التحرير الامريكي للعراق ..تحرير للذات العراقية .... ..(3) الطائفية


ثائر سالم
2008 / 2 / 6 - 11:10     

تحريرا للتعصب والتخلف ..لا للطائفة
بين خطاب المحرر الامريكي والقوى التي تحالفت معه بعد التحرير ، او " تقاطعت " اجندتها معه، كما تحب ان تقول ذاتها، ..وبين تجليات هذا الخطاب اليوم ،.. هناك سياسات وآليات عمل ، بدء من قمة الهرم ، السلطة والدولة ، ..نزولا حتى ميليشيات الاحياء السكنية والمناطق....مرورا بمشاريع سياسية، اختلف بعضها في الوجهة والمضمون . الا ان السائد فيها ظل، " الانتصارا للتعصب " ، من اجل السلطة والثروة، والكسب الانتهازي.
فباسم الطائفة ، ولاجل القومية، واحيانا باسم تصحيح المظلومية، كانت هناك مظلومية ، واحيانا ثار وانتقاما. وفي هذه النقطة بالذات كانت تكمن منطقة تقاطع الاجندات . والتشويش على هذ الحقيقة ، لم يعد مطلوبا ، من اية جهة كانت ، حتى من قوى "العملية السياسية" ، ذاتها . وهي اليم تشعر انها لم تعد مضطرة ، او لديها الوقت ، للتعمية على مشروعها ، التعصبي ـ الاقصائي ـ التقسيمي "القومي والطائفي "، كاولوية تتقدم مشروع الدولة والوطن.
..ففي ظل عملية سياسية ديموقراطية، قام تحاصص، تعصب، الطائفة والقومية، وعدالة الاجتثاث والاقصاء،.. و تحفيز الاستعداء والكراهية ، و تبرير التغاضي عن القتل والتهجير،... راح اكثر من مليون عراقي ضحية القتل ، وتم تهجير اكثر من اربعة ملايين ، معظمهم من ، كادرات العلم والعمل ومهنيي ومثقفي البلد، وعمال وفقراء وكسبة.. من كل القوميات والاديان والمذاهب، لا مكان لهم غير الوطن.
فردا على" طائفية" دولة ، و" شوفينية " سلطة ، قتلت خلال اكثر من ربع قرن...من ضحايا "المقابر الجماعية "، ومجازر " الانفال وحلبجة."..عددا ، يقال انه مشابها ، للعدد الذي قتل منذ "التحرير "حتى الان ( هل للعدد هنا اي دلالة ، على اصل الجريمة ، غير دلالة وحشية التعصب والحقد ،والبعد عن الانسانية والمدنية والحضارة ؟)، ....الطائفية والشوفينية ...تحت اي مبررات كانت ، وخلف اي قناع اختفت ، لن تكون سوى ،اعلاء لا مراض التعصب وتعميم للتخلف، وانزواء في ظلمة العزلة، وبقاء في اسر الانغلاق ...بعيدا عن روح الانسان ، ونعمة الحضارة ، ومزايا التمدن.
فكر التعصب الطائفي والقومي هذا للقوى الاساسية في العملية السياسية ، شارك ،في الواقع ، لا حارب، الارهاب التكفيري ، في...ارذل انواع الجريمة. .قتل عشوائي ، وعلى الهوية ، فردي وجماعي ، في الشارع والمعتقلات ،... في الاحياء والمدن، الساخنة والباردة ... في المستشفيات واماكن العبادة ...في البيوت واماكن العمل . في تصفية العلماء ، وكادرات البلد العلمية....في تهجيرهم مع العديد من المواطنين ، من كل الطوائف والاديان ،.. الى داخل بلدهم ، وخارجه ...في التمثيل بالجثث وقطع الرؤس ، ....في سرقة ممتلكلت المواطنين والدولة وثروة البلد .
المشروع المصمم على استمرار الابحار في بحر التعصب وامواج الكراهية والثأر ، واستثمار مناخ هذا الابحار ، لفرض او انتزاع مكاسب من الاخر الشريك في ذات المركب.، او الرحلة قبل فوات الاوان.ولكن عجلة التاريخ لا يمكن ايقافها. ولا يمكنها ان تنتظر .. ولهذا فالوقت لا يمضي لصالحها.
ايران تتعرض لضغوط جدية متصاعدة . المجهول في مصيرها او مستقبلها اكثر من المعلوم . لا على صعيد احتمالات التغيير في الموقف الايراني والامريكي فحسب، وماهية ذلك التغيير المنتظر ، تفاهما او تصادما ، وانما انعكاسات ذلك التغيير، على مستقبل الاطراف العراقية ، المرتبطة بهذا المشروع او ذاك ، او بكليهما . وبمدى النجاح في معالجة اشكالات الوضع الداخلي ، وطبيعة تلك التحديات ، والقوى التي تخلقها ، وامتداداتها الاقليمية والدلولية ، خصوصا بعد ان بات مشروع سيدها " العم سام "، كرة تتلاقفها اقدام الهواة ، قبل المحترفين ، في كل الساحات، الاقليمية قبل الدولية.
