ملاحظات حول مقالة السيد قوجمان بشأن الوضع الطبقي في الاردن


وليد حكمت
2008 / 2 / 17 - 09:21     

في البداية اتقدم بالشكر الى الاستاذ حسقيل لاثارته موضوعا عالج فيه الوضع الطبقي في الاردن وهو الموضوع الذي يؤثر الابتعاد عن الخوض فيه الذين يدعون نصرة الطبقة العاملة واتباع النهج الماركسي في الأردن وجميع من يدعون بأنهم معارضة سياسية والذين يفضلون الانشغال في القضايا الخارجية كشتم الامبريالية واسرائيل دون ان يتطرقوا الى مناقشة حقائق الاستغلال وطبيعته وماهية الفئات المستغلة في الأردن بشكل واضح وصريح وعلمي وهم مشغولون ايضا بتأييد الاحتلال الامريكي في العراق وتأجير قصورهم للسفارة الاميريكية في عمان ومشغولون بمتابعة وادارة امتيازاتهم البيروقراطية والاقتصادية التي منحتهم اياها الحكومة الاردنية كي يكفوا عن هذاءاتهم ولذا فإن من يدعي بأن هناك معارضة سياسية في الأردن كشكل الأحزاب الحالية فهو مخطئ ومجانب للصواب فما هي الا شكليات وتمثيل وزيف سياسي وانتهازية يقصد بها التنفيس عن صدور عامة الناس وترميم مشروع الديمقراطية المتآكل وتضليل الرأي العام العالمي عن حقيقة الاوضاع واعود مرة اخرى الى صلب الموضوع ومع انني قد لا امتلك معلومات دقيقة عن حجم الطبقة العاملة الاردنية والعمال الاجانب فيها وطبيعة الانتاج وعلاقاته والفئات المسيطرة ولكنني ساحاول ايضاح بعض المعلومات التي استطعت تكوينها شخصيا بصفتي مواطن اردني والتي ربما تشكل حافزا لانصار الطبقة العاملة في الاردن لكي يناقشوا هذا الموضوع بحذافيره ويقفوا على قضاياه.
قبل تأسيس الدولة الاردنية عام 1921 كان الاردن يخضع لبعض انماط الانتاج منها الاقتصاد الرعوي والذي كانت تمارسه القبائل البدوية الاردنية حيث كانت تعتمد على تربية الابل والماشية وما يفيض عن حاجاتها تقوم ببيعه الى التجمعات الحضرية في المدن الاردنية الصغيرة الا ان المورد الرئيس والاساسي لتلك القبائل كان يتمثل بغزو القبائل الاخرى خارج وداخل الاردن وسلبها ابلها ومواشيها وحيازتها هذا من جهة ومن جهة اخرى كانت بعض القبائل تسلب الفلاحين حصة من انتاجهم الزراعي والحيواني مقابل الادعاء بحمايتهم وهذان النمطان ( الغزو والاتاوة) قد توقفتا كلية بعد ان قام كلوب باشا ابوحنيك مشكورا _ بعد قدومه من العراق الى الاردن_ بمنع الغزو بين القبائل واصدار تشريعات تعزز ذلك المنع ومن ثم باشر بتوطين البدو واستقطابهم وادماجهم في المؤسسة العسكرية الاردنية فاصبح البدو ليسوا بدوا بالعرف الاصطلاحي بل سكانا مستقرين يعتمدون على رعي الماشية بالدرجة الاولى ومن ثم على الوظيفة العسكرية بالدرجة الثانية الا ان بعض القبائل اتجهت الى الزراعة نسبيا كقبيلة بني صخر المستقرة في البادية الوسطى ولا بد ان نضيف بأن ملكية الاراضي كانت مشاعية عند البدو وعائلية عن الفلاحين والحضر.

