تحليل : «اعادة تقييم الوضع النووي» - بالون إختبار أم عقيدة نووية جديدة لمعاقبة " المارقين " ؟


صالح ياسر
2002 / 4 / 26 - 09:36     




عاد شبح الخطر النووي من جديد، بعدما توصل " العمالقة النوويون "، في فترة سابقة، الى حقيقة أن استخدام هذا السلاح يؤدي الى نتيجة واحدة : لا يوجد منتصرون. وقاد ذلك الى تغيير مجرى الصراع. فقد أدى نظام الثنائية القطبية وما إرتبط به ما أطلق عليه بـ " توازن الرعب " الى عدم اندلاع أي حرب شاملة على المستوى العالمي، والذي استبدل الى حروب اقليمية محدودة لحل التناقضات بين العمالقة بالواسطة. وبعد إنهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي والتداعيات التي تلته فقد انهار نظام الثنائية القطبية ليحل محله "نظام القطب الواحد" حيث تلعب الولايات المتحدة اليوم في هذا " النظام " دور القطب الاوحد الذي يعيد إنتاج العالم وفق " المقاسات " الامريكية لضمان الهيمنة على العالم بأليات اشد قوة، بإستخدام توليفة من وسائلها وبتجلياتها المختلفة، بما في ذلك العودة مجددا الى التهديد بإستخدام السلاح النووي. والحديث هنا لا يدور عن فيلم هوليودي بل عن واقع ملموس وتحضيرات فعلية وخطط تفصيلية موضوعة على طاولة رئيس الولايات المتحدة يلوح بها لبث الرعب في خصومة وإجبارهم على الاستسلام " دون قيد أو شرط ".

تقرير «اعادة تقييم الوضع النووي» لماذا ؟

شهدت الأسابيع الاخيرة تسريبات مقصودة كانت بمثابة بالون اختبار لقياس ردود فعل العالم فيما لو تم استخدام هذا السلاح الفتاك. فقد ذكرتا صحيفتا لوس أنجلوس تايمز ونيويورك تايمز في تقريرهما أن وزارة الدفاع الأميركية كلفت بوضع خطط طارئة لاستخدام الأسلحة النووية ضد سبع دول على الأقل هي روسيا والصين والعراق وإيران وكوريا الشمالية وليبيا وسوريا.

وأضافت التقارير أن الوزارة كلفت أيضا بالتحضير لاحتمال أن يصبح استخدام أسلحة نووية مطلوبا في بعض الأزمات العربية الإسرائيلية المستقبلية ردا على هجمات بأسلحة كيمياوية وبيولوجية أو عند حدوث "تطورات عسكرية مفاجئة" ذات طبيعة غير محددة.

وقد وردت هذه المعلومات في تقرير سري أعده البنتاغون وقدمه للكونغرس في 8 يناير (كانون الثاني) الماضي.والتقرير، الذي اعد بعنوان «إعادة تقييم الوضع النووي» يكشف أيضاً أن الولايات المتحدة تعتزم استخدام أسلحة نووية لمواجهة 3 انواع من التهديدات:

- ضد أهداف قادرة على الصمود أمام هجمات غير نووية.

- رد على هجمات بالسلاح النووي أو البيولوجي أو الكيميائي.

- حصول تطورات عسكرية مفاجئة.

وقد برر بوش قراره هذا في 13 آذار قائلا : " إنها طريقة لنقول للذين يريدون إيذاء أميركا: لا تفعلوا ذلك ".

ويبدو أن تقرير «إعادة تقييم الوضع النووي» الذي تم الكشف عنه يبين مدى التحولات النوعية في الفكر الاستراتيجي الأمريكي التي تركتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ويوضح في الوقت ذاته بعدا مخيفا جديدا لتأثيرات تلك الأحداث على حروب المستقبل.

