انتخابات الرئاسة الأمريكية: تشكيل «حزب الحرب» والمواطن كومبارس..!

قاسيون
2008 / 2 / 21 - 11:12     

تتجه لعبة الانتخابات الرئاسية الأمريكية نحو المزيد من التشويق على الطريقة الهوليودية مع وجود عدد قليل من الأمريكيين الذين يدركون تماماً أن لا دخل لهم، أو لأصواتهم بالأحرى، بالتأثير بشكل حقيقي ومباشر بنتائج أهم عملية انتخابية في بلادهم مسؤولة عن إشغال المكتب البيضاوي في البيت الأبيض لمقعد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

نظام اللعبة ثنائية المستوى والمحصورة بين حزبين رئيسيين يحتكران السلطة والنفوذ في تقاسم وظيفي للأدوار والمصالح ضمن سباق تتابع متناغم يقول إن الناخب الأمريكي الذي سبق له وانتخب أعضاء الكونغرس يخول هؤلاء التصويت بدلاً عنه عملياً وذلك من خلال الوعود وتجديد الوعود بتنفيذ البرنامج المعلن في المهرجانات الانتخابية الضخمة ذات التغطية الإعلامية المحبوكة والمدروسة بعناية وبقدرة فائقة على الجذب والتأثير والتي يلعب فيها المواطن العادي دور الكومبارس والمصفق والمتحمس والمردد للأغاني أو الراقص على أنغامها والمستمع لجزيل تلك الوعود تاركاً حفنة من المشرعين ليتولوا عوضاً عنه مهمة تعيين وليس انتخاب رئيس أكبر دولة في العالم تدعي الديمقراطية في مفارقة صارخة وتهاجم عدم نزاهتها في بقية البلدان عادة.

وفي جديد إصدار نسخة 2008 من تلك الانتخابات أعدت اللعبة بتوازنات حساسة تبقي الاحتمالات شبه مفتوحة أمام مفاجأت درامية كبرى ولاسيما بخصوص التركيب اللاحق لبنية مجلسي النواب والشيوخ ضمن منطق التقاسم ذاته، تاركة الناخب الأمريكي حتى وإن كان مشرعاً في حيرة من أمره من النتائج المترتبة على احتمالات تصويته.

وبعد خروج عدد لا باس به من المرشحين المتنافسين ضمن تلك اللعبة باتت الخيارات تنحصر في أسماء ثلاثة هم الجمهوري جون ماكين الذي يبدو أنه سيتمكن قريباً من الإطاحة بمنافسه مايك هاكابي على ورقة ترشيح الحزب الجمهوري، إلى جانب المرشحين الديمقراطيين المتنافسين بشراسة باراك اوباما وهيلاري كلينتون.

المفارقة والحساسية الاحتمالية المفتوحة في هذه الأسماء أن الأول ماكين جمهوري سيشكل من الناحية الشكلية امتداداً للسياسات الجمهورية البوشية المدمرة اقتصادياً والسافرة في توجهاتها الحربية العسكرية والتي أثارت حنق واستياء الأمريكيين، أما الثاني فهو ملون ومن أصول إسلامية ويصعب على العقلية الأمريكية بناءً عليه تقبله كرئيس، مثلما يصعب عليها تقبل وجود امرأة في سدة الرئاسة.

ومن هنا وعلى الرغم من عدم وجود فوارق حقيقية في الجوهر بين الجمهوريين والديمقراطيين فإن العزف على وتر التباينات الشكلية فيما بين الحزبين وسياساتهما سيجعل النتائج تتجه إما نحو إعادة تنصيب الجمهوريين ومكافئتهم على سياساتهم بمعنى الاستمرار بمنطق الحرب السافرة التي يتبناها المحافظون الجدد وإعطاء الديمقراطيين جائزة ترضية بتكبير عدد مقاعدهم في الشيوخ والنواب كما هو الحال الآن لتمرير مصالح التجار والمضاربين وصناع البرمجيات، أو إحداث مفاجأة بإيصال إما أمريكي أفريقي أو امرأة إلى سدة الرئاسة ومنح تلك الجائزة للجمهوريين لخلق حالة التوازن والكبح و«النسبة الضامنة» لتمرير مصالح احتكارات النفط والسلاح.

ودون الضياع في متاهات الأرقام والنسب التي تعلن عن نتائج الانتخابات التمهيدية المتحركة من ولاية لأخرى مظهرة حجم تقدم هذا على هذا أو هذا على هذه يبقى الثابت أن لا فرق بالنسبة إلينا على الأقل بين جمهوري وديمقراطي فالاختلافات إن لم تكن معدومة فهي سطحية فهناك اتفاق بخصوص البقاء في العراق دون تسمية ذلك احتلالاً والفرق الوحيد أن أوباما يريده سريعاً وكلينتون تريده تدريجياً ولكن دون تحديد سقف زمني لذلك علماً بأن الديمقراطيين سبق وحددوا 2015 موعداً للانسحاب النهائي على مبدأ «عيش يا كديش»! أما ماكين فقد تمسك بالبقاء في العراق، وفيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي لا توجد أية فوارق في دعم الحزبين للكيان الإسرائيلي وهم يخطبون ود اللوبي الصهيوني في بلادهم ولا فوارق في تسمية المقاومة بأشكالها إرهاباً وعلى هذا المنوال ليبقى الثابت هو الإشكالية في بنية النظام السياسي التقاسمي الأمريكي المعبر عن تقاسم المصالح الاحتكارية المهيمنة في الداخل الأمريكي والخارج الدولي، وهو النظام المأزوم ذاته اقتصادياً ودولارياً والمهدد بالانهيار وخلق تداعيات ذلك في المراكز الرأسمالية الأخرى والعالم، ولنر ما ستفعل الإدارة الأمريكية المقبلة إزاء ذلك كله بما فيه تركة بوش وفريقه الثقيلة، علماً بأن ما لا يعلن في واشنطن هو تشكيل الحزبين الجمهوري والديمقراطي بين السطور لـ«حزب الحرب» الذي يستميت في تجاوز معالم الأزمة الأمريكية ومظاهرها التي يؤكد المحللون الأمريكيون والأوربيون من أنصار نهج الليبرالية الاقتصادية ذاتها أن تلك الأزمة باتت بحدة «الكساد العظيم» في ثلاثينات القرن الماضي.
■ عبادة بوظو