النمط الثاني من الانتاج هو الانتاج الزراعي وللعلم فإن الفلاحين في الاردن لا يمكن ان نطلق عليهم لقب فلاحين بالمعنى العلمي للكلمة فهم يختلفون تمام الاختلاف عن الفلاحين في العراق و في مصرالذين يتميزون بارتباطهم بالتقاليد الفلاحية العريقة والقديمة فالفلاحون الاردنيون هم اقرب الى انصاف الفلاحين ان صح التعبير وهذا الاختلاف يبدو من زاوية ان اولئك الفلاحين كانوا يترددون ما بين البداوة والفلاحة لكون الكثير منهم كانوا بدوا في الاصل كما انهم كانوا يشكلون اتحادات وقرى فلاحية لا تخضع لما يسمى بالاقطاعية بالمعنى العلمي لهذا المصطلح فهم يزرعون ويبيعون انتاجهم الفائض للمدن والتجمعات السكانية اضافة الى انهم يربون الماشية ويقاربون البدو في كثير من سلوكياتهم وصفاتهم بل ان كثيرا منهم يمارسون الزراعة والرعي ويربون الابل ايضا ولا يخضعون لسلطة البدو الا ان ثمة علاقات انتاج كانت تقوم بين البدوي والفلاح مثل التي ذكرنا سابقا وهي الاتاوة وهي ان يأخذ شيخ القبيلة البدوية حصة من انتاج تلك الاتحادات الفلاحية في بعض المناطق من الاردن ومن جهة اخرى كانت تقوم علاقة انتاج بين انصاف الفلاحين وبين البدو فمثلا يقدم البدوي الارض للفلاح ليزرعها ويتقاسمان الانتاج بعد الحصاد بطريقة معينة ويسمى هذا الفلاح بالمرابعي وهذه العلاقة كانت موجودة بين اهالي مدينتي - معان -في جنوب الاردن وبين البدو المحيطين بها واهالي معان كانوا يمارسون التجارة الخارجية من جهة وكانوا يمارسون الزراعة الفردية لتحقيق الاكتفاء الاسري وبيع الفائض على موكب الحج الشامي ومن جهة اخرى وفي اوقات البذار كان الكثير منهم يستأجرون الاراضي من البدو ويزرعونها بالقمح والحبوب مقابل حصة من الناتج بعد الحصاد كما اننا لا ننسى بأن الضرائب كانت تؤدى الى الدولة العثمانية وهذه الضرائب كانت تشمل جميع الحضر والفلاحين والبدو في الاردن ومنهم قبيلة بني صخر وغيرها من القبائل التي كانت تؤدي الضرائب الى الدولة العثمانية واضافة اخرى الى ان القبائل الاردنية كانت تتقاضى مبلغا سنويا من الدولة العثمانية مقابل حماية الحجيج اثناء مرورهم بالصحراء الاردنية وهذا المبلغ يسمى الصرة السنوية ايضا كانت بعض القبائل تؤجر جمالها لاحمال الحجيج ومنها بني صخر اضافة الى نقل البضائع التجارية من والى فلسطين يعني بعبارة اخرى أنه لم تكن هناك طبقة اقطاعية حقيقية بالمعنى العلمي الا في اجزاء متفرقة في الاردن وفي مواقع محددة .