وعند تطرقه للحالات الميدانية المحتملة، يقول التقرير أن البنتاغون يستعد لاستخدام الأسلحة النووية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حيث كلفت الوزارة بالتحضير لاحتمال أن يصبح استخدام هذه الأسلحة مطلوبا في بعض الأزمات العربية الإسرائيلية المستقبلية ردا على هجمات بأسلحة كيمياوية وبيولوجية أو عند حدوث " تطورات عسكرية مفاجئة " ذات طبيعة غير محددة.

كما أشار التقرير أن البنتاغون يستعد كذلك لاستخدام الأسلحة النووية في حرب محتملة بين الصين وتايوان، أو في حال تعرضت كوريا الجنوبية الى هجوم من جارتها الشمالية. وصنف التقرير كلاً من كوريا الشمالية والعراق وايران وسورية وليبيا بأنها «دول يمكن أن تشارك» في الأنواع الثلاثة من التهديدات المذكورة آنفا. ويبرر صائغو التقرير هذا الموقف من هذه الدول بأنها «كلها ذات عداء طويل المدى ضد الولايات المتحدة وشركائها. وكلها ترعى أو تؤوي الارهابيين، ولديها برامج ناشطة لأسلحة الدمار الشامل وللصواريخ». أما الصين، فرأى التقرير أنها «دولة يمكن مشاركتها في حالات طوارئ مباشرة او محتملة» بسبب ترسانتها النووية وتطويرها لأهداف استراتيجية. أما بصدد روسيا فيرى التقرير بأنها لم تعد رسميا «عدوا»، الا ان ترسانتها الضخمة، التي تشمل ما بين 6 آلاف الى 10 آلاف رأس نووي «لا تزال تثير القلق».


وإذا تفحصنا مجموعة الدول التي تعتبر أهدافا نووية محتملة لتبين لنا " المفارقة الطريفة " التالية : أن من بين هذه الدول هناك اثنتان فقط تملكان السلاح النووي (روسيا والصين) وبالتالي ليس مستغربا ان تدرس الولايات المتحدة سيناريوهات مختلفة لاحتمال استخدام السلاح النووي اذا نشبت مواجهة معهما. غير أنه، وإستنادا الى تقرير «اعادة تقييم الوضع النووي»، نلاحظ تطورا جديدا يسترعي الإنتباه وهو ان الولايات المتحدة باتت تدرس احتمال استخدام السلاح النووي ضد دول غير نووية، بل انها تضع الخطط لمثل هذا الاحتمال. وكما هو معلوم فقد دأبت الماكنة الاعلامية الامريكية وعلى مدى فترة طويلة للترويج لموقف يقول إن الأسلحة النووية أسلحة هي بمثابة قوة رادعة ضد هجمات محتملة من جانب الاتحاد السوفياتي السابق خصمها في الحرب الباردة. ورفضت استخدام الأسلحة النووية ضد أي دولة غير نووية ما لم تتحالف هذه الدولة مع دولة أخرى ذات قدرات نووية. وطرح وليام أركين الكاتب بصحيفة لوس أنجلوس تايمز وزميل كلية الدراسات الدولية المتطورة بجامعة جونز هوبكينز ملاحظة لماحة حين اشار إلى أن خطة بوش المصاغة في تقرير «اعادة تقييم الوضع النووي»، هي بمثابة تغيير اتجاه قائم منذ نحو عقدين لإرجاع الأسلحة النووية إلى مرتبة أسلحة الملاذ الأخير.

وبهذا الصدد أشار أركين الى إنه يبدو أن الإدارة الأميركية " تتطلع لأسلحة نووية يمكنها أن تلعب دورا في مواجهة تحديات مثل التي تواجهها الولايات المتحدة من تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن والذي تلقى عليه مسؤولية تدبير هجمات 11 سبتمبر/ أيلول ".

