الترابط الديالكتيكي بين الإنساني والطبقي

قاسيون
2007 / 12 / 17 - 11:44     

■ جبران الجابر

في ندوة باسم ماركس طرح أحد المشاركين فكرة أعلن فيها اكتشافاً آخر من «اكتشافاته»، حيث زعم أن الماركسية فلسفة إنسانية قبل أن تكون فلسفة سياسية وطبقية..

إن تلك الفكرة تضع سوراً بين الإنساني والطبقي، وتضع إشارة مساواة واحدة بين الظواهر وكل طبقة من الطبقات الاجتماعية والشرائح الاجتماعية، وتلغي أحد خصائص الديالكتيكي الذي يتطلب بحث العلاقات المتكونة بين الظواهر والعامل المادي البشري وموقفه ودوره في الظواهر. إن الظواهر الاجتماعية والبيئية لا يستقيم بحثها بدون الذهاب في عمق المسائل حيث أن تلك الظواهر تتكون وتتغير في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تستند إلى علاقات إنتاجية محددة.

لقد رأى صاحبنا المعنى الثانوي للإنساني والطبقي، وجعل المساحة الديمغرافية هي الحد الفاصل بين ما هو إنساني حيث أن الظواهر التي تؤذي كافة الناس هي إنسانية والظواهر المتعلقة بطبقة أو شريحة هي ظواهر طبقية.

طبيعي القول إن الفقر والمجاعات والحروب والأوبئة وغيرها لم تهبط من علياء، لها علاقاتها الوثيقة والمتنوعة مع الطبقات الاجتماعية، وإلا فإننا سنحمل فقراء أفريقيا وآسيا وجياعهما المسؤولية الكاملة عن الفقر، ولا يبقى فعلاً أية مسؤولية على الاحتكارات ما فوق القومية واستغلالها ونهبها، وهو المغزى العميق لفصل الإنساني عن الطبقي، ثم أن الفرق في سفسطات المنطق الشكلي لا تؤدي فقط إلى عزل الظواهر عن العوامل البشرية ودورها وموقفها، بل تنتهي فعلياً إلى تبرئة الطبقات المستغلة التي سبب استغلالها ونهبها عبر مئات السنين تلك الأوضاع اللا إنسانية التي تعيشها تلك الشعوب.

ومعروف جيداً أن النضال ضد الحروب هو مهمة الطبقات الشعبية، في حين أنه معروف أن تلك الحروب لا تشتعل نيرانها بعيداً عن مصالح الطبقات المستغلة، وهي في حقيقة الأمر ضد السلام وضد مناضليه وقواه، سقت ذلك المثال لتوضيح أن الظواهر الطبقية والإنسانية تتكون بفعل دور لطبقة أو أكثر، ويعود ذلك إلى علاقات الإنتاج السائدة، ولكن الصورة لا تكتمل إلا إذا رأينا أن المواقف الطبقية مختلفة ومتضادة من الظواهر الإنسانية والطبقية.

في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن نضال الطبقات المستغلة تمكن من جعل العديد من المشكلات الطبقية والاجتماعية مسائل إنسانية، وبعبارة أخرى يتحول الطبقي والتحرري إلى إنساني هكذا انتهت الأمور في الحرب الأمريكية على فيتنام. وهكذا تتحول قضية الشعب الفلسطيني إلى مشكلة إنسانية وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمجاعات والفقر والأوبئة.

إلا أن الكوارث لا تغيّب عن تأثيراتها ومفاعيلها وتداعياتها، ظهر ذلك جلياً في الولايات المتحدة عندما ضرب بعض موانئها الإعصار، فخلف أناساً مشردين دون بيت أو شجرة أو مخدة، لكن أثرياء تلك المنطقة كانوا قد ذهبوا إلى قصور أخرى لهم في أماكن أخرى من الولايات المتحدة.

إن فلسفة ماركس إنسانية لأنها فلسفة عميقة في طبقيتها، ولم يجد ماركس معبراً فعلياً للإنساني إلا بإنهاء استغلال الإنسان للإنسان، وفي ضوء ذلك كانت فكرة الماركسية أن الطبقة العاملة تحرر نفسها، وفي الوقت نفسه تحرر البشرية..

هذا هو جوهر المنهج الديالكتيكي المادي حيث الترابط بين الإنساني والطبقي.