حول فلسفة الاصلاح الديني والعلمانيه

هاشم الخالدي
2008 / 3 / 7 - 02:31     

تتنازع بني الانسان ثلاث قوى محصلتها حركة تطور للحضاره الانسانيه فالانسان قبل كل شيئ كائن غريزي ونتيجة لذلك فان النزعه الغريزيه هي اولى القوى المحدده لتلك المحصله, وثانيها انه كائن عاقل لذلك نزوعه الى تجديد المعرفه اما القوه الثالثه فهي قوه روحيه ذات اثر ايحائي ناشئه انعكاسا عن قيم عليا سائده ومهيمنه لمنظومة الوجود المطلق, فالاولى أي الغريزه هي خاصيه سلوكيه مشتركه بين الانسان والكائنات الحيوانيه الاخرى ناتجه من حاجات وظائفها البايلوجيه الضامنه لبقاؤها وتكاثرها وهي صفات متعدده ومختلفه ومتنوعه بقدر انواع الكائنات الحيوانيه القائمه ,أي أنّ الكائنات الحيوانيه ليس مبرمجة مسبقا على التلائم والتكيف مع البيئه ومتغيراتها وانما تتفق برامج حياتها خلال المتغيرات العشوائيه لعواملها الوراثيه بتاثير البيئه والمحيط الخارجي والعوامل الداخليه , فيهلك من الانواع من لا تكون برامجه الناشئه مقاومه ومتكيفه ومتلائمه ويستمرالنوع الاخر, وذلك هو الانتخاب الطبيعي الذي حقق التنوع الهائل عبر الحقب الزمنيه ينعكس على السلوك الطبيعي لكل نوع,وبما ان تلك الصفات تنقل بالجينات الوراثيه إلى أجيال لاحقة فان تلك الاجيال تسلك سلوك اباءها ايضا فلكل سلالة سلوك, ويلعب تطور جهازها العصبي بحكم مهمته الموجهه لتلك الوظائف دورا اساسيا في ذلك , اما في سلالة الانسان العاقل فان مستوى تطور جهازه العصبي منحه قدرة خاصه هي قدرة الادراك وتلك هي مصدر النزعه الاخرى لدى بني الانسان, أي النزعه المعرفيه والاستزاده المعرفيه عبر الممارسه, فما هي قدرة الادراك وما علاقتها بالغريزه في السلاله الانسانيه العاقله..؟,ان قدرة الادراك هي قدره لم يستطيع العلم ان يفسرنشأتها في الانسان فهي تشكل حلقه نوعيه فريده في السلالات البشريه و ميزه خاصه نشات عن تغييرفي التركيبه الوراثيه للخليه المخصبه الاولى التي تكونت منها سلالة الانسان, وانها اي قدرة الادراك خاصه في الانسان العاقل, وليس في أي من السلالات اوالكائنات الحيه ,فالانسان كائن حي يسعى من اجل البقاء والحفاظ على الذات اسوة بالكائنات الحيوانيه الغريزيه الاخرى لكنه وهو المؤهل باعتدال قامته وتحرر ذراعيه اذ يتلقى من مؤثرات البيئه ومحيطه الخارجي من ظواهر و اشياء بواسطة حواسه الخمسه و بقدرة دماغه على استقبال وتمييز وتحميل متخصص في الذاكره وتحليل وتركيب للمؤثرات عبر علاقه جدليه بينها كمعلومات في اجزاء الدماغ تمنحه قدره على التحسب والتخيل للموقف و للفعل اللازم ليعيد استخدامها في الممارسه بمؤهلاته (واستخدامها مع ما يستجد من معلومات) و استمرار نشاطه هذا على مستوى فردي واجتماعي على قاعدة استحضارذلك الرصيد وهكذا في عمليه جدليه مستمره ناميه متسمه بوعي الزمان والمكان والسمات النوعبه والكميه للظواهر والاشياء و تلك القدره هي كتلة من الفعاليات الذاتيه دعوناها بالقدره الادراكيه ,وهي في لحظة تحققها و ظهورها شكلت نزوع فطري ملازم لها الى جانب الوعي لادراك الوجود المطلق وحيا كقوه مهيمنه ما وراء الاشياء والظواهر او الطبيعه, وهو ادراك غيبي وليس حسي لا يتناض مع الوعي, فلقدرة