والخلاصة أن المبدأ النووي الأميركي الجديد لا يستبعد إمكانية لجوء الولايات المتحدة قبل غيرها إلى استخدام السلاح النووي إذا ما نشأ خطر صنع سلاح إبادة جماعية من قبل خصومها، أي أن أميركا أعطت نفسها " فرمان " استخدام السلاح، بما فيه ترسانتها النووية الضاربة ضد البلدان الأخرى. ويمكن الاستنتاج بأن المبدأ النووي الأميركي الذي تم الاعلان في التقرير المشار اليه سابقا، ورغم تضمنه قليلا من العناصر الجديدة، الا أنه يعقد الوضع الدولي تعقيدا شديدا، خصوصا وأن اعتماده تم في أعقاب إعلان الولايات المتحدة انسحابها من معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ. وهذا الأمر نجم عنه خطر إضعاف، وربما ضرب كل نظام السيطرة على التسلح والأمن الدولي الذي تكون في سني "الحرب الباردة" الذي لم يقابله نشوء نظام جديد يأخذ في الحسبان واقع العلاقات الدولية الحالية حيث لم يعد هناك لاعبان اثنان فقط، بل بات اللاعبون كثراً، وهنا تكمن الخطورة الجدية. ويبدو أن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ كان مخططا له للتحلل من اية التزامات تفرضها هذه المعاهدة، الامر الذي فتح الافق لإقدام الولايات المتحدة للإعلان عن تقرير " اعادة تقييم الوضع النووي " بكل ما يحمله من مغزى خلق حالات من الرعب الجماعي في العلاقات الدولية.

الرسالة موجهة لمن في منطقتنا الملتهبة؟
وارتباطا بالملاحظة السابقة فإن ثمة سؤال مهم يطرح نفسه وهو ان تسريب التقرير المذكور هو عبارة عن رسالة ولكن لم يراد توجيهها ؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من التقاط ملاحظة كونداليسا رايس مستشارة الأمن القومي. فقد دافعت رايس عن خطة وزارة الدفاع قائلة إن إدارة بوش " تريد توجيه إشارة قوية للغاية لكل من تسول له نفسه استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الولايات المتحدة ".
إذا تجاوزنا العموميات وانتقلنا الى الملموس، في اللحظة التاريخية الملموسة، وإرتباطا بالتحضيرات الجارية للإنتقال للمرحلة الثانية من " الحملة العالمية ضد الارهاب " والتي تشير دلائل عديدة عن انها ستطول العراق، فإنه يمكن الاستنتاج بأن الذين وجهت لهم هذه الرسالة، في المنطقة العربية، هم نظام صدام حسين والفلسطينيين والايرانيين، إضافة لسوريا المعروف موقف الامريكان منها بإعتبارها مصنفة ضمن مجموعة " الدول المارقة ". وقد يتساءل المرء لماذا ؟ ويكمن ذلك في :

1. حصر المواجهة العسكرية المحتملة بين النظام العراقي والولايات المتحدة، في حال اقدام الاخيرة على إعتماد خيار الحرب، في إطار استخدام الاسلحة التقليدية، وتحذير النظام العراقي من مغبة اللجوء الى استخدام اسلحة كيمياوية او غيرها تحت طائلة تهديد الولايات المتحدة باستخدام السلاح النووي، سواء كان تكتيكيا او ابعد منه.