واذا ما عدنا الى الاردن تاريخيا فإنه كان يخضع للسيطرة البريطانية المباشرة الى حد الخمسينيات ولذلك اسست بريطانيا نظاما بيروقراطيا مركزيا يعتمد على المعونات الخارجية وجباية الضرائب من السكان ومنع اي نشاطات تنموية من شأنها ان تسهم في تطوير البلاد الا ان تخلصت الاردن من السيطرة البريطانية في اواسط الخمسينيات لكن هذا لا يعني ان تطورا انتاجيا صناعيا او تنمويا زراعيا قد حصل بعد خروج الاستعمار بل بقيت السمات البدوية والفلاحية هي السمة الاساسية للسكان ونشاطاتهم اذ ان الاكتفاء الذاتي من الانتاج الفردي هو السائد آنذاك يسانده الوظيفة العسكرية والمدنية التي كانت في بدايات عهدها حكرا على الوافدين من التجار الشوام وغيرهم غير ان ابناء الفلاحين انخرطوا في الاحزاب السياسية والوظائف المدنية فكانوا هم الطليعة للاحزاب الاردنية سابقا وخصوصا احزاب اليسار والقومية اكثر من البدو الذين بقوا على نمط انتاجهم السابق اضافة الى تركزهم في المؤسسة العسكرية الاردنية ومع مرور الاردن بازمات سياسية عاصفة في اواخر الخمسينيات والتي كادت ان تطيح بالنظام الملكي الحاكم نذكر على سبيل المثال انفصال الاردن عن الاتحاد الهاشمي وانتشار المد الشيوعي والقومي وحركة الضباط الاحرار في الجيش الاردني وقيام الاتحاد بين مصر وسوريا والحرب في فلسطين وحلف بغداد وغيرها وهذه الظروف ادت الى ان يعيش النظام السياسي الاردني في عزلة اقليمية عربية على الرغم من الدعم المستمر له من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا مما حدا به الى ان يعيد النظر في سياساته الداخلية انتقلت بعدها الاردن الى مرحلة جديدة هي مرحلة تأسيس القطاع العام وكان ذلك ضمن تسوية سياسية بين العشائر الاردنية الفلاحية والبدوية من جهة وبين النظام السياسي الاردني اذ تم تأسيس القطاع العام وتوفير التعليم المجاني والخدمات الطبية المجانية اضافة الى توفير الوظائف لابناء الفلاحين والبدو وادماجهم في القطاع العام مع توفير الدعم للقطاع الزراعي من خلال دعم النشاطات الزراعية في الريف ومن العوامل التي اسهمت في توسيع القطاع العام الخدمي هو الدعم المالي والسياسي من قبل دول الخليج العربي والعراق في فترة السبعينيات والثمانينيات ولذا فإن رأسمالية الدولة هو النمط الذي كان سائدا في الاردن الى حد التسعينيات من القرن الماضي عندما بدأت عملية التحول من القطاع العام الى الخصخصة عن طريق تفكيك القطاع العام وادواته لصالح الرأسمال الاجنبي ومصالحه ولكن سمة القطاع العام كانت ولا زالت خدمية فهو قطاع خدمات ووظائف بالدرجة الاولى وليس قطاع انتاجي صناعي او زراعي ونذكر بأن الطبقة البيروقراطية الاردنية هي التي تكسب المنافع والمزايا من هذا القطاع وهي من يقطف الثمار اما من خلال التغول على المال العام او من خلال الاجور الوظيفية المرتفعة لساعات العمل اومن خلال الامتيازات والعطايا والهبات فهي تجسيد حقيقي للاستغلال الاقتصادي .....

اذا ما نظرنا الى طبيعة الانتاج في الاردن فاننا نرى ان الاسلوب الرأسمالي هو السائد في الاردن لكنه بالطبع ليس معمما وناضجا بالدرجة المطلوبة بل هو مشتت وموزع لكنه في طور النمو فهناك حوالي نصف مليون من العمال الاجانب يعملون في المصانع والقطاع الزراعي والانشاءات وقطاع الخدمات هذا من جهة ومن جهة اخرى يوجد عمال اردنيون ولكن نسبتهم قليلة بالنسبة للعمال الاجانب والكل يعلم بأن العمال الاجانب اما قطاع المهندسين التقنيين والمدنيين فيقارب ربع مليون مهندس وللعلم فإن الطبقات المتوسطة هي ذات كثافة اكبر من غيرها وهي الآن تنحدر لتصبح طبقات فقيرة ونصف عاملة في ظل الظروف الحالية .