الادراك مظهرين اذن الادراك وحيا والادراك وعيا , وكلاهما له موقف من الوجود المطلق كما لهما موقف من الواقع الملموس,وعلى العموم فان قدرة الادراك وحيا ووعيا حقيقة , فالفنان والاديب في جانب من ابداعه يتلقى الوحي من الواقع في قدرة ادراكه فضلا عن الوعي فليس كل انسان رسام او نحات او شاعر ,فالوحي هنا فعاليه اتصال حقيقيه لا تتناض مع العقل وهي خاصيه مؤثره و مميزه عن الوعي لكنه لا تنبثق من الوعي رغم علاقتها به في جدليته الا انها تعتمد على مستوى متفاوت من الاستجابة في قدرة الادراك للفرد,فالاختلاف بين الناس هنا هو اختلاف بالدرجه, كذلك وحي الغيب او ما وراء الطبيعه او الوجود المطلق فهو متفاوت بتفاوت مستوى استقبال قدرة الادراك ايضا, كما سيلعب الوعي دور اساسي في تعزيزها داخله ان الوحي المدرك لا يتناقض مع الحقيقه ولا يتنافى مع العقل, ان علاقة الوعي مع الواقع او الوجود هي علاقه ماديه جدليه متطوره اما علاقة الوحي فهي غير خاضعه لقوانين الجدل الا انها تتعزز في الوعي الجدلي باشكال مختلفه, فلكل انسان مدرك وحيا ووعيا, الا انها تتفاوت في قدرها ومقداررها وفق عوامل كثيره تكون بارزه في النبوه,فالنبي هو مميز, يتلقى الوحي وربما يراه احيانا, كما انه بشر مثلنا يتعامل بوعي مع الوجود ,وما جاء في القران الكريم هو انعكاس مباشر او غير مباشر لذلك, فهو يشكل التعبير النصي عن تفاعل النبي العربي مع الوحي فالنص يحمل في جوهره معنى لا يتناقض مع الحقيقه ولا يتنافى مع العقل الا ان شكل النص يتحدد بمستوى تطور مراحل المعرفه وقبل الحديث عن هذه المساله الحساسه نعود لمحاولة فهم العلاقه بين الغريزه وقدرة الادراك,أن الغريزة في الإنسان وجدت قبل ظهور خاصية الإدراك لديه, إلا أن علاقتها بقدرة الإدراك في الإنسان بعد ظهورها وحيا او وعيا أعطى لها بعدا جديدا متميزا في الإنسان على أقرانه من الكائنات ألحيوانيه الأخرى, وبما أن ألمنافسه والصراع يشكل مجال واسع في انعكاس النوازع ألغريزيه فان تمتع الإنسان بقدرة الإدراك وعيا وفر له سبلا واسعة للنزعه ألغريزيه ونشوء ظاهرة صراع المصالح وبالتالي التفاوت بين الناس في الحيازة والتملك, كما ان تراكم الانجازات عبر العلاقه الجدليه بين الوعي والواقع عبر الممارسه وفر شروطا اضافيه مكن من تطور نوعي للاصطفاف الطبقي والانتقال عبر مراحل مما يتطلب انبثاق نظم اجتماعيه ومؤسسات متغيره اما علاقة الادراك وحيا مع الغريزه فهي علاقة تحجيم وتحديد وتذليل لها أي تاثير ذات بعدا واحدا وليس كما يؤثر الادراك وعيا فالاخير مؤثر ذات حدين متناقضين سلبي وايجابي ينجم عنه صراعالمصالح ,ان الوحي غير الغريزه,.ان ما يميز الوحي عن الغريزه هو ان الاول فعل خارجي اما الثاني فهو داخلي ناتج عن اختلاف الخصائص البايلوجيه كم اسلفنا,وهناك شكلين من التاثير بفعل الايحاء يتحدث عنها القران الكريم الاول يتعلق بحركة وسلوك بعض الاحياء كالنحل,اما الاخر فيتعلق بالانسان, الا اننا وبقدر تعلق الامر بموضوعنا سنتناول الجانب الخاص بالانسان بادراك الوحي او الادراك وحيا, ان الوحي هو فعل ليس منبثقا من داخل قدرة الادراك الا ان قدرة الادراك هي مستقبل له كما تستقبل ظواهرالواقع , فلولا وجود قدرة