من تاريخ وتحديات الطبقة العاملة العراقية


احمد عبد الستار
2008 / 4 / 9 - 11:01     

على مر تاريخ الطبقه العاملة العراقية منذ نشاتها في العقود الاولى من القرن الماضي حتى اليوم الراهن ، عانت من مشاكل ومعضلات كبيرة اعاقت نموها الاجتماعي كطبقة مميزة في رحم المجتمع المعاصر ، وقائدة لتحول يبشر بوالدة مجتمع خالي من الاستغلال والاضطهاد الطبقي .
فالبدايات الاولى للتاسيس ،للحركة العمالية في العراق كانت بتعارض حاد مع الانظمة الرجعية التي تعاقبت على ادارة العراق منذ مايطلق عليه تعبير الدولة العراقيه الحديثة في عشرينات القرن المنصرم . فالسلطات المتوالية لحكم العراق واجهت العمال والتجمعات العمالية بكل عنت, واضطهدتهم ومارست بحقهم كل اساليب البطش والقمع ، للتظاهرات المطلبية والاعتصامات ، ومنع التجمعات او تاسيس النقابات وحتى التصفية الجسدية .
يشهد اغلب تاريخ الحركة العمالية العراقية فترات كاملة من القمع الدستوري والتصفوي ، ولم تشهد الحركة العمالية مرحلة انتعاش ( نسبيا) الا باعقاب انقلاب بكر صدقي وما جاء في ديباجة المقررات الوزارية لهذه الحكومة ، بضرورة دعم الحركة العمالية والاهتمام بتاسيس النقابات ، في ما ورد في قانون رقم 72 لسنة 1936 . الا ان هذا الاهتمام بالرغم من شحته بحق العمال من تشريعات ونصوص ( للاهتمام والدعم) ، فقد عمل على الغاء جوهره ومحوه من قبل الحكومات التي تلت حكومة انقلاب عام 1936 . وعاد الاضطهاد والقمع الدموي تجاه الحركة العمالية ، ومن الامثلة البارزة للسياسات السلطوية الدموية ضد العمال ، ماتعرض له العمال المطالبين بتحسين اجورهم وشروط عملهم في كاوور باغي في كركوك عام 1946 من تصفية جسدية قاسية على ايدي قوات الامن الحكومية انذاك ادت بحياة العشرات من العمال .
وتاريخيا شهدت الفترة التي اعقبت سقوط الملكية عام 1958، والقوانين التي اصدرتها الجمهورية الجديدة ، توازنا نسبيا لصالح العمال والحركة النقابية . ولاسيما قانون العمل رقم ( 1) لسنة 1958، وقوانين اخرى لهذه الحكومة وفرت حماية للعمال وتنظيم شؤونهم النقابية .
لكن: سجل الهجوم المنظم ضد العمال ، مع الحركة القومية الفاشية منذ 8 شباط عام 1963 والاجراءات القانونية والدستورية لالغاء المكتسبات التي نالها العمال أبان حكومة عبد الكريم قاسم، والسعي الحثيث لاجتثاث كل حركة تقدمية عمالية هادفة لتنظيم العمال ومطالبهم المهنية .
وكانت ذروة العمل الممنهج لتدمير العمال والحركة العمالية جاءت على يد حكم البعث. منذ التصفية الدموية للتظاهرات العمالية المطالبية لعمال الزيوت في بغداد عام 1969 , وماتلتها من احداث ودرما مأساوية . يشهد تاريخ حكم البعث بالقصد الواعي بقمع العمال والتنظيمات العمالية المهنية والسياسية , حيث لم تبق نقابة بمعنى النقابة المهنية واحيانا وعلى نطاق واسع ادت الى التصفية الجسدية لاي عامل او نقابي , لم يتوافق عمله النقابي مع اهداف البعث مرورا بالقرار سيئ الصيت رقم 150 لسنه 1987 القاضي بتحويل العمال في القطاع الصناعي العام الى موظفين ومصادرة حقوقهم وضمانهم الاجتماعي.
وبعد دخول قوات الاحتلال الامريكي للعراق وسقوط النظام البعثي عام 2003, وتعاقب السلطات بالحكم . لم تتغير معاناة العمال, بالرغم من الانفتاح الشكلي , لعقد التجمعات وتاسيس النقابات والاتحادات العمالية , لم نر اهتماما فعليا بالعمال وانشطتهم النقابية , ولم يتخذ لحد الان أي قرار حكومي او شبه حكومي جدي يسمح لحركة عمالية حقيقية بالنشاط واتخاذ دورها ومكانتها في المجتمع , بل نرى العكس . فرضت قوانين من البداية صدرت من السلطات, مثل مجلس الحكم وقوانينه , رقم ( 4 ) ورقم ( 3) لسنة 2004 , والتي جاءت لتقيد الحركة العمالية بقيود اضافية . والابقاء على قوانين البعث وأخصها سوءا على العمال قانون رقم 150 لسنة 1987, وانعكست المحاصصة السياسية الفئوية والطائفية الى فرض نفس تلك المحاصصة داخل صفوف الطبقة العاملة العراقية , وفرضت الوصاية من المليشيات والاحزاب المتنفذة على العمال .
ان تاريخ القمع والتغييب الطويل الذي مورس ضد العمال من قبل السلطات في العراق على مر تاريخها , قد ولد بدوره نقص كبير في الوعي الطبقي وادراكهم بحقيقة كونهم طبقة متميزة ورائدة قادرة على مسك زمام الفعل السياسي والاجتماعي للتحول المنشود في المجتمع الانساني المعاصر . فتاريخ القمع الطويل والتشتت الفئوي ادى بدوره ايضا الى غياب حتى الحس النقابي المهني , الذي يجمع العمال كطبقة موحدة بمواجهة الفئات البرجوازية , بصرف النظر عن المرجعيات القومية والطائفية والفئوية , ونتيجة لافتقار العامل حقيقته الجوهرية هذه ادت الى ضياعه في لجة الصراعات الطائفية والشوفينية التي تظرب باطنابها في البلاد . وصار العمال مادة سهلة التطويع لارادات خارج الطبقة العمالية وخصوصا المرحلة الراهنة .
الا ان المشهد هذا, لم يكن هو الصورة الطاغية لحياة الحركة العمالية العراقية , فان افقا جديدا اخذ يتبلور نتيجة لما لمسه العمال من ان لا امل يرتجى من الحركات والتيارات التي ارادت تسييس نضالها الطبقي لصالح اتجاهات رجعية مدمرة للعمال والمجتمع , فاخذت نهضة تنمو باتجاه ولادة طبقة عمالية واعية وموحدة , بمعزل عن مصالح وارادت الاحزاب والتيارات الاوتو قراطية الرجعية .