بعد عام 1996 خضعت الاردن اقتصاديا لما يسمى نظام الخصخصة وامتثالا لسياسات صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات المالية الامبريالية وتبنى هذه النقلة النوعية من القطاع العام الى القطاع الخاص ما يسمى بالليبراليين الجدد في الاردن وهم فئة الكمبرادور المرتبطة سياسيا واقتصاديا بالامبريالية العالمية فشرعت تلك الفئات البرجوازية الكمبرادورية بتفكيك القطاع العام الاردني ومن ثم بيعه للرأسماليين الاجانب باثمان بخسة الا ان اتت على جميع مؤسسات الدولة التي بناها واسسها الاردنيون- بعرقهم وشقائهم عبر عقود طويلة - باستثناء قطاعي الصحة والتعليم اللذين هما الآن بصدد التحول نحو الخصخصة ليكون الاقتصاد الاردني كلية تحت علاقات الانتاج الرأسمالية وتحت سيطرة القطاع الخاص الاجنبي والمحلي ولكن اذا ما تساءلنا هل هناك انتاج رأسمالي يعتمد على الطبقة العاملة الاردنية كقطب وعلى الراسمالية الاردنية كقطب آخر سنجد الجواب بالطبع : لا , فالاردنيون في مرحلة الخمسينيات والستينيات وبعد ان اتجهت الدولة لبناء القطاع العام على غرار طريقة عبدالناصر وبتلقي الدعم المالي والسياسي من العراق ودول الخليج العربي تم استيعاب الاردنيين بدوا وفلاحين في القطاعات الخدمية والمكاتب والوظائف ليشكلوا بذلك طبقة بيروقراطية غير منتجة ظهر عوارها وعبؤها على الاقتصاد الاردني بعد ان توقف الدعم المالي والسياسي الخليجي والعراقي للاردن ومع انفجار ازمة المديونية عام 1988م والتخبط الاقتصادي والفساد المالي والاداري المتفشي في القطاع العام في اواخر الثمانينيات اصبحت الاردن تعيش ازمات اقتصادية متعاقبة عالجتها بالحلول الترقيعية والاصرار على استجداء المعونات الدولية المرتبطة بشروط قاسية كما ان الصناعة الاردنية هي صناعة اللمسات الاخيرة كما يسمونها وهي تقوم باستيراد المواد شبه المصنعة وتركيبها في الاردن او الصناعات التحويلية او انتاج المواد الخام وبيعها باثمان زهيدة فليس هناك صناعة وطنية متطورة ولكن تلك الصناعات الخفيفة تعتمد على رخص الايدي العاملة الاردنية والاجنبية المتواجدة في الاردن.
ان البرجوازية الاردنية لم تتطور طبيعيا كما يعلم الجميع بل خرجت من رحم القطاع العام بعد ان كدست ثرواتها اما من خلال استغلال الوظيفة ونهب المال العام او من خلال طبيعة الطبقة البيروقراطية التي تمنح نفسها اجورا باهضة بالنسبة لساعات العمل مما يساعدها في تجميع الثروات ثم الدخول الى ميدان الاستثمار او تملك العقارات اما بالنسبة للبرجوازية الفلسطينية المهاجرة بعد 1967 وهي التي تمتلك الخبرة والمال والسياسة فهي التي سيطرت على القطاع المصرفي والتجاري والعقاري وقطاع المقاولات والانشاءات والصناعات الحرفية والمهنية في الاردن الا ان تدخل الدولة الدائم واحتكارها للاقتصاد كان يعيق تطور وانتفاخ هذه البرجوازية الى حد عام 1996 الذي بوشرت فيه تشريعات الخصخصة التي ساعدتها مرة اخرى على الانطلاق والسيطرة بدرجات تفوق البرجوازية الاردنية ونستطيع القول بأن السمة الاساسية للبرجوازية الاردنية والفلسطينية هي الكمبرادورية وامتيازات الوكالات التجارية وليس الانتاج الصناعي