسي والحركات القومية .
ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي الذي هو التيار الرديكالي الأبرز في الساحة العراقية ، اعلن مواقفه ازاء مشكلات العراق الحالية بصورة واضحة وشفافة : فصل الدين عن الدولة، ضمان الحريات السياسية غير المقيدة وغير المشروطة، والنضال في سبيل طرد الاحتلال وبناء دولة علمانية غير قومية، والمساواة التامة بين والمرأة الرجل ... ومناهضة مشاريع الاحتلال الأقتصادية والسياسية ومنها الخصخصة وقانون النفط والغاز .
ان مشروع قوى اليسار على اختلافها هو مؤتمر حرية العراق ، هذا المشروع موجود وواقعي ، مؤتمر حرية العراق مشروع سياسي بدون طابع أيديولوجي، مشروع سياسي وجبهة إنسانية متمدنة، يجمع كل اليسار والعلمانيين والتقدميين بغض النظر عن ايديولوجيتهم. اذا كان اليسار العراقي يريد فعلا تصحيح مساره ومسيرته عليه ان ينضم الى هذا المشروع السياسي الجماهيري الثوري.

7-5-2008