2. إبقاء الصراع العربي – الاسرائيلي في إطار الحدود المرسومة له بإعتباره مواجهة مسلحة بين الفلسطسنيين والاسرائليين فقط. وبسبب التوتر الخطير في المنطقة الناجم عن تصاعد المواجهات بين الفلسطينيين والاسرائيليين وسياسات حكومة شارون المتطرفة والدموية، الذي يمكن ان يتطور الى مواجهة شاملة مما يدفع الولايات المتحدة الى إستباق التطورات هذه ليس باللجوء الى لغة الديبلوماسية لإطفاء هذه البؤرة المشتعلة بل فرض " سياسة الرعب النووي " لإجبار الاطراف العربية على البقاء في الحدود التي تريدها الولايات المتحدة لهذه اللعبة التي تستفيد منها لضمان ديمومة تواجدها وتعاظم تأثيرها على اللاعبين الإقليمين والمحليين في هذه المنطقة القابعة على بحيرة بترول. هنا يتم توظيف عامل " الرعب النووي " للحفاظ على المصالح الاستراتيجية. وإذا ما معنى وضع المنطقة الملتهبة هذه في دائرة «الخطر النووي» خصوصا عندما دعا صائغو التقرير البنتاغون لان يكون مستعدا بالخطط لاحتمال استخدام السلاح النووي في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وهو استخدام يتم بالطبع لمصلحة اسرائيل التي باتت مصالحها تطغى احيانا حتى على المصالح الاميركية في اطار رسم استراتيجيات البيت الابيض والبنتاغون. وطبيعي أن مثل هذا الاحتمال يرفع من عدد الدول العربية المتضررة، وفي مقدمتها سوريا بسبب وضعها الجيوسياسي الاقليمي المتميز، من تقرير «اعادة تقييم الوضع النووي»، كما انه يضع المنطقة كلها في دائرة الخطر النووي.

3. تحجيم الدور الايراني وجعله ضمن الحدود المرسومة له في إطار محلي، وإرسال رسالة قوية الى القيادية الايرانية تنص وبالفم المليان الى أن طموحاتها للتحول الى قوة نووية اقليمية لن يسمح بها، وان البرنامج النووي الايراني يجب ان يظل مدنيا فقط. وإذا ما صحّت روايات الامريكان في فيلمهم الطويل لتغيير النظام العراقي فإن الاشارة الى اسم ايران ضمن تقرير «اعادة تقييم الوضع النووي» والاعلان عنه في هذه الفترة بالذات، هو بمثابة رسالة قوية للقيادة الايرانية لجهة عدم دس انفها في التغيرات اللاحقة في العراق، سواء بشكل مباشر، أو عبر دعم الاطراف العراقية المحسوبة عليها، ويتعين عليها أن تعي حجمها وحدود دورها في اللعبة التي تدور حول العراق.

تداعيات نشر التقرير : بين التناقضات داخل الادرارة والمواقف الدولية المتباينة

يمكننا ان نلاحظ ثلاثة عناصر جديرة بالإنتباه وهي :

- الجميع يهرعون للتخفيف من الصدمة، ولكن دون ان يقترن ذلك بنفي لما أشيع.

- وأن هناك تناقضات داخل الادارة الامريكية ومع الكونغرس، ولكنها تناقضات بعضها مصمم على الطريقة الهوليودية لإبراز حقيقة وجود" حمائم " " وصقور ".

- وأن هناك مواقف دولية تتراوح بين الغضب أو الإرتباك أو الصمت من ذهول ناجم عن هذا التحول.

بداية ينبغي القول بأن الحديث عن مراجعة جديدة لسياسات وزارة الدفاع الأميركية – البنتاغون - بشأن استخدام السلاح النووي قد بين وجود تناقضات داخل إدارة الرئيس جورج بوش وأثارت حيرة إزاء نوايا واشنطن بهذا الصدد. فكيف لمثل هذه المراجعة أن تتفق مع إعلان بوش عزمه خفض مخزون الأسلحة النووية.

