الذاتوية تجاهل للشرط الانساني وبحث عن فردوس ضائع


خليل المياح
2008 / 3 / 22 - 01:34     

بدءا قد لانأتي بجديد ان قلنا ان الذاتوية لاتكشف عن النزعات الحاسمة للتطور الانساني سيما وان الواقع ، كما يوصف ، بأنه ماكر ، وبالتالي لاتستطيع اكثر الافكار نباهة ان تعكسه .
وحيث تختلط الدروب التي تحقق الحياة عبرها قوانينها لاتستطيع النظرات الذاتوية ، ورغم تواقنها الاصيل ، ان تأسر حركة العالم التي لاتنظب ، وايضا وبحسب التصور الذي نادى به لوكاش لايستطيع الادب البورجوازي ان يقدم انعكاسا امينا عن الماهية والظاهرة ،مثلا او التعليل الصحيح لقصة هابيل وقابيل فهو يراه ليس اكثر من الصراع المبكر بين العقلين الواعي والباطني (عقدة تروفونيوس) . ولاننسى التأويل الذي قال به فولتير عن مسرحية هاملت :( انها مسرحية متوحشة ، فظة ، بربرية ...... يُظن ان ذلك النتاج هو من ثمرة مخيلة بربري سكير )!
ولقد تصور توما الاكويني الحياة :( لعل الحياة الدنيا نوم بالاضافة الى الاخرة) بحسب كتابه المنقذ من الضلال !
ونشير الى ان التيار اللاهوتي الصوفي اليهودي الذي نشأ منذ القرن الثاني عشر والمكنى بـ ( الكباليون او القبالة ) كرد فعل على التيار العقلي الذي كان يمثله موسى بن ميمون ، فالقبالة فسرت التوراة تفسيرا رمزيا وهي تعترف بالمعنى اللفظي وذلك حسب ماجاء برسالة اسبينوزا في كتابه اللاهوت والسياسة .
ويأتي الحديث عن فوير باخ الذي تتلمذ ماركس عليه ،ردحا من الزمن ، وفشله في ادراك ان الاقتصاد السياسي وليس الدين او الانثروبولوجيا هو ماينبغي اعادة الفلسفة اليه .
وننهي استشهادنا عن النظرات الذاتوية مايقول به الفيلسوف المثالي كانط في القبلية Apriorism بان مفاهيم كالزمان والمكان والسببية انما يبتكرها عقل الانسان بطبيعته دون الاعتماد على التجربة الحسية ، لان مثل هذه المفاهيم لاوجود لها في الواقع الموضوعي. فكانط من جهة يعترف بوضوح تام بـ((موضوعية)) الفكر ( وحدة هوية المفهوم والشئ ) حسبما يرى لينين في دفاتره الفلسفية لكنه يؤكد اننا لانستطيع ان نعرف الاشياء كما هي في ذاتها ولذاتها ، وان الحقيقة ليست في متناول العارف فالشئ في ذاته هو " ماوراء" مطلق! .
أذاً كخلاصة يعتقد كانط ان الفكر هو الذي يملي على الطبيعة فوانينها وهي لاتمتلك صفة الموضوعية ولاتوجد بصورة مستقلة عن وعي الانسان...
ويخامرني الظن ان الانتليجنسيا عموما من تلك الابار قد متحوا رؤيتهم الذاتية ، كذائقة ادبية مع الادعاء بأنهم كذوات مبدعة وخالقة لاعمال تصافح العين غير مطالبين بتأويل الانعطافات التاريخية الكبرى في حياتنا . فثورة تموز مثلا هي انقلاب بأمتياز ضد الشرعية الدستورية .. وهذا التأويل – على سبيل المثال لاالحصر – يصرح به الذاتويون على صعد شتى انعكاسا عن الرؤية الوجودية التي اتى بها الفيلسوف هايد گر حيث يؤكد عبثية المطاولة الانطولوجية امام الابواب المغلقة .
والخطورة في الطرح الذاتوي تكمن في الانتاج الابداعي كالشعر والقصة او الرواية مع جعل الحياة بين قوسين واختزالها الى لحظتي الميلاد والموت!
ويتراءى لي ان تأبيد حالات اجتماعية مع انها ظواهر عابرة كوثوب انظمة قمعية تسلطية فاشية الايديولوجيا ،الى قمة السلطة ، هي مايستدعي الوقفة وطرح الحوار الجدلي بهذا الشأن حتى وان اظطررنا الى العودة الى محاورات الاقدمين كسقراط وافلاطون او ارسطو !
ونلاحظ ان ثمة مغالطة سفسطائية لدى رافعي راية الحداثوية وكونهم يصرون على التفريق بين المثقف والسياسي عن قصد وسوء نية بغية التأكيد على مقولات النسق البنيوي اللغوي وكانه سر الخليقة الاولى : في البدء كان كلمة!
وهذا هايد گر في فينو مينولوجياه كان حاديا للركب ، عندما نوه بأن الحقائق والموضوعية العلمية ساقطة وفاقدة لاي معنى !
وبلغت الحماسة ببعضهم ان انبرى للجميع متحديا : اتحدى من يقول ان الحياة تتجاوز معنى الولادة والموت !!
وقد يسعف البعض ُتشبثه الواهم بأن القيم كلها ماهي الا ادوات تصطنعها ((ارادة القوة)) كما تتمظهر لدى نيتشه!
وقديما تمنى الشاعر تميم بن مقبل :"ماأطيب العيش ، لو أن الفتى حجر
تمضي الحوادث عنه وهو ملموم"
ولقد عالج هايد گر المسائل الفلسفية في كتابه " الوجود والزمان " كاللغة ولاانسان والحقيقة والمادة والسببية والعلم والتقدم بغية ارجاع معانيها الى المعاني السابقة على العلم الحديث وثبت المعاني الوجودية اللاهوتية بديلا لها... لقد هدف الى طمس المعالم الاجتماعية وحركة تغيير العالم ليتيح الفرصة للرؤيا غير المبرهن عليها من عوالم الغيب واللاهوتي لتتسيد الساحة الفكرية.
ولقد وضع لينين كتابه الشهير (المادية والمذهب النقدي التجريبي) غبّ فشل ثورة 1905 في روسيا رد ما للهوة الفكرية التي جاء بها اليائسون والعدميون والمثاليون بوجه خاص باركلي وهيوم وافيناريوس. وجاء موت الله على يد نتشه ويعده موت المؤلف وبقى الفراغ والعدم واللاشئ في انتظارنا على غرار كائنات گودو .
ان التاريخ الذي يغرينا هايد گر بتمثله هو تاريخ الحقيقة الايمانية والذاتية الجوانية والحقيقة الجوهرية هي كشف المحجوب وظهور المختبئ . وثالثة الاثافي التي ينافح عنها هي تصويره الشهير للغة فهو يراها( بيت الوجود) وقدس الاقداس لانها وعاء لكلام الله .
وهكذا تقودنا الرؤيا الذاتوية ليس الى التاريخ الانساني الصاعد وانما الى التقهقر الى الوراء وبحالة من السرنمة !!