الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تيار -الاشتراكيون الجدد-


حميد باجو
2007 / 12 / 21 - 12:41     

" الاشتراكيون الجدد" هم أولا فكرة قبل أن يكونوا تيارا منظما وله هيئات رسمية. ففكرة التيارات هي شيء جديد على مناضلي الحزب، وليس هناك تقليد أو أعراف في هذا الميدان. ثانيا أن هذه الفكرة هي مرتبطة في ذهن جل الاتحاديين بتجارب الانشقاق المريرة، وبالتالي من الطبيعي أن يكون هناك بعض التخوف والحذر من هذه الفكرة. فالكثيرون قد تساءلوا حين علموا بهذه المبادرة، إن لم يكن "الاشتراكيون الجدد" هم أيضا مجرد نواة وبداية لانشقاق آخر داخل الحزب كما سبق وأن حدث من قبل.
ولهذا فنحن أمام غياب تقاليد العمل بالتيارات داخل الحزب من جهة، وأمام حالة الحذر والتوجس من هذه الفكرة من جهة ثانية، ارتأينا أن تأخذ مبادرتنا على الأقل في البداية، طابعا بيداغوجيا تدرجيا، الهدف بناء جعل المناضلين يستأنسون بهذه الفكرة.
فنحن قمنا بصياغة مشروع لأرضية وضعناها رهن إشارة كل المناضلين لإبداء رأيهم واقتراحاتهم فيها قبل أن تتحول إلى أرضية رسمية. كما أننا كوننا لجنة تحضيرية للتنسيق مكونة من أربعة أشخاص هم مصطفى السياب ومحمد الطالبي وحسن طارق وعبد ربه الذي كلفت بأن أكون الناطق باسم هذه المجموعة. وحين سينتهي النقاش حول هذه الأرضية ويتم الاتفاق على الصيغة النهائية، سنجمع لائحة لتوقيعات الذين سيتفقون بشأنها ونقدمها بشكل رسمي إلى قيادة الحزب.

- 2
من بين الملاحظات التي وصلتنا من بعض المناضلين حول هذه الأرضية، أن عابوا عليها عدم تدقيقها في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتركيزها فقط على الجانب الإيديولوجي والجانب التنظيمي. ولكن نحن نعتقد أن الأوان ربما لم يحن بعد للتدقيق في كل القضايا، باعتبار الجو العام السائد حاليا داخل الحزب الذي لا يوفر الشروط المناسبة لذلك، وأن المناضلين لازالوا منشغلين في أغلبيتهم بالمشاكل التنظيمية وبقضايا التدبير اليومي وتدبير الانتخابات، وقليل جدا ما يتم الاهتمام بمثل هذه النقاش والدليل على ذلك، العزوف الكبير عن المشاركة في أشغال اللجان خلال المؤتمرات الحزبية، أو عن الأنشطة التي تنظمها مثلا المؤسسة الاشتراكية للدراسات.
لكل هذه الأسباب نحن ركزنا فقط على الجانبين الإيديولوجي والتنظيمي:
الجانب الأول هدفنا منه ممارسة نوع من "الاستفزاز الفكري" للحث على الخروج من حالة الغموض الفكري والتيه الإيديولوجي الذي يتخبط فيه كثير من الأشخاص داخل الحزب أو خارجه، الذين لا يستطيعون حتى أن يحددوا مواقفهم بدقة على هذا المستوى، ولا أن يعرفوا أنفسهم إن كانوا اشتراكيين أو ليبراليين أو سلفيين أو قوميين أو أي شيء آخر.
فتوضيح الرؤية الإيديولوجية سيسهل التعامل بسهولة مع القضايا والمشاكل الطارئة ويوفر رؤية حول المستقبل أكثر وضوحا واقل التباسا. وبالنسبة إلينا، إذا حاولنا أن نعرف أنفسنا على المستوى الإيديولوجي باعتبارنا اشتراكيين ديمقراطيين بنزعة كونية واضحة، فذلك حتى نميز أنفسنا عن التصورات الإيديولوجية الأخرى الموجودة داخل الحزب، من سلفية وطنية أو خصوصية هوياتية أو قومية شوفينية عروبية كانت أو أمازيغية، أو ليبرالية اقتصادية. وندفع أصحاب هذه القناعات لفتح نقاش عميق بيننا حول ما نفترض أنه هوية حزبية مشتركة فيما بيننا، بل وحول الهوية المفترضة للمغاربة ككل.
ولكن لأن الشروط الحالية غير ملائمة لفتح مثل هذا النقاش، فإننا لذاك تعمدنا أن يكون الشق الثاني من اهتمامنا الحالي، مركزا على الجانب التنظيمي. فنحن نعتقد أن هذا أن هذا الأخير صار حاليا بمثابة الحلقة الأضعف أو الجانب الأكثر سلبية في الحياة الحزبية، وفي نفس الوقت، المدخل الذي لابد منه لإعادة الحيوية إلى الحزب. فإذا كنا نشير بالأصابع إلى التباطؤ الذي يعرفه الانتقال الديمقراطي للبلاد ككل، فالأحرى بنا أيضا، أن نقف على التعثر الذي لازال يعاني منه الحزب في انتقاله الديمقراطي الداخلي الخاص به. ولا يخفى على أحد مثلا كيف ساهم المشكل التنظيمي الذي عانى منه الحزب في المؤتمر السادس، بشكل حاسم في التراجع عن المنهجية الديمقراطية حين تعيين إدريس جطو على راس الحكومة الانتقالية الثانية. لذلك فقد أصبح ملحا على الحزب أن يحدث ثورة تنظيمية في هياكله ويقطع مع العقلية البيروقراطية والمحافظة لدى بعض أطره ومسؤوليه. والحل الوحيد لذلك، هو الترسيخ لفكرة المؤسسة الحزبية ولاحترام الضوابط التنظيمية ونزع الطبع الشخصي عن الهيئات والقرارات الحزبية. وهذا يفترض بالإضافة لذلك، إدخال العديد من التعديلات على القانون الداخلي سنقترحها على المؤتمر الوطني القادم.

