الكلمة الافتتاحية للجلسة الثانية للمؤتمر الحادي عشر للشيوعيين السوري

قدري جميل
2007 / 12 / 11 - 11:33     

شهد يوم الجمعة 30/11/2007 التئام الجلسة الثانية للمؤتمر الحادي عشر للشيوعيين السوريين، بعد نحو سنة وسبعة أشهر عن الجلسة الأولى التي تمت في نيسان 2006. وبعد إقرار جدول أعمال الجلسة، قدم الرفيق د.قدري جميل عضو هيئة رئاسة المؤتمر كلمة افتتاحية شاملة باسم هيئة الرئاسة جاء فيها:

▐ تنعقد الجلسة الثانية من مؤتمرنا الحادي عشر بعد سنة وسبعة أشهر من انعقاد جلسته الأولى، وقد قررت هيئة الرئاسة أن تقترح عليكم أن يتركز البحث والحديث في جلستنا هذه حول مفصل التنظيم، لذلك لم ترَ ضرورة من هذه الزاوية لتقديم تقرير عام، وتقرير سياسي جديد، وذلك كي يتمركز البحث حول النقطة المذكورة أعلاه، إضافة إلى أنه يجب القول: إنه في الفترة المنصرمة لم نقدم شيئاً جوهرياً جديداً من حيث الرؤية السياسية، الأمر الذي عالجته بعمق التقارير السابقة، في المؤتمر الاستثنائي بجلستيه وفي الجلسة الأولى للمؤتمر (11)، وهذا لا يعني طبعاً أنه لم يجرِ تدقيق و تطوير سياستنا خلال الفترة الفاصلة مع الجلسة الأولى، ولكن يجب القول: إن هذه العملية لم تمس جوهر ما تكون من رؤية منذ 2003، هذه الرؤية التي اكتمل تكوينها من حيث المبدأ خلال مرحلة وجودنا كتنظيم، لقد رأينا أنه خلال الأربع سنوات الماضية قد جهّزنا أنفسنا برؤية جيدة أثبتت فعاليتها، وبخطاب يتطور، أثبت تأثيره، وآن الأوان للانتقال إلى مفصل جديد، وإلا لن يكون معنى لكل ما أنجزناه.
والحقيقة أن منطلقات رؤيتنا التي تتكون من جملة من المفاهيم والمصطلحات قد أنجزت من حيث المبدأ، كما أن أشكال خطابنا المختلفة، والتي تمثل الجريدة رافعته الأساسية، قد تطورت جيداًَ خلال الفترة الماضية، وبقيت هناك نقطة ضعف واحدة، لم تجر معالجتها بعمق ألا وهي التنظيم.

▐ والحقيقة أننا أصبحنا أمام استحقاق تعبر عنه المعادلة التالية:

بعد وضع السياسة فالتنظيم يقرر كل شيء، وفعلاً سيقرر ليس فقط مصيرنا اللاحق، وإنما إلى حدٍّ ما، مصير تطور الوضع كله.
قد يقول قائل: نعم، لقد بنينا رؤيتنا، وأثبتت صحتها، لكنه جرت في الفترة الماضية منذ الجلسة السابقة تطورات هامة يجب معالجتها، نعم صحيح جرت تطورات سياسية، ولكنها لم تدخل شيئاً جوهرياً جديداً على بنية رؤيتنا، وشتان ما بين الرؤية، والسياسة الجارية، وليس تطبيق السياسة الذي يعتبر التنظيم حامله.

إن أحد عوامل نجاحنا خلال الفترة الماضية هو وضع حد فاصل نظرياً بين الرؤية العامة، والسياسة الجارية، وهذا أمر هام جداًَ كما أثبتت الحياة، واليوم يمكن أن نقول إن أحد أهم أسباب تراجعنا معرفياً خلال العقود المنصرمة هو الاستناد إلى نظريتنا العامة الصحيحة، ألا وهي الماركسية اللينينية، والانطلاق مباشرة بعد ذلك إلى صياغة السياسات الجارية، قفزاً فوق الرؤية، مما أعاق تطبيق هذه السياسات، والذي كنا نعبر عنه بصيغة: أن التنظيم متخلف عن السياسة، أو يجب الارتقاء بمستوى التنظيم إلى مستوى السياسة، ولكن الحقيقة التي يجب الاعتراف بها اليوم، هي أن غياب الحلقة المفقودة، ألا وهي الرؤية، منع السياسة نفسها من التطبيق، وكان يجري تحميل وزر هذه العملية للتنظيم، بينما يتحمل وزرها فعلياً قصور السياسات غير المستندة إلى رؤية متطورة، وفي هذه الحال، يجب الإيضاح ما هي الرؤية نفسها؟ فالمعادلة السابقة كانت بالشكل التالي:

