الأسير المحرَّر.. المناضل شكيب أبو جبل ل«قاسيون»:كل شيء عدا المقاومة هو مضيعة للوقت..

قاسيون
2008 / 4 / 27 - 03:23     

زرناه في بيته.. استقبلنا واقفاً ببسمة وقورة وترحيب حار، وهو الذي بالكاد يستطيع الوقوف والثبات دون مساعدة.. إنه المناضل العنيد أبو يوسف، شكيب أبو جبل، الذي قاوم الاحتلال الصهيوني بشجاعة غير مستغربة من رجل من جبل الشيخ الأشم، رجل ولا كل الرجال.. اعتقلته قوات الاحتلال بتهمة لم ينكرها وهي مقارعة المحتلين، والاتصال بالوطن الأم، وتسريب معلومات، وحكمت عليه بالسجن 315 سنة، سُجن منها 12 سنة، وخرج من الأسر في عملية تبادل أسرى منهك الجسد.. ولكن أكثر صلابة وإيماناً بقضيته.. استشهد ابنه «عزت» ولم تلِن له قناة.. أقعده المرض ولم يتسرب اليأس إلى نفسه.. ولم يتوسل لأحد أن يكافئه بتقديم العلاج له.. ورغم أنه تجاوز الثمانين إلا أن ذهنه مازال متوقداً.. حاورناه سريعاً لكي لا نتعبه..
• المناضل الكبير شكيب أبو جبل، يحتفل الشعب السوري هذه الأيام بعيد الجلاء.. ماذا تمثل لك هذه المناسبة، وأنت ابن الجولان المحتل، وواحد من أبرز مناضليه وأبطاله؟
عيد الجلاء هو أقدس عيد.. عيد الكرامة والحرية، وعندما يأتي السابع عشر من نيسان نتذكر الشهداء والتضحيات التي قدّمها شعبنا في كل بقعة من أرض الوطن.. في اللاذقية وحمص وجبل العرب والجولان والغوطة.. الناس دفعت من أجل هذا اليوم دماء وتضحيات، ويجب ألا ننسى ذلك على الإطلاق..
• الاحتفال بالجلاء منذ أربعين عاماً يمتزج بغصة، لأن جزءاً غالياً من وطننا مايزال يرزح تحت الاحتلال.. فما الذي علينا فعله لنكمل أفراحنا؟

إذا كانت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب، فإن الجولان هي القضية المركزية بالنسبة لعموم الشعب السوري.. هي قضية عصية على النسيان ولا تغيب عن بال أحد.. هناك تحركات سلمية ونشاطات ومحاضرات وإعلام وصحافة تغطي يومياً موضوع الجولان، ولكن هذا لا يكفي، فإسرائيل غير معنية بالانتقادات التي توجه لها. إن من مجلس الأمن أو من غيره، اللغة الوحيدة التي فهمتها إسرائيل هي لغة حزب الله، وكل ما عدا ذلك هو مضيعة للوقت.. إسرائيل لا تفهم غير لغة المقاومة، ومؤخراً قامت بمناورات من إيلات إلى الحدود اللبنانية والسورية، واستمرت مناوراتها أربعة أيام نتيجة هزيمتها أمام حزب الله... والمناورة فشلت والإسرائيليون لا يحترمون جيشهم.
• عندما نتحدث عن الجولان فإننا نتحدث عن أربعة عقود من الاحتلال.. ورغم ذلك مازال أبناء الجولان صامدين على أرضهم.. وخاضوا نضالات هامة على مستوى المقاومة المسلحة والعمل الميداني والشعبي.. كما تعاونوا مع القيادة في وطنهم الأم.. ما السر في ذلك برأيك؟

نضال أبناء الجولان بدأ بعد 24 ساعة من الاحتلال، بدأت التحركات فردية ومن ثم جماعية، لم يكن ممكناً أن ننساق للاستسلام والخزي بأي شكل لأن لدينا كرامة وعزة وإباء.. أنا قاومت والذي سيأتي بعدي سيقاوم، وهكذا حتى تحرير الجولان.. مقاومتنا واجب وطني، وتاريخي.. وليس هناك بديل عن المقاومة، وابني الشهيد «عزت» الذي استشهد على يد قوات الاحتلال، ليس أغلى من شهداء جنوب لبنان، ولا أغلى من شهداء أهلنا في فلسطين.. الاستشهاد والاعتقال كنا وضعناهما في حسباننا عندما قاومنا العدو.. لا السجون فاجأتنا ولا الاستشهاد.