والمتابع لتطور الاحداث يلاحظ أن الاسئلة انطلقت من السلطة التشريعية الامريكية ذاتها، الامر الذي دفع وزير الخارجية الامريكي كولن باول للقيام بدور " اطفائي حريق "، بعد الزوبعة التي أثارها التقرير المشار اليه سابقا. ففي حديث له امام مجلس الشيوخ الامريكي يوم الثلاثاء 12 مارس 2002 سعى باول الى طمأنة المجلس بشأن ما كشفته الصحف الاميركية حول تعديل العقيدة النووية الاميركية، مؤكدا عدم حصول اي " تبديل اساسي" بالنسبة الى الادارات السابقة. ولكنه من جهة اخرى اقر بان تقرير «اعادة تقييم الوضع النووي» ينطوي على تحذير ضمني الى الدول المتهمة بالسعي لامتلاك اسلحة دمار شامل نووية او جرثومية او كيميائية. غير أنه اضاف " لا يبدو لنا امرا سيئا ان يدرك اولئك الذين يسعون من بلادهم الصغيرة وعواصمهم الصغيرة لامتلاك هذه الاسلحة ان لدى الولايات المتحدة مجموعة واسعة من الخيارات لردعهم في بادئ الامر ثم لحماية نفسها وحماية اصدقائها وحلفائها ". وخلال جلسة مع لجنة من مجلس الشيوخ سوئل باول عن خفض عتبة اللجوء الى السلاح النووي وعن احتمال توجيه ضربات نووية احترازية، فاجاب " اننا لا نقوم بشيء من هذا القبيل". واكد الوزير انه "ليس هناك تبديل اساسي بالنسبة الى الادارات السابقة" في هذا المجال، مشيرا بصورة خاصة الى ان الحكومة الحالية لا تعتزم الخروج عن قرار وقف التجارب النووية الذي اتخذه الرئيس السابق بيل كلينتون. وأضاف " ليس هناك تصعيد جديد "، معتبرا ان "فلسفة الادارة والرئيس جورج بوش تقضي بالاستمرار في خفض عدد الاسلحة النووية بشكل كبير".

هذا وكان ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي قد قلل من أهمية التقرير وذلك في مؤتمر صحفي عقد في لندن عقب اجتماعه مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وقال: "الولايات المتحدة لا توجه أسلحتها النووية اليوم لأي دولة."

هذا على صعيد التصريحات الرسمية، ولكنها لا تكفي لفهم مغزى إصدار هذا التقرير في هذه اللحظة.

وبمقابل تصريحات الادارة الامريكية الهادفة الى تطمين الجميع بعدم حصول تحول جذري في المذهب النووي الامريكي، الا أن هناك العديد من التحاليل الرصينة تشير الى العكس من ذلك. فقد أشار محللون - ومنهم داريل كيمبال مدير رابطة الحد من التسلح وهي منظمة لا تستهدف الربح - إلى أن التقارير التي كشفت مؤخرا بشأن التغيير في السياسة النووية الأميركية تؤكد أن إدارة بوش تسعى لزيادة وليس لتقليل دور الأسلحة النووية في السياسة الخارجية والعسكرية الأميركية.

في حين قال جون إيزاكس من مؤسسة (التحالف من أجل عالم يمكن العيش فيه) إن مراجعة وزارة الدفاع تأخذ السياسة الأميركية إلى اتجاه مغاير للاتجاه الذي سعت الولايات المتحدة فيه لإقناع دول العالم بعدم تطوير واستخدام الأسلحة النووية منذ أن ألقت الولايات المتحدة قنبلتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية.

وأشار إيزاكس إلى أن ذلك يثبت أن الإدارة الأميركية تحاول "التوصل إلى سبل للاستفادة من الأسلحة النووية وسبل لاستخدامها بالفعل".

ويخشى منتقدو السياسة الجديدة لاستخدام الأسلحة النووية الأميركية أن يؤدي إلى تبديد الضغوط الدبلوماسية بدرجة أكبر على دول تسعى لتطوير قدراتها النووية مثل إيران والعراق لمنعها من ذلك.



ومن جهة ثانية اثار كشف هذا التقرير مخاوف الاسرة الدولية وظهور انتقادات حادة من الصين وروسيا اللتين طالبتا الولايات المتحدة بتوضيحات حول هذا الموضوع. وأشارت العديد من التحليلات الى أن الكشف عن سياسات واشنطن النووية الجديدة قد جاء في وقت مثير للدهشة، فالإدارة تتفاوض مع روسيا على علاقات إستراتيجية جديدة تشمل اتفاقا لخفض الترسانة النووية في البلدين قبل قمة مقررة في مايو/ أيار المقبل بين الرئيس جورج بوش ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.