نظرية ـ سياسة ـ تنظيم، وطبيعة الحال، إذا أخذنا مقطعاً زمنياً طويلاً نسبياً، أي في النصف الثاني من القرن العشرين، لم يجرِ أي تطوير جدي في النظرية، والأمر على حاله، على فكرة، حتى الآن، وهذا طبيعي، لأن النظرية لا تتطور إلا بعد مقاطع زمنية طويلة، تغتني فيها بالتجارب، وبالتالي، كانت السياسات الجارية لا تستند إلى رؤية نظرية خاصة بالواقع الملموس، مما سبب قصورها واستحالة تطبيقها، واليوم يمكن القول إن الحياة فرضت علينا تكوين تلك الرؤية النظرية ـ السياسية الملموسة الخاصة بواقعنا، وهو ما يفسّر إلى حد كبير النقطة التي وصلنا إليها.

▐ لقد عبرت عن رؤيتنا خلال الفترة الماضية مفردات عديدة يمكن تلخيصها على سبيل المثال لا الحصر بالتالي:

ـ تقدم وتراجع الحركة الثورية في النصف الثاني من القرن العشرين، أي انسداد الأفق المؤقت، وانفتاحه لاحقاً.
ـ الشكل المستجد لأزمة الامبريالية العالمية التي جعلتها محكومة بالحرب ومحكومة بتوسيع رقعة الحرب، ومحكومة بالفشل إذا تمت مقاومتها.
ـ بداية انعطاف عالمي ثوري ناهض جديد.
ـ ربط المهام الثلاث ببعضها ببعضاً بشكل ديالكتيكي: الوطني والاجتماعي والديمقراطي، ونفي أولوية أحداها على الأخرى من حيث الرؤية والتحليل.
ـ مقولة خطأ وهمية ثنائية (المعارضة والنظام) في ظروفنا.
ـ ضرورة إعادة بناء الحركة الشيوعية في بلادنا، واعتبار وحدة الشيوعيين السوريين مرادفاً لهذه العملية.
ـ اعتبار المقاومة للمشروع الامبريالي بمختلف وجوهه الداخلية والخارجية هو السلاح الشافي الوحيد.
ـ اعتبار أن النظام الرسمي العربي الذي تكون في النصف الثاني من القرن العشرين قد انهار نهائياً.
ـ إعادة الاعتبار لمفهوم اليسار بمعناه التاريخي، والتفريق بين اليسار الفعلي واليسار الاسمي الذي ما هو إلا وجه من أوجه الثنائيات الوهمية.
ـ مفهوم وحدة شعوب الشرق العظيم...
ـ الوصول إلى استنتاج مفاده أن هناك علاقة ديالكتيكية بين الرؤية والخطاب والممارسة، وغيرها وغيرها الكثير من نقاط الانطلاق المنهجية التي كونت رؤيتنا.

▐ لقد بذلنا جهداً كبيراً في هذا المجال خلال الفترات الماضية، حيث كانت هذه الساحة نتيجة الضعف التاريخي فيها مركز ثقل، عمل هيئة الرئاسة، وأخذ هذا العمل حيزاً كبيراً من وقتنا وجهدنا، لدرجة أننا تعرضنا لانتقادات عديدة لعدم التركيز الكافي على الجوانب الأخرى من العمل الحزبي، ولكن هذا الأمر كان طبيعياً في حينه، ولكنه إذا استمر اليوم على المنحى نفسه، فإنه لن يعود طبيعياً، وهذا مبرر وتفسير أننا لم نقدم الآن تقريراً عاماً شاملاً ذا طابع سياسي، كتقرير رئيسي في جلستنا هذه، واكتفينا بكلمة الافتتاح التي يدخل في مهمتها تفسير ما فسرناه أعلاه، وإلقاء ضوء بسيط على مجمل تطور سياستنا الجارية، وبتنفيذنا لمهامنا بشكل عام... لأننا نريد نقل مركز الثقل في اهتمامنا وعملنا اللاحق إلى ممارسة الرؤية والخطاب، أي إلى التنظيم، وهنا لا بد من كلمات قليلة حول الخطاب.

