لا بد من خطوات اكثر جرأة وموضوعية


ثائر سالم
2008 / 2 / 5 - 10:34     

اذا استبعدنا منظار /معيار، النوايا الحسنة ، الايمان او الاخلاص، لقضايا الديموقراطية ومجتمع التمدن والعدلة الاجتماعية ( باي معنى ؟)، التي اريد لها ان تكون ارضية الاجتماع السياسي، لقوى لاشك انها متقاربة ، في ثقافتها السياسية العامة، وفي رؤيتها لكيفية ادارة السلطة وصراع السياسات فيها او خارجها ، فان هذا الاتفاق لايشكل الارضية الكافية او المطلوبة ، لبلوغ الاهداف التي اعلن عنها مشروع الملف/ النداء.
رغم مشروعية الاهداف التي اطلقتها ، فان الصيغة، التي قدمت فيها ،.بدت تعويمية ، متناقضة، مشوشة، انتقائية، ملتبسة، في نقاط التقائها، ..و متعسفة وهي تحاول اعادة الحياة ، الى صيغ ، باتت كانها ذكريات ماضي بعيد،.. لم تعد مألوفة.. ،او غريبة لم يعشها الناس والبلد يوما. فقد كانت هناك دولة مدنية ، منذ زمن طويل ، ولكن الناس ناضلت ، من اجل الديموقراطية . ولكنها لم تفقد مدنيتها فحسب وانما، ايضا حريتها في تقرير مصيرها ، وقرارها المستقل ، السيادي والسياسي. ولتكتشف بعد كل ذلك ، انها لم تحصل اصلا على الديموقراطية....الا اذا اعتبرت المحاصصة ، الاقصاء، والاجتثاث ، ديموقراطية؟ والقبيلة ، الطائفة ، التعصب والثأر والقتل، الميليشيات، بنى المدنية والمجتمع المدني .
لابد لهذا الاضطراب..التشوش...التناقض ، في المشهد العام ( السياسي ، والاقتصادي ، والثقافي )، للبلد، ..لابد له ان ينعكس ، على اي قراءة فكرية ـ سياسية ، جادة ، ومحاصرة ، وفي ظروف استثنائية. وتقع تحت مطرقة ضغوط قوى واطراف متعددة ، الاتجاهات والاهداف...خارجية، دولية او اقليمية، الاحتلال الامريكي والتدخلات الاقليمية. او داخلية : قوى اليمين والتعصب الطائفي، والقومي (اليساري!)، التي تتصدر المشهد السياسي، وتتحكم بالقرار. اما على الضفة الاخرى والاهم ...فتواجه ضغط الشارع والناس، التي تعاني من اعتداءات ، مظالم ، وجرائم، لا حدود لشكلها او مداها او مصدرها، المحتل ، او قوى الجريمة المنظمة ، او الارهاب او ارهاب الدولة.
الا ان كل تلك العوامل والظروف ، تواجه بمقاومة او معارضة ، او محاولات تصدي. فالناس ليس موضوعا خاملا ، سلبيا ، لا حول له ولا قوة لهم بالكامل . فهم ينطمون انفسهم في الا حياء السكنية ، للدفاع عن اهلهم واحيائهم ، من هجمات عصابات الموت والارهاب والميليشيات .
واذا ماتوفرت الارادة السياسية ، والكيان السياسي الذي يحسن ، استخدامهم . سيكون الوضع مختلفا ، وستكون للناس تعبيراتهم السياسية، الاكثر فاعلية ، قدرة على التقاط عناصر القوة في الوضع ، وتقديم رؤية ، برنامجا ، اكثر واقعية ، مع مراعاة: مؤشرات / معايير ، قياس، محددات،.. يفرضها المضمون( الاجتماعي ـ السياسي) ، ومستويات تجلي ،...يمكن فيها اختبار تلك الاهداف المنشودة، او وسائل بلوغهأ.

