إلحاق استعماري وليس اتحاداً

قاسيون
2008 / 1 / 11 - 10:47     

* إبراهيم البدراوي
مباشرة عقب إعلان رئيس فرنسا نيقولا ساركوزي عن مشروعه لإقامة «اتحاد دول حوض البحر المتوسط»، اندفع أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري وأدلى بتصريح خطير نشرته جريدة الأهرام عدد 8 أيلول يقول نصاً: «أعلن أحمد أبوالغيط وزير الخارجية أن اقتراح الرئيس نيقولا ساركوزي بإقامة اتحاد لدول حوض البحر المتوسط، على غرار الاتحاد الأوربي، فكرة تحتاج للدراسة. وقال أبو الغيط – أمام لجنة في البرلمان الأوربي أن خطة ساركوزي مثيرة للاهتمام للغاية، ويمكن أن تساعد في توحيد شمال وجنوب حوض البحر المتوسط». هكذا كان تصريح وزير الخارجية حتى قبل أن يعود إلى الوطن. وهكذا كانت الجملة الأخيرة فيه بدلالاتها الخطيرة.

لم أسمع إطلاقا أبو الغيط من قبل يتحدث عن اتحاد عربي، في حين نضبطه متلبساً بالترحيب بحماس لتوحيد شمال وجنوب المتوسط.

عاد ليطل علينا من جديد المشروع الذي سبق طرحه بشكل أولي (ومختلف) وعلى استحياء في مؤتمر برشلونة عام 1995. ولكنه تعطل بسبب أولوية إلحاق شرق أوربا بالاتحاد الأوربي (وقد أنجز الإلحاق فعلا). وهاهو المشروع يعاد طرحه الآن بشكل واضح بعد أن خمدت –مؤقتاً- قوة الدفع إلى حد التوقف لمشروع «الشرق الأوسط الجديد» الصهيو-أميركي،نتيجة للانتصار العظيم الذي حققه حزب الله مدعوماً بالقوى الوطنية اللبنانية 2000. وعلى خلفية الرفض الشعبي العربي لهذا المشروع، والأزمة العميقة التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. وكذا الصمود السوري والصمود الإيراني في مواجهة الضغوط الشديدة، وتصاعد المقاومة العالمية للهيمنة الأمريكية، والصعود السريع لقوى منافسة لأمريكا (الصين وروسيا)، وهى أمور تفاقم وتعمق الأزمة الداخلية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة.

جاءت قفزة ساركوزي «الحصان الأسود الجديد للاحتكارات الأوربية» مصحوبة بتحرك واسع قام به على ثلاثة محاور: الأول أوروبي لانتزاع المبادرة لصالح فرنسا بما يدعم مركزه شخصياً (الإفراج عن الممرضات البلغاريات – وثيقة معاهدة برشلونة كبديل عن الدستور الأوربي المتعثر، متضمنة ترضيات للعديد من دول شرق وغرب أوربا..الخ). والثاني تطمينات للولايات المتحدة الأمريكية حيث قدم نفسه كالحليف الأوروبي الأول بديلاً عن بلير. والثالث توسيع دور فرنسا باقتحامها لمناطق النزاعات في البلدان العربية وأفريقيا، والدخول بقوة لعلاقات وصفقات اقتصادية وتسليحية مع دول عربية.

لكن القفزة – الهجمة الجديدة لساركوزي لم تكن لتشكل خطورة كبيرة وحالة فيما لو كان النظام الرسمي العربي يمتلك أى قدر من المناعة لصد هذه الهجمات الامبريالية. فمن المعروف أن 9 دول عربية قد شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كما انضمت 4 دول خليجية لحلف الأطلسي (بصفة حليف) إضافة لدول في المغرب العربي تفاوض للانضمام. وأنه توجد 61 قاعدة أمريكية في 11دولة عربية (معظمها في دول الخليج). وأنه يتم – بمشاركة ودعم حكومات عربية وقوى محلية عميلة – تدويل ذو طابع امبريالي للنزاعات المحلية في دول بالمنطقة.كما تتوجه فوائض النفط بأرقامها الفلكية الى الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا رغم مواقفهما المعادية لنا ودعمهما للعدو الصهيوني، وانعدام أية قدرة على الاحتجاج ولو بالقول على الممارسات الصهيونية ضد الأشقاء الفلسطينيين، وصولاً إلى تشجيع العدوان على لبنان. كما يجري التطبيع علناً وسراً مع العدو الصهيوني. ويتم فتح المجال لاختراقات خطيرة لبلداننا تحت سمع وبصر الحكومات. وتشكلت ميليشيات الليبراليين الجدد والمتمولين الذين يبشرون ويروجون للهيمنة الامبريالية والصهيونية. ولم يتبق في العالم العربي على موقف الممانعة ورفض الهيمنة سوى سورية والسودان.
اقتسام واستحواذ