والتدخل التركي في العراق، هو الاخر، في تصاعد رغم محدوديته المناطقية، على الاقل في المدى المنظور ـ حتى يتم حسم قضية كركوك. الا ان آثاره المتوقعة، المستقبلية ، بموافقة الادارة الامريكية، على الاغلب، او بدونها ، ستتعاظم . فالاتراك يقرؤن المشهد العراقي ، بوضوح شديد ، بتعقيداته وتناقضاته المرجحة للتصاعد ، فوضى السياسة الامريكية وتناقضاتها في العراق ، المقصودة ـ تطبيقا لنظرية االفوضى البناءة ـ او ارتباكا وفشلا في ايجاد توافق يمنح الاستقرار للعراق، وعواقب ، انتظار اخطار على مستقبل استقرار بلدهم السياسي ، وامنهم القومي، حتى ضمن المشروع الكوني ، للحليف الامريكي، الذ ي يعرفون اكثر من غيرهم ، انه حليف مصالحه بالاساس، وانه في اسوأ مراحله واضعفها.
استهداف الشخصية الوطنية للبلد المحتل ، هو منهج اي احتلال . لانها اكبر تحديات مشاريع الاحتلال ، و اقوى وسائل نجاحه. فاعادة الحياة لتلك التناقضات، وبناها الثقافية، وابقاء الانسان اسير اشكالات ماض ، تعامل اصحابه معه، بموضوعية ومسؤلية اكبر، ومنحها فرصة تمثيلها سياسيا واستعداء بعضها على بعض ، تحت اي مسمى كان، لم يكن يوما وجهة عقلاء ومخلصين ، للشعب او العقيدة ، بل منهج المحتل ، الذي لايحترم ، ولا يعترف بهذا او ذاك، وجل غايته اعاقة استقرار البلد والمواطن، وتصرفات الاحتلال اليومية ، تكفي للتدليل بوضوح على ذلك . امرا كهذا لا تتفرد به الشخصية العراقية ولا الاحتلال الذي تخضع له حينها.
وخلق مناخ استعداء ، باستدعاء خلافات واختلافات ، حدثت في ماضي تاريخي ( طبقي ـ سياسي ـ ثقافي ) ، لم تعد عناصره ومقوماته ، متوفرة ، لا حكمة من اسقاطها على مشكلات الحاضر ، او العيش في دائرة الاختلاف التاريخي ، التي لن يعني الحاضر منها ، الا دلالتها الرمزية ، الاخلاقية ، القيمية . فمثلا الاختلاف على خلافة علي ، ودور ابا بكر او منهج عمر ، لم يتم حسمه حينها، ولم يكن مشكلة بالنسبة لهم ، كما هي الان .
لم ينقسموا على اثرها الى ، فرق ومكونات متقاتلة. وابقوا لخلافهم ، مغزاه الفكري ، واطاره المسؤل. ولم تكن بينهم لغة السيف وقطع الرؤس وقتل الابرياء. في وقت كان لهم من المبررات ، للجوء الى المواجهة ، وجر الناس الى الاقتتال تحت هذا المبرر ، اكثر بكثير مما هو عليه الان . فمبررات الصراع على السلطة حينها ، كانت لازات في اطارها التاريخي . وبافتراض اختلاف المناهج السياسية ، وتعبيراتها الاجتماعية " ان جاز هذا دينيا " ، ستكون ذات دلالة ومغزى .
بل وقد تكون ضرورة تفرضها ، مسؤليتهم السياسية والدينية، تلزمهم بضرورة التغيير ، خوفا من آثارها على مستقبل الدولة الاسلامية. واذا كان المعنيون بالامر ، والاكثر معرفة، ومكانة ، ومسائلة ، لم يتركوا لغير الحوار والتفاهم ، ضمن اطار بنية عقائدية وتنظيمية واحدة ، ورفضوا الانقسام الى ، فرق ولم يقل احدهم كلمة سوء واحدة بحق الاخر . فباي منطق ، تكون بعض التاويلات والاخبار وحتى الاجتهادات ، التي يجب ان ينظر لها تعبيرا عن منهج يشجع الانفتاح والتحاور ، والذي كفل تعدد الرؤى والاجتهادات والمواقف ، المحكومة باطارها التاريخي ، الذي لايمكن تجاوزه ، ..ان ينظر لها الان ،كقضية اشكالية آنية، او معاصرة ، تعيق حياة المجتمع وتطوره . ان تلك الاشكالية لا يمكن العثور لها ، على اي معنى ، غير المعنى الاخلاقي ـ العرفاني ، ودلالاته السياسية العامة . ولكن هذا بحد ذاته لا يبيح ولا يستلزم ، استخدام السيف وقطع الرؤس ، وفعل ما يفعل الان في العراق .