مافهمته ان الملف هو مسعى يتجه نحو ، تكوين رؤية اقرب الى برنامج عمل سياسي ، ستراتيجي يعتمد ، ..في المرحلة القادمة، مشتركات تلك القوى، او هكذا ارجو ان يكون، اكبر من محاولة تجميع للقوى ، لخوض معركة انتخابية ، يمكن ضمان بضعة مقاعد فيها. بقراءة ما، لا يمكن الاختلاف مع القضايا التي يتوجه اليها المشروع. لاسيما حينما تكون في المشروع ، قوى تتمتع ، تاريخيا، بدرجة من الاحترام والمصداقية ، في الحياة السياسية والحركة الشعبية ، ولم يعرف عليها في الظروف الحالية اية شبهات ، تتعلق بالذمة والامانة والصدق .
فالقوى صاحبة الدعوة ، هي ابعد القوى عن شبهات الفساد ، السرقة ، الجريمة المنظمة ، المليشيات، والتنازع على السلطة. الا ان نظافة اليد والتاريخ ، والنوايا الحسنة ، والاخلاص في العمل ، من اجل المثل التي التفوا حولها ، ...لايمكنها في الظروف العادية ،... الحياة السياسية السليمة، ان تكون ، كافية للنجاح في مشروع كهذا، ...فكيف والبلد في وضع كالذي عليه الان؟ وهل يمكن لتلك الظروف الا ان تنعكس ، بشكل و بدرجة ما على ، منهجية ، رؤية، اهداف المشروع ، ورهاناته؟.
ولكن هل اكتشف اليساريون ، والديموقراطيون ، اليوم ذلك فجأة؟
ام انه تعبيرا عن التراجع عن خيارات او رهانات سابقة ، بات واضحا خطأها. ابتداء من الانظمام الى مجلس الحكم ، مرورا بالخضوع للابتزاز ، الفكري والسياسي ، لقوى التعصب الطائفي والقومي، المرتبطة بالاحتلال ، انتهاء بتخلي اقوى الحلفاء العلمانيون ، التحالف الكردستاني ، عنهم. ام انه قراءة ، لبلوغ مشروع المحاصصة والطائفة، نهاية الطريق المسدود ، وفشله، بعد ان باتت اكثر القوى الشعبية تريد الخلاص منه ؟ ورغم الاتفاق مع هذا الرأي. الا ان محاولة المشروع ، تشكيل اجماع على، شكل دون تعيين لمضمونه ، بمواصلة الاحتماء بالهروب للعام،..لن يكون المساهمة المطلوبة. ولا المنتظرة.

على قوى اليسار، ان يثبتوا للناس ولنفسهم ولجمهورهم ، انها ليست قوة عاجزة ، يحملها تاريخها السياسي فقط ، وانما حاملها التاريخي الحقيقي، ..جماهيرها التي تمثلها وتدافع عنها. وهي ايضا ليست قوة معتمدة على دعم وتفضل الاخرين ، حلفاء او انتهازيون . وانما العكس، فهؤلاء هم من بحاجة لمكانة اليسار الشعبية .
عدم الدقة في تعيين الاهداف، القفز على عوائق ومطبات، لا زالت تواجه الواقع السياسي ، وتشكل اكبر التحديات السياسية ـ الفكرية: كمشكلة الطائفية السياسية والثقافية، الحرية السياسية والفكرية ، مسألة الفيدرالية والقضية الكردية والاقاليم، علاقة الدين بالدولة ، شكل الدولة ، الدستور ، قضية الاحتلال... اضعف ممكنات وفرص، انجاز مقاربة نظرية وسياسية ، للواقع ، اكثر جدية.
ان المشروع بصيغته وتوجهاته الحالية ، ليس سوى مشروع حسن نوايا ورغبات، ان لم يكن تعاملا كسولا ، مرتبكا ومستسلما ، للوضع، وتلك الاسس ، التي تشتكي منها ، هذه المحاولة ذاتها . والتي آمل ان يكون قد تم التوصل ، الى قناعة تامة بان هذا الطريق هو طريق مغلق، لن يفضي الى الاهداف المنشودة. وان تكون خلاصة السنوات الماضية واضحة ، وهي : يجب التوقف ، عن كل محاولات ترقيع العملية السياسية . فالخلل كامن في اسسها .
لا امل في الاستقرار ، ولا مستقبل للديموقراطية ، والعراق كبلد ، مع بقاء هذه الاسس التي قامت عليها ، العملية (الديموقراطية )الحالية..العملية السياسية.
يجب ان يكون واضحا وملموسا ، لليساريين والديموقراطيين قبل غيرهم ، ان مهمة المشروع تقديم ، رؤية وبرنامج عمل، واضح ، لا يحتمل التأويل ، والالتباس في المواقف. فوضوح المهام ، واقعيتها ، الثقة بقدرة الناس والاعضاء ، على العمل فيه ، كانت دوما الارضية التي يتحول عليها ، المشروع الى حقائق تعاش. يجب اعادة الوضوح والصفاء ، الى برامج عمل هذه القوى ، التي قدم اعضائها ولازالوا ، تضحيات جسورة في مختلف الظروف.

