مثقفون عرب في غزل مع الفاشية


اسماء اغبارية زحالقة
2003 / 11 / 29 - 05:08     

رأي
امامنا نحن ايضا امتحان وهو موقفنا وكيفية تعاملنا مع الاسرائيليين اليهود غير الصهيونيين الذين يريدون معنا بناء المجتمع البديل . ان طرد الاحتلال وليس طرد من يعارضه هو التحدي الماثل امامنا وهو المسؤولية التي لا يمكن تحقيقها دون القيم والمبادئ الاممية الانسانية.

كلما زاد العنف الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة، كلما انتشرت ظاهرة الغزل مع الفاشية ومعاداة "اليهود" في اوساط بعض المثقفين العرب. النظريات الجديدة التي تلغي اي فارق بين الصهيونية واليهودية وتدعم في جوهرها اللاسامية، تتيح اللجوء لحلول غير واقعية منها تأييد العمليات الانتحارية ضد "اليهود" كبرنامج وحيد للقضاء على الصهيونية.

واضح ان العمليات تحظى بتأييد شعبي لانها "تشفي الغليل" وتنتقم لقتلانا من قوات الاحتلال. فالشعب الفلسطيني وجد نفسه امام طريق مسدود، دون برنامج معقول ودون قيادة تقوده لحل النزاع بالطرق التي ترضيه. ولكن العاطفة التي تحرك الشعب، لا يمكنها ان تكون ملهم وموجّه الاوساط المثقفة الواعية.

ان هذا التطرف يجعلها تطبل وتزمر لتصريحات الرئيس الماليزي المستقيل، محاضر محمد، ضد اليهود واتهامه لهم بالتحكم بمصير العالم (القمة الاسلامية، 16 تشرين اول). ان هذا التطرف يعمي عيونها عن كون محاضر دكتاتورا عنصريا يقمع المعارضة والاعلام ويضطهد الاقليات والعمال الاجانب في بلاده، ويعتبر حليفا وثيقا للبيت الابيض، ويدعم الحرب في افغانستان والعراق دون تحفظ. التطرف يجعلها تنسى ان اتهام الاقليات بانها مصدر الشر، هو معادلة قديمة لانظمة تدخل ازمات وتسعى لابعاد المسؤولية عن نفسها باتهام قوى خارجية.

ان هذا التطرف يشير الى ان هؤلاء المثقفين وقعوا هم ايضا فريسة للاحباط وضحية للغريزة، وهو امر نابع من عجز هذه الاوساط عن الرؤية الموضوعية لطبيعة الصراع ولطبيعة الصهيونية وتمسكها برؤية سطحية وتبسيطية لواحدة من اكثر الظواهر التاريخية تعقيدا وخطورة. ان العجز عن التحليل العلمي السليم، هو مصدر العجز عن تقديم الحلول الواقعية والصحيحة لمواجهة الوضع المتأزم منذ مئة عام.

كيف وجدت هذه الشرائح المثقفة نفسها في نفس الخندق مع رموز دكتاتورية كمحاضر، وداعمة بقصد او بغيره تيارات فاشية عادت لترفع رأسها من جديد في اوروبا؟ كيف لم تستوعب العبرة من التكتيك الذي انتهجته القيادة الفلسطينية الممثلة بالحاج امين الحسيني في الاربعينات، والتي رأت في النازية حليفا في مواجهتها مع الصهيونية، وكان الثمن ضياع فلسطين؟

 

طبيعة الصراع: يهود ومسلمون؟

في فخ بن لادن

على خلفية العاصفة العالمية التي اثارتها تصريحات محاضر محمد واتهامه باللاسامية، اجرى برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة (28 تشرين اول) لقاء مع الفلسطيني د. ابراهيم علوش، من جمعية مناهضة الصهيونية، والكاتب المصري علي سالم، المؤيد للتطبيع مع اسرائيل. خلال البرنامج ايد 98% من المشاهدين تصريحات محاضر محمد.

في ما يشبه مذكرة الدفاع عن هذه التصريحات، يركز علوش على امتداد البرنامج على كلمة "اليهود" بدل استخدام عبارة "الصهيونية" او "الحكومة الاسرائيلية" او حتى "شارون". ويأتي باحصائيات تشير الى مدى تنفذهم في المؤسسة السياسية والاعلامية الامريكية، ليثبت انهم فعلا يحكمون العالم.