• من المعروف أن ظروف أبناء الجولان الاجتماعية والاقتصادية سيئة.. ألا يوهن ذلك من عزيمتهم؟

لنكن صريحين، هناك جسور بين كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وبين الأردن.. أما الجولان فمغلق منذ سنة الـ67. في أحسن الأحوال هناك زيارات، وثمة بعض الطلاب يأتون إلى وطنهم للدراسة.. إسرائيل تضع العراقيل دائماً أمام اتصال أبناء الجولان بوطنهم سورية، ولكن نحن مرّ علينا درس صعب، ففي سنة الـ25 حرق الفرنسيون البلد فهاجرنا إلى جبل العرب وفلسطين ولبنان. وهدّموا كل البلد تهديماً كاملاً.. وفي الـ67 قلنا سنموت في أرضنا ولن نخرج منها.. وهذا ما سنحافظ عليه حتى تتحرر أرضنا من رجس الاحتلال..
• كيف تنظر إلى الخارطة السياسية في المنطقة، وللأخطار التي تتهدد وطننا من كل الجهات؟

التهديد ليس لسورية وحدها، بل للشرق كله.. كل ذلك بسبب المؤامرات الأمريكية والصهيونية.. و«الشرق الأوسط الجديد».. انظر لما يحدث في لبنان.. في العراق هناك مليون ومئة ألف شهيد و4 ملايين مهاجر و150 ألف معاق. 10 % من البيوت العراقية تهدمت.

الخطر ليس على سورية فحسب. العراق في خطر، ولبنان في خطر، وقطاع غزة في خطر لأن الجميع يقاومون الاحتلال.

• أمام هذه الأخطار الكبيرة كيف ترى المستقبل في ظل المشاريع التفتيتية الأمريكية؟

لم يدخل اليأس قلبي يوماً.. الذي يفقد الأمل يفقد الحياة.. لاأتحدّث بانفعالية.. الامبراطورية الأمريكية مصيرها الانهيار عاجلاً أم آجلاً، والمستنقع العراقي سيكون أفظع من المستنقع الفيتنامي.. ولن يتحقق مشروع الشرق الأوسط الجديد، والعملاء من الحكام، (العرّاب حسني مبارك، القزم ملك الأردن، البغل ملك السعودية) كل هؤلاء سينتهون في مزبلة التاريخ.

• هل تراهن على الشعب العربي.. وهو الرازح تحت سيطرة الأنظمة الرسمية التي تكبله، وتعيق تحركه؟

لينين قال: من يريد الحرية عليه أن يقاوم حتى يحصل عليها.. نحن العرب لدينا إمكانيات (تركّع) العالم، لكن هذه الإمكانات تذهب لخدمة أعدائنا حتى الآن، ولا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي تنتفض فيه الشعوب على حكامها.. وها هي مصر التي تمر بمجاعة لم تشهد نظيراً لها من أيام المماليك خير دليل على ذلك..

• نحن في سورية أمام هجمة شرسة، ورغم ذلك لدينا فريق اقتصادي يتباين سلوكه مع الموقف السياسي الممانع ويعمل على إفقار الشعب. كيف يمكن الاستعداد لمجابهة العدوان ونحن جائعون؟

الهوية السورية هي أكبر وسام أعلقه على صدري.. وعلي أن أكون على قدرها، ولذلك أؤكد أن السياسة الخارجية السورية لا تعليق عليها، أما الوضع الداخلي فهو سيء جداً، وقد أصبح عندنا ثلاث طبقات: فقيرة جداً، ونصف فقيرة.. ومتخمة، وهذا لا يخدم قضية المقاومة.. ولا يساهم بتحرير الجولان.. يجب إيقاف كل ذلك، ومن الضروري وضع حد وتقليم أظافر المحتكرين والجشعين الذين لا يشبعون.. البعض يضع مليون ليرة على طاولة مفتوحة.. بينما الفقير لا يملك مالاً حتى يتزوج.

• أخيراً.. كيف أحوالك الصحية هذه الأيام؟

منذ ست سنوات وأنا أعاني.. أجريت عمليات كبرى في مختلف أنحاء جسمي..
• أهي من آثار السجن والتعذيب؟

في يوم الأرض سنة 1976 انتفضنا في المعتقل فتعرضت لضرب مبرح.. واشتبكنا مع البوليس، وحين خرجت من المعتقل أجريت عمليتين في الاتحاد السوفييتي وأربع عمليات في سورية.. ومنذ ست سنوات وأنا مقعد، لكن كل كياني مع أهلي، وأتطلع بشوق إلى اليوم الذي سيعود الجولان محرراً من رجس الصهاينة..

وقرأت في المعتقل 1280 كتاباً، وتعلمت الرسم وأنجزت موضوعاً ضخماً عن الصهيونية، وكتبت مذكراتي (مذكرات أسير عربي).. رغم ظروف المعتقل الصعبة والتي لا تحتمل إلا بالإرادة الصلبة والعزيمة والإيمان بعدالة القضية.

أنا مريض لكن لا دواء يشفيني من دائي غير اتفاق العرب، وألا يكذبوا على بعضهم، عندها سأعود إلى الحياة من جديد، وسأشفى من كل عللي وأمراضي.. هذا هو دوائي..


* حاوره : جهاد أسعد محمد