الشفافية والصدق الجراة في المواقف، والاخلاص للمضمون الاجتماعي ، لقوى اليسار وانحيازها ، هو ماابقى لهذه القوى درجة المصداقية ، في وجدان الناس. والى حد ما في عموم الحركة السياسية. شعور او اعتقاد قسم من اعضاء حركة اليسار ، ان حركتهم باتت شيئا من الماضي، كيانا غير حي لا مستقبل له ، ليس لديه القدرة والقوة الذاتية ، على احتلال موقع ما في خارطة العملية السياسية ، لا سباب هي مفهومة على الاغلب ، منها:
تعقيدات المشهد وصعوباته ، وسيطرت قوى سياسية مناقضة تماما لقيم اليسار ، على السلطة السياسية، والشارع ، بفعل عوامل طارئة واستثنائية ، داخلية وخارجية . مشهدا كان اكبر من طاقلة ، اللذين لم تساعدهم ظروف الوضع السابق ، على التعرف ، على قيم اليسار. و بسبب تخلق البنية الاجتماعية ، فان الاغلبية جاءت من بيئات ريفية ، ثقافة او نمط حياة. وذلك ما اعاقه من اقامة صلة ، اعمق بمشروع اليسار الفكري . فكانت الكثير من تلك الهويات ، هي الاعمق في وعيه وثقافته .
كيف سيتم التعامل ، في ظل الفوضى التي خلقت هذا الارباك المقصود في لوحة المجتمع السياسية والاجتماعية ؟
في المشهد العراقي اليوم، هناك عملية خلط اوراق، لامثيل لها في تاريخه . وربما متفردة على مستوى المنطقة والعالم ، من حيث تنوع وسعة تناقض مظاهرها واطرافها واهدافها .
قوى رجعية في لباس ديني او قبلي او طائفي او قومي ، مكتفية بذاتها التاريخية، منغلقة على ساحتها الفكرية، تمتلك درجة من التعصب ... لا تستطيع الا نفتاح على اية رؤى عصرية ، تهدد بنيتها الفكرية والاجتماعية........ولكنها ذات قاعدة اجتماعية شعبية، واسعة . وقسم منها ، جمهورها الاعظم من الطبقات الكادحة ، منحازة فكريا وسياسيا ، لمصالح تلك الطبقات المسحوقة ، ..وهي ايضا ترفض حتلال ونهبه لثروة البلد ، ولوجوده وبقائه.
في الخندق الاخر المقابل ، تقف قوى ، ديموقراطية ، متمدنة، لا يوجد ما يمنعها من الانفتاح ، على العالم والعصر ولكنها، مرتبطة بالاستعمار. وهي مستعدة للتفريط ، بثروة البلد، والتخلي عن سيادته وحريته، والقبول بديموقراطية
العهد الملكي ـ البريطاني، في احسن الافتراصات . وهي بالتاكيد لا تشارك ، اليسار موقفه الاجتماعي .

من هذه الصورة الملتبسة ، المتناقضة ، الاشكالية ،....للمشهد السياسي الحالي، تنشأ اشكاليات الملف:
للممارسة السياسية ، اليومية ،هامش مناورة وحركة ، ردود افعال على سياسات . ولكن ذلك لا يرتقي الى الى مستوى ستراتيجيات وسيايات ، مكافئة ، معارضة ، او مواجهة . السياسة يجب ان تتسم ، بدرجة من الثبات في الاتجاه العام ، الذي يمكن ان يمنحها هويتها التي تتمايز بها ، وتعبر فيها عن مصالح الجماعات التي تمثلها .

