تيار الاشتراكيون الجدد : مسؤولياتنا


حميد باجو
2007 / 12 / 30 - 12:40     

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

إن إحساسنا بالمسؤولية وبالخطر الذي يحدق بالحزب، هو ما دفعنا لصياغة وتوجيه هذه الورقة لمجموع الاتحاديين، ورقة نطمح من وراءها أن تضع النقاش السياسي الذي يحتاجه حزبنا ومجموع اليسار المغربي في هذه المرحلة، في إطاره الحقيقي.
فنحن مقتنعون بأن نتائج الانتخابات الأخيرة وما ترتب عنها من تشكيل للحكومة، وتأثير ذلك على قيادة الحزب، إنما يجب أن تعالج بطريقة سليمة تسمح بإعادة التأسيس الذي هو الآن مطلب اللجميع. فالأمر لا يمكن اختزاله في أخطاء شخصية فقط أو خطأ جماعي في تدبير المرحلة، ولكننا نجد أنفسنا أمام ضياع لمفهوم السياسي ككل ، بالنسبة لمرحلة تاريخية سميت "بالتوافق" . فهذا التموقف السياسي الأخير الذي تبناه حزبنا منذ 1998، كان له ما يبرره آنذاك، إذ كان الهدف منه هو تحقيق القطيعة مع مرحلة سابقة طبعها الصراع حول المشروعية بين مكونات الحركة الوطنية والملكية. غير أن تعيين ادريس جطو الذي وصفه بيان المكتب السياسي بالخروج عن المنهجية الديمقراطية، أفرغ ذلك التوافق من كل محتواه السياسي.
لقد انتقلنا من أغلبية توافقية فرضتها اللحظة التاريخية آنذاك، إلى أغلبية لا طعم لها و غير منسجمة مع خط الحزب. في البداية تم التبرير لذلك باسم "أوراش" بقيت مفتوحة من الحكومة السابقة ، والآن يبرر لذلك باسم "التزامات" سابقة هي على كل حال، غيرالتزامات مؤتمرات الحزب.
هذا الانحراف ما كان ممكنا حدوثه، لو أن حزبنا ومعه باقي العائلة الاتحادية ، قام في وقته بالتنظير لهذه القترة التاريخية. فما هو أكيد أنه في غياب تصور نظري واضح فإن مشروعنا – إذا كان لا يزال هناك مشروع- قد فقد كل إشعاع له داخل المجتمع حتى أننا تماهينا مع مشروع افتراضي للدولة.
إن إحدى خصائص المرحلة المفتوحة منذ سنة 1991، أن الحزب لم يبق متوجها إلى المجتمع لتعبئته من أجل التاثير في صناعة مستقبل البلاد، بل أنه حد أفق ممارساته في العلاقة مع الدولة ولم يعد يتعامل مع المجتمع إلا باعتباره شاهد على هذه العلاقة وليس طرفا مشاركا فيها. وقد كان هذا التوجه اللاتاريخي بمثابة ضربة قاتلة للحزب ولليسار المغربي ككل، لأنه أفرغ المشروع اليساري من روحه وجعله في وضع باهت بالمقارنة مع مشروعين آخرين منافسين : مشروع افتراضي للدولة وآخر أصولي. وبهذا أصبح العرض السياسي لليسار تابعا لعرض الدولة، بينما أن الأصل في المشروع الديمقراطي هو أن تبقى هذه الأخيرة في موقع الحياد.
فنحن مقتنعون بأن القراءة النقدية للفترة بكاملها هي ما ستسمح لنا ببلورة خط سياسي بديل، يعيد التأكيد على قيمنا اليسارية، ويحدد إطار تحالفاتنا الممكنة، كما يعيدنا إلى موقعنا في قلب المجتمع وكطليعة لتحديث بنياته وبنيات الدولة وقوة محركة للتغيير. لقد صار مطلوبا من الحزب الآن أن يتخلص من بعض الأفاق المزعومة، كالقول "بتعاقد جديد مع الملكية" أو "أوراش من جيل جديد" . فتلك في أحسن الحالات، مجرد مقولات تبريرية، وفي أسوئها هي تعبير عن مأزق تاريخي. لأن الأفق الوحيد الذي بقي ممكنا أمامنا هو إعادة تأسيس للحزب مع ومن أجل المجتمع، وذلك لحمل راية التغيير الاجتماعي على كل مستوياته.