لقد قلنا إن حامله الأساسي هو الجريدة، ولكنه ليس حامله الوحيد، فبالإضافة إليها، فإن الشيوعيين بلحمهم ودمهم هم من يجب أن يكونوا حامل السياسة، والجريدة تأخذ على عاتقها مهمتهم هذه، ولكن إلى حين.. وعندما يصبح فعلاً كل فرد من تنظيمنا حاملاً حقيقياً لسياستنا، يمكن القول إننا نكون قد أنجزنا نصف المهمة، لكن الوضع الآن هو: أن التنظيم هو حاملٌ لحامل السياسة التي هي الجريدة، ورغم ذلك يجب القول إن الجريدة تقوم بمهمتها، وقد أثبت قرار التحول إلى جريدة أسبوعية أنه كان تحدياً صحيحاً، واستطعنا تنفيذه، ليس من حيث القدرة على تحرير الأعداد الأسبوعية وإطلاقها، وإنما بالدرجة الأولى، من حيث القدرة على تنفيذ القرار المرافق للتحول إلى جريدة أسبوعية والقاضي بزيادة جباية الاشتراكات 50% لإنجاح المهمة وهو الأمر الذي حققناه جميعاً متكاتفين، رغم المخاوف من المصاعب في بادئ الأمر، وإذا كان وزننا السياسي اليوم في البلاد على ما هو عليه، فيعود الفضل بذلك إلى هذا التحول من جريدة نصف شهرية إلى أسبوعية، واليوم، في 2008 أمامنا مهمة مماثلة، لن أتحدث عنها بالتفصيل، لأن التقرير التنظيمي هو الذي سيضعها أمامنا.


▄ حول الوضع العالمي والإقليمي ▄

لا نريد أن نكرر منطلقاتنا الأساسية بخصوص رؤيتنا للتطور العالمي، فأنتم مطلعون عليها بشكل جيد، ولكن نريد تركيز الاهتمام على المستجدات التي تتطلب تدقيقاً وتطويراً لسياستنا.

كما قلنا سابقاً في التقارير المختلفة إن الامبريالية الأمريكية محكومة بالحرب بسبب أزمتها الداخلية المستعصية، وهذا الأمر كنا قد التقطناه باكراً منذ العام 2002، خلال جلسة توقيع ميثاق شرف الشيوعيين، وهي ستسعى بسبب ذلك إلى امتلاك نفط المنطقة والاستئثار به بطريقة الاستعمارين القديم والجديد بآن واحد، وهي فعلاً في المرحلة الفاصلة من 2001 حتى تموز 2006، جربت حظها في هذا المجال، ومع إصرارها على هدفها، اكتشفت أن قوتها العسكرية المنتشرة في كل الأرض لوحدها لم تستطع إتمام هذه المهمة، لذلك، مع استفحال الأزمة والتي تعبر عنها اليوم بوضوح أسعار الدولار والنفط والذهب، قامت في تموز 2006 بتعديل تكتيكي بسيط على طريق الوصول إلى هدفها، إذ استدعت الآلة العسكرية الإسرائيلية – الصهيونية إلى حرب تموز التي كان هدفها، لو تمكنت من ذلك، المساعدة على إكمال الهدف الاستراتيجي عبر ضرب حزب الله أولاً، ثم سورية ثانياً وفوراً لو تحقق الهدف الأول، ومن ثم الانتهاء بإيران.