المشكلة الاولى في هذا الطرح انه يقترح طابعا جديدا، دينيا، للصراع العربي الاسرائيلي، وتقسيما جديدا لمعسكرات الحلفاء والاعداء، اساسه التناقض بين اليهود وبين المسلمين. بذلك يكون علوش قد موّه الطابع الحقيقي للصراع، وهو التناقض الطبقي بين رأس المال الذي تنتمي اليه الصهيونية او السلطات الاسرائيلية، والقوة العاملة التي تنتمي اليها كافة الشعوب المضطهدة بضمنها الشعب الفلسطيني.

وثانيا، يكون قد وضع نفسه في خانة واحدة مع اسامة بن لادن الذي يرى العالم من نفس المنظور الغيبي: المسلمون مقابل الكفار. و"تبشر" هذه الرؤية بفتح المجال لتوسيع رقعة الاعداء لتشمل الغرب كله، الذي لم تعد له صفة الرأسمالي، بل المسيحي الكافر. ومن جهة اخرى فانه يرى حلفاء له في الانظمة القمعية والقوى الرأسمالية الاسلامية والعربية لمجرد كونها مسلمة، حتى لو كانت في الواقع حليفة مصالح طبقية لرأس المال الامريكي "الكافر" (امثال محاضر مثلا).

 

اليهودية = الصهيونية؟

في فخ هرتسل

تنازل علوش عن التحليل الطبقي للامور، قلّص المسافة بينه وبين الوقوع في نظريات غيبيبة لا تمت للتاريخ او العلم باية صلة. اقتراحه النظري هو ان الايديولوجية الصهيونية نشأت عن اليهودية، ومن هنا فلا فرق بين الصهيونية واليهودية.

بهذا الموقف يعترض علوش في المقابلة معه، على الفصل الذي يسميه "تبسيطيا" بين اليهودية والصهيونية الذي "كان يحدث في الستينات، عندما كان يقال: نحن ضد الصهيونية ولسنا ضد اليهود". ويرد على ذلك بالسؤال الاستنكاري: "هل نزلت الصهيونية من المريخ؟ ام تم تفريخها ضمن اليهودية واليهود؟". وعلى اليهودي الذي يقول: انا اؤيد الحقوق الفلسطينية، يقترح علوش السؤال التالي: "ماذا تفعل في ارضي وبيتي اذن، اذا كنت تؤيد الحقوق الفلسطينية، لماذا لا ترحل؟".

آخر ما كان يريده علوش ان يعطي الصهيونية اسبابا لتزيد قوتها، ولكن هذا ما فعله بالضبط. عندما يستميت ليؤكد ان كل يهودي هو صهيوني انما يقوم بافضل دعاية لهرتسل الذي استمات هو الآخر ليقنع اليهود التابعين لقوميات مختلفة، بانهم شعب له جذور مشتركة تعود لما قبل الفي عام، قبل طرده من ارض الميعاد "صهيون"، وان له قومية هي "الصهيونية" ومن حقه ان تكون له دولة.

ولو كلّف علوش نفسه عناء البحث العلمي في الجذور التاريخية لتطور اليهودية ولنشوء الصهيونية العلمانية لاكتشف التناقض بين الامرين وان الصهيونية استخدمت المسألة اليهودية واللاسامية كغطاء ايديولوجي لبناء حركة استعمارية.

كتاب "المسألة اليهودية – رؤية ماركسية"، الذي كلف مؤلفه الماركسي (اليهودي) المعارض للصهيونية ابرام ليئون حياته بايدي القوات النازية، يدحض ادعاء الحركة الصهيونية بان اليهود هم عنصر له مميزات مشتركة تجعل منه شعبا. ويجزم بان الصهيونية لم تأت لحل المسألة اليهودية بايجاد وطن لليهود، بل جاءت لحل مشكلة الطبقة الوسطى اليهودية التي تضررت مصالحها في اوروبا بفعل ازمات النظام الرأسمالي.

الاثبات القاطع على عدم وجود علاقة بين الصهيونية واليهودية هو توقيت نشوء الصهيونية في القرن التاسع عشر، مع ان ظاهرة اللاسامية ليست جديدة.

 

الصهيونية امتداد للامبريالية

المؤلف عبد الوهاب المسيري الخبير في تاريخ اليهود، وضع كتابا جديدا بعنوان "البروتوكولات، اليهودية والصهيونية"، يسوق رؤية علمية نقدية للافكار المسبقة في العالم العربي حول اليهودية والصهيونية.