الادراك لما وجدت ظاهرة الادراك وعيا او وحيا, وبما ان ذلك الوحي هو نفسه لا يتغير في الزمان والمكان كما هو الواقع فهو غير خاضع لقوانين الجدل و يبقى كقوه سائده في المطلق واشاره في قدرة الادراك , تغذي الذهن او الوعي عن قيم عليا سائده ومهيمنه لمنظومة الوجود المطلق ,فسلطان الوحي كقوه أقوى من سلطان الوعي كونه ثابت ويقيني لذلك فاننا نتحدث عن سمه لا يمكن وعيها الا انها حقيقه, و لا زال الانسان يدين لها, من هذا كله نستنتج ان الادراك وحيا في ذاته ليس ارثا او انجازا اخلفه الانسان في الممارسه من تعامل الوعي و مؤئرات البيئه والمحيط من ظواهر واشياء كما انه ليس في قواه الغريزيه من اجل البقاء و الحفاظ على الذات انما هو خاصيه متشكله ومكونه في القدره الادراكيه منذ لحظة نشوئها والتي هي ميزه ناتجه من اثر مادي محدث بالانسان من دون الكائنات الحيه الاخرى أي في التركيبه الوراثيه للانسان، ان الوجود في ذاته هو القوه المهيمنه وليس الكون ولا هو شيئ او ظاهره ولاهوكتله اوطاقه اوبلازما لانهائيه او سرمديه، وليس عدم ايضا فهو وجود مطلق الا ان التعبير عن الوجود بعد ذلك يتغير وفق مستوى تطورقوى الانسان النفسيه والعقليه لذلك تتغير المفاهيم ،و التدين وتختلف في الزمان والمكان,ان نشوء النفس والعقل وتطورها ورقيها هي نتيجه لتطور الظروف المعيشيه في الانسان الفرد او كمجموع انساني فللمجموع او المجتمع نفس وعقل كلي متشكل من خلال العلاقات المعيشيه الاجتماعيه يختلف عبر مراحل التاريخ ، ان التعبيرعن الوجود هو تعبير نفسي عقلي- معرفي مكاني وزماني....لذا فان ظاهرة الانبياء والرسل هي لتاكيد وتثبيت الوحي و الايمان وتحقبق التوازن المفقود, بقوة وسلطان الوحي ....
من كل ذلك يتضح ان خضوع الانسان للقوى الثلاث تولد فيه تلك النزعات الثلاث وتحدد له محصلة مسار من تفاعل مساراته الثلاث حين تتجسد في صراعات ملموسه , فالصراع الطبقي والصراع بين القديم والجديد والصراع بين قيم عليا سائده ومهيمنه لمنظومة الوجود المطلق او النظام المطلق وبين تجاذبات ناجمه من نزعتي العقل والنفس والغريزه ,فليست هناك نزعه واحده تنفرد او يعول عليها منفرده في اضطراد التقدم على طريق السعادة لبني الانسان, وان الوسط الملائم لتحقيق ذلك هو الموازنه بين المسارات الثلاث, تلك الموازنه التي تتحقق بجهود انسانيه في المستوىاللازم من التطور.لذلك فان الدوله والمجتمع الاكثر ثباتا واستقرارا هما اللذان يتيحان تحقيق الموازنه و سيكونان الاكثر تطورا وتفوقا, ومن اجل ذلك لا بد من اقرار التعدديه فهي تعكس التفاوتات بين الناس في نوازعها, فلايمكن للانسان ان يتخلى عن طبيعة نوازعه .
ان الدين انعكاس للنزعه الروحيه لدى الانسان ولقد لعبت النصوص الدينيه ولا زالت في مجتمعنا دورا كبيرا في تحديد مصيره وتاريخه وما ظهور المعتزله الا احدى المحاولات الكبيره في اعادة فهم النصوص ومواصلة التقدم الحضاري فعلى طريق فهما والتعبير عنها على ارض الواقع يتوقف زخم التطور فهي تشكل العمود الفقري للفكر الديني فكيف ينبغي النظر الى تلك النصوص وكيف تفهم في عصرنا؟.... هذا ما ينبغي ان يكون موضوع اهتمام من قبل الدارسين والمثقفين على مختلف اختصاصاتهم الفكريه.