والمفارقة اليوم ، ان كل ذلك تم ويتم ، باسم الدين ، وحقوق الطائفة ومحاربة الطائفية ، وحقوق القومية ومحاربة الشوفينية . لكن على الارض ، كانت محاربة التعصب بالتعصب ، وقتل الوطنية باسم الوطن ، وانتصرت العبودية باسم الحرية ، والاحتلال بدل الاستقلال . ...لتنتهي الامور ..بدل التحرر من الاستعمار الداخلي ، بات البلد تحت استعمار، داخلي وخارجي ، ..اقليمي وامريكي، الى امد لا يعلمه الا الله . رغم ان هذه القوى هي اليوم ، في اقوى مواقعها ، وباتت قادرة على ان تجبر الاحتلال ، على القبول بالكثير من خططها ومشاريعها ، بحكم حاجته لها..وهي من قامت بنهب الثروة الوطنية ، والتخلي عن السيادة الوطنية، ...مقابل زيادة ثرواتهم الشخصية ، وتعزز سلطاتهم السياسية .
وفي وقت يواصل فيه ، تجار الزعامة الطائفية ، واسيادها وشيوخها ، متاجرتهم باسمها ، ويعززون سلطتهم ، بظلالة ابناء الطائفة الفقراء . لازال الفقير فقيرا ، وازداد الغني غنى . لازال تابعا خاضعا ، رعية ، مسلوب القرار والارادة ، اداة الصراع للسلطة والحزب ...وان يبقى المواطن ضحية حروب اوهام وامراض التعصب والكراهية ، التي لن تقدم له شيئا ، سوى بقاء مستغليه ، واسياده ، وحكامه ، ومستعمره ...سائدا متحكما في حياته.
هذا المواطن عليه ان يتسائل:
اذا كانت مصلحته حقا تعني هؤلاء، ويعملون لاجلها ، فلماذا يجوع، ويتعرى .. وينعم هؤلاء، العاملون لاجله ، بمظاهر الترف ، حد السفه ، ؟ لماذا يسرقون ، ويرتشون ، ويهربون ثروة بلده ، ويشاركون اعدائه الجريمة ضده ؟
كيف تكون سرقة هؤلاء عملا متفهما، وخطأ مغفورا، لا يحاسب عليه القانون،..وربما يغدو في خدمة القضية( قضية هذا المواطن، ام قضية التنازع على الثروة والسلطة ، وسرقة ثروة البلد ، وممتلكاته )
واذا كان هؤلاء معنييون بحريته ، فلماذا يشددون عبوديته وينشدون طاعته المطلقة ، في وقت يتحررون هم ، من كل قيد عقائدي، اخلاقي ، متى شاؤا ؟ اي عقيدة او دين او مذهب احل لهم ، الاستيلاء على ممتلكات دولة ، حتى لو كانت قصور وممتلكات ، حاكم ظالم ، وسكنها والتمتع بها والتصرف بملكيتها ،...وحرمه وجرمه ، على من لايملك سقفا ينام تحته ؟
المواطن الذي ترسم لاجله السياسات ، وتخاض من اجله الحروب والثارات والانتصارات ، وتصرف لذلك ولكن باسمه المليارات ، وتنهب الثروات ، ويقتل الابرياء ..وتستباح البلدان ..ويفقد الامن والامان ، وتتوقف عجلة العمران ...وتتشكل اوتسقط باسمه ولاجله النظم والحكومات...
هذا المواطن هو ، التابع ، الرعية ، المؤمن المطيع ،
لا لربه فحسب ، وانما يجب ان يكون لوسطاء عدة ، في مراتب متدرجة
يجب ان يجوع ، ويقتل و’يقتل، ويحمي دون ان يعلم، او حتى يعلم.
ويدافع( اضطرارا وجوعا). عن قتلة، .. سراق قوت ابنائه،... ونهابوا ثروة بلده، ..
عليه ان يفكر اولا ودائما بارضاء ، لا ارضاء ذاته....
بتحقيق ارادتهم وما يريدون ، لا ارادته ومايريد هو لحياته...
وبتادية حقوق هؤلاء المؤمنون ، دون ان يتجرأ بالتفكير بحقوقه ....
وان ينفذ واجباته ازائهم ، دون ان ينفذوا واجباتهم ازائه.. .