يفسر المسيري الطابع الطبقي للصهيونية، فيكتب: "ان تقديس الصهاينة للعنف (في فلسطين) هو افراز طبيعي للحضارة العنصرية الامبريالية التي كانوا يتحركون في اطارها. والصهيونية لم تتحول الى حقيقة الا عبر التشكيل الاستعماري الغربي وهي تدور في اطاره، وتدرك العالم من خلال خريطته المعرفية، وليس من خلال التوراة او التلمود او البروتوكولات".

ويضيف: "اكتشف هرتسل انه يمكن للغرب التخلص من اليهود عبر تحويل هجرة اليهود من العالم الغربي الى مكان ما خارج حدوده. وادرك هرتسل انه لا بد من اللجوء الى الاستعمار الغربي باعتباره الآلية الوحيدة لتنفيذ مشروعه الاستعماري الاستيطاني الاحلالي".

يقول المسيري ان خدمة الصهيونية للمصالح الاستعمارية الامريكية، هي سر قوة الحركة واللوبي الصهيونيين وسبب نفوذها في الاعلام: "الحركة الصهيونية ليست جزءا من التاريخ اليهودي، ولا هي جزء من التوراة والتلمود برغم استخدام الديباجات التوراتية والتلمودية. وإنما هي جزء من تاريخ الإمبريالية الغربية، فهي الحل الاستعماري للمسألة اليهودية". ويفسر: "لذلك فانها لم تظهر بين يهود اليمن أو المغرب، وإنما ظهرت بين يهود الغرب".

 

اللاسامية دعاية للصهيونية في فخ هتل

هذه امور لم يكلف علوش نفسه عناء بحثها، عندما يقول بتبسيط ان الصهيونية واليهودية سواء، ولو فعل لما وقع في فخ آخر وهو الدفاع عن اللاسامية، وقد بلغت به الامور حد انكار المحرقة وتسميتها بالمخرقة (في اشارة الى انها لم تحدث) واقتباس "مؤرخين" يبرئون هتلر من تنفيذ برنامج منهجي لابادة اليهود. ولا يدرك علوش ان اللاسامية هي افضل دعاية تستخدمها الصهيونية لتبرر نظريتها الرئيسية التي قالت، وتقول، ان اللاسامية هي صفة ازلية. وتقترح ان الرد على ذلك لا يكون باندماج اليهود في المجتمعات الغربية، بل في خلق هوية قومية خاصة بهم، وايوائهم في وطن يحميهم من اللاسامية والرغبة في الاستيلاء على ثرواتهم.

مشاعر اللاسامية المتنامية اليوم في اوروبا، تؤدي خدمة جليلة للطرح الصهيوني الذي يقول ان الغرب يكرهنا دائما وابدا. من ذلك استطلاعات الرأي التي تضع اسرائيل في رأس قائمة الدول الخطيرة على العالم، في حين تضع امريكا التي تشكل هي الخطر الحقيقي، في المرتبة السادسة بعد العراق. تصريحات الملحن اليوناني ثيودوراكيس هذا الشهر بان "اليهود هم اصل الشر"، تصب في نفس الاتجاه. وكذلك الامر بالنسبة للتصريحات ضد اليهود والشيوعية في نفس الوقت التي اطلقها مارتن هوفمان النائب عن الحزب المسيحي الديمقراطي في البرلمان الالماني، بان اليهود هم "شعب من المذنبين" وربطهم بالثورة البلشفية.

 

ما الحل؟

اذا فهمنا الصهيونية ضمن التطور التاريخي، وادركنا انها ممكنة فقط في اطار الرأسمالية الامبريالية، نفهم ان القضاء عليها يكمن في القضاء على الاطار الرأسمالي الامبريالي نفسه، الذي تقوده اليوم امريكا، وذلك من خلال بناء اطار اشتراكي اممي بديل.

الامتحان امام كل يهودي هو موقفه من القضية الفلسطينية والاحتلال، واي يهودي (او غير يهودي)، سواء على ارضي او في اقصى الارض، يعارض الصهيونية ويؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، ويسعى للمشاركة في النضال من اجل بناء مجتمع جديد هنا، ليس على اساس ديني او قومي، بل على اساس اممي جديد، فهو حليف لنا.

ولكن امامنا نحن ايضا امتحان وهو موقفنا وكيفية تعاملنا مع الاسرائيليين اليهود غير الصهيونيين الذين يريدون معنا بناء المجتمع البديل. ان طرد الاحتلال وليس طرد من يعارضه هو التحدي الماثل امامنا وهو المسؤولية التي لا يمكن تحقيقها دون القيم والمبادئ الاممية الانسانية.

الصبار