- 3
كما ذكرت في البداية، أن فكرة التيارات هي أصلا جديدة على الحزب، وإذا كان قد سبق الاعتراف بها فعلا، في المؤتمر السادس، فذلك كان تحت ضغط الأحداث التي عرفها هذا المؤتمر وليس عن قناعة لدى الاتحاديين. ولهذا فبمجرد أن تغيرت الوضعية التنظيمية للحزب بعد الانشقاقات التي حدثت آنذاك، تم تناسي تلك الفكرة ولم يهتم بها أحد حتى أن اللجنة التحضيرية للمؤتمر السابع شطبت عليها بسهولة من مسودة القانون الداخلي الجديد دون أن يحتج على ذلك أحد
ورغم أننا طالبنا من جهتنا لحظة الصياغة النهائية لهذا القانون في إطار اللجنة التنظيمية المنبثقة عن المجلس الوطني، بإعادة إدراج البند المتعلق بالتيارات في القانون الداخلين إلا أن أغلب أعضاء اللجنة وأعضاء المجلس الوطني لم يوافقوا على ذلك، وبقيت التيارات غير معترف بها بشكل رسمي داخل الحزب. ولهذا فأنا لا أحمل المسؤولية في هذا الأمر للسيد اليازغي أو لأي مسؤول قيادي، وإنما هي مسؤولية أغلبية أعضاء المجلس الوطني. أما بالنسبة للأخ الكاتب الأول، فهو في استجواب أخير له مع جريدة"الأيام"، لم ينكر وجود التيارات مطلقا داخل الحزب، ولكن فقط أنكر وجودها بشكل رسمي وتنظيمي.