والزراعي الذي يخلق الثروة وبذلك تكون الفئات الكمبرادورية البرجوازية الفلسطينية والاردنية في الاردن هي من يحكم السيطرة الآن على مفاصل الامور الاقتصادية والسياسية أما البيروقراطية الاردنية الآفلة فما عاد لها دور اساسي وفاعل في ادارة الامور كما في السابق ونود ان نشير الى ان ان اموال التحويلات المالية القادمة من الخارج وهي توازي الثلاثة مليارات سنويا تسهم في رفد الاقتصاد الاردني الريعي اذا ما اضفنا نصف المليار تلك المساعدة السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة من الاردن كما تقوم الاردن ببيع المواد الخام باسعار رخيصة تقل عن قيمتها الفعلية كثيرا فهناك الفوسفات والبوتاس وغيرها وهذه القطاعات كانت رابحة في السابق وبالامكان استغلالها وتطويرها الا انه تمت خصخصتها هي وجميع القطاعات الرابحة كالاتصالات وغيرها

ومن الملاحظ ان طبيعة النظام الاقتصادي الاردني في مرحلة انتقالية الآن من مرحلة رأسمالية الدولة الى مرحلة الخصخصة او جعل القطاع الخاص هو الآمر والناهي بغض النظر عن هوية هذا القطاع ومدى ارتباطه تبعيا بالامبريالية العالمية وموقع الاردنيين من عملية الانتاج اذ ان غالبية الاردنيين الآن يعيشون ظروفا مأساوية فارتفاع نسبة الفقر والبطالة في صفوفهم واضطرار المرأة الاردنية الى العمل في المدن الصناعية التي يملكها مستثمرون اجانب لا تكاد تسد الرمق.

ان طبيعة النظام السياسي والاحزاب السياسية في الاردن ربما تختلف عن باقي الدول العربية اذ ان هناك خصوصية يمتاز بها الاردن الا وهي تواجد الفلسطينيين بكثافة والذين تقارب نسبتهم السكانية 50% من سكان الاردن والفلسطينيون في الاردن وعلى الرغم من حصول غالبيتهم على الجنسية الاردنية الا انهم يشكلون كتلة سكانية غير مستقرة سياسيا واجتماعيا نظرا لكونهم لاجئين فهم يمارسون العمل السياسي ضمن اطر متفق عليها تحددها الدولة الاردنية والنظام السياسي الاردني الا ان طبقة البرجوازية الفلسطينية وخصوصا التي استقرت بعد حرب 1967 على الرغم من عدم استقرارها سياسيا وعدم نيل حقوقها السياسية كاملة الا انها تمتلك الحرية الاقتصادية كاملة بل وتسيطر على مجمل الاقتصاد الاردني التجاري والمالي والعقاري وتخطط لسياساته المستقبلية بحكم ارتباطها بالامبريالية العالمية والسبب يعود الى انها ذات خبرة اقتصادية وسياسية وتراكم رأسمالي اولي اكثر من الفئات الاردنية التي اتجهت منذ تأسيس الاردن الى قطاع الخدمات العامة والوظيفة وربما العقار ايضا ولذلك ليس من المستغرب ان نجد تماهي الاحزاب السياسية الاردنية مع السلطة كجماعة الاخوان المسلمين التي كانت تشكل الداعم الرئيسي للنظام السياسي الاردني منذ الخمسينات ضد كل جميع التوجهات التقدمية ولعل برنامجها السياسي الاجتماعي يؤشر الى تلك الحقائق فنشاطاتها وبرامجها مقصورة فقط على الاهتمام بالقضايا الخارجية فقط كشتم امريكا واسرائيل مع التركيز الكلي على قضية فلسطين ومناصرة حماس سياسيا وماليا دون ان تلتفت الى تناقضات المجتمع الاردني الداخلية وازماته واحتياجاته ومشاكله والسبب يعود الى انها جماعة سياسية تمثل الكتلة الفلسطينية – ذات