إن إدخال الآلة العسكرية الصهيونية، المبعدة منذ عام 1991 عن تنفيذ الأهداف الاستراتيجية، والتي كان يُكتفى بأدائها لدورها الوظيفي المباشر، إدخالها إلى المعمعة الكبرى هو تعديل هام، كان يخاطر بإسقاط سلاح التفتيت المستخدم أمريكياً، الطائفي الشكل: سني ـ شيعي، رغم ذلك نفذت إسرائيل المهمة، ولكنها فاجأت الجميع بفشلها المدوي!!

ومع إصرار الإمبريالية الأمريكية على هدفها الاستراتيجي، فهي تجري اليوم وبسرعة، تعديلاً ثانياً على تكتيكها، بإدخالها أنظمة ما سمي «المعتدلين العرب» على خط التحالف السياسي ـ العسكري الأمريكي ـ الصهيوني لضرب قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة، من غزة إلى لبنان، مروراً بسورية، وصولاً إلى إيران، وهذه هي بالذات مهمة اجتماع أنابولس الذي يهدف إلى الأمور التالية:

ـ إنهاء القضية الفلسطينية، عبر إغلاق ملفها، وليس حله.
ـ هذا الأمر سيفك إحراج المعتدلين العرب عندما سيتطلب الأمر قريباً إعلان التحالف السياسي ـ العسكري المشؤوم ـ الثلاثي.
ـ هذا التحالف بشكله المخطط، يهدف إلى توسيع الفالق السني ـ الشيعي وإضرام نار العداء طائفياً في كل المنطقة، من قزوين حتى المتوسط.
ـ إحدى النقاط التي يجب التوقف عندها في الوضعين العالمي والإقليمي هما الدوران الروسي والتركي.

فيما يخص الدور الروسي يجب القول إن الامبريالية العالمية بشقيها الأوروبي والأمريكي، لا تريد روسيا من حيث الهدف البعيد لا رأسمالية، ولا اشتراكية، إنها تريد إلغاء روسيا من الخارطة الجغرافية - السياسية، بسبب كونها قوة قارية كبرى، تتمتع بـ40% من ثروات العالم الباطنية، والتي تعادل لوحدها ضعفي ما تملكه أوروبا والولايات المتحدة والصين واليابان مجتمعين، إلى جانب أنها موضوعياً قادرة، إذا ما توفر الظرف السياسي المناسب، على إعادة التحول إلى قوة عظمى، فهي مثلاً تملك 25% من علماء العالم، إضافة لكونها المكافئ الذري الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية، وهي تسيطر حتى هذه اللحظة على 60% من الفضاء الكوني.

▐ لقد جرت تغييرات ملحوظة على الوضع الروسي خلال الفترة الفاصلة بين جلستينا، ويمكن ملاحظة بعضها، مثلاً: عام 2007 هو العام الأول بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي جرى فيه زيادة سكانية بعد كل الحقبة السابقة التي كان يجري فيها تناقص سنوي للسكان بمعدل 1.5 مليون. ونعتقد أن هذا المؤشر له دلالاته السياسية والاجتماعية التي يجب التفكير فيها والتوقف عندها، كما أن روسيا خلال الفترة نفسها، سددت ديونها المتراكمة منذ ما بعد فترة الانهيار من حيث المبدأ، وتكون لديها احتياطي ذهبي وعملة صعبة يقارب نصف تريليون دولار، وهو في ازدياد سريع شهرياً، وبدأت الشركات الروسية التابعة للدولة، بالدرجة الأولى، بشراء شركات أوروبية هامة في مجال الصناعة والنقل، وهي تستعد اليوم، وقبل نهاية العام الحالي، لإطلاق نظام G.P.S العالمي (نظام تحديد المواقع جغرافياً) وبشكل مجاني، هذا الأمر الذي كان يعتبر حكراً على الولايات المتحدة فقط، والذي كانت وما تزال تستغله جيداً للتحكم العسكري والسياسي والاقتصادي على المستوى الكوني، وبغض النظر عن تعقيدات الوضع الداخلي الروسي، يمكننا القول إن الخيار الوحيد لبقاء روسيا كدولة هو الاشتراكية، فقط لا غير، ويلاحظ خلال الفترة نفسها تمسك الدولة الروسية بشبكة السكك الحديدية والغاز والكهرباء، وعدم السماح بخصخصتها، بالإضافة إلى تراجع الخصخصة في قطاعات استراتيجية مثل الإعلام والنفط، وإمساك الدولة من جديد بتلابيبها، مما وجّه ضربة قوية للأوليغارشيا المالية الصهيونية التي كانت تتحكم بكل شيء حتى وقت قريب، وإلقاء القبض على بعض رموزها أو هربهم إلى الخارج.
إن كل هذه المؤشرات كانت محصلتها تصاعد الموقف الروسي المتباين أكثر فأكثر بالتدريج، مع السياسة الأمريكية في العديد من القضايا العالمية ابتداءً من «كوسوفو» إلى «الدرع الصاروخي» ومعاهدة نشر الأسلحة التقليدية، إلى الموقف من إيران وملفها النووي، وصولاً إلى الوضع في المنطقة.