كما ذكرت أعلاه، أن تيار" الاشتراكيون الجدد" انطلق في البداية كفكرة قبل أن يكون إطارا منظما. والمواقف التي عبرنا عنها في مشروع أرضيتنا يتقاسمها معنا الكثير من المناضلين ممن نعرفهم أو لا نعرفهم، ونحن يوميا نتوصل برسائل من مختلف المناطق يتساءلون فيها أصحابها عن طبيعة هذا التيار وعن كيفية الانخراط فيه، ولكن للأسف لحد الآن فإن قدرتنا على التطير وعلى التواصل مع كل هؤلاء المناضلين هي أضعف بكثير من الإشعاع الفعلي الذي حققته مبادرتنا. ونحن ممنوعون مثلا من التعبير عن مواقفنا داخل جريدة الحزب وكل ما نبعثه من مقالات إلى هذه الأخيرة ترفضه الرقابة الداخلية المفروضة على الجريدة. ومع ذلك فنحن في تواصل مع شبكة واسعة من المناضلين من الذين عبروا عن رغبتهم في المشاركة مع هذه المبادرة، من مختلف الهيئات الحزبية والجهات، وخاصة من جهة الدار البيضاء ومن القطاع النسائي والشبيبة الاتحادية.

- 4

ما حصل في مؤتمر الشبيبة الأخير، يؤكد للأسف ما قلناه وتوقعناه منذ البداية، فبعض المسؤولين عندنا لا يمتون بصلة إلى القيم الديمقراطيون التي يدعونها، ويعتبرون أن القوانين الداخلية للحزب لم توضع لتطبق عليهم ولكن فقط على الآخرين. فأن تغيب أدنى شروط الديمقراطية الداخلية في هذا المؤتمر، كأن لا تحترم مسطرة تحديد ونشر لائحة المؤتمرين قبل انطلاق أشغال المؤتمر، واستغلال ذلك لممارسة الإنزال الكثيف ورفع عدد المؤتمرين في آخر لحظة، من 1200 إلى 2000 ، وأن لا يتم العمل بالفرز العلني والمباشر للنتائج – كما حدث في انتخاب المكتب السياسي- ولماذا لا بحضور منظمات حقوقية خارجية للمراقبة، وأن لا يحترم مبدأ الكوطا بالنسبة للجهات كما حدث في المؤتمر السابع وفي مؤتمر القطاع النسائي،... كل ذلك يدل على مدى الاستخفاف الذي يتعامل به البعض مع القوانين الحزبية. وأنا شخصيا أحمل المسؤولية فيما وقع لرئيس المؤتمر بالدرجة الأولى، ثم للجنة المكلفة من طرف المكتب السياسي للإشراف على أمور الشبيبة – هذه اللجنة نفسها التي كنت قد طالبت حين صياغة القانون الداخلي، بأن تكون منتخبة من داخل المجلس الوطني وليست معينة من فوق، ولكن ذلك بدون جدوى-.
أما أن يكون تيار "الاشتراكيون الجدد" مستهدف، فذلك مما لا شك فيه، إذ لعلمكم أنه بعد أن حاولوا استبعاد الأخ مصطفى السياب من رئاسة المؤتمر وفشلهم في ذلك بسبب تمسك القاعدة العريضة به، دخلوا معه في مساومة لتوزيع الكوطا مسبقا داخل الهيئة التي ستنتخب، ولأن السياب رفض قبول أي تشكيلة أخرى لهذه الهيئة غير التي تفرزها صناديق التصويت، اضطروا لتهريب النتائج خارج المؤتمر والتصرف فيها، وهو ما يذكرنا بأساليب إدريس البصري في هذا المجال. وقد كان طبيعيا أن يكون الأشخاص المشكوك في تعاطفهم معنا، وخاصة من الدار البيضاء هم ضحايا هذا التصرف.

- 5
حين تنضج الظروف لذلك ويزول كل التباس. فنحن نعتقد أن الفترة التي دخلناها حاليا هي فترة لتهيئ للانتخابات، وبالتالي فمن الطبيعي أن تذهب كل جهودنا للمساهمة في هذه الاستحقاقات. والنقاش حول مسألة التيارات سيبقى في الغالب فاترا خلال هذه المرحلة التي تفصلنا عن الانتخابات. لكن أكيد أن الأمر سيختلف بعد ذلك، وستكون النتائج المحصل عليها ، مناسبة للقيام بتقييمات وتحاليل لنقط الضعف عند الحزب. وعلى ضوءه سنقوم نحن ببلورة الصيغة النهائية لأرضيتنا على أن نقدمها بشكل رسمي إلى المؤتمر الوطني الثامن المقبل.
حميد باجو
الناطق باسم "الاشتراكيون الجدد"