أمام هذا التحدي التاريخي إذن، صار من اللازم والمستعجل أن يعي الاتحاديون ضخامة المسؤوليات المطروحة عليهم والتي لن يمكن الإجابة عليها إلا عبر الاجراءات التالية:
- مؤتمر وطني لإعادة التأسيس مفتوح على الجميع
فبالنسبة إلينا لا يجب أن يوظف المؤتمر المقبل فقط، لإضفاء الشرعية على القيادة الحالية، ولا أن يقصى منه حتى أولاءك الذين كانوا على خلاف، ليس بالضرورة مع الخط السياسي، ولكن مع طريقة تصريف هذا الخط، باعتبار أن ليس هناك من غادر الاتحاد الاشتراكي لأسباب إيديولوجية، ولكن كل الانشقاقات إنما كانت لخلافات حول قرارات لحظية. فما هو طبيعي اليوم، أن تمنح الفرصة لكل من يرغب في المساهمة في التحليل النقدي من أجل إعادة التأسيس بدون أي إقصاء، ولكن في نفس الوقت بدون أي توافقات فوقية للأجهزة. فهذا المؤتمر يجب أن يسمح بأوسع ما يمكن من النقاش، في أفق بلورة رؤية واضحة للمرحلة التاريخية، وخط سياسي معبر عليه بوضوح، وأداة تنظيمية ملاءمة، موجهة لتعبئة المجتمع وللتأطير السياسي لأوسع الفئات.
- مؤتمر سياسي حقيقي وليس فرصة لاستعراض العضلات
إن الأهداف التي ترسمها المرحلة الراهنة للمؤتمر، تفرض مراعاة مجموعة من القواعد الأولية. علينا أن نخرج من طريقة التحضير التقليدي، ومن المؤتمرات الاستعراضية والضخمة، وأن تتوفر كل الشروط لنقاش ديمقراطي حقيقي في القواعد. كما يجب أن تعطى الفرصة لكل الأراء الموجودة في الحزب للتعبير عن نفسها. ولهذا الغرض يجب أن يقلص عدد المؤتمرين إلى أقل ما يمكن ولا يتجاوز بضع مئات، بما سيسمح بحسم التناقضات سياسيا وليس شكليا فقط.
- إعادة تحديد لقيمنا
يجب على المؤتمر أن يعيد تأكيد وتدقيق قيمنا. فأن يتعلق الأمر بالديمقراطية أو بالحريات الفردية والجماعية، أو بمبدأ التضامن الاجتماعي، أو بإعادة تحديد دور الدين وعلاقته بالدولة والمجتمع ... فإن مواقفنا على هذا المستوى قد بقيت متذبذبة وغير منسجمة مع خطابنا. بل أننا فضلنا أحيانا الاختباء وراء حسابات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها انتهازية، تخضع للحظة ولا تسعى إلى التأصيل التاريخي والمجتمعي لهذه القيم. فنحن مطالبون أمام المجتمع، بأن نوضح هويتنا جيدا، وأن ندافع عن أفكارنا مهما كانت الظروف الذي تحيط بنا.
- العودة إلى طرح المسألة الدستورية
بالرغم من أن لا أحدا يمكن له إنكار ما تحقق من توسيع للحريات، ومن حياد ظاهري للدولة في العملية الانتخابية، وهي المكاسب الوحيدة التي يمكن أن نسجلها للفترة المنصرمة فإن البناء الديمقراطي في بلادنا يبقى مع ذلك في مفترق للطرق، ما دام أن احتكار الملكية لكل المبادرات لا يعمل إلا على إضعاف باقي المؤسسات الأخرى. ولا شك أن الإطار الدستوري الجاري به العمل حاليا، قد أبان عن حدوده، وأنه تحول إلى معرقل للانتقال الديمقراطي. بل أكثر من ذلك أن هذا الوضع لم يعمل إلا على ترسيخ قناعة عند المواطنين بفضائل نظام يقوم على الاستبداد المستنير، يزيد من تكريسه الخوف من اكتساح أصولي من جهة، وغياب شبه كلي عن الساحة لمشروع اشتراكي ديمقراطي لليسار من جهة أخرى. لهذا السبب لا يمكن لمؤتمرنا أن يتجاهل المسالة الدستورية، ليس لاستعمالها كسلاح ظرفي للابتزاز، ولا للتعامل معها بشكل لاتاريخي عبر استيراد نماذج جاهزة، ولكن بالسعي بتنسيق مع قوى اليسار الأخرى، إلى اقتراح إصلاحات سياسية ودستورية كفيلة بإزالة العقبات الموضوعة أمام التحول الديمقراطي.