الروس غير مصدقين للرواية !!



ومن جهتها طلبت وزارة الخارجية الروسية من واشنطن إيضاحا بشأن تقارير تحدثت عن إعداد البنتاجون خطة طوارئ لشن هجمات نووية ضد روسيا. فقد نقلت وكالة انترفاكس الروسية عن وزير الخارجية الروسي إيجور إيفانوف قوله: "نأمل بأن نحصل على بيان من مصدر كبير يقدم توضيحا وضمانا للمجتمع الدولي." وأضاف أن هذه التقارير "ستتسبب في مخاوف وستؤدي إلى الندم" إذا ثبت صحتها.

في حين أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي ايفانوف انه أجرى محادثات معمقة في واشنطن حول مراجعة العقيدة النووية الاميركية ولكنه رفض ايضاح ما اذا كان مرتاحا للايضاحات التي قدمها نظيره الاميركي دونالد رامسفلد.
وقال ايفانوف الذي التقى ايضا الرئيس الاميركي جورج بوش في البيت الابيض "لقد اجرينا محادثات طويلة ومفصلة مع الوزير رامسفلد. من الافضل مناقشة هذه الملفات مع واضعيها شرط ان تكون هذه الوثائق مصدقة رسميا". ولكنه في الوقت نفسه رفض اعطاء اي تفاصيل اضافية حول هذه المسألة موضحا انه سيتطرق اليها خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رامسفلد لاحقا.وكان المسؤولون الروس قد اعلنوا بعد نشر التقرير المشار اليه سابقا الى انهم سيطلبون ايضاحات من واشنطن حول العقيدة النووية الاميركية الجديدة وخصوصا بشأن وضع واشنطن خططا طارئة لهجمات نووية محتملة على سبع دول من بينهما روسيا في حال واجه امنها تهديدا مباشرا، وفق ما جاء في التقرير.

ويأتي الخلاف الأخير بين واشنطن وموسكو في الوقت الذي تستعد فيه الدولتان لعقد اجتماع قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي جورج بوش في مايو أيار المقبل. ويأمل الرئيسان في توقيع اتفاق لتقليص الأسلحة النووية، لكن إيفانوف قال إن العمل على التوصل للاتفاق يسير ببطء شديد وإن هناك احتمال لأن يفشل المفاوضون في التوصل إليه قبل انعقاد القمة.

هذا وكان بوش قد تعهد بتقليص ترسانة الأسلحة النووية الأمريكية إلى ما يتراوح بين 1700 و2200 رأس حربي من ستة آلاف رأس حربي تملكها كل من الدولتين. في حين قال بوتين إن روسيا قد تقلص عدد أسلحتها إلى 1500 رأس حربي. لكن الولايات المتحدة أوضحت أنها ستقوم بتخزين بعض الأسلحة بدلا من تدميرها.

وقال البنتاجون إنه يحتاج للاحتفاظ بالأسلحة في حالة "وقوع أحداث دولية مفاجئة"، لكن إيفانوف قال إن هذا يعني أن تقليص عدد الأسلحة المقترح سيظل على الورق فقط.

المشكلة اليوم لا تكمن بالإعلان عن تقرير " إعادة تقييم الوضع النووي "بل في من هي الدول التي ستكون " فئران التجارب " التي سيطبق بحقها هذا " العلاج " لكي يفهم البقية مقدار القوة التي يتمتع بها والكافية لشفاء جميع " المرضى " ! والأكثر من ذلك أن بعض المحللين لا يأخذ هذا التقرير على محمل الجد، ويتعاملون معه بـ " روح رياضية " بتبسيطه حد الإبتذال.