الطبقة الوسطى- في الاردن وتعمل جاهدة لتحقيق مصالحها وهي تحقق بالفعل امتيازات اقتصادية من خلال الابتزاز السياسي او من خلال المواقف السياسية الداعمة للنظام منذ زمن بعيد يعني بعبارة اخرى هناك تبادل منافع بين الطرفين وهي تستثمر حاليا حوالي مليار ديناراردني في مشاريعها وجمعياتها الخيرية لتجعلها حكرا على اعضاء تنظيمها وهي من جهة اخرى تؤيد عقيدة الخصخصة والسياسات الليبرالية الجديدة عموما لكونها تصب في مصالحها الرأسمالية التي ستحقق لها امتيازات وانطلاقة اقتصادية قوية وهي بذلك لا يمكن ان تمثل او تعبرحقيقة عن تطلعات الكتلة الاردنية لا سياسيا ولا اجتماعيا واذا ما طالعتنا الاحزاب اليسارية والتي لا تتجاوز اعدادهم العشرات وهي في غالبيتها من الفلسطينيين ايضا نجد نفس الوضع اذ ان تخاذل وتشرذم تلك الاحزاب يعود الى ان تلك الاحزاب لا تمتلك شرعية النضال في الاردن لكونها غير مستقرة سياسيا واجتماعيا وخصوصا بعد احداث 1970 م وربما كان انشغالها بقضيتها الاساسية وهي فلسطين- وهذا ليس عيبا بالطبع- فانها بالتالي لا تستطيع ان تظهر هذا الموقف امام الجماهير بل تستمر في الحصول على الامتيازات الوظيفية والبيروقراطية والاقتصادية من كراسي ووزارات ونقابات مقابل هذا الموقف اضافة الى ان تلك الاحزاب ليست جماهيرية بل هي معزولة تماما عن الشعب وهمومه ونستثني من ذلك الحالة اليسار الاردني في الخمسينيات الذي كان يتمتع بنظرة اممية وحس ثوري قل نظيره ونستطيع القول بأنه لا يوجد اتجاه سياسي اردني معارض يعبر عن الكتلة السكانية الاردنية اجتماعيا وسياسيا وواقعا باستثناء بعض الاجتهادات الشخصية المبعثرة هنا وهناك والتي لم تنتظم الى الآن في سياق حركة وطنية اردنية متبلورة بالشكل المطلوب وغير واعية سياسيا بطبيعة المرحلة التاريخية التي يمر بها الاردن وعند نقدنا للمعارضة الاردنية لا يعني اننا نسيء اليها فهي من ناحية قد تكون مخلصة لقضايا الشعب الفلسطيني او غير ذلك لكنها لن تكون قادرة على التعبير عن هموم الاردنيين وطموحاتهم سواء اكان ذلك بارادتها او رغما عنها للاسباب التي ذكرنا سابقا وبعبارة اخرى ان احزاب المعارضة كافة لا تستطيع تبني خطابا سياسيا مستقلا وناضجا ويحقق مطالب الاردنيين بشكل عام لاسباب تعود الى طبيعة تركيبتها البنيوية مع احترامنا لتجارب بعض الأحزاب النضالية والتاريخية .

وعليه فاننا نرى الآن بان مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية كالبرلمان الاردني الحالي حسمت غالبيته لصالح اصحاب المال والنفوذ او ما يدعون بأنهم ليبراليون جدد كما ان الحكومة تمثل هذا التيار علانية وتدعو له ويتضح لنا من خلال اطلاعنا على اصحاب القرار الاقتصادي والسياسي في الاردن بانهم من الفئات الليبرالية الجديدة وهي ذاتها الكمبرادورية التابعة وايضا اذا ما نظرنا الى التشريعات الاقتصادية والقوانين عموما فاننا نجد بانها تشريعات رأسمالية بحته وضعت لخدمة الرأسمال الاجنبي والمحلي التابع بالدرجة الاولى وتمهد لسيطرته بكافة السبل ومن هذا المنطلق يتبين لنا بان الطبقة المسيطرة في الاردن هي البرجوازية الكمبرادورية المتلبسة بثوب الليبرالية .