- مؤتمر لإعادة التموقع الاجتماعي
بالنظر إلى شروط التطور التاريخي الخاصة بالمغرب، يجد حزبنا نفسه وهو لا يزال يحمل مهاما، هي في مجتمعات أخرى كانت من المهام التي أنجزتها الطبقة البرجوازية في مرحلة صعودها. فنحن نجد أنفسنا الآن مضطرين لأن نكون في طليعة النضال من أجل الديمقراطية، ومن أجل الحداثة، ولكن من أجل التضامن الاجتماعي أيضا. وهذه المهمة الأخيرة وإن كان لا يمكن اختزالها في الخطاب الشعبوي الذي طوره الحزب وروج له خلال العقود الثلاثة الماضية، غير أنه لا يمكن التملص من نقد تجربته الحكومية على هذا المستوى، وبالخصوص تحديد طبيعة هذا التضامن الاجتماعي الذي يناضل من أجله. وقد يكون ذلك في شكل تصور متقدم حول المرفق العمومي وفي مقدمة ذلك المدرسة والصحة، أو بالنضال من أجل عدالة جبائية وتكافؤ للفرص بين كل المغاربة، والاهتمام بالعالم القروي وبوضعية المرأة وباقي الفئات الأخرى المتضررة ....
- مؤتمر لإسترجاع الإشعاع الاتحادي
لقد افتقد حزبنا كل إشعاع له خلال السنوات الأخيرة، ليس فقط لأن حضورنا أصبح شبه منعدم في المنظمات الجماهيرية وفي النسيج الجمعوي، ولكن لأن كل المثقفين والمبدعين الذين كانوا يعتبرون أنفسهم في فترة سابقة ، أنهم رفاق طريق للحزب، قد ابتعدوا عنه الآن. ولهذا فهو لن يستطيع استرجاع موقعه إن لم يتحول هو نفسه إلى قطب للتفكير الملتزم. أما بالنسبة للشباب، فقد أصبح لزاما على الحزب أن يعيد تكييف خطابه ومناهجه وأدوات اشتغاله في هذا الميدان، بما يسمح لشبيبته أن تتحول فعلا إلى ممثلا حقيقيا لهذه الفئة من المجتمع.

إن ما نريده من المؤِتمر القادم هو أن لا يعود حزبنا للسقوط مرة أخرى، في صراعات النخب الحزبية والبحث عن المواقع داخل الأجهزة. فمسؤولياتنا الجماعية كاتحاديين، أن نساهم جميعا في إعادة التاسيس لحزب مستقل في قرارته، منغرسا في المجتمع ومنفتحا على كل أطراف اليسار. وهذه المهمة إذ تفرض علينا الحرص على الوحدة الحزبية تفرض أيضا توفير جو من الوضوح والشفافية. وكل محاولة لاختزال الأزمة الحالية إلى مجرد صراع بين الأشخاص، لن تؤدي إلا لتعميق الأزمة. فنحن أمام أزمة هوية و مشروع وبرنامج سياسي، وعلى كل المناضلين، أن يعوا هذه الحقيقة ويعملوا في ضوءها . ونحن كاشتراكيين جدد إنما نلتزم بالعمل بكل وضوح وتصميم في إطار هذه الرؤية بالذات.
عاش الاتحاد الاشتراكي
عاش اليسار المغربي
عاشت القوى الديمقراطية