ولهذا هناك حاجة ملحة ، وقبل البدء بالمشروع، للتحديد الملموس:
نظريا : اليسار مفهوم ، تاريخي ، و نسبي ، ..يتباين بتباين المجتمعات ، وعصورها وظروفها، والظاهرة التي يقارن فيها . فهناك يسار في كل تيارات الفكر ، ليبرالي ، قومي ، ديني ، ماركسي ، شيوعي.
1 ـ اليسار : ، لليسار العراقي . اقصد تحديدا ، الاحزاب ، القوى ، المنظمات ، التيارات المنظمة ، او غير المنظمة ..ولكن التركيز بالتاكيد على الحركات والتيارات الاساسية والمنظمة . ما هو المعيار الاساسي ، في هوية اليسار حاليا؟ وكيف يجسد ذلك ، في تحالفاته السياسية ؟ ما هو معياره في التحالف السياسية ؟ الهوية اليسارية او الهوية الديموقراطية ، المدنية ؟
2 ـ تجنب الاعلان عن مهام ، او طرح شعارات ، مغالطة فكريا ، غير واقعية ، غير ممكنة التحقيق، تسيء الى مصداقية التيار اليساري الديموقراطي ، وحقيقة الشعارات التي يطرحها ، وقدرته على تحقيقها . الامر الذي يزيد من الالتباس والتشوش ، لدى هذه القوى والتيارات وجماهيرها . وتضعف رؤية الحدود والتمايزات ، بين المضامين الاجتماعية ، للتيارات الفكرية والسياسية ، على الضفة الاخرى . فمثلا : الجميع يتحدث ، عن هدف اقامة العدالة الاجتماعية . ولكن هذه العدالة هي بمعاني ورؤى ومضامين مختلفة عند مختلف التيارات والقوى السياسية.
الاشتراك مع الاخرين في لعبة الهروب الى التعميم واخفاء عجز ادراك الواقع وتبني مالا يمكن تحقيقه ، او ابقاء مساحة التاويل واسعة ، لتحقيق اي شكل او درجة من العدالة. وتلك عملية تضليل مقصودة او غير مقصودة للناس.
اخلاقيات اليسار، هي احد هم اسلحته التي تميزه ، عن القوى الاخرى. لا يجب ان تقبل غير المعاني والاهداف الشفافة، الملموسة ، المفهومة، كونها واقعية وممكنة التحقيق. وبهذا فقط تحافظ قوى اليسار على رصيدها وتوسع جمهورها. كونه تعيين لنقطة انطلاق ملموسة، محددة، معنية فيما هو ممكن التحقيق، وستراتيجي، للمستقبل . لا مستقبل البلد والناس فحسب وانما مستقبل اليسار ذاته ايضا .

3 ـ هناك يسار اسلامي ..وهناك علمانيون وديموقراطيون ، يمينيون معادون لليسار. هذا الوضع المتناقض ، يضع على عاتق اليسار ( كيسار بالدبرجة الاولى ) ، مراجعة كفاية وسلامة ، الاسس التي يقوم عليها التحالف . ضرورة ، مراجعة هذا التوجه. والتاكد فيما اذا كان بامكانه التاثير بشكل افضل ، ضمن تحالفات ، على اسس اخرى اشمل ، كا الاحتلال ، الطائفية ، الفيدرالية ..الامر الذي سيشكل سياجا جماهيريا ،هاما وواسعا له . ولكن ذلك لا يعني قبول او السكوت عن ، فكرة الدولة الدينية .
4 ـ حول فكرة الدولة الدينية ، او القوى الدينية .
زيف هذا الادعاء، بات امرا تدركه كل القوى اليسارية والديموقراطية وقسما ممن تسمي نفسها قوى دينية. ان تلك القوى ، تمارس عن وعي وادراك مسبق ، السياسة والسلطة والنزاع عليها ، بشكلها المدني . وبمختلف اشكالها ، الاخلاقية او غير الاخلاقية . باسم قيم الدين المتعالية ، على كل ماهو لا اخلاقي.
كان الاولى بتلك القوى التي تسمي نفسها القوى الدينية ، ان تكون هي من يتصدى لمهمة حماية الدين ، من التشوية والابتذال في الممارسة السياسية. ولكنها بدل ان تفعل ذلك ، لجأت الى كل الوسائل ، من اجل الاحتفاظ بالسلطة ، والامساك بمرافق القرار الاساسية فيها .
والا ..ماعلاقة الدين ، الديني ، بهذا الذي جرى بالعراق، ولا زال ( القتل على الهوية ، والقتل العشوئي ، وتفجير الاسواق ، والسيارات ، والاماكن العامة ، وتهجير الناس)؟ كيف يمكن" لمسلم ان يقتل مسلما" ، وهم يثقفون الناس ليل نهار ، بان دم المسلم على المسلم حرام ، ومن قتل انسانا بغير حق ، كانما قتل الناس جميعا ؟ .