الأرض لا تستعاد إلا بالمقاومة

قاسيون
2008 / 5 / 15 - 11:08     


الأرجح أن الحديث الإعلامي الكثير عن السلام الوشيك، لا يمكن أن يندرج إلا في إطار ذلك النوع من التحضيرات الإستراتيجية التي تسبق الحرب...

التباين الشكلي إعلامياً في مواقف حكام الولايات المتحدة وإسرائيل حول سورية، يدفع بعضهم للقول إن خلافات عميقة بدأت تظهر بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا الموضوع..

فالحديث الإسرائيلي عن إمكانية إعادة الجولان إلى سورية، رافقه تصعيد إعلامي وسياسي أمريكي حول مايسمى بالمفاعل النووي السوري الذي قصفه سلاح الجو الإسرائيلي، مما وسع التداول الإعلامي في الغرب ولدى قسم هام من الإعلام العربي لمصطلح «النشاطات النووية غير الشرعية السورية»، وهذا لا يعدو كونه إشارة استباقية لنقل الموضوع إلى مجلس الأمن لاتخاذ عقوبات ضد سورية على غرار الملف النووي العراقي السيئ الصيت.. كما رافقه عودة الحديث عن المحكمة الدولية واستحقاقاتها...

ولكن ذلك لايعدو كونه تقاسماً وظيفياً للمهام بين الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية، ولايخرج عن إطار سيناريو «العصا والجزرة»، وهذا التعقيد في السيناريو الحالي الأمريكي ـ الإسرائيلي، سببه تعثّر المشروع الإمبريالي في المنطقة ودخوله مرحلة الفشل، مع إمكانية تسارع هذه العملية في المستقبل المنظور.. وإذا كان هذا التعثّر يظهر بشكل مباشر وبالدرجة الأولى في المواجهة مع المقاومات في العراق وفلسطين ولبنان، إلا أن التحالف السوري ـ الإيراني هو المستهدف لأن فك عقده سيوفر الشرط الموضوعي الأهم بالنسبة لمخططي الإستراتيجية الأمريكية ـ الإسرائيلية للقضاء على المقاومات التي تقدمت بثبات خلال السنوات القليلة الماضية..

فالحديث عن إعادة الجولان بالنسبة لهم سيفقد سورية أهم المبررات للمواجهة وبالتالي التحالف مع إيران والمقاومات العربية..

من منظور ميزان القوى الإقليمي والدولي، ما الذي يدفع إسرائيل الآن لإعادة الجولان؟ يقول مجرم الحرب الإسرائيلي بيريز «إننا كلنا نريد السلام، لكن السؤال هو عما نتنازل، وعما يتنازل الطرف الآخر»؟

لاشيء عملياً يدفع الكيان الصهيوني لإعادة الجولان، في حال «أعيد»، سوى «سلة من النتائج» التي تطمح «إسرائيل» لضمانها سلفاً:

جولان منزوع السلاح، منقوص السيادة، مغلق الأجواء أمام سورية، على نموذج سيناء المصرية، بحماية رادارات أمريكية-إسرائيلية، مع اقتسام المياه.

الأهم بالنسبة لاستمرار المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة الذي لم تعلن لا واشنطن ولا تل أبيب التراجع عنه، هو قطع سورية عن حواضن تحالفاتها في لبنان والأراضي المحتلة ومع الفصائل الفلسطينية وإيران، ولاسيما في حال اندلعت مواجهة مع إيران في وقت كانت تجري فيه المفاوضات السلمية المفترضة عند مستوى معين، بما يمنع سورية من ممارسة تحالفها مع إيران.

الحماسة التركية الشديدة لوساطتها بشأن السلام، رافقتها إغراءات اقتصادية تمثلت مؤخراً في الملتقى الاقتصادي السوري ـ التركي الذي لا يعدو كونه «جزرة» لتضليل سورية، وبآن واحد إنعاش الفريق الاقتصادي السوري ليحاول استعادة مواقعه التي فقدها مكرهاً خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب تصاعد منسوب الاستياء الشعبي ضد سياساته جراء تفاقم تدهور المستوى المعاشي للجماهير، وبالتالي زيادة حالة الارتباك الداخلي.

إحداث بلبلة في صفوف القيادة السورية في وقت داخلي تستعصي فيه القضايا المعيشية بخصوص تلقف أو عدم تلقف العرض التركي-الإسرائيلي، وينسحب ذلك على رأي الداخل السوري والشارع العربي بخصوص المواقف التي قامت عليها السياسة الخارجية السورية والمنطلقات والأهداف الفكرية والسياسية لحزب البعث منذ تأسيسه، بخصوص التمسك بالقضايا القومية والتحرير.

أي بالمحصلة الإجمالية، إن إسرائيل في حال أرادت حقاً أن «تعيد» الجولان، فإن ذلك افتراضاً بالنسبة إليها يعني «كسب» سورية..!

في المقابل، فإن سورية كانت تصر دائماً على الحل الجماعي ووحدة المسارات، ولكن اللعبة الأمريكية الإسرائيلية جرت مع قصور نظر بقية الأطراف العربية، لفصل المسارات والاستفراد بها، بما يحوّل «تحرير فلسطين بالكامل» إلى مجرد ولاية على ضفة وقطاع منفصلتين جغرافياً وسكانياً واقتصادياً، واليوم أصبح المطلوب هو الاستفراد بمكونات معسكر الممانعة في المنطقة.

ومن الواضح أن سورية التي لا تستطيع من باب «البروتوكول السياسي» رفض مناقشة عرض ما للسلام مباشرة، طالبت بحكم إدراكها لأحابيل السياسة الأمريكية الصهيونية بسلة ضمانات هي: «العلنية، وعبر طرف ثالث، وتجري برعاية أمريكية نزيهة»، وهي الرعاية الغائبة مع هذه الإدارة، بما يعني عملياً تأجيل الموضوع إلى وقت تُظهر فيه أية إدارة أمريكية لاحقة في البيت الأبيض «إرادة ونزاهة من نوع آخر». فلماذا كل هذا الاستباق، وكأن «السلام» مع الكيان الإسرائيلي بات قاب قوسين أو أدنى، في وقت تؤكد فيه كل تجارب شعوب العالم بما فيها الشعوب العربية أن الأرض والحقوق لا تستعاد إلا بالمقاومة، وهو ما يضمن كرامة الوطن والمواطن..

------------
افتتاحية العدد 354 من جريدة قاسيون