▐ إن الوضع الروسي يتطور وتحت تأثير عاملين:

الأول: هو الضغط الجيوستراتيجي على حدودها الغربية والجنوبية الذي كما يلاحظ، كلما ازداد، ازدادت حدة لهجة المواقف الروسية، أما العامل الثاني فهو الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي، الذي كان على شفا الانهيار والتشظي، وبدأ بالاستعادة التدريجية البطيئة لشيء من عافيته، على حساب أسعار النفط، ومواقع الأوليغارشيا اليهودية الصهيونية، ولكن هنا لا يجوز توقع تغيير سريع ودراماتيكي في السياسة الروسية في ظل البيئة السياسية القائمة، وإنما الأمر سيأخذ وقته وسيتسارع بقدر اقتراب الأخطار من حدود روسيا التي تؤثر على وحدتها وسياستها، إن إسهابنا النسبي في الحديث عن الوضع الروسي يكمن سببه في أن هذا العامل، مع المتغيرات اللاحقة فيما لو استمرت، يمكن أن يكون عاملاً هاماً في تطور الوضع الدولي، وبالتالي سيكون مؤثراًٍ على نتائج الصراع في منطقتنا.

أما فيما يخص تركيا، فيجب القول إن الدور التركي رغم التحسن النسبي في العلاقات مع سورية، لا يزال مريباً، فالمؤسسة العسكرية التركية هي، هي لم تتغير، كونها جزءاً من حلف الأطلسي، ومصادر تسليحها وتدريبها أمريكية، ويساورنا شك شديد أن تصبح تركيا الضلع الرابع لمثلث الاعتدال في المنطقة (مصر ـ الأردن ـ السعودية)، كما أن هناك إشارات جدية حول دورها الإقليمي المفترض، وخاصة تجاه إيران، وفي ملف القضية الكردية التي أصبحت إحدى أكثر القضايا حساسية في المنطقة، والتي تريد الامبريالية الأمريكية استخدامها كورقة لتعميق الانقسامات في المنطقة.

▐ كنا وما نزال نرى، حسب وثائقنا، أن الترياق الشافي من ألاعيب الامبريالية الأمريكية باتجاه تفتيت المنطقة هو تآخي وتحالف وتضامن جميع شعوب الشرق العظيم، حيث يراد أن تستخدم بعضها ضد بعض، مستفيدة من الجرائم التاريخية التي سببها اتفاق سايكس بيكو، بحق كل شعوب المنطقة، فآلام ومآسي شعوب المنطقة، ليس سببها أي شعب من شعوبها، بل سببها العميق والحقيقي هو الامبريالية العالمية منذ فجرها في أوائل القرن العشرين، والتي أرادت بتقسيماتها المصطنعة أن تضع الأساس، كما يتبين اليوم للتفجيرات اللاحقة، لأنه منذ ذلك الحين كانت تضع عينها على ثرواتها وموقعها الاستراتيجي، وهنا نريد أن نلفت نظر بعض القيادات الكردية التي مازالت تراهن على الولايات المتحدة الأمريكية أنها موضوعياً، ترتكب جريمة بحق الشعب الكردي، لن يغفرها لها التاريخ، فالحليف الحقيقي لأي شعب في المنطقة، وكذلك الدائم، هو الشعوب الأخرى في المنطقة نفسها التي تربطها فيما بينها وحدة التاريخ والقيم والثقافة والمصير.