قفزة ساركوزي الجديدة والنوعية في ظل الظروف الحاضرة تمثل في جوهرها بداية مرحلة من المنافسة، وربما الصراع (حتى وإن كان سلمياً) لاقتسام إقليمنا العربي وتخومه الإسلامية بين الضواري الامبرياليين (أمريكا وأوربا). وأنتجت حالة التردي في النظام الرسمي العربي ذلك الوضع الخطير الذي تحولنا فيه إلى مجرد موضوع للصراع وليس ذاتاً فاعلة في الصراع في مواجهة الأعداء، لقد حولتنا الطبقات الحاكمة التابعة إلى مجرد وليمة تتصارع الذئاب الشرهة التي لا تشبع لالتهامها.

ما يلوح في الأفق الآن هو أن الوطن العربي في الطريق نحو الاقتسام بكل تداعياته من تفتيت للكيانات القائمة، بحيث تؤول دول شرق وجنوب البحر المتوسط لأوربا، وبلدان الخليج وشبه الجزيرة العربية والعراق وما وراءهم للاستحواذ الأمريكي. إنه سايكس بيكو جديد ولكن بطريق الاستحواذ والإلحاق الكامل محكوم بنزعات إمبراطورية على قاعدة المعادلة المشهورة التي وضعها منظرو العولمة الرأسمالية 8:2.

وإذا كان مشروع «الشرق الأوسط الجديد» هو موضوع للهيمنة الصهيو-أميركية على مجمل العالم العربي وتخومه الإسلامية، فإن مشروع «اتحاد دول المتوسط» له الطابع المهيمن ذاته، ولكن على جزء من عالمنا العربي. وبوجود الكيان الصهيوني داخله كما أعلن أوربياً وبوضوح سوف يجعله مشروعا للهيمنة الصهيو-أوربية.

سوف يطلع علينا من القوى المتشبثة بالمشروع الرأسمالي من يضعون مقارنات ومفاضلات بين الأوربيين والأمريكيين، باستغلال للعداء الشعبي اللامحدود للولايات المتحدة، وبالتالي لتجميل هذا المشروع الأوربي الامبريالي الصهيوني وعلينا مواجهة هذا الزيف بكل قوة.

يتذكر العرب أن الاستعمار الفرنسي في الجزائر– حتى تمام تحريرها ثورياً– كان استعماراً استيطانياً اعتبر أن الجزائر امتداد لفرنسا عبر البحر المتوسط. هذه المرة فلإن كل بلداننا العربية المستهدفة بهذا المشروع هي امتداد لأوربا عبر هذا البحر.

وينبغي أن نعي أن البرجوازيات التابعة والفاسدة والعميلة في شرق أوربا قد هرولت للانضمام إلى الاتحاد الأوربي وإلى حلف الأطلسي لإسباغ الحماية على نفسها وأسلمت شعوبها لقمة سائغة للاحتكارات الأوربية. لذا يجب الانتباه واليقظة لما ستفعله البرجوازيات العربية الباحثة عن الحماية من غضب شعوبنا والمتحسبة لساعة الثورة. وليس هناك من سبيل سوى وحدة العمل الشعبي العربي لصياغة البديل والنضال من أجل تنفيذه (أي الوحدة العربية على أسس ديمقراطية شعبية تقدمية معادية للامبريالية والصهيونية)، قبل أن يجرفنا الطوفان.