إن الامبريالية الأمريكية تلعب بالقضية الكردية من فوق، وتحت الطاولة، وهي تريد عملياً استخدامها كصاعق لتفجير جزء هام من المنطقة، وعلينا كشيوعيين أن نمنع ذلك، وسلاحنا الوحيد هنا، هو روح الأممية روح التآخي بين الشعوب، عبر احترام بعضها البعض في مجال حقوقها ومصالحها الحقيقية، ويبقى أهم شعار يمكن أن يوحدها هو الذي صاغته وثيقتنا البرنامجية في جلستنا السابقة:

▄ «نحو وحدة شعوب الشرق العظيم» ▄

والخلاصة: يمكن القول إنه ظهرت عناصر إيجابية في الوضع الدولي، لا تعمل لصالح الامبريالية الأمريكية، وهي تنعكس بالتدريج على منطقتنا رغم كل تعقيداته وأخطار انفجاره.

إن أي سير لتطور الأحداث، إذا نافى مصالح شعوب المنطقة، سيؤدي موضوعياً إلى زيادة بأس وقوة المقاومة بكل أشكالها، ولكن السير الطبيعي للأحداث يدل على أن الامبريالية الأمريكية تعاني من مأزق رهيب، وهي حتى لو استبقت الأحداث، وهربت إلى الأمام مفجرة الوضع بطريقة أو بأخرى، فإن الوضع اليوم هو ليس /2001/ بل هو ما بعد 2006، ونحن نرى الأمور بحركتها اللاحقة، ونستطيع التأكيد منذ هذه اللحظة، أن المشروع الأمريكي دخل طور الفشل الذريع، وسيفشل نهائياً في المستقبل المنظور، مع كل ما تحمله هذه العملية من تداعيات على المستويات كافة العالمية والإقليمية والداخلية، بما فيها داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.

▄ الوضع حول سورية.. وفيها ▄

لقد أكدنا في تقرير الجلسة الأولى: أن مهمة الولايات المتحدة اليوم، ليس تطويع النظام كما يظن البعض، لأنهم لن يقبلوا بأي تغيير ما للنظام، بل سيسعون إلى ذلك النوع من التغيير الذي يفتح إمكانية تغيير بنية الدولة ككيان، والمجتمع كوحدة مترابطة، ويمكن أن نضيف اليوم أنه إذا ظنّ أحد، في ظل مأزق الامبريالية الأمريكية، في المنطقة بشكل عام، بإمكانية الوصول إلى حل توافقي معها يسمح باستمرار النظام حتى لو أدى ذلك إلى تغيير في وظائفه، نقول لهم: إن هذا وهم، وقبض للريح، فالقضية عند الامبريالية الأمريكية في إطار مخططها الاستراتيجي ضد المنطقة لا يمكن أن تقف هنا، لأن ذلك يعني التخلي عن الهدف الاستراتيجي المعلن، ألا وهو تفكيك المنطقة، لذلك يصبح تغيير الأنظمة في المنطقة، وليس فقط في سورية، شرطاً ضرورياً للفوضى الخلاقة، التي إذا لم تحدث، فإن ذلك يعني ببساطة، ليس فقط انهيار المشروع الأمريكي، بل انهيار الامبريالية الأمريكية نفسها، ولأنه واضح لدينا حجم المقامرة الأمريكية، أكدنا دائماً على عدائها المستحكم الذي لا حلّ له ضد سورية، كبنية دولة وكمجتمع.

▐ لقد قلنا منذ الجلسة الماضية إن الوضع يتكون بالتدريج باتجاه ظهور الظروف الموضوعية التي تسمح لكل القوى المعادية للمشروع الأمريكي بشقيه العام والداخلي بالانتقال من الدفاع إلى الهجوم، ويمكن القول اليوم: إن كل الفترة المنصرمة أكدت صحة هذا الحساب، وأكبر مثال على ذلك المعركة الأخيرة ضد رفع الدعم.

وطبيعي أن يكون الانتقال من الدفاع للهجوم تدريجياً، يجري فيه تراكم للقوى وتطويرها، فالدفاع عادة يكون في بادئ الأمر سلبياً، ثم يتحول إلى دفاع نشيط، منتقلاً بالتالي إلى الهجوم في نهاية المطاف، ومعركة رفع الدعم الأخيرة، التي لم تكن الأولى في هذا المجال، هي مثال حي على ذلك، فالقوى التي تريد اقتصاداً ليبرالياً، تتحجج بأموال الدعم لرفعه، على أساس أن لديها مشكلة في موارد الخزينة، والحقيقة هي غير ذلك كما تعرفون والهدف هو استفزاز استياء شعبي، استكمالاً للضغط الخارجي. وقد وُضعت الرتوش الأخيرة على مشروع رفع الدعم الأخير، وكان من المقرر تنفيذه في 1/9/2007، ولكن الحملة العاصفة التي قمنا بها، إضافة إلى بيان الشخصيات الوطنية، والموقف الداعم للنقابات واتحاد الفلاحين خلق ميزان قوى جديد، كما أثبتت الأحداث، وتمكنت القوى الشريفة من إيقاف هذه «الغارة» وإفشالها، وهذا الأمر له دلالات اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة مازالت بحاجة إلى دراسة، فنحن في نهاية المطاف جزء بسيط من تلك القوى التي منعت رفع الدعم، ولكنه تبين أنه ليس قليل الفعالية، وتبين هنا أيضاً بالتدريب العملي صحة مقولة: وهمية ثنائية المعارضة والنظام، فجزء هام من بعض القوى التي تدعي المعارضة، إذا لم تؤيد رفع الدعم، فقد تملكها صمت القبور حينما اشتدت هذه الحملة، كما تبين أن جزءاً هاماً من جهاز الدولة لعب دوراً أساسياً في تحضير رفع الدعم من جهة، وفي منعه من جهة أخرى. إن هذه التجربة تثبت أن هناك إمكانيات كبيرة في المجتمع وبنية الدولة قادرة على إيقاف المد الليبرالي، الممثل الداخلي والشرعي الوحيد للامبريالية العالمية وإسرائيل الصهيونية ومخططاتها.

▐ إن الامبريالية الأمريكية مستمرة باستخدام الحلول المركبة ضد سورية الأمر الذي تكلمنا عنه باكراً، ويتناوب مركز الثقل بين السياسي والعسكري في هذه الحلول في كل مرحلة، ولكن هذا لا يعني أن مركز ثقل ما، لا يمكن استبداله بمركز ثقل آخر، ضمن الحل المركب، بليلة واحدة، مما يضطرنا أن نكون دائماً مستعدين دائماً وعلى أهبة التهيؤ بشكل دائم لمواجهة أي وضع جديد، ومع الأسف الشديد، تخلق هذه الحالة لدى بعض القوى الوطنية حالة من الاسترخاء، وخاصة عندما يبتعد الخطر العسكري معتقدين أنه ولّى إلى غير رجعة.

إن درجة استعداد المجتمع، والقوى السياسية الوطنية حتى هذه اللحظة لم ترتق إلى مستوى المخاطر المحتملة الأكيدة، ومازالت رؤيتنا السابقة صالحة حتى هذه اللحظة حول مفردات وتفاصيل تعبئة قوى المجتمع، والتي ترتكز على ضرورة إصلاح اقتصادي يضرب مراكز الفساد الكبرى، ويؤمن الموارد الضرورية للدولة كي تقوم بدورها الاجتماعي المطلوب دائماً.

نعتقد أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ونتيجة لسياسات الفريق الاقتصادي سيعاني من مشاكل واختناقات كبيرة في المستقبل القريب، وقد بدأت تظهر ملامحها جدياً، وخاصة من خلال موجات ارتفاعات الأسعار المستمرة، ونقول المستمرة، لأنها ظاهرة جديدة، فسابقاً كانت متقطعة، وهذا مؤشر خطير، على مدى تدهور الوضع الاقتصادي.

▐ في السنوات السابقة، كان لموضوع النمو وأهميته دور كبير في النقاشات الدائرة في الأوساط السياسية والاقتصادية، وهناك إجماع اليوم على ضرورته بالنسبة لمستقبل البلاد والمجتمع، وأحد أهم مؤشرات أهمية هذا الموضوع، أن الفريق الاقتصادي قام مؤخراً بالتلاعب بأرقام النمو الحقيقية، كي يؤكد مصداقيته، من أجل استمراريته ولكن الوضع اليوم، تجاوز موضوع النمو ليصل إلى النقاش، بل الصراع الشديد حول موارد هذا النمو، وكيفية انعكاسه على مصالح الناس، ونعتقد أن المرحلة المقبلة، ستشهد احتدام الصراع بهذا الاتجاه، و كانت معركة منع رفع الدعم، إحدى المعالم الهامة لهذه العملية، ونعتقد جازمين أن الحياة ستثبت عاجلاً أم آجلاً، وهذا الأمر سيكون مرتبطاً بعملنا ونضالنا أي مقدار التعجيل أو التأجيل، إن موارد النمو الوحيدة الممكنة والمتوفرة حقيقة، هي موارد النهب والفساد، التي يصبح الاستيلاء عليها ضرورة للنمو اللاحق، أي بكلام آخر، تصبح إعادة توزيع الدخل، عبر ضرب النهب والفساد، شرطاً للنمو، لذلك عندما نتحدث عن النمو، فإننا لا نتحدث عن قضية مجردة، بل نتحدث عن قضية كبرى لها علاقة بمستقبل البلاد وطبيعة تطورها، وهكذا يصبح أمامنا ثنائية حقيقية، وهي النمو وإعادة توزيع الدخل وجهان لعملة واحدة.

▐ وأخيراً نقول: إنه رغم أن هذا الفريق الاقتصادي، قد طال عمره أكثر من اللازم، في ظل المعركة الوطنية الكبرى المحتدمة، إلا أن الأكيد أنه قد استنفد سقفه التاريخي، ولم يعد قابلاً للحياة، فهو قد أتى إلى سدة القرار الاقتصادي في ظل استشراء الأوهام حول إمكانية الشراكة الأوروبية في إنقاذنا من الأخطبوط الأمريكي، الأمر الذي حذرنا منه منذ البداية، واليوم عندما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتوضح أن الامبريالية الأوروبية هي مجرد ذيل لهذا الأخطبوط، يأتمر بأمره ويقبل قدميه، تبين مدى مجانية وعبثية وخطر التنازلات الاقتصادية التي جرت داخلياً بحجة الشراكة الأوروبية التي كانت منذ ذلك الحين بالنسبة لرأس الفريق الاقتصادي، القاطرة التي ستجر سورية إلى اقتصاد السوق، أي أن الاستقواء بالخارج الذي تكلمنا عنه مؤخراً، ليس جديداً، بل هو قديم، وكان يغلف نفسه بشعارات وطنية، أما اليوم، فقد انكشف الستر، وخاصة في التصريحات الأخيرة التي أُدلي بها من لندن، والتي عالجناها بافتتاحية قاسيون في العدد /332/.

إن المعركة في البلاد مازالت مفتوحة حول اتجاهات التطور الاقتصادي الاجتماعي اللاحق، لكن ميزان القوى اليوم هو أفضل بكثير من السابق، مما يسمح لنا بالتفاؤل الموضوعي، بإنزال الهزيمة بالمشروع الليبرالي الاقتصادي الداخلي، وواضح لنا أن المسار الوطني العام في المعركة مرتبط بالمسار الاقتصادي ـ الاجتماعي، فأي تقدم أو تراجع على أحدهما، يؤثر على الآخر بالمقدار نفسه، وتبقى الضمانة بالنسبة لنا هي القدرة على تعبئة الجماهير بالاتجاه المطلوب، أي تأمين المتطلبات الديمقراطية للمعركة على كل الصعد.

▐ إن هذه المهام الكبرى تتطلب تنظيماً لينينياً واسع المعرفة، إبداعي الحلول، على قدر عالٍ من المهارة في التعامل مع مختلف شرائح المجتمع وخاصة جماهير الكادحين بعمالهم وفلاحيهم الفقراء، من هنا ننتقل